المركز والهامش في الفكر الإسلامي بقلم:د. الهادي عبدالله أبوضفائر

المركز والهامش في الفكر الإسلامي بقلم:د. الهادي عبدالله أبوضفائر


09-17-2020, 09:07 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1600373267&rn=0


Post: #1
Title: المركز والهامش في الفكر الإسلامي بقلم:د. الهادي عبدالله أبوضفائر
Author: د. الهادي عبدالله ادريس ابوضفائر
Date: 09-17-2020, 09:07 PM

09:07 PM September, 17 2020

سودانيز اون لاين
د. الهادي عبدالله ادريس ابوضفائر-UK
مكتبتى
رابط مختصر




كثيراً ما نتحدث عن المركز والهامش، باعتباره مصطلح جغرافي، بينما المركز هو تمّركُز الأفكار الخاطئة، والهامش هو تهميش الأفكار الحية في العقول، لذلك عندما نتحدث عن المصطلحات، نجدها مشوهة، تجعلك تُفكر أكثر من مرة قبل استخدامها، لأنها أصبحت ملغومة في منظومة العقل البشري، فبمجرد ذكر مصطلح العلمانية، أو الحداثة، توصف بأنك ملحد، متمرد خارج عن قيم الدين،

فالعقل أصبح عندنا مكبلاً ومحبوساً ومقهوراً داخل قبو (النقل لا العقل)، الذي أنتجته القدرة الذهنية آنذاك، على قدر قامه وعيه ودرجة تطور إقتصاده، وأحواله الإجتماعية والسياسية، فأورثتنا عقل مشوهة، ممزق لا تستطيع المساهمة باقتدار وأصالة في البحث العلمي، فأضحت كل المسآئل الأساسية في الدين هامشاً مثل قاعدة، (لا ضرر ولا ضرار، وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًاً،ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ، وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ، لآ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًاً فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضلٍ على العالمين)، إضافة إلى الشروط الأربعة:- # لست عليهم بمسيطر، # لست عليهم بحفيظ، # لست عليهم بوكيل،# ولست عليهم بجبار. كل هذه القواعد الأساسية أصبحت مهمشاً في الفكر الإسلامي، وتمّركزت حولنا أفكاراً لا ندري مصادرها، وهي التي تقود حركة الحياة، فأنتجت حركات إرهابية، تُكّره الناس على أشيآء لم يؤمنوا بها، بينما القرآن الكريم خاطب الناس في الشأن العام وإدارة الحياة السياسية بالشورى، وأمرهم شورى بينهم، وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله. فالرسول صلى الله عليه وسلم مطالب بالشوري، لأن الأمر مدني وسياسي، وأن تكون الدولة على مسافة واحدة من كل الملل والشرآئع والمعتقدات، لأن الدين واحد وهو الإسلام من لدن آدم إلى يومنا هذا. فمن واجبات رأس الدولة أن تكون محايداً في الشأن العام، ويده مغلولة عن الإملآء العقدي. والتمييز بين مؤسسات الدولة والدين، كالمؤسسات الزراعية والعسكرية وغيرها، تأبير النخل ومسألة النزول عند البئر في معركة بدر مثالاً.

فالدولة لا دين لها فهي مناطة بإدارة الشأن السياسي والإداري وفق مصالح الناس، فالدين للناس بقدر استطاعتهم في الفهم والتطبيق، فمنهم على شاكلة داعش، بوكو حرام، طالبان، شباب الصومال وهنالك طوائف لا نستطيع حصرها، فعلى اي ملة نريد الدين، فأما الدول لا تقاس بقوة إيمانها أو ضعفها، بقدرما تقاس بإسباب الفشل أو النجاح. فمسطرة القياس ليست دينية وإنما مصالح الناس هي التي تعلو وتحكم - انتم ادرى بشؤون دنياكم - كما أن الدولة مسؤولة عن مهام سيادية، مثل حماية الحدود، وتوفير الأمن الداخلي والخارجي، والخدمات الضرورية، والمساواة بين مكوناتها، والعدل وسيادة القانون، عندها تصبح القيم الأخلاقية، هي المرجعية لكل الأنشطة.

بينما العلمانية الفعلية، تجدها ممارسةً في المؤسسات الدينية - الخلاوي والمساجد - فهي تقوم بتدريس علوم الدين فقط، وهذه قمة فصل الدين عن الدنيا، فتجد طالب الشريعة يحفظ النصوص، ومكتبته مكتظة بكتب الفقه، وتكاد تخلو من كتب العلوم والرياضيات والفيزيآء والكيميآء والفلسفة، ويقولوا لا لدنيا قد عملنا، بينما متطالبات حياته أن يعيش كإنسان أغلبيتها مستوردة من الغرب، فحياة الناس ليست مقصورة على المسآئل الدينية الضيقة، بالكيفية التي يتناوله طالب الشريعة، الذي ينفصل عن الحياة، مما ولدت لديه قناعات بإمتلاك الحقيقة المطلقة، فكان التطرف والإرهاب والتخلف نتاج طبيعي لتلك السلوك، فالمجتمع يتدّين كما يشآء، ولكن رجل الدولة يدير شؤون الناس بالتساوي، وبدون تمييز، ويبحث دوماً عن المساحات المشركة بينهم، فالعلمانية الفعليه هي فصل الدين عن عقل الإنسان، فلم يعد قادراً على العيش في عصره، ويصبح معزولاً داخل دهاليز الفقة التقليدي، والتي لا تتماشى مع الواقع، فالحاجة ماسة إلى قفزة معرفية تضمن للشباب التفكير الواعي حتى يستوعبوا العصر ومتطلباته.

العقل عندنا يؤمن بالمسلمات، ولديها مخارج كثيرة للهروب من استحقاقات الواقع، فقط تجده على نطاق ضيق محصوراً في - الضرورات تبيح المحظورات - ولا يبذل أدني جهد في فهم الواقع، فتغيرات الواقع لا ينتظر منا أن نعطيه الأحكام، بل هو الذي يفرض علينا الأحكام الذي يضبط الضرورات الإنسانية، فالنموذج المعرفي لدينا مبني على الخيال. فأضحى التفكير الخيالي مسكون بدواخلنا. فالواقع ليس شيء ثابت وإنما متغير على حسب الأحوال، قد تجد شخص يدعو للعلمانية وهو تقي وورع ولكن يرى أن النظام السياسي لا يستطيع أن يعبر أو يمر إلا عبر بوابة العصر من خلال صحوة جواد العلمانية، فالبون أصبح شاسعاً بين ما تقال في المنابر وبين الواقع، كذلك الفقه الإسلامي فيها متغيرات كثيرة، فالديموقراطية لم يعد كأداة يستخدم في صندوق الإقتراع فقط، وإنما يعني قبول الآخر والتدبير السلمي للتعددية، القبول بالاختلاف العقدي والثقافي والسياسي، المساواة التامة في إطار المواطنة، اقرار الحريات الجماعية والفردية، سمو القانون، فصل السلطات، عقلنة تقدير شؤون الحكم، عدم قمع الخصوم ودفعهم إلى ممارسة ما لا يرغبون وأخيراً قبول الحوار كعامل حاسم في المنازعات والتواصل بالتي هي احسن تعليةً للقيم الإنسانية.

ما يهُم في التزامات المبدأ، اي حكم فقهي يستلزم ضرراً لاحدى الأطراف فهو ليس من الإسلام في شيء. فالمبادئ الأساسية للدين لا يتعلق بحقوق الله، وإنما بحقوق الناس، فالقضية تنحصر بين ظالم ومظلوم وهو حق بديهي يقره العقلاء متدينين أو غيرهم، فكثير من المبادئ هُمشت في ثنايا التراث دون أن تُمنح قيمتها الحقيقة، وتأخذ مجالها في تغطية التشريع، بينما تمركزت أفكار لا علاقة لها بالدين، فالسلام كقيمة اساسية له مكانته الكبري في منظومة الفقه، ولكن وجوده أصبح شرفي لكثير من النخب الحاكمة التي لا تنطر للسلام إلا من خلال بوابة نقص المقاعد والكراسي، لا من بوابة وأوفوا بالعهود، الذي يكسر الكثير من خداع النخب وتلتقي مع قاعدة لا ضرر ولا ضرار، شأنه شأن العقود التبادلية، التي تقوم عليها حركة الحياة، بعيداً عن استهبال النخب التقليدية وآليتها في المرواغة التي عانت منها كثير من الاتفاقات السابقة، فمتى نتخلص من سائر الحواجز المصطنعة والأشيآء التي عمقت القطيعة والانعزالية، لنعيد بناء الثقة واتخاذ الخطوات الراسخة لتحقيقها، عندها تكون المواطنة اساسي لأي نظام يتطلع نخبه الحاكمة إلى شرعنة السلطة. فإمتلاك شحنة فكرية قوية لا تكون إلا بمعرفة الإنسان بضد ما يؤمن به، أننا بحاجه إلى المختلفين معنا فوجودهم بيننا أكثر نفعاً، عندها نجد أنفسنا لسنا علمانيين أو إسلاميين أو ليبراليين أو ماركسيين بمفهوم القرون الماضية، نحن مزيج من الفكر الإنساني، لاننا نؤمن أن الحقيقة لا يحتكرها احد، وفي ثنايا كل طرح من الأفكار النافعة والتي يمكن الاستفادة منه، فليس هنالك لونان فقط ابيض واسود أو عالم وجاهل، فالواحد منا قد يكون عالماً بقضية وجاهل بأخرى وقد يكون مؤيد لموقف ومعارض لآخر ، فالأفكار تتلاقى في بعض النقاط وتفترق في أخرى.

[email protected]