تحديات الأمن الإجتماعي بقلم:إسماعيل عبد الله

تحديات الأمن الإجتماعي بقلم:إسماعيل عبد الله


08-31-2020, 08:27 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1598902048&rn=0


Post: #1
Title: تحديات الأمن الإجتماعي بقلم:إسماعيل عبد الله
Author: اسماعيل عبد الله
Date: 08-31-2020, 08:27 PM

08:27 PM August, 31 2020

سودانيز اون لاين
اسماعيل عبد الله-الامارات
مكتبتى
رابط مختصر




ألبلدان التي تقدمت وارتفع بها سلم المجد الحضاري، يقاس تميزها وسعادة شعوبها بمدى تحقيقها
للأمن المجتمعي، فالأمان الاجتماعي وطمأنينة الفرد داخل منظومته السكانية هو حافزه الأول للأنتاج والإبداع والإبتكار، وقد ذكرت ضرورة الأمن والأمان كأولوية قصوى بقرآننا المجيد في قول المولى عز وجل:(الذي اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)، وهنا يرى الطائف حول مدار الكرة
الأرضية أن بلدان أوروبا و أمريكا الشمالية واستراليا قد أنزلت منطوق الآية الكريمة واقعاً يمشي بين الناس، بينما نجد البلدان المتاخمة لمهبط وحي هذه الآية الكريمة غارقة في الصراعات المذهبية والقبلية.

الإقليمان الشرقي والغربي شهدا أعنف الصدامات القبلية، و القاسم المشترك بين هذين الإقليمين
ووجه التشابه بينهما في النزاعات العرقية هو ضلوع الأيدي الحكومية فيها بطرائق سالبة، والأستثمار الهدّام للتنوع الأثني الموجود فيهما من قبل النظم السياسية المتعاقبة ، وللأسف أحالت الحكومات كل صراعاتها وخصوماتها إلى ساحات للمعارك بأرياف ومدائن هذين الإقليمين،
واصبحت هذه السياسات سلوكاً تقليدياً لكل حاكم يلج باب القصر الرئاسي، سياسات (فرق تسد) المأخوذة من فقه وفلسفة المستعمر في إدارة إمبراطوريته التي لا تغيب عنها الشمس، فسلك حاكمنا الهمام ذات النظرية الخائنة لكي يريح عقله من رهق تحمل مسؤوليات الوفاء بحقوق والتزامات
هذه الشعوب والقبائل الساكنة على امتداد المسافات البعيدة والمبعدة عن مقر الحكم.

ألتعامل مع هذين الإقليمين باعتبار انهما حديقة خلفية لنظم الحكم في الخرطوم هو ما جعل إوار
الاقتتال فيهما يستمر طويلاً، فالشحناء والبغضاء وغلواء النفوس تدار بطريقة التحكم عن بعد من داخل قصر غردون باشا بشارع النيل، فالأستقرار بشرق وغرب البلاد يلزم الحاكم باستيعاب الكادر الوظيفي والدستوري لهاتين الجهتين في المفاصل الإدارية لسلطة الحكم بكل تساوٍ وندية،
ويفرض على إدارة المال والأقتصاد المركزية أن ينال إقليم الشرق نصيباً مقدراً من إيرادات الموانيء، و يشترط على نفس الإدارة أن يستقبل مدرج مطار نيالا الطائرات المحملة بالبضائع القادمة من دبي والكفرة، إنّ الحاكمين الذين يعتلون الكرسي الغردوني لا يتمتعون بالحس الوطني
الشامل الذي يقول:(كل أرجائه لنا وطن)، جميعهم دون استثناء نظروا إلى الوطن من زاوية الجهة والعرق والقبيلة والرابطة الأسرية وعلاقات رأس المال الطفيلي الذي نبت من سحت عبر الحقب التي جاءت بعد يناير الاستقلال.

ألسلام والأمان لا يتحققان في ربوع السودان إلا بعد أن يتم اجتثاث ما بقي من جذور الشجرة
الخبيثة (شجرة زقوم المؤتمر الوطني المحلول)، لقد اتحفتنا اللجنة التفكيكية بمشاهد طويلة لمسلسلات مفرحة لعملياتها التي طالت بعض المؤسسات والشركات والهيئات، لكنها جبنت في أن توصل يدها لتلمس عش دبور المؤسسات والشركات الأمنية صاحبة اليد الطولى في إشعال نيران الإقتتال
القبلي في كسلا والجنينة، ومن عجائب ثورة شبابنا أنها أتت إلينا بنموذج غريب من أنظمة حكم الإنتقال السياسي، حكومة لها رأسان، رأس عسكري استحوذ على سيادة البلاد و(كوّش) على مهام التنفيذ التي هي من أخص اختصاصات الرأس الآخر المدني الممثل لمجلس الوزراء، وعلى الرغم
من خطل هذه الازدواجية إلا أن اسماعنا مازالت يتردد عليها صدى مقولة (سنعبر) التي درج الرأس المستضعف على تكرارها بمناسبة ومن غير مناسبة، كيف يكون العبور و كلا الرأسين (راكبين راس)؟.

ألعبور الذي لا يوصلنا إلى نظام حكم اتحادي (فدرالي) يتيح لكسلا والجنينة أن يكون لكليهما
جهاز شرطة محلي، مثل هذا العبور غير مرحب به لأنه لا يحقق الأمن والسلامة المجتمعية لأطراف البلاد البعيدة، التي تتعب في ايصال مظلمتها إلى مركزية المنظومة الحاكمة والقابضة، نريد توزيعاً فدرالياً للواجبات الأمنية والشرطية لأنه ليس من المعقول أن ينتظر المستغيث في
بورتسودان وفتابرنو النجدة من الخرطوم التي تبعد عنه عشرات المئات من الفراسخ والكيلو مترات، والمتابع لتطورات المشاكل القبلية يجد العامل الإداري قد لعب فيها الدور المعتبر، ويلحظ أن عامل الجغرافيا له الأثر البالغ في زيادة التوترات الأثنية بالأقليمين المنكوبين.

ألنظام الفدرالي الذي تتبعه الولايات المتحدة الأمريكية هو الأضمن لتوفير الأمن والسلامة
لمواطني السودان إذا طبق، أما ما تم تطبيقه في عهد الحكم البائد لا يعتد به ولا يعتبر نظاماً اتحادياً البتة، لقد كان وما يزال أنموذجاً شائهاً لنظم الإدارة والحكم التي لا تتناسب ودولة مثل دولتنا، وما دفعته مجتمعاتنا الغنية بمواردها من ثمن غالٍ في الأنفس والثمرات
لمواجهة تحديات الأمن المجتمعي، ما كان ينبغي له أن يدفع والحلول متوفرة وهي في غاية البساطة والسهولة واليسر لمن بيده مقود السلطة، لكنه افتقار قادتنا الذين اداروا دفة الحكم للحس الوطني الشامل لكل اجزاء البلاد كما أشرنا في مفتتح مقالنا.

ألعامل الآخر الفاعل في ترتيب البيت السوداني الداخلي، الذي يؤثر إيجاباً في توفير البيئة
الصالحة للتعايش السلمي، هو بناء علاقات حسن الجوار المستدام مع أرتيريا وتشاد وجنوب السودان، فالمثل البسيط والمتواضع يقول (مالك البيت الزجاجي عليه الحذر من استخدام الحجارة كسلاح)، وبما أن بيتنا تتقاذفه الحجارة بين بني الجلدة الواحدة علينا الاحتراس من المتربصين
العابثين بأسباب إستقرار مجتمعاتنا الريفية التي كانت ساكنة ومتساكنة مع بعضها البعض.


إسماعيل عبد الله

[email protected]