حرق منسوبي (ترك) لسوق النساء في كسلا..المسؤولية الجنائية.. بقلم:د.أمل الكردفاني

حرق منسوبي (ترك) لسوق النساء في كسلا..المسؤولية الجنائية.. بقلم:د.أمل الكردفاني


09-02-2020, 05:36 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1599064616&rn=0


Post: #1
Title: حرق منسوبي (ترك) لسوق النساء في كسلا..المسؤولية الجنائية.. بقلم:د.أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 09-02-2020, 05:36 PM

05:36 PM September, 02 2020

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر





▪️ مختصر الوقائع، هو دعوة ترك لمنسوبيه للتظاهر، وحصوله على تصريح أمني، غير أن التظاهرة تحولت لجريمة حرق سوق النساء.

▪️ الجوانب القانونية:

بالنسبة للعدوان الذي قامت به مجموعة متظاهرة في كسلا، وانتهت بحرق سوق النساء، مما سبب خسائر فادحة في الممتلكات. بالنسبة لهذه الواقعة، فهي تندرج تحت عدة جرائم حددهاالقانون الجنائي لسنة ١٩٩١. وهي المواد (٦٧، ٧٤، ١٨٢)، مقروءة مع المواد، (٢١، ٢٥، ٢٦).

أولا: الشغب (٦٧):
التمييز بين التظاهر السلمي، والشغب: بحسب ما ورد من وقائع، فإن الجهة التي دعت للمظاهرة، قد حصلت على ترخيص من الجهات الأمنية، وهي بالتالي قد قامت بالآتي:
١- الزمت نفسها ومنسوبيها بخطاب سلمي لا يشكل تحريضاً على ارتكاب فعل إجرامي.
٢- الزمت نفسها، بتوفير السيطرة اللازمة على منتسبيها، بحيث تضمن عدم تجاوزهم لحدود حرية التعبير.
٣- فوضت الجهات الأمنية لتأمينها ومراقبتها ومنعها من تحول المظاهرة إلى أعمال تخريبية.
ومع ذلك:
تحولت المظاهرة لأعمال تخريبية أقترفت فيها جرائم جنائية، ويجدر بنا هاهنا البحث عن التكييف القانوني المتوقع، وضوابط المسؤولية الجنائي لمقترفي الجريمة.

أولا: التمييز بين الشغب والتظاهر، وفقاً للما (٦٧):

نصت المادة المذكورة على جريمة الشغب والتي تتمثل في الآتي:
(يعد مرتكباً جريمة الشغب من يشارك في أي تجمهر من خمسة أشخاص فأكثر، متى استعرض التجمهر القوة أو استعمل القوة، أو الإرهاب، أو العنف، ومتى كان القصد الغالب فيه أي من الأغراض الآتية:
(أ).....
(ب) ارتكاب جريمة الإتلاف الجنائي أو التعدي الجنائي أو أي جريمة أخرى.
أما التظاهر فهو حق دستوري، يكفل حرية التعبير للأفراد والجماعات.
فهل ما حدث يعتبر مظاهرة أم شغب. أم مظاهرة تحولت لشغب.
يفصل قاضي الموضوع في هذه المسألة بحسب البينات من شهادة الشهود وخبراء وأي بينات أخرى. فمجرد الحصول على تصريح أمني، لا يعني أن التجمهر كان قد بدأ كمظاهرة سلمية، ذلك أن الوقائع قد تثبت، أن التصريح الأمني كان مجرد غطاء قانوني لتسهيل ارتكاب جريمة الإتلاف الجنائي (حرق السوق) سواء بتواطؤ من الأجهزة الأمنية أو عدم وجزد تواطؤ، ويستمد قاضي الموضوع قناعته عبر عدة بينات ظرفية، مثل الهتافات، أو وضوح حمل المتظاهرين لأسلحة ظاهرة، أو الكشف عن اتفاقات جنائية سابقة على التظاهر بين الداعين للتظاهر لحرق السوق...وغير ذلك من شواهد تعطي القاضي التصور السليم لحقيقة الواقعة.
فإذا تبين للقاضي، أن أخذ التصريح كان مجرد غطاء قانوني، فهنا، تكون القيادات التي دعت للتظاهرة، مسؤولة مسؤولية مباشرة عما أقترف من جرائم، سواء وفقاً للإتفاق الجنائي (م٢١) أو بالتحريض (م٢٥)، كما يعتبر أي متداخل عالم بذلك القصد الجنائي المسبق مساهماً في اقتراف الجريمة، أو بتقديم المعونة (م٢٦).
أما إذا ثبت أن الداعين للمظاهرة، لم يقصدوا اقتراف جريمة حرق السوق ابتداءً، فهم أمام أحد تصورين:
التصور الأول: هو الإهمال وعدم بذل العناية اللازمة للسيطرة على منسوبيهم، وهذا يشكل جريمة وفقاً للمادة (٧٤ ق.ج) والتي تنص على أن:(من يرتكب بإهمال فعلاً يعرض حياة الناس للخطر أو يحتمل معه تسبيب أذى أو ضرر لأي شخص أو مال، أو (يمتنع) عن اتخاذ التدابير اللازمة لوقاية الآخرين من خطر أي إنسان أو حيوان أو آلة أو مواد (تحت رقابته) أو في حيازته، يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز ستة أشهر أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً).
ومن ثم فهذه المادة تنقسم لشقين يمثلان الركن المادي، أحدهما صورة القيام المباشر بعمل بإهمال، أو قيام منسوبين تحت رقابة الشخص بأفعال تسبب ضرراً للغير. ويهمنا هنا الشق الثاني. كما يجب أن يتمثل الركن المعنوي، في الإهمال، أي عدم بذل الجهد اللازم لضبط الشخص لمن هم تحت رقابته.
ومعيار الإهمال هو معيار الشخص المعتاد في مثل تلك الظروف، فإذا كان هناك بذل للعناية ومع ذلك خرجت الأمور عن السيطرة، انتفت المسؤولية الجنائية. لأن التدابير اللازمة، المقصود منها بذل عناية لا تحقيق نتيجة صارمة.
كما تكون الأجهزة الأمنية مسؤولة مسؤولية مباشرة عن التقاعس عن حماية السوق، لأن إهمالها مؤكد، ذلك أنها حصلت على العلم اللازم بقيام المظاهرة، وبمواعيدها، ومساراتها، وكان عليها أن تقوم ببذل الجهد المعتاد لوظيفتها كمؤسسات أمنية. وهكذا تكون مقترفة (مؤسسياً) لجريمة (بفعل سلبي) وهي الامتناع عن اتخاذ تدابير الوقاية، من أي إحتمالات لوقوع أضرار على الأرواح أو الممتلكات.
فإذا كانت المسؤولية الجنائية لمن دعوا إلى تلك المظاهرة، تحتاج إلى تمحيص إستدلالي، فإن مسؤولية الأجهزة الأمنية ثابتة بلا حاجة إلى دليل. وتعد الأجهزة الأمنية مسؤولة جنائياً ومدنياً عن إمتناعها وتقاعسها، مما يلزمها بالتعويض المدني لكل من تضرر من حرق السوق.

أما حرق السوق، فهو جريمة جنائية، وفقاً للمادة (١٨٢ ق.ج)، فإذا ثبت مشاركة الداعين للتظاهرة في عمليات الحرق أو كانوا حاضرين في مسرح الجريمة، فهم مسؤولون مسؤولية مباشرة عما اقترفوه وعما اقترفه منسوبيهم، ذلك أن المشاركة تثبت حدوث العلم المسبق بقصد اقتراف الجريمة، ويعتبرون حاضرين في مسرح الجريمة مما يجعلهم فاعلين أصليين لا مجرد محرضين. وإما إن لم يشاركوا، فالمرجعية الجوهرية إلى إثبات علمهم أو عدم علمهم بما أزمع عليه منسوبيهم من حرق السوق، فإن كانوا على علم، فهم إما حرضوا على حرق السوق، أو غضوا الطرف ولم يمنعوا منسوبيهم من اقتراف الجريمة. فيسألوا عن ذلك مسؤولية جنائية، ويعتبر علمهم إتفاقاً جنائياً معنوياً، فقد اتجه الفقه والقضاء إلى أن الإتفاق الجنائي لا يشترط أن يكون مادياً ومباشراً، بل يكفي فيه وحدة التعاضد والتعاون على إنفاذ الإتفاق الجنائي. وخاصة أذا كان من اقترفوا الجريمة تحت رقابة من دعوا للتظاهر..فينسحب عليهم ما ذكرناه أنفاً ويقعوا تحت طائلة المواد العقابية التي أشرنا إليها.
فإن لم يكن دعاة التظاهرة على علم بما يزمع منسوبيهم اقترافه من جرائم، فهم إما قد بذلوا العناية اللازمة (كما ذكرنا سابقاً) أو امتنعوا عن بذلها. فنحيل لما ذكرناه منعاً للتكرار.
مسؤولية الأجهزة الأمنية المختصة:
وفقاً للقانون، تكون حماية الأرواح والأموال والأعراض، إختصاصاً أصيلاً للأجهزة الأمنية. لها وحدها دون غيرها، إلا في حالات استثنائية، يجمع بينها، وقوع الجرائم في أماكن لا تتواجد فيها السلطة..أو كان من الصعب على الأفراد اللجوء إلى السلطة مما يمنحهم حق الدفاع الشرعي عن أنفسهم وأموالهم، أو أنفس وأموال الآخرين.
وهذا الفرض الأخير غير متوفر هاهنا، لأن السلطات الأمنية كانت على علم مسبق بقيام المظاهرة، ومع ذلك امتنعت عن تأمينها، أو تأمين سوق النساء، وكان بإمكان تقاعسها هذا أن يؤدي إلى حرب أهلية..تذهب فيها آلاف الأرواح سدى. لذلك فمسؤولية الأجهزة الأمنية لا سبيل لإنكارها، (جنائياً ومدنياً).
وإذا كانت الأجهزة الأمنية، من ضمن مؤسسات الجهاز التنفيذي للدولة، فهي ملزمة بتعويض المتضررين تعويضاً عادلاً قبل كل شيء، ثم محاسبة المتسببين في التقاعس، جنائياً وإدارياً إثر ذلك.
ولقد رأينا كيف أن حكومة حمدوك عوضت الأمريكيين (الأجانب) بملايين الدولارات، عن جرائم اقترفتها حكومة الترابي سابقاً خارج السودان، فمن باب أولى تكون الحكومة ملزمة بتعويض المواطنين عن ما تقترفه أجهزتها من جرائم (بفعل إيجابي، أو سلبي (بالإمتناع))، ومحاسبة ومعاقبة الفاسدين بأسرع ما يكون.