رغم أن الدولة العميقة للنظام البائد تظل حقيقةً ماثلة لا يمكن نُكرانها ، وأنها تمثِّل في تقديري أكثر من 80 % من عراقيل برامج بناء دولة المؤسسات والعدالة والقانون ، لكن يجب علينا أن ننتبه إلى أن مُجرَّد القضاء عليها دون إبدال وإحلال جيِّد لن يفي حاجة البلاد والعباد للتنمية وعبور نفق الأزمات بشتى أشكالها وفي مقدمتها الضائقة المعيشية ، ومن ناحية أخرى فإن الحكومة الإنتقالية لن تستطيع الوصول إلى نهايات سعيدة في تحدياتها الموسومة بتأييد الشعب السوداني بمُجرَّد إزاحة ما تبقى من كيزان عن مناصبهم ، لماذا ؟ ، لأن فعل ذلك دون وجود تصوُّر واضح وفعَّال وواقعي للبدائل التي ستقوم بأعمال تسيير تلك الوظائف والمهام سيجعلها (أي الحكومة الإنتقالية) في مواجهة مع الفشل والأزمات المُتتالية ، ثم مع جماهير الثورة نفسها ، خصوصاً بعد أن طوَّقتها المواجع والإحباطات من كل إتجاه ، وعلى ما يبدو عليه الحال فإن حبل الصبر بات قصيراً جداً فليعلم الذين لا يعلمون.
صحيح أن تفكيك الدولة العميقة وإستعجالهُ والحزم فيه ، هو من أولويات مطالب ثورة ديسمبر المجيدة ، ذلك أن بعض قطاعات الخدمة المدنية ومنظومة المؤسسات الإقتصادية ذات الأهمية الإستراتيجية يحتاج إنقاذها من براثن التدمير والنهب بدافع الجشع و(الإنتقام) إلى الكثير من الإستعجال وأحياناً الإرتجال في تفكيكها ، بإعتبار أنها مهام إسعافية بالدرجة الأولى ، أما تفكيك التمكين الكيزاني بصفة عامة ففي إعتقادي أن تنفيذهُ وتنزيلهُ أرض الواقع يجب أن يكون بروية وعدم إستعجال ، وأن يتم عبر برنامج (طويل الأمد) يعتمد في تنفيذهُ على آليات ودراسات متخصِّصة في حساب الخسائر التي يمكن أن تنجُم عن التركيز على إزاحة منسوبي النظام البائد من المناصب دون (توفير) البدائل المناسبة ، فقيمة الخسائر الناتجة عن إزاحتهم دون إستعداد ودراسة هي بالتأكيد أعلى في مستواها من إستمرار وجودهم في مواقعهم إلى حين ، خصوصاً إذا وُضعت الضمانات اللائحية والقانونية والرقابية القادرة على منعهم من الفساد والتخريب.
إشكالية الإستعجال في إقالة الكثير من منسوبي النظام البائد بدعوى إزالة التمكين دون توفير البدائل والدراسات المُسبقة التي تؤكد سريان وجودة الأداء والإنتاج في إتجاهاتها الصحيحة والمُثلى ، خصوصاً في المؤسسات ذات الصبغة الفنية والإنتاجية ، سيترتب عليه الكثير من الضرر على المصلحة العامة ، وستنعكس أوجاعها وتداعياتها على رجل الشارع العادي في حياته اليومية وحاجياته الضرورية ، لأن إستعجال معالجة هذا الملف عبر (الروح الثورية البحتة) ، إما أن يقود إلى حدوث فراغات وشواغر في الهياكل الإدارية والفنية كما هو حال الكثير من المؤسسات التي دخلتها لجنة إزالة التمكين فتوقفت كُلية عن العمل والإنتاج ، وإما أن يؤدي إلى إختيار بدائل تفتقر إلى الكفاءة والخبرة والتخصصية فيقودوا المشاريع والمؤسسات نحو الهلاك الحتمي |، وفي كلا الحالتين فإن الخسائر الناتجة عن إستعجال تفكيك التمكين دون دراسات مُسبقة ولا بدائل مناسبة ستكون أعلى وأفدح مما لو تركناهم يؤدون مهامهم تحت رقابةٍ صارمة إلى حين إيجاد البدائل المناسبة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة