للاسف لكي نتحدث عن العنصرية نضطر لاستخدام بعض المصطلحات السخيفة، مثل شمالي، جنوبي، شرقي، غربي، فهي لا تليق بشخص متعلم او مثقف، وربما اضطر الي استخدام الفاظ اسخف، وهي مصطلحات تاريخية تشير الي اسماء القبائل، عندما كان الناس جميعهم يعيشون في مجتمعات قبلية، وكانوا لا يعرفون تكوينات اخري غير القبيلة، هذه المصطلحات درسناها في التاريخ، الرشايدة في الشرق، والبقارة في الغرب، والدينكا في الجنوب، حتي الثانوي لم نسمع هذه المصطلحات خارج مادة التاريخ، ساذكر لكم متي كان اول مرة اسمع اسم قبيلتي.
جارنا مامون (شمالي)، نحن من الوسط، فلنقل من الاقليم الاوسط، (شمالي) عندنا يعني شخص من الاقليم الشمالي، يعني شندي وانت ماشي شمال، مررت يوما بدكانه في السوق، في تلك اللحظة بدأ ينادي علي شخص بأسم غريب، اسم سمعته فقط في حصة التاريخ، قلت امشي واجي اسلم عليه، عندما رجعت اليه قال لي انا انادي عليك لماذا لا ترد علي؟ حالما عدت الي البيت سألت امي عن معني كلمة، قالت لي هذه اسم قبيلتك، عندها عرفت ان القبايل ليست فقط في التاريخ؟ كنت حينها في الصف الاول ثانوي، وعندما وصلنا الصف الثالث كان يجب علينا استخراج الجنسية، ولذلك ذكّرنا اهلنا بان هناك سؤال عن الجنس (القبيلة)، وذلك حتي لا نفشل في الاجابة علي هذا السؤال.
دعوني اقفز الي العام 1999، حينما صدر الكتاب الاسود، (مجموعة سكانية صغيرة تسيطر على البلاد)، هكذا قال الكتاب الأسود، والكتاب ينسب الي الدكتور خليل ابراهيم رحمه الله، فقد قرأت انه اعترف بكتابته، وهو يرصد احصائيات مفصلة للمناصب العليا في الدولة، ويوضح ان اغلب سكان مناطق السودان مهمشين، بما فيهم اهل دارفور، وانا اقرأ في الكتاب استبعدت ما ذهب اليه، ولكن بمراجعة الاحصائيات تجد ان ذلك صحيح، بل ان الاحصائيات لا تترك لك مجالا للشك، نعم في كل مائة منصب هناك واحد فقط من خارج المنطقة.
اكتشاف خطير! هذا عار! بل هو عار كبير! وهو شئ صادم، قد لا ابالغ اذا قلت انني مصدوم حتي الآن، كأن المرء اكتشف فجأة انه ابن زنا، كيف حدث هذا؟ بل كيف لم يلاحظه أحد؟ بل كيف لم يلاحظه رجال السياسة والادارة من خارج المنطقة؟
هييه! (الكتاب الأسود)!!! فعلا يستحق ذلك الأسم!
لكن في تلك الاثناء لم يكن لأحد ان يتجرأ فيذكر الكتاب الأسود، رغم ان الجميع كان قد سمع به، حتي القيادات السياسية، كانوا كلهم جبناء، شخص واحد كان يملك الجرأة، وكان يمكن ان يقرأ من الكتاب الأسود بصوت عالي، لكن الدكتور قرنق ذهب قبل ان ينطق بأي كلمة، فقد لقي حتفه في حادث حركة جوية في 2005، اما مؤلف الكتاب الأسود فقد قُتل في قصف صاروخي في اواخر 2011، لكن الكلمة والأفكار لا يمكن التخلص منها، فالكتاب الأسود موجود، ونحن نصاب بالخوف والوجل عندما نقلب صفحاته، فهو كتاب ملعون!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة