Post: #1
Title: من يملأ شواغر التفكيك؟ بقلم إسماعيل عبد الله
Author: اسماعيل عبد الله
Date: 06-11-2020, 01:17 AM
01:17 AM June, 10 2020 سودانيز اون لاين اسماعيل عبد الله-الامارات مكتبتى رابط مختصر
كان من الأفضل أن يكون إسم لجنة التفكيك (لجنة التفكيك والبناء)، حتى تكتمل المهمة الوطنية باستئصال بؤر عصابات المنظومة البائدة وبناء مؤسسات للدولة حديثة، فبعد أن أعلنت لجنة منّاع عن تنظيف (خانات) ستمائة موظف دولة تمكّن سياسياً في العهد البائد، عليها أن تبت في الحال عن استحداث آلية جديدة لملأ الشواغر الوظيفية الخالية، بالكادر المؤهل من عموم أفراد الشعب السوداني، وأن تكون هذه الآلية الجديدة محايدة في إختيار الرجل المناسب والمرأة المناسبة لشغل الشاغر الوظيفي المحلول والمبلول شاغله.
ألخدمتان المدنية والعسكرية (شرطة وجيش وأمن)، قد أُرهقتا جراء المحاصصات الحزبية والمساومات الطائفية والأبتزازات الجهوية، الأمر الذي أدّى لاستمرار اختلال ميزان العدالة الاجتماعية في ربوع بلادنا، فساهم هذا الخلل البنيوي في إحداث الإنقلابات العسكرية ونشوب الحروب الأهلية، فلو أنّ الحكومات التي أعقبت البريطانيين عملت على تفكيك احتكار الوظيفة العامة من قبل الأحزاب السياسية، لرأينا اليوم وطناً يناطح النجوم، لكن لا تنفع الندامة ولا يجدي البكاء على اللبن المسكوب، وعلينا اتباع المثل (أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي).
إنّ بناء الأوطان لن يتم بالعواطف الجائشة ولا بالمجاملات الفاترة، ولا بتبادل الابتسامات البلاستيكية الصفراء العابرة، إنّ عملية البناء الوطني لن يستطيع القيام بها إلا من تجرّد و تخلّص، من الحميّة الحزبية والعصبية الطائفية والعنصرية البغيضة، هذه هي الأمراض العصيبة التي صاحبت جميع حكومات ما بعد الأستقلال، فمشاريع التشييد والبناء هي الأكثر صعوبة من مهام التفكيك والإفناء، أو كما يقال بأن الخراب والدمار أسهل من الإعمار، فالهم الوطني الواحد يفرض علينا كلنا أن لا نعيد المسلسلات الحزينة لتلك التجارب الفاشلة مرة أخرى.
هذه الأيام يعيش شعبنا السوداني الطيب لحظات من الغبطة والسرور والحبور، بوصول مشروع الــ (بل) إلى مراحله المتقدمة في استصراخ الزاحفين البائدين، لكن هذا الشعب الأبيض النية و(السليم القلب) عليه أن يحذر كل الحذر من (السياسيين) على إطلاقهم، يمينهم ويسارهم متمردهم وحاكمهم شرقاويهم وغرباويهم أزرقهم وأبيضهم، فالسياسيون بناءًا على وصفة أحد الحكماء (كالحفاظات – البامبرز – يجب تغييرهم بعد الفينة والأخرى)، ودونكم تلك الثقة العمياء التي أولاها ذوو الشهداء للقحتاويين، والتي أفرزت في الآخر نتيجة صادمة شهدنا مأساتها اليوم، عندما ضُرِب والد الشهيد كشّة من قبل (بغايا) النظام البائد حتى أدميت قدماه.
ألمواطنات والمواطنون غير المتحزبين عليهم إطالة قرون استشعارهم وإنعاش حسهم الأمني، بأن لا يثقوا إلا في أنفسهم وفي أهداف ثورتهم المجيدة، وأن لا يرتكبوا الخطأ الذي ندم عليه زعيم الإخوان الراحل الترابي، عندما أوكل الأمانة إلى تلاميذه بُناءًا على أمانتهم الوفية عندما كانوا مسؤولين عن (قروش) صناديق الطلاب وخزئن الروابط الأكاديمية والتنظيمية الضيقة، فالشاهد من حديث زعيم الإسلاميين هو أن تستأمن شخص على أموال جمعية خيرية بالحي أو رابطة طلابية بالمعهد والجامعة، يختلف كثيراً عن إلقائك عليه بثقل أمانة الوزارة أوالرئاسة أو السلطة العليا، فالإنسان بفطرته ظلوم جهول، ولو لا ذلك لما قام (اللمبي) بوضع نفسه في هذا الحال الحرج والفاضح المكشوف.
في ظل الزوبعة ذات الغبار الكثيف المثار هذه الأيام عليكم بالتوثيق لأقوال السياسيين، حتى تحاكموهم بها بعد حين، لأنهم لا يثبتون على رأي ومبدأ، أذكر أن أحد السياديين عندما كان ناشطاً كال الوصمات والمعايرات (الجنجويدية) لرئيسه الحالي (نائب رئيس المجلس)، ثم خضع فيما بعد لحتمية أوامر معادلة (ساس يسوس) الصعبة المراس، فالسياسة لعبة قذرة وعليك يا أيها السياسي (الحريف)، أن لا تشطط في غضبك وعدائك تجاه الآخرين من الذين تختلف معهم في الرأي والرؤية، فربما تضعك صروف الدهر تحت إمرة ذات الشخص الذي كلت له السباب والشتائم ذات مرة غافلة.
فليقم أصحاب الحاجة (الثوار) إلى حاجتهم بعد المشهد الدامي لوالد الشهيد كشّة، الذي شاهدناه بأم أعيننا نهار هذا اليوم، وكما نصحنا منذ بداية هذا التغيير المنقوص (النص كم)، بأن لا تمنحوا أحداً شيكاً على بياض مهما بكى و تمرغ على تراب مآتم الشهداء، ومهما ابتلت لحيته بدموع التماسيح على أرض المقبرة التي احتضنت رفاة الشهيد، لأن ذات المنافق قد شهدناه اليوم يرفل تحت نعيم القصور المنيفة التي هجرها البائدون، وهو ينظر على شاشة جواله الذكي الدماء تسيل من تحت أقدام والد الشهيد كشّة، دون أن يحرك ساكناً.
لماذا لم تكرم حكومة الانتقال الثورية أُسر شهداء مجزرة القيادة العامة ومعهم ذوي شهداء مواكب الأحياء في ذكراهم الأولى؟، لماذا لا تقيم احتفالاً جماهيرياً في بهو ساحة القصر الرئاسي المكتسية بالخضرة النجائلية الدائمة المروية بالمياه النقية الصافية غير المتقطعة؟، هذا سؤال مشروع يجب على كل حريص على دماء الشهداء أن يجيب عليه (دون لف أو دوران)، بل هنالك سؤال آخر أكثر أهمية، هو: لِم لا تفرد حكومة الانتقال نسبة تميزية إيجابية معتبرة لذوي الشهداء في ملأ شواغر المزالين من الخدمة العامة من البائدين؟.
من خلال التطورات الأخيرة على ساحات وفعاليات الحكم الانتقالي، يبدو أن تحقيق العدالة إعلامياً هو الأكثر سهولةً من إنجازها كحقيقة مجسّدة على أرض واقعنا المأزوم. لذا على جميع جماهير الشعب السوداني أن يذهبوا الآن الآن وليس غداً، إلى دور مؤسسات الحكم الإنتقالي ويقدموا مشروعهم البديل لملأ شواغر الخدمة المدنية التي أزالتها لجنة التفكيك، وإن لم يفعلوا فإنّ (الرماد) قد كال حمّاد وليهنأ الجميع ببرطعة (الجداد).
إسماعيل عبد الله
[email protected]
|
|