العنصرية في السودان، وارتفاع حالات الإصابة بالعقد النفسية بقلم:د.أمل الكردفاني

العنصرية في السودان، وارتفاع حالات الإصابة بالعقد النفسية بقلم:د.أمل الكردفاني


09-21-2020, 09:22 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1600719740&rn=0


Post: #1
Title: العنصرية في السودان، وارتفاع حالات الإصابة بالعقد النفسية بقلم:د.أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 09-21-2020, 09:22 PM

09:22 PM September, 21 2020

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر





لم أقابل شعباً عنصرياً مثل السودانيين، عنصرية قبيحة، لا بد من أن تقابلها أيضا بعنصرية مقابلة، الغريب انني زمان، اي قبل حوالى ثلاثة عشر عاماً، لم اكن اعرف ذلك، حتى رأيت ممارستها لأول مرة في السفارة السودانية في مصر ضد الزغاوة والفور، وفي مطار القاهرة ضد إحدى الجنوبيات.
قصة الزغاوة، كانت عندما ذهبت لتجديد جواز سفري، وكان هناك ما يسمى بالعودة الطوعية، للاجئين الذين تعمدت مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة، ليس عدم منحهم حق اعتبارهم لاجئين، بل رفضت إعادة توطينهم في دول أخرى، وقد سمعت أن المفوضية لم تعط اللاجئين الأموال المخصصة لهم شهرياً، وشاع الامر بأن رئيس المفوضية في مصر وهو صومالي على ما اتذكر ذو عينين كبيرتين، قد لبع المال. وهكذا اصبحت حياة اللاجئين في مصر صعبة، فعاد بعضهم عودة طوعية، وهكذا وجدتهم في السفارة، ورأيت لأول مرة التعامل اللا إنساني مع هؤلاء، حيث كان الموظف يختلق معرقلات وهمية كثيرة لإرهاقهم. أما القصة الثانية وهي قصة المرأة الجنوبية فقد كنت شاهد عيان عليها، وكانت شديدة الوضوح. إذ اعتاد السودانيون دائما العودة من القاهرة وهم يحملون أوزاناً زائدة، ثم يقومون بتوزيع الزائد على من لا يحمل وزناً كبيراً. وكانت للمرأة الجنوبية كرتونة صغيرة الحجم زادت عن الوزن بقليل. وبالرغم من أن موظف الخطوط السودانية، سمح للجميع بحمل اوزان زائدة او توزيعها، فقد وقف قنا ضد هذه المرأة. بل منع حتى من حاولوا حمل الكرتونة عنها ممن لا يحملون وزناً. وكان الموظف وهو تقريباً من غرب السودان، يدخن سجارته وهو يمسكها بأصبعين ويطوح بها في الهواء بعنجهية ثم ينفخ دخانها إلى السماء وكل ملامحه مكفهرة بالحنق والعنصرية.
قبلها بسنوات، اي في منتصف التسعينات كان جدنا الطيب الكردفاني، سفيراً للسودان في مصر، والحقيقة لم التق به هناك إلا مرتين فقط، ولكن اغلب أهل دارفور مدحوه وشكروه لي شكراً كبيراً وعندما سألتهم عن السبب، قالوا بأنه كان ينزل كل يوم بعد الساعة الثالثة لينهي المسائل العالقة لهم، من اوراق ناقصة وخلافه. وكانت حقبته حقبة لم يشعروا فيها بأي عنصرية.
الغريب، أنني كنت أعتقد ان تلك العنصرية التي رايتها إما مجرد حالات فردية او مرتبطة بالسياسة، لكنني عندما عدت في ٢٠٠٩ إلى السودان، اكتشفت أن تلك الحالات لا تعكس أبداً ذلك الحجم من الغل العنصري الذي يعتمل في الصدور. والعنصرية هنا تطال كل لون، إذ كل تدرجات اللون الأسود لها انصارها ولها اعداؤها. فكما تعرض الكثير من السوريين للعنصرية بسبب لونهم الأبيض، كان السودانيون اجمعين يتعرضون للعنصرية ويمارسونها ضد بعضهم البعض. وفي الآونة الأخيرة تعمقت المشكلة اكثر، إذ اصبح من الواجب أن يمارس المرء عنصرية مضادة ليحمي نفسه. والمسألة تزداد خطورة، والعقد النفسية أصبحت كثيفة جداً، ولا اعرف السبب. لكن من الواضح أن الأمر يسير في إتجاه خطير جداً. وللأسف لا يمكن مواجهته بالعقل والمنطق، لأن العقد النفسية أساساً لا تُبنى على المنطق..وإنما مواجتها لا بد أن تتم بعنصرية مضادة، واصطناع عقد نفسية ولو من العدم، لكي يمكننا التعامل مع المسألة. تماما كقصة الملك الذي لم يستطع التعامل مع شعبه الذي اصيب بالجنون، جراء شرب الشعب من بئر العامة المسمومة. فاضطر الملك إلى الشرب من ذات بئر الغوغاء، فأصيب بالجنون بدوره وهكذا استطاع الاستمرار في حكمهم بعد ذلك.