كان هناك رجلاً يعملُ حارساً لمنارةٍ بحريّةٍ تقع على ساحل صخري، تعمل المنارة على تنظيم حركة السفن بضوئها المتوهّج. كان الحارس يحصل على ما يكفيه من زيتٍ للمحافظة على توهّج ضوء المنارة.ولم ينقطع زوار الساحل من زيارة المنارة لقرب المنارة من مساراتهم . في احدي الليالي زارت امراة المنارة من القرية المجاورة ، وسألت الحارس القليل من الزيت من أجل طفلٍ لها يوشك على الهلاك،ثم زاره رجلٌ يسأله قليلاً من الزيت لعلاج قدمه . وفي مرةٍ ثالثة ، زاره آخر بحاجة للزيت لغرضٍ مشابه . وتكرّرت الزيارات التي يسأله أثنائها الزائرون بعض الزيت . رأى حارس المنارة ان طلباتهم كانت معقولة فلم يرد أحداً. في ليلةٍ من ليالي آخر الشهر المظلمة ، انطفأ ضوء المنارة،واكتشف حارس المنارة انّه لايوجد لديه مخزوناً من الزيت.في هذه الأثناء كانت الكثير من السفن في أمسّ الحاجة الى ضوء المنارة.ولإنطفاء الضوء ، غرقت سفنٌ كثيرة في تلك الليلة وهلك الكثير من الناس.وعند التحقيق مع حارس المنارة في الكارثة التي حدثت،أبدى ندمه العميق وتأثره من النتائج المأساوية التي نتجت من سوء تصرّفه . فبالرغم من اعتذاراته المتكرّرة ومحاولة تبرير خطئه بالحالات الانسانية القاهرة التي إضطرته لاعطاء القليل من الزيت لهذه وذاك فقد ظلّت الكلمة التي تُردّد عليه : ( إنّما اعطيناك الزيت لهدف ابقاء ضوء المنارة ساطعاً). قد يكون حارس المنارة قد انقذ فرداً أو أكثر من أفراد الأسر التي زارته وطلبت منه القليل من الزيت. ولكنّه يقيناً تسبب في غرق السفن المحمّلة بالبضائع ،ويقيناً تسبّب في وفاة عددٍ من الناس كانوا على متنها،ويقيناً تسبّب في خسارة ملاك السفن. ان عدم مراعاة الأولويات في حياة الفرد والأسرة والمؤسسة والدولة يتسبّب في خسائر فادحة مريئةٍ أو غير مرئية.لذلك يجب على الجميع إدراكها ومراعاتها وترتيبها بشكلٍ دقيق.ومن أكبر المشكلات التي يعاني منها الأفراد والأسر والمؤسسات والدول هي اختلاط الأولويات في الأذهان،مما يدفع الجميع لعمل أشياء قد تبدو مهمّة ولكنّها تكون على حساب ما هو أهم ،وفي بعض الأحيان قد تبدو مهمّة ولكنها في غير وقتها. وأغلب الناس قد يستطيعون تحديد اولوياتهم فيما يبدو لهم صحيحاً او خطأً،ولكنّهم يواجهون تحدّياً كبيراً عندما يُطلب منهم الإختيار بين أمرين احدهما حسن والآخر أحسن.
علي أبوزيد 23.9.2020
المرجع : آل ثاني،فيصل قاسم.2013.مجلة الاستقامة.العدد (94).مؤسسة عيد الخيرية.قطر .الدوحة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
علي ابوزيد
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست