آباء الحوش بقلم جعفر خضر

آباء الحوش بقلم جعفر خضر


06-15-2020, 03:35 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1592231704&rn=1


Post: #1
Title: آباء الحوش بقلم جعفر خضر
Author: جعفر خضر
Date: 06-15-2020, 03:35 PM
Parent: #0

03:35 PM June, 15 2020

سودانيز اون لاين
جعفر خضر -السودان
مكتبتى
رابط مختصر





- الشاهد

في ثمانينات القرن الماضي، كنت مريخابيا متعصبا، وكان عمنا دفع الله يس سالم هلالبيا متعصبا. ربما يكون هو من تسبب في أن يصبح ابنه النذير هلالبيا متعصبا أيضا، وقد أسمى النذير ابنه "هيثم" تيمنا بهيثم مصطفى؛ لكن كان ابن دفع الله الآخر أمير - الذي انتقل إلى رحمة الله قبل أسابيع قلائل - مريخابيا، لذا كنا متحالفين رياضيا. ونخوض معا نقاشات ساخنة ضد هلالاب حي ديم النور بمدينة القضارف.
لم أعرف لعمنا دفع الله انتماء سياسيا، لكنه كان ضد الجبهة الإسلامية القومية، ثم ضد الإنقاذ، ومع الديمقراطية، ويحب الفنان وردي.
كنت أحضر برنامج الرياضة في إذاعة أمدرمان في الراديو الخاص بعمنا دفع الله، لمدة طويلة، إذ لم يكن لدينا راديو يعمل لوقت طويل.
كنت عند الثانية والثلث، وفي دقيقة واحدة، أنفذ إلى بيت عمنا دفع الله، عبر النفاج، مرورا بمنزل عمنا ميسرة لأحضر "عاااالم الرياضة" مع العم دفع الله، أسارع حتى لا تفوتني بداية البرنامج، وأبقى حتى تدق ساعة أمدرمان معلنة الثالثة. وكم تناولت الغداء معه، وكم أرسلت لي رفيقة دربه الخالة سيدة - حفظها الله - ملاح اللقمة هدية مخصوص.
لكي تصل لأي منزل من منازل الحوش(سبعة بيوت) لا تحتاج إلى الخروج للشارع، وإنما تنفذ عبر النفاجات. ولم تكن تجمع بين سكان الحوش صلة القربى. سبعة بيوت جمعت أناس من أنحاء السودان المختلفة، بل من أنحاء أفريقيا. إنه حي ديم النور الذي يفعل العجائب.
عندما كنا أطفالا حجتنا الخالة صفية - شفاها الله - بحجوة "فاطمة السمحة" وغيرها، لم تكن لنا حبوبة بصلة الدم هنا في الديم ، وكم ذهبت بنا إلى منزل الخالة خدوم علي بعد مرابيع لحضور المسلسل اليومي، أو حلقات "الرجل الخارق"، قبل أن تتوفر الكهرباء والتلفزيون في بيتنا. وظلت الخالة زينب - والدة صديق الطفولة عمر - تفيض بحنية غامرة على كل أبناء الحوش.
إذا أردت الوصول لمنزل محكمة المصرية للحصول على هدية بعد عودتها من مصر، سأعبر بالنفاج إلى منزل ميسرة/صفية ومنه إلى منزل دفع الله/سيدة، ثم منزل محمد اللباب/زينب، ثم منزل سعد/جليلة، وأخيرا منزل سيدأحمد/محكمة لأحظى بإحدى لعب الأطفال.
وكنا ذات مرة قد داهمنا شجرة التين بمنزل الخالة جليلة - حفظها الله - برفقة صديقي يسري ، وأسرفت في أكل التين إسرافا حد الاستفراغ، ولم تعد علاقتي بالتين لسابق ودها حتى هذه اللحظة.
حفّظنا عمنا عوض عبد الله البشوش آية الكرسي، ربما لحفظنا، وعلمنا آداء صلاة الجمعة في حي البوليس. وحتى عند رحول إيشو وزوجها رجب وأولادهم، إلى الرابعة، لم تنقطع إيشو عن زيارة بيوت الحوش.
سلمون، من الذين سكنوا لسنوات بمنزل ميسرة، وكان كادرا صحيا يقدم خدماته الطببة لأهل الحوش، إلى أن داهمته قوة من جهاز الأمن، في التسعينات، وقيل أن العملية تمت بالتنسيق مع المخابرات الأرترية التي تم تسليمه إليها، ولا ندري إن كان حيا أو ميتا.
كان غداء الجمعة الراتب، بمنزل جد الحوش علي طه، فرضا ثابتا منذ أن تفتحت أعيننا وعلى مدى سنوات طويلة، حيث تجتمع الصواني هناك، وكنا أطفالا نستمع لحديث الكبار في شئون الحياة. لم يتوقف هذا الغداء الجماعي الأسبوعي إلى أن رحل علي طه.
وبعد رحيل علي طه، رحل ميسرة، ورحل أبي خضر، ورحل سيد أحمد، ورحل محمد اللباب، ورحل سعد. وبالأمس القريب رحل عمنا دفع الله آخر آباء الحوش.
رحمهم الله جميعا بقدر ما علمونا ألا فرق بين الناس، علمونا ذلك بلسان حالهم، لا بلسان مقالهم.