خربشات على جدار الحزب الشيوعي بقلم سيد أحمد حسن بتيك

خربشات على جدار الحزب الشيوعي بقلم سيد أحمد حسن بتيك


06-14-2020, 04:54 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1592150056&rn=0


Post: #1
Title: خربشات على جدار الحزب الشيوعي بقلم سيد أحمد حسن بتيك
Author: سيد أحمد حسن بتيك
Date: 06-14-2020, 04:54 PM

04:54 PM June, 14 2020

سودانيز اون لاين
سيد أحمد حسن بتيك-sudan
مكتبتى
رابط مختصر





قبل سنوات مضت توكلت علي الحي الذي لا يموت وحزمت أمتعتي ميمما شطر وطني بعد أن طلقت الاغتراب طلاقا بائنا بينونة كبرى. وقرار العودة ليس بالقرار الهين واخبار البلد في وقتها لا تسر المغترب وتزيده وبالا على وبال الغربة. ورغم ذلك قررت العودة للخرطوم - التي غادرتها وهي مدينة صغيرة مقارنة بعواصم الدول من حولنا – وعدت إليها وهي مدينة عشوائية غشيتها غاشية التمدد الرأسي والأفقي من جراء نزوح سكان المدن والريف إليها زرافات ووحدانا وبصورة جعلتني استحضر مشهدا ساخرا للفنان عادل إمام وهو يقول لساعي المحكمة في مسرحية شاهد ما شاف حاجة:" وانتو سايبين الشقة كلها وساكنين في غرفة".
استقر بي المقام عند عودتي للوطن بواحدة من أشهر المناطق الشعبية، فأنا من عشاق تلك المناطق، وكيف لا يعشقها مثلي ممن تربوا على قيم التواصل وتبادل المنافع بين الجيران وهي أعراف فاضلة عرف بها شعب السودان بين سائر الشعوب قبل أن تفتقدها للأسف كثير من الاحياء الراقية شكلا والفارغة مضمونا. لا علينا فما أردنا الخوض في هذا الشأن لكنها مقدمة مطلوبة لتعرف أيها القارئ العزيز كيف شاء الله باختياري للسكن في ذلك الحي الشعبي أن أسكن على مقربة من السكرتير العام للحزب الشيوعي وذلك قبل أن يتولى هو زمام الأمر في الحزب الأحمر وبعد أن تربع على عرش قيادته السياسية... وتلك سانحة كنت أمني النفس بها لأن أمر هذا الحزب شغل بالي ردحا من الزمن وكم جالت بخاطري أسئلة جمة عجزت أن أجد لها اجابات مقنعة يوم كنا طلابا في جامعة الخرطوم ويوم كانت الجامعة جامعة بحق تتناطح فيها الاكاديميات مع الثقافة والسياسة والرياضة في مضمار واحد بهدف صقل الطالب الجامعي وتثقيفه واعداده للمستقبل.
ولعلك مثلي ترغب في معرفة الكيفية التي استطاع بها هذا الحزب العتيق أن ينمو في تربة غير تربته ويبقي صامدا في وجه ضربات قاتلة ومتتالية انهالت عليه المرة تلو المرة من خصومه السياسيين ابتداءاً من طرد نوابه من برلمان ديمقراطي ومرورا باعدام قادته المدنيين منهم والعسكريين أبان العهد المايوي وانتهاء بالحظر والسجن والمطاردة لعضويته في عهد الانقاذ فضلا عن تهمة العلمانية التي لصقت بالحزب في كل الحقب كبديل مخفف لتهمة الكفر.
وقبل الخوض في غمار الحزب الشيوعي أود الاشارة ألى أن من نعم الله علينا وفضله أننا كنا من مبغضي السياسة ... وفشلت كل جهود اليمين واليسار في استقطابنا في زمن كان الاستقطاب فيه حادا وتراق في ساحته الدماء. واكتسبنا من جراء ذلك الحياد عينا ترى الأشياء بوضوح ولسانا يسمي الاشياء باسمها دون غبار من تعصب أعمى لجماعة أو ركض وراء حزب تماما مثل ما يركض الامعات في زماننا هذا وما أكثرهم.
وزادنا الله فضلا أن حبانا بوالدٍ كريم –رحمه الله- كنا شهودا على حسن سيرته بين الناس وكيف فاض ماعونه على الجميع لأنه كان يؤمن ايمانا راسخا بأن البشر الذين كرمهم ربهم ينبغي أن يعاملوا بالتكريم بغض النظر عن توجهاتهم السياسية وألوانهم وأديانهم. ولعل فيضا من بركات ذلك الانفتاح أنار دربنا فصار لنا أصدقاء من كل الاحزاب، ولعلك لامس طرفا من تلك الصداقة في توثيقنا لسيرة أقوام ينتمون لاتجاهات سياسية مختلفة وأحيانا متصارعة بل وبعضهم أعداء.
وأحسب أن ذلكم التكوين الشخصى أتاح لنا فرصة محاورة عدد ليس بالقليل من عضوية الحزب الشيوعي في حوارات وديه أحيانا وملتهبة في أحايين أخرى ولعل أكثرها اشتعالا كانت مع السكرتير العام للحزب الشيوعي والذي أشهد له بسعة صدره وصبره حتى في اللحظات القليلة التي كان ينفعل فيها ويرميني بتهمة الانتماء للكيزان تماما مثل ما كان الاسلاميون يرمونني بتهمة العلمانية كلما ضيقت عليهم خناق الجدال فتأمل.
نتوقف عند هذا الحد على أمل أن نقدم في حلقة قادمة – إن شاء الله- قراءة تحليلية للعوامل التي أبقت الحزب الشيوعي فاعلا في الحياة السياسية وملهما للثورات السودانية كلها رغم الضربات الموجعة التي تلقاها طوال مسيرته ورغم محدودية عضويته وقلة ذات يده... ونحن اذ نفعل ذلك لا ندعي صوابا لا يقبل الخطأ فيما سنخلص إليه من نتائج، وأنى لنا ذلك وأسوار الحزب عصية على الاقتحام وحبلى بالمتاريس التي برعوا فيها وكانت من عوامل نجاح ثورة ديسمبر ... إنها مجرد خربشات على جدار الحزب وحسبها من خربشات أن تفتح الباب للأخرين ليدلوا بدلوهم في تقويم مسار الحزب العتيق والأحزاب الأخرى... ولو فعلوا فذاك المبتغى. لأننا وللأسف نعيش في وطن ضن معظم ساساته بتوثيق تجاربهم ورحلوا وفي معيتهم كثيرُ زادٍ كانت بلادنا في أمس الحاجة له.