حكاية فؤادة وعتريس والمداهيش بقلم د. محمد قسم الله محمد ابراهيم

05:23 PM August, 19 2020

سودانيز اون لاين
محمد قسم الله محمد إبراهيم-الخرطوم-السودان
مكتبتى
رابط مختصر

كما ارتبط الأديب المصري العالمي نجيب محفوظ بروايته (الحرافيش) وارتبط يحي حقِّي برواية (قنديل أم هاشم)، فقد ارتبط كذلك الكاتب الكبير ثروت أباظة بروايته الشهيرة (شئٌ من الخوف) الرواية التي صارت في العام 1969م فيلماً شهيراً تابعه الملايين في العالم وهو من للمخرج المصري حسين كمال وسيناريو الشاعر المبدع عبدالرحمن الأبنودي الذي حشد لحوار الفيلم مجموعة من القصائد العميقة، الفيلم الذي تم ترشيحه لجوائز عالمية عديدة كانت البطولة فيه للفنان محمود مرسي (عتريس) وشادية (فؤادة).

في قرية (الدهاشنه) عاشت فؤادة كغيرها من بنات القرية البسيطة، وترعرع معها عتريس الشاب البرئ في مقتبل حياته قبل أن يتشرَّب بروح وطباع جده الكبير كما ترويها تفاصيل الرواية فينقلب إلى وحش كاسر تسيطر على روحه الشراسة والعدوانية فيفرض سلطته على أهل قريته ويأخذ منهم الإتاوات حتف أنوفهم، وحدث أن قام يوماً بوحى من عدوانيته بمعاقبة أهل الدهاشنة ويمنع عنها الماء، ولكن فؤادة الفتاة الصغيرة تتحدى عتريس وتعيد فتح المياه إلى أهالي قريتها.

يقول عتريس فيما يقول في إحدى لقطات الفيلم: (كل اللى عندكم ملكى.. حياتكم نفسها ملك إشاره من يدى .. إسماعيل .. إسماااااااعيل .. رشدى.. شوقى.. من بكره الناحية القبلية تدفع الطاق طاقين.. فاهمين؟ الطاق طاقين)

وقد عبَّر عن تلك الحال في قرية الدهاشنة الشاعر الأبنودى في سيناريو الحوار:
(البلد اسمها الدهاشنة.. والمكان محدش قال لنا... يمكن مكانتش أبدا.. يمكن فى كل مكان... إمتى؟ محدش قال لنا... يمكن محصلش أبدا.. يمكن فى كل زمان... فى الدهاشنة ضل.. فى الدهاشنة ضل مرمى عالغيطان.. وعالدروب ... وعالبيوت.. فى الدهاشنة ضل.. زرع الأرض غل.. العارف طريقه يمشى... يمشى فيه يضل... فى الدهاشنة ضل.. مطرح ما يحل.. يملى الدنيا خوف)

وهكذا لم يجد عتريس من يقف له سوى فؤادة، حبه القديم ونقطة ضعفه الوحيدة. ولما لم يستطع أن يقتلها كان عليه أن يمتلكها بالزواج، وتقدم لوالدها يطلب زواجها ولم يستطع أبوفؤادة أن يعصي أمر عتريس خوفاً من بطشه لكن فؤادة ترفض، فيتم تزوير الشهود وبوكالة باطلة تنتقل فؤادة للعيش في بيت عتريس.

وبسبب هذا الزواج الباطل يتصدى الشيخ إبراهيم لعتريس ويجاهر بأنّ جواز عتريس من فؤادة باطل.

يستبد الحنق بعتريس وهو الذي تعوَّد أن يرضخ له الجميع بصمت فيقوم بقتل محمود إبن الشيخ ابراهيم إنتقاما منه.. ثم تمضي أحداث الفيلم لتبلغ أقصى وأقسى درجات التراجيديا في مشهد تشييع محمود والشيخ ابراهيم يردد عبارته التي لا يملها (جواز عتريس من فؤادة باطل) وأهل الدهاشنة يرددون خلفه ثم يتوجهون لمنزل عتريس الذي لا يستطيع مقاومة كل أهل القرية.

الفيلم جاذب رغم أنه بالأبيض والأسود لكنه مشحون بالدرماتيكية الجاذبة للمتابعة وبقدرات الممثلين وفي مقدمتهم يحي شاهين الذي قام بدور الشيخ ابراهيم الشخصية صاحب العبارة المحورية في الفيلم جوازة عتريس من فؤادة باطل وهي كانت بمثابة القشة التي قصمتْ ظهر البعير.

وما أكثر (الدهاشنه والمداهيش) في هذا الزمان.