Post: #1
Title: هل يمكن أن ينحج مغتربي الخليج في ما فشل فيه مهجاجري أوروبا! بقلم د. محمد حسن فرج الله
Author: محمد حسن فرج الله
Date: 06-18-2020, 01:08 PM
01:08 PM June, 18 2020 سودانيز اون لاين محمد حسن فرج الله- السعوديه مكتبتى رابط مختصر
لا شك ان المقيمين بالسودان يملكون الفرصة الاكبر للنجاح في ادارة الشأن السوداني متي ما توفرت شروط الكفاءة و الرغبة الصادقة و التجرد ، و ربما كانت العقبة الوحيدة التي تواجه هذا الاتجاه هي نقص عدد هذه الكفاءات و ذلك بسبب السنوات الطويلة من التجريف المقصود و الغير مقصود للعقول السودانية في عهد الحكومة المقبورة التي دفعت الكفاءات الي الهجرة بصورة غير مسبوقة ، وذلك اما بالتضييق السياسي و تقديم الولاء علي الكفاءة ، أو بسبب إنصرافها الي توجيه الأولويات الي مناحي ايدولوجية بعيدة عن البيئة الصحية لنمو العلم و المعرفة و المهنية ، و قد حكي لي صديق كان يعمل بمركز السودان للقلب قصة عجيبة في هذا المنحي ، و ذلك أن رأس النظام البائد في احد زياراته للمركز قد قابل أحد جراحي القلب في الممر ، و بعد السلام و التحية سأله عن جراح قلب آخر مرموق ، فأخبره الجراح بأن صديقه قد إغترب ، فرد المخلوع بخفة عُرف بها: "والله أحسن ليه ..!".
ربما كانت بعض الفروق بين مغتربي الخليج و مهاجري اوروبا تكمن في الفرق بين مفهومي الإغتراب و الهجرة أكثر من الفرق بين أوروبا و الخليج كنطاق جغرافي ، المغترب يعرف أنه أن يعود يوماً الي وطنه ، و هو لذلك يعمل لهذا اليوم ، ليس فقط بحرصه علي متابعة أدق دقائق البلاد و معايشتها بالحضور الوجداني ، و لكن أيضاً بالحرص علي الوجود الجسدي ما استطاع الي ذلك سبيلا ، ولذلك ربما يندر ان يغيب المغترب اكثر من عام عن الوطن ، و ربما زار بعضهم البلاد ثلاثة و اربعة مرات في العام أو يزيد.
معرفة المغترب بحتمية رجوعه يوماً ما تجعله أكثر حرصا علي فهم سياقات الحياة اليومية في السودان ، بل أن اغلب المغتربين لهم تجارب شراكات استثمارية مع اخوانهم و اصدقائهم في السودان ، و لن تندهش اذا عرفت ان اغلب المغتربين في الخليج يعرفون تحديثات اسعار الاسمنت و الطماطم و (الجردقة) اليومية ، و الكثير منهم يرسلون أبناءهم للدراسة الجامعية في السودان لأنهم لا يملكون الحق في الحاقهم بالجامعات في بلد الاغتراب علي عكس ما يحدث مع المهاجرين في الغرب و ابنائهم ، و سينعكس وجود هؤلاء الأبناء في السودان علي حرص المغترب علي التصاقه ببلاده واخبارها و تفاعله مع اليومي و الاستراتيجي فيها.
بيئة دول الاغتراب الخليجية ربما تكون اقرب الي بيئة السودان الثقافية و الدينية و هذا ما لا يتفق مع بيئة الهجرة الاوروبية ، و الأهم من ذلك أن تاريخ نهضة الدول الخليجية تاريخ حديث ما تزال شواهده و ظروفه و شروطه و سياقاته ماثلة يمكن استلهامها و الاستفادة منها ، كما أن الفروقات بين هذه النهضة و الواقع السوداني ليست شاهقة بحيث يصعب يصعب إقتفاء آثارها و تتبع خطواتها.
المغترب الذي يتسنم موقعاً مميزا في الدول الخليجية سيكون قد وصل اليه عبر رحلة شاقة و تنافس حميم مع كل جنسيات العالم ، و لن تدعمه في رحلته هذه قوانين ( التمييز الايجابي ) و لا أفضلية الجنسية المكتسبة بالهجرة ، و قوانين التمييز الإيجابي في الغرب ربما منحت الفرصة لمن هو أقل كفاءة بغرض إتاحة المجال للاقليات و المهاجرين للنمو و المواكبة ، و هو اتجاه نبيل و فاضل و يحفظ للمجتمع توازنه الاقتصادي و اتزانه النفسي وسلامته الاجتماعية.
ربما كان الفرق بين مغترب الخليج و مهاجر اوروبا كالفرق بين المثقف العضوي الذي يلتحم بالجماهير و قضاياها و واقعها و المثقف المتعالي علي العادي و اليومي و الجماهيري ، فهل تجرب حكومتنا الانتقالية مغتربي الخليج بعد أن جربت مهاجري البلاد التي تموت من البرد حيتانها ..!
د. محمد حسن فرج الله
|
|