دارفور - مآلات خطاب الكراهية بقلم إسماعيل عبد الله

دارفور - مآلات خطاب الكراهية بقلم إسماعيل عبد الله


07-14-2020, 04:42 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1594741330&rn=0


Post: #1
Title: دارفور - مآلات خطاب الكراهية بقلم إسماعيل عبد الله
Author: اسماعيل عبد الله
Date: 07-14-2020, 04:42 PM

04:42 PM July, 14 2020

سودانيز اون لاين
اسماعيل عبد الله-الامارات
مكتبتى
رابط مختصر




عاد مجدداً الخطاب القديم الذي بدأ مع اندلاع الحرب الأهلية في الإقليم قبل عقدين, الخطاب الذي أزكى نار الشحن العرقي بين مكونات المجتمع الدارفوري، بتقسيم المواطنين إلى أصليين ووافدين و مستوطنين جدد وآخرين قدامى، رواندا مزقتها حروب الإبادة الجماعية بقيام الهوتو الذين يمثلون الأغلبية بوصم التوتسي بالدخلاء على الأرض، أنتهت المأساة بتحرير البلاد بواسطة التوتسي أنفسهم الذين قادوا الجبهة الوطنية الرواندية التي كان يرأسها الرئيس الحالي بول كاقامي, فهزموا صلف و غرور المستعمر الفرنسي الذي خطط لأن تكون رواندا دويلة غارقة في الدماء، وضرب الثوار في الجبهة الوطنية الرواندية أروع الأمثلة في بناء الأوطان بالتسامح والتصالح ومواجهة الحقائق عبر آلية ما يسمى بالحقيقة والمصالحة، التي أخرجت الضغائن من النفوس وجعلت الجميع أصلاء لا فضل لأحد منهم على الآخر في التراب والدولة الرواندية.
ألذين يثيرون الخطاب العنصري الداعي إلى إعادة إشعال الحرب العرقية من جديد، لن يستبينوا النصح إلا بعد أن تتحول أرض الإقليم إلى رماد، لأن المُهدَد في وجوده بالاستئصال وهو يسمع صباح مساء بأنه لا محالة مطرود، لن يقف مكتوف اليدين، ولنا عبرة في تجربة الحرب المأساوية التي عصفت باستقرار الإقليم قبل ثمانية عشر عاماً، وكيف تمت هزيمة ذات الخطاب وتثبيت حقيقة استحالة أقتلاع شركاء الأرض والتاريخ والأرحام، فكما تقول النظرية الفيزيائة الشهيرة (لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار و مضاد له في الأتجاه)، فعندما يستشعر الإنسان خطراً داهماً من أحدٍ يشير إليه بالسبابة ويستثيره بالوسطى ويكيل إليه الكلمات المحقِّرة مهدداً ومتوعداً، مما لا شك فيه أنه سيتهيأ ليوم كريهة ضرباً وطعناً قدومه حتمي ومؤكد الحدوث.
ألحاكورة، لاتعني أن يتم إحتكارها لقبيلة بعينها وحرمان الآخرين من الأستنفاع بأراضيها الزراعية ومراعيها وطردهم منها تعسفياً، بل هي أرض تخضع لأدارة أهلية محددة و يتم تنظيم أنشطة المنافع الرعوية والزراعية فيها عبر نظام إداري تقليدي وشعبي معلوم له جذر ضارب في قدم تاريخ الإقليم، فعلى سبيل المثال وليس الحصر نجد بعض أهلنا من قبيلة الزغاوة قد استقروا بمنطقة العمود الأخضر بأقصى جنوب دارفور، واستصلحوا الأرض وانتفعوا منها ومايزالون يعيشون في وئام مع من حولهم، على الرغم من أنهم أتوا من أقاصي شمال دارفور مستجيرين من نوائب الجفاف والتصحر بأهلهم من قبيلة الهبانية صاحبة الحاكورة، فإذا قرر كل أهل حاكورة وأصروا على طرد المقيمين معهم بها من رعاة أو مزارعين، فسوف يكونون قد استنوا سنة سيئة تجر على الإقليم الويلات والنزاعات الإثنية والحروب القبلية التي لا تنتهي.
لقد أسهبنا نحن أبناء الأقليم في الحديث عن تحميل المركز جريرة ما آلت إليه الأحوال لدينا، وهذا صحيح، لكن لم نفرد مساحات من الحوارات المفتوحة والشفافة فيما بيننا كنخب و بين أهالينا الهائمين على وجوههم منذ عشرين سنة، وهنا لابد أن نتحمل جزء من مسئولية التدهور المريع الذي ألم بالأقليم، لقد دخل إبننا زعيم التحرير الكمرد مناوي فاتحاً قصر غردون عبر أبوجا، لكنه قبع في بهو القصر المنيف ولم يقدم لأهالي الأقليم حلاً واحداً لمعضلة واحدة على مدى ما يربو على أربع سنوات، وبعده جاء ابن الشرتاي أتيم لذات القصر عبر الدوحة فخاض مع الخائضين، ولا يوجد مبرر لأحد منهما يستطيع أن يحاجج به إذا قُدّما لجمهور الأقليم في ندوة مفتوحة، فقبل أن نلوم المركز وجب علينا أن نتحسس جعبتنا، هل علق بها شيء من جرثومة فشل النخبة السودانية؟.
ألمعتصمون في نيرتتي وبدلاً من أن يطالبوا بتسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، طفقوا يهتفون بمطالبة ساذجة ومتواضعة وهي منع ارتداء الكدمول في أرجاء نيرتتي وضواحيها، ماذنب الرداء إذا كان القلب مسوداً بإثم إزهاق الأرواح؟، إنّ ثقافات الشعوب وموروثاتها لا تحاكم بل الذي يجب أن يحاكم هو الشخص المغترف للجريمة سواء كان مرتدياً لعمامة أو منطال (سيستم)، وكما يقول المثل لا تطعنوا ظل الفيل، فإما أن تتوجهوا كثوار أحرار قاصدين إكمال المشوار لمخاطبة أس البلاء، أو ستكون هذه الأعتصامات مجرد أماكن للترفيه وقضاء الوقت للمدبرسين، خاصة وأنه تم التحشيد لها في أجمل الأماكن طبيعة وجواً رطباً وفاكهةً غير مقطوعة ولا ممنوعة.
على مواطني ومواطنات إقليم دارفور رفض الخطاب الإقصائي والقبلي من أي طرف جاء، والعمل على ردم الهوة العميقة التي خلّفها الإحتقان العرقي في السنوات الماضية، وهذا يكون عبر استكمال مشروع السلام المرتقب، فلم يبقى في جسد الإقليم شبر واحد إلا وفيه طعنة رمح أو ضربة سيف، غلّقوا على الشيطان الأبواب ولا تفسحوا طريقاً أمام أبنائكم الموتورين الذين استمرأوا الحياة الرغدة بالجلوس على جماجمكم، لا تستجيبوا لخطابهم العنصري المشحون بالكراهية وهم قد هجروكم وتركوكم ترزحون تحت نير البؤس والشقاء وسكنوا هم مدن الضباب.

إسماعيل عبد الله
[email protected]