أمراء الحرب وأعداء السلام بقلم إسماعيل عبد الله

أمراء الحرب وأعداء السلام بقلم إسماعيل عبد الله


07-20-2020, 02:00 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1595250039&rn=0


Post: #1
Title: أمراء الحرب وأعداء السلام بقلم إسماعيل عبد الله
Author: اسماعيل عبد الله
Date: 07-20-2020, 02:00 PM

02:00 PM July, 20 2020

سودانيز اون لاين
اسماعيل عبد الله-الامارات
مكتبتى
رابط مختصر




ألحروب الأهلية تنشب لأسباب ومسببات كثيرة من ضمنها الظلم والعدوان، سواء جاء هذا الظلم من الحكومات أو ارتكبته المجتمعات، فكما تفرز هذه الحروب اللعينة قادة شرفاء صادقين أيضاً يخرج من بين إرهاصاتها أمراء حرب يتكسبون من وراء المآسي والمعاناة التي يتكبدها الضحايا، وأمير الحرب هذا لا الضمير يؤنبه ولا الوازع القيمي يوقفه عند حده ولا الرادع الأخلاقي يردعه، هو مجرم تغذى على امتصاص الدماء، وتجارته الرائجة هي القتل وإشعال فتيل الحرب، طالما أن ذلك يحفظ له الأمتيازات المادية والمعنوية والظهور عبر أجهزة التلفزة متحدثاً باسم المستضعفين الذين أعمل فيهم حد سيفه وأطلق عليهم رصاصات سلاحه الفتاك.
ما أن بدأت تباشير تحقق السلام تلوح في الأفق حتى طفا على السطح خطاب الكراهية مجدداً، وأُثيرت مفرداته بين مكونات دارفور الاجتماعية التي كانت ساكنة ومتساكنة مع بعضها البعض لمدى قرون، لقد تزامنت الأحداث الحزينة والمؤسفة في كل من (فتابرنو) و(كتم) و(الجنينة) مع قرب الوصول إلى إتفاق سلام عادل بين الحكومة الإنتقالية والجبهة الثورية، فلجأ أمراء الحرب إلى محاولاتهم اليائسة لتعطيل مشروع هذا الإتفاق، وذلك باستثارة النعرات العرقية بين الرعاة والمزارعين وقيام مدسوسين بالتغلغل في أوساط المجتمعين لإزكاء نار الفتنة.
ألأمراء الحربيون هؤلاء يعتمدون في تنفيذ أجندتهم على أعداء السلام المركزيين، الذين عايشوا كل الحقب وشاركوا في كل الحكومات وينتمون إلى كل الأحزاب والطوائف، ولم يعملوا يوماً على معالجة جذور أزمات الأطراف البعيدة من القطر منذ خروج المستعمر، هذا التحالف القائم بين أمراء الحرب وأعداء السلام الذي بدأت خيوط مؤامراته تتكشف، ليس بالشيء الجديد ولا هو بالأمر الطاريء، فعبر مسيرة تاريخ الدولة السودانية الحديثة هنالك أمراء حرب ساهموا سلباً على مسار قضية جنوب السودان، وتسببوا في إطالة عمر مأساة أهاليهم لأكثر من عشرين عاماً، وبعد أن يأسوا عادوا أدراجهم و التحقوا بضاحية نيفاشا واندمجوا مع القائد الكاريزمي الشامل جون قرنق ديمابيور، الذي أدار الحراك الجنوب سوداني بكل حنكة واقتدار وأوصله إلى نهاياته المنتصرة.
يحضرني تعليق طريف للدكتور الراحل خليل ابراهيم عن أمراء الحرب، عندما حل ضيفاً على الدوحة باحثاً عن السلام الذي دفع روحه ثمناً له، حينها وصف المتاجرين بالحرب (بالتلاليس)، و(التلّيس) في اللهجة الدارفورية يعني (العريان), ومن يتعرى من ملبسه أمام الناس هو شخص لا يستحي ولا يتورع من فعل أي قبح، فما زال التلاليس يزاولون نشاطهم الإجرامي مدعومين من أعداء السلام في الداخل، يشعلون النار على بيوت (القش) ثم يلجأون إلى قنوات التواصل الإجتماعي يذرفون دمع التمساح، ويلقون باللوم على شريحة من مكونات ذات المجتمع أملاً منهم في إراقة كل الدماء، لتنتفخ من بعد ذلك أوداج الزعيم والقائد المبجل المكتنزة أشداقه شحماً ولحماً عبر شاشة القناة الفرنسية، ليحدث العالم كيف أن نساءه قد اغتصبهن الجن الأحمر.
لماذا يرفض أمراء الحرب وأعداء السلام إتمام إنجاز عملية ألسلام؟، الإجابة على هذا السؤال تستوجب التمحيص والتفحيص والتدقيق في ماهية دوافع الفئتين، فالفئة الأولى لا ترضى بأن تتولى أي جماعة غيرها مسؤولية تحقيق هذا الحلم الذي انتظره شعب دارفور طويلا، ورموز هذه الفئة عرفوا بتضخم الذات وأصيب قدر معلوم منهم بالشيزوفرينيا الحادة، تتقافز إلى رؤوسهم العفاريت إن رأوا غيرهم يعملون بجد واجتهاد من أجل إعادة الأمور إلى نصابها، لا يتقبلون الآخر ولا يبتهجون لأحد غيرهم يحاول مجرد محاولة أن يصون دارفور من رجس عمل المجرمين، وبعضهم خُيّل إليه أنه سيدخل الخرطوم كدخول زعيم الفاتحين رائد مشروع السودان الجديد، لقد حلم أبطال هذه الفئة بمخاطبة السودانيين في ساحة شهداء ثورة ديسمبر كخطاب ملهم ثوار الهامش في الساحة الخضراء، سرح خيالهم مع إتكاءة هذا الحلم الجميل ونسوا أنهم لم يخرجوا من جلباب القبيلة بعد، ولم يستوعبوا حقيقة أن من أراد أن يصبح أيقونة (سودانية) لابد له من أن يخلع الجلباب الإثني والجغرافي أولاً.
أما الفئة الثانية فالحديث عنها مشحون بالشجون والآلام والأسقام، عداؤهم سافر لكل من يسعى صادقاً نحو بناء مرتكزات الوطن الذي يسع الجميع، ويقفون سداً منيعاً أمام كل من يريد أن يزرع بذور ممسكات الوحدة الوطنية، لا يريدون إلا وطناً يسعهم هم لوحدهم ويكون فيه الجميع واقعون تحت تأثير مؤشر إصبعهم، وظلوا يقولونها صراحة دون أن يرتعد لهم جفن (أطردوا هذا الدخيل وابعدوا ذاك الأجنبي) عندما تقوم عمليات الأنتخاب الطبيعي بإبراز قائد وطني قادم من الأطراف، يسهرون الليل ويقضون النهار في نسج خيوط التآمر والتخابر والتجسس والتحسس، ويتواصون بالشر جيل عن جيل أن لا تعطوها بغاث الطير بعد أن (لبّنت)، ويعنون ببغاث الطير هنا أولئك الذين حُرموا من الإمساك بالسكين القاطعة والباترة والمقسمة للكعكة، إنهم ألد أعداء السلام.
الأقتراح المقدم من الدكتور جبريل ابراهيم بتكوين قوة مشتركة من الجيش والدعم السريع وحركات الكفاح المسلح لتأمين المناطق الملتهبة هو الحل الأصوب، فلابد من أن يشارك الجميع في حماية الجميع باستثناء المتربصين والمندسين وأصحاب الأجندات غير الوطنية، لقطع الطريق أمام من يريدون أن يوقدوا نار الحرب والأقتتال العرقي من غرف منافيهم البعيدة القابعة تحت هطول أمطار الثلوج الباردة، فليحترس الحريصون على تحقيق السلام من هاتين الفئتين.

إسماعيل عبد الله
[email protected]