تداعيات طول أمد العهود الديكتاتورية على العقل والثقافة السودانية بقلم:حسين إبراهيم علي جادين

تداعيات طول أمد العهود الديكتاتورية على العقل والثقافة السودانية بقلم:حسين إبراهيم علي جادين


10-01-2020, 06:38 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1601573930&rn=1


Post: #1
Title: تداعيات طول أمد العهود الديكتاتورية على العقل والثقافة السودانية بقلم:حسين إبراهيم علي جادين
Author: حسين ابراهيم علي جادين
Date: 10-01-2020, 06:38 PM
Parent: #0

06:38 PM October, 01 2020

سودانيز اون لاين
حسين ابراهيم علي جادين-السودان
مكتبتى
رابط مختصر




طالت عهود الظلام الديكتاتورية في السودان حتى تأثرت بها العقول وأصبح تفكير السوداني المثقف ورجل الشارع الأمي سيان وكأن
الديكتاتورية سم يسري في الجسد فيشل الفكر بإعاقة الدماغ واغلاقه على نحو ما ورد في الآية الكريمة (قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد). فالدكتاتورية ضارة بالحاكم الديكتاتور كما انها تضر بالمحكومين المقهورين وكأنها تنتقل إليهم وتكاد أن تسري في جيناتهم وتعمل على التأثير في تشكيل المفاهيم الفردية بطريقة لاشعورية فيما يعرف بتحت الشعور sub consciousness بحيث تكون محصلتها النهائية مفهوم جماعي مختل ظاهره الديمقراطية و باطنه الديكتاتورية التي مورست علي الجماعة في السابق وهو يمارسها عليهم الآن وهو لا يشعر.
والدليل على ذلك ادخال تعديلات لبعض النصوص القانونية من قبل جهات تنفيذية لا اختصاص لها على الاطلاق بتعديل واجازة القوانين حتى في الفترة الانتقالية لأن الفترة الانتقالية نفسها محكومة بوثيقة دستورية (ذات ثقوب) تمت صياغتها وإدخال النصوص عليها على عجل وليت التزمت بها الحكومة الانتقالية على عيوبها بل خالفتها مخالفة صريحة تمثل ذلك في إجازة تعديلات على قوانين بالمخالفة للمادة 24 من الوثيقة الدستورية التي نصت على تعيين المجلس التشريعي في مدة لا تتجاوز التسعين يوماً من تاريخ التوقيع على الوثيقة
وكان التوقيع على الوثيقة الدستورية صدر بتاريخ 20/8/2019 أي قبل أكثر من عام والى الآن لم يتم تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي
لذا تمت الاجازة بالمخالفة الصريحة لذلك النص من الوثيقة الدستورية و بل وفي اهدار صريح لنص دستوري ملزم ولو حدث ذلك في بلدان الديمقراطيات العريقة لكان كافياً بزوال الحكومة برمتها وتقديم وزرائها للمحاكمة، ثم ان التلكؤ المتعمد في تشكيل المحكمة الدستورية ساهم في تغييب الوعي القانوني والعدلي والقضائي وأصبح يفتي في الدستور والقوانين كل من ادار لوحة المفاتيح ولطخ الفضاء الاسفيري بآراء لا تصلح حتى (في جلسة ونسة شللية امام ست شاي مثقفة)، عن أي ديمقراطية تتحدثون والشعب لم يدل برأيه مما يصح القول معه ان هذه الحكومة لا تصلح لإدارة فندق.
الحدث الآخر هو التطبيع مع إسرائيل، لا تغيبوا الشعب وتخدروه فهو صاحب المصلحة الأصلية بعد انتخابات حرة نزيهة أو استفتاء شعبي، والا تكون ديكتاتورية ( أمها بت عم ابوها) ، فقد نصت المادة الفقرة 1- د من 25 من الوثيقة الدستورية على أنه من اختصاصات وسلطات المجلس التشريعي الانتقالي ( المصادقة على الاتفاقيات والمعاهدات الثنائية والإقليمية والدولية). هذا بفرض اختصاص المجلس التشريعي الانتقالي من الأساس بالمصادقة على اتفاقية أو معاهدة من هذا النوع.
الحكومة الانتقالية ليست لها كل الصلاحيات في غياب مجلس قومي تشريعي منتخب فإذا لم يحدث تفويض شعبي عبر برلمان منتخب أو استفتاء شعبي للتقرير بشأن المهام الكبرى فنخشى من المطالبة بحق تقرير المصير من جميع ولايات السودان وأقاليمه. وقد يكون الرد على عبارات تفتيت وتمزيق السودان انه قول بلا معنى فأنتم لستم أشد ذكاءً من شعوب جمهوريات روسيا السوفيتية السابقة أو يوغسلافيا ولا أشد حرصاً على دولتكم وشعبكم منهم، ولستم كبريطانيا التي صوتت للخروج من الاتحاد الأوربي وهو وحدة من نوع ما، كيف تردون؟.
فشل الحكومة الانتقالية كان أمراً متوقعاً لأن الشعار المبكر للانتفاضة كان (تسقط بس) وهو شعار ناقص اهتم بنصف الحل ولم يهتم بالنصف الآخر، وهو الذي يكمن في الإجابة على السؤال، ثم ماذا بعد اسقاط الحكومة؟، أين المخططون والتنفيذيون بعد اسقاطها بل اين الخطط نفسها لإدارة دولة وليست مزرعة، فكأنما كان لسان الحال يقول ( الشيطان ولا الكيزان).
صدق من قال ان الشعب السوداني لديه إرادة التغيير ولكن تنقصه فكرة التغيير، فهدم البناء المتصدع سهل ولكن إقامة بناء شامخ محله هو الأصعب ذلك مالم يوضع في الحسبان، لأن التغيير يمكن أن يحدث بالعضلات والسواعد اما البناء فلا يحدث بالعضلات والسواعد
بل يحتاج الى فكر وعقل وهو الحلقة المفقودة في حالتنا.
لا يمكن للبلد أن تتقدم بدون ديمقراطية والصبر عليها، الا ان مشكلتنا تكمن في أن دعاة الديمقراطية أنفسهم هم أول المتنكرين لها عندما يؤول الأمر إليهم مما يفتح شهية العسكر للانقضاض عليها والعودة للعهود الديكتاتورية المظلمة، وكما يقال فان الانسان المقهور الخائف لا ينجز حضارة وانك لا تجني من الشوك العنب.
صدق القانوني والصحفي الضليع د. أمل الكر دفاني في وصفه للحكومة الانتقالية بأنها حكومة (الحمام الغمران).
ولا حول ولا قوة الا الله.

حسين إبراهيم علي جادين
مستشار قانوني وقاض سابق