السودان يتخلّق بقلم:إسماعيل عبد الله

السودان يتخلّق بقلم:إسماعيل عبد الله


08-28-2020, 01:23 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1598574189&rn=0


Post: #1
Title: السودان يتخلّق بقلم:إسماعيل عبد الله
Author: اسماعيل عبد الله
Date: 08-28-2020, 01:23 AM

01:23 AM August, 27 2020

سودانيز اون لاين
اسماعيل عبد الله-الامارات
مكتبتى
رابط مختصر




ألبرهان يخطب خطبته العصماء متوعداً ومهدداً، والوزير الأمريكي للخارجية يزور السودان برفقة الأسرائيلي جواً من تل أبيب إلى الخرطوم مباشرةً ، وكسلا تشتعل حرباً عرقية مدمّرة بينما جوبا تتزين للأحتفاء بكرنفال السلام الذي مازال في رحم الغيب، إذ لا يعلم أحد هل سيتحقق هذا الحلم الذي طال الوقوف على بابه أم لا، وهنالك آخر متشائم لا يريد لجراح الوطن أن تندمل أو تلتئم فيطلق الشائعة المغرضة عن احتضار حادي ركب السلام مسموماً في بلاد الأشقاء الجنوبيين، كل هذا الغليان يمثل مرحلة من مراحل تخلّق الكائن المسمى (السودان)، فهو لم يكن ذلك القطر الأوحد على سطح الكرة الكوكبية المعزول عن حتميات التحول نحو تحقيق مشروع الدولة المحترمة.
ألسودانيون أخذوا يتعرّفون على أنفسهم بعد زوال غمة الطغمة الأنقاذية الباطشة، فاكتشفوا أن الوطن في حقيقته الراهنة لم يكن يسعهم جميعهم في يوم من الأيام، وأن حكاية ورواية (السودان وطن يسع الجميع) ما هي إلا مجرد أكذوبة غبّش بها السياسيون وعي هذه الشعوب السمراء، منذ زمان أهزوجة (منقو زمبيري) وحتى هتاف شباب الصبّة (العنصري المغرور)، لقد برع ساسة بلادنا في تخديرنا باستحداث الشعارات البرّاقة والألحان الزائفة المثيرة للشعور والحس الوطني، فأخبرونا أن رجل الدولة الناجح هو ذلك الأديب الأريب والشاعر الفحل الذي يقرض الشعر، فجاء أرشيفنا السياسي ذاخراً بالمحجوب وجعفر بخيت ومهدي ابراهيم.
ألسياسيون أطعمونا شعراً ونثراً وفلسفةً، ولم يقدموا لنا طبقاً من الخبز أو الرغيف، أسقونا مياه حسن القول ولم يكفلوا لنا أمننا وأماننا وسلامة أتربة اوطاننا، حتى اصبحنا البلد الأشهر والأنجح في تصدير الشعراء والأدباء والمذيعين والمراسلين، والأفشل في تصدير الثروات الحيوانية والزراعية التي تكتظ بها مساحات أراضينا، عدد الصحف والمجلات الورقية والألكترونية لدينا يفوق احصائية تلك التي توجد في كثير من البلدان التي حققت نواتج قومية إجمالية جبّارة، نافست بها عظام إمبراطوريات المال والاقتصاد في القرن الواحد والعشرين، وبلادنا ما يزال جنيهنا كسيحاً يزحف على بطنه وسط عوالم الأسواق الإقليمية والعالمية، برغم ازدحام قنوات إعلامنا بحملة لقب الخبير الأستراتيجي.
ألبلاد ليست بحاجة إلى هذا العدد الهائل من الجيوش الجرّارة، الحاملة للألقاب الوهمية والحاشدة للسير الذاتية المفخخة في هذا الظرف التاريخي الحرج، إن بلادنا وهي ما تزال تعاني وتكابد على سطح هذا الصفيح الحارق أحوج ما تكون إلى الإنسان الوطني الغيور، الذي يشتعل قلبه وجعاً وتعتصر دواخله ألماً جراء ما جرى ويجري في الجنينة وبورتسودان وكسلا وكادقلي، لقد نضجت الجلود وتفحمت الأجساد وتيقن الناس من أن ما حل بهم ليس غضباً من الإله ولا ندبة من ندبات الحظ، وإنما غفلة منهم في عدم أكتراثهم لقرارات الحكام القاصمة لظهورهم، ومنحهم كل من دغدغ وجدانهم شيكاً على بياض يكتب على صفحته الثمن الواجب عليهم دفعه، لقد تساهلت وتثاقلت خطوات هذه الشعوب المستضعفة في السعي من أجل حقوقها الأساسية فظن الساسة أنها مجتمعات بلهاء.
ألصحوة الشعبوية التي انتظمت البلاد تعتبر البداية الأولية لتخلّق النواة الحقيقية للمجتمعات السودانية، المتراضية والمنضوية تحت كيان الدولة الواحدة بكل ما تعنيه كلمة تراضي من معنى، إنها المرة الأولى في تاريخ البلاد الحديث التي تواجه فيها الكيانات المجتمعية السلطة السياسية بهذه الجرأة المشاهدة، بفضل تساقط أوراق التوت من جسد الدويلة التي خلّفها المستعمر البريطاني، تلك المنظومة الحكومية التي فشلت في مخاطبة مجمل مكونات المجتمع الخطاب المستوعب لحقائق سكان أقاليم السودان، هذا الخطاب الذي أخفقت في صياغته حتى هذه الحكومة الثورية الإنتقالية.
ألمشاهد المأساوية بأسواق وطرقات كسلا اليوم تعيد للأذهان صور مآسي دارفور، التي أسهمت منظومة الحاكم والوريث الشرعي للمستعمر في إشعال حروبها القبلية، لقد كان الناس في الخرطوم لا يصدقون الرواية القائلة بأن النظام الإخواني يشرف على زرع الفتنة بين القبيلة والقبيلة في الإقليم المنكوب، ولكأنما يريد المهندس الأعظم لهذا الكون أن يخلع آخر ورقة توتية ساترة لعورة الجماعة المنحرفة فمدد هذه الحروب العبثية لشرق السودان، وربما يبسط ذراعها حتى تصل الشمال الأقصى بعد حين، لإكمال حلقات الشر المستطير الذي ظل يزرعه أبناء الوطن غير البررة، فالبلاد أقعد تقدمها وانطلاقتها الجواسيس والعملاء والمرتزقة والسماسرة والمرابون والمتاجرون في سلعتي الموت والدمار.
ألمرجفون في المدن السودانية بدأوا يبثون الأباطيل والأراجيف والشائعات، الحاضة على تفتيت بوادر تماسك اللحمة الوطنية التي أحيتها ثورة ديسمبر، بالترويج لبضائع الحرب النفسية الكاسدة والقاصدة إلى كسر عزيمة الشباب الخُلّص، وإطفاء جذوة الأمل والتفاؤل والتطلع إلى الغد المشرق لبلادهم، لكن سيهزم الجمع وسيولون الدبر أمام عزيمة الشباب وصبر الشيب، فمهما تآمر الذين تضررت مصالحهم من زوال نظام حكم الطاغية لن ينالوا مقصدهم وسوف يخيب فألهم، فعزيمة الثوار لن تلين ولسان حالهم يقول (لا يجوز الأستلقاء والراحة أثناء المعركة)، فديسمبر ثورة مشتعلة متوهج نجمها حمل مشعلها الكبار والصغار اليافعين، وثورة كهذه لن تهزمها الدسائس الخائبة ولا السهام الطائشة وغير الصائبة.

إسماعيل عبد الله
[email protected]