خطبة الجمعة بقلم :الفاتح جبرا

خطبة الجمعة بقلم :الفاتح جبرا


10-02-2020, 06:56 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1601661398&rn=0


Post: #1
Title: خطبة الجمعة بقلم :الفاتح جبرا
Author: الفاتح جبرا
Date: 10-02-2020, 06:56 PM

06:56 PM October, 02 2020

سودانيز اون لاين
الفاتح جبرا-الخرطوم-السودان
مكتبتى
رابط مختصر



ساخر سبيل




الحَمْدُ للهِ الذِي صَدَقَ وَعْدَهُ، وأَلهَمَ الإِنسانَ هَدْيَهُ ورُشْدَهُ، وأَمَرَهُ أَنْ يُوَفِّيَ بعَقْدِهِ، ويَلْتَزِمَ شَرَفَ كَلِمتِهِ وعَهْدِهِ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ فيا أَيُّها المسلمون:
ما أجمل (الوفاء) فهي كلمة ما أن يسمعها المرء حتى ينشرح قلبه لأنها تعني الإتِزامٌ الصادِقٌ بِالأَقوالِ والكَلِماتِ، والثبات عَلَى الحَقِّ مَهْما تَكالَبَتِ النَّكَبَاتُ، فالوَفاءُ بِالعَهْدِ سُلُوكٌ إِسلاَمِيٌّ نَبِيلٌ، جَعَلَهُ اللهُ صِفَةً لأَنبِيائِهِ، فَقالَ تَعالَى فِي إِبراهيمَ -عَلَيهِ السَّلامُ-: (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ) ، فَحِينَ ابتَلاَهُ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ وأَوامِرَ ونواهٍ أَتَمَّهُنَّ وقَامَ بِهِنَّ، وقَدَّمَ وَلَدَهُ إسمَاعِيلَ قُرْباناً تَنْفِيذاً لأَمْرِ اللهِ، وصَبَرَ عَلَى النَّارِ ابتِغاءَ عَفْوهِ ورِضاهُ، وقَالَ سُبْحانَهُ فِي إِسماعِيلَ -عليهِ السَّلاَمُ-: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً) ، وأَعلَى دَرَجاتِ الوَفاءِ وأَسْماها، وأَجَلُّها وأَرقَاها، وَفَاءُ الإِنسانِ مَعَ رَبِّهِ الذِي خَلَقَ نَفْسَهُ وسَوَّاها، ورَفَعَ قَدْرَها وأَعلاَها، وَأَعلموا أيها الأحباب أن الوفاء والإلتزام بالعهود مُوْصِلٌ إِلى الجِنَانِ، وواقٍ مِنَ الشَّيْطانِ، قَالَ سُبْحانَهُ: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ، وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ) ، ومِنَ الوَفاءِ للهِ سُبْحانَهُ الوَفاءُ لِرَسولِهِ -صلى الله عليه وسلم- باتِّباعِ سُنَّتِهِ والسَّيْرِ عَلَى هَدْيِهِ، قَالَ تَعالَى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً)

أَيُّها المُسلِمونَ:
إِنَّ مِنْ شِيَمِ الأَوفِياءِ، وأخلاق النُّبُلاءِ، الوَفاءَ للمُحْسِنينَ مِنْ أَربابِ الفَضْلِ وصُنَّاعِ المَعْروفِ، مِمَّنْ عُرِفوا بِمُساعَدَةِ المُحتاجِ وإِغاثَةِ المَلْهوفِ، وقَدْ ضَرَبَ الأَنبياءُ والمُرسلونَ وأَتْباعُهُم المُؤمِنونَ أَمثِلَةً فِي الوَفاءِ لأَهْلِ الإِحسَانِ سطرها القرآن وحَفَلَتْ بِها كُتُبُ السِّيرَةِ العَطِرَةِ، فَهَذا شَيْخُ المُرسَلِينَ نوحٌ -عَلَيهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ- يَرُومُ الوَفاءَ لِوالِدَيْهِ؛ فَلاَ يَجِدُ خَيْراً مِنْ مَغْفِرَةِ اللهِ وَفاءً، ولاَ أَعظَمَ مِنْ رَحمَتِهِ أَجْراً وجَزاءً، فَيدعُو رَبّهُ قَائلاً -كَمَا حَكَى اللهُ عَنْهُ-: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا تَبَاراً) ، وهَذا عِيسى -عَلَيهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ- يَصِفُ نَفْسَهُ كَما قَالَ تَعالَى عَنْهُ:(وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً)، إِنَّ الإِحسَانَ – أيها الأحبة- لاَ يَموتُ بِمَوْتِ فَاعِلِهِ، والفَضلَ لاَ يَفْنَى بِفناءِ بَاذِلهِ، قَالَ تعَالَى: ( هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)، أَلاَ فَأحسِنوا إِلى الآباءِ والأُمّهاتِ، والأَزواجِ والزَّوجاتِ، وكُلِّ مَنْ كَانَتْ تَربِطُهُ بِكُم جَمِيلُ الصِّلاتِ.

أيها المسلمون :
إنَّ مِنْ صُوَرِ الوَفاءِ التِي أَكَّدَ عَلَيها الإِسلاَمُ، وحَثَّ عَلَيها ِالإلتزام بالعُهودِ والوُعُودِ، فَمَنْ وَعَدَ صَاحِبَهُ وَجَبَ علَيهِ الوَفاءُ، وإِنْ مَنَعهُ مَانِعٌ لاَ طَاقَةَ لَهُ بِهِ وَجَبَ علَيهِ الاعتِذارُ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ البِرِّ والإِيمانِ، والخَيْرِ والإِحسانِ، وهوَ مِنْ صِفاتِ المُتَّقينَ، وشَمائلِ المُؤمنينَ التِي أَمَرهُم بِها رَبُّ العَالَمينَ، قَالَ سُبْحانَهُ: (وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً).
إِنَّ مِنَ الوَفاءِ الوَاجِبِ وَفاءَ الأَجيرِ أَجرَهُ دونَ مُماطَلَةٍ أَو نُقصانٍ، فَعَنْ أَبِي هُريرةَ أَيضاً -رَضِيَ اللهُ عنهُ- قَالَ: قَالَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : (قَالَ اللهُ تَعالَى: ثَلاثَةٌ أَنا خَصْمُهم يَوْمَ القِيامَةِ: رَجَلٌ أَعطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، ورَجَلٌ باعَ حُرّاً فَأَكَلَ ثَمنَهُ، ورَجُلٌ استأَجَرَ أَجيراً فَاستَوفَى مِنهُ العَملَ ولَمْ يُوفِهِ أَجرَهُ)، فالالتِزامُ بِعُقودِ العَملِ وسائرِ المُعامَلاَتِ صِفَةٌ لازِمَةٌ للمُؤمنِ؛ فإِذا أَبرَمَ المسلم عَقداً فَيَجِبُ أَنْ يَحتَرِمَهُ، وإِذا أَعطَى عَهْداً فَيَجِبُ أَنْ يَلتَزِمَهُ، ومِنَ الإِيمانِ أَنْ يَكونَ المَرءُ عِنْدَ كَلِمَتهِ التِي قَالَها ويَجِبُ أَنْ يُعْرَفَ المُؤمِنُ بَيْنَ النَّاسِ بِأَنَّ كَلِمتَهُ مِيثاقٌ غَلِيظٌ، لاَ خَوفَ مِنْ نَقضِها، قَالَ سُبْحانَهُ وتعالى : (وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) وفي أمثالنا السودانية (الراجل بمسكوهو من لسانو)!
فَاتَّقوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، وحافِظوا عَلَى بالعهود والوعود وأَداءِ الأَماناتِ علَى اختِلافِ أَلوانِها، وشَتّى صُوَرِها وأَنواعِها، فَفِي أَدائِها دليل وبُرْهانٌ علَى الإِيمانِ بالله، والتَزِمُوا أَمْرَهُ واجتَنِبوا نَهْيَهُ ؛ فَإِنّهُ مَنْ يَتَقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسراً.
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكِّها أنت خير من زكَّاها أنت وليها ومولاها، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر يا ذا الجلال والإكرام يا حيُّ يا قيوم .

الجريدة