الشيوعيون وأبا: وقف حمار نميري على الجاسر بقلم عبد الله علي إبراهيم

الشيوعيون وأبا: وقف حمار نميري على الجاسر بقلم عبد الله علي إبراهيم


05-15-2020, 05:55 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1589518536&rn=0


Post: #1
Title: الشيوعيون وأبا: وقف حمار نميري على الجاسر بقلم عبد الله علي إبراهيم
Author: عبدالله علي إبراهيم
Date: 05-15-2020, 05:55 AM

05:55 AM May, 14 2020

سودانيز اون لاين
عبدالله علي إبراهيم-Missouri-USA
مكتبتى
رابط مختصر




(لو كان كتاب المؤرخ النجيض صديق البادي عن صدام النميري والجبهة الوطنية في أبا معي لخرج هذا الفصل أكثر تفصيلاً وأدق في زمان الواقعة ومكانها)

أمران ينبغي ألا يغيبا عن الذهن ولو لثانية في دراسة المواجهة في أبا في مارس 1970.
أولهما: إن المواجهة لم تكن بين النظام والأنصار كما تجري العبارة. بل كانت بين النظام ومعارضيه من تكونت منهم "الجبهة الوطنية" حتى تفرقت أيدي سبأ بعد هزيمتها في مواجهة أخرى مع نظام مايو معروفة باسم "غزو المرتزقة" من ليبيا في 1976. وكانت بذرة التكوين للجبهة في أبا بعد قيام نظام مايو 1969. قال السيد الصادق الهادي المهدي إنها تكونت بزعامة والده والشريف الهندي عن الوطني الاتحادي ومثل جبهة الميثاق الإسلامي كل من محمد محمد الصادق الكاروري، الذي اعتقل مهاجراً مع الإمام في الكرمك بعد الهزيمة، ومحمد صالح عمر، الذي استشهد في معركة أبا، ومهدي إبراهيم الذي أطلق ساقيه للريح بعد الضربة ليظهر عند باب الشيخ أحمد عبد الرحمن بمدنية جده وقد أخذ منه التعب منه مأخذاً في قول مضيفه.
وثانيهما: إن قوى الجبهة الوطنية من الأنصار لم يكونوا "صابناها" في معناها الحالي لتهاجمهم دولة 25 مايو من حيث لا يحتسبون. لقد كانت الجزيرة معبأة ومسلحة ومدربة ما وسع كادر الإخوان المسلمين لمنازلة نظام نميري كما فصلت في حلقة مضت من هذه المقالات. وسنرى كيف استبسلت هذه القوة المعارضة فجرعت قوة نميري الهزيمة مرات. ولم تستسلم إلا بعد خمسة أيام من القتال منقطع النظير.
اتصل نميري في يوم 26 مارس من كوستي، التي أنهي فيها رحلته على النيل الأبيض لتظاهرات الأنصار ضد نظامه التي دعت لها الجبهة الوطنية المعارضة، بزين العابدين محمد أحمد عبد القادر، رئيس هيئة الأركان بالإنابة. وطلب منه إرسال قوة لاعتقال الإمام. وانتدب زين العابدين الضابط أبو الدهب الذي ظهر اسمه أول ما ظهر في انقلابات محمد خير شنان ومحي الدين أحمد عبد الله في 1959. وجرى فصله من الجيش الذي عاد له بعد انقلاب مايو. وكان نائبه على الحملة عثمان أمين شقيق بخيتة امين وصهر الزعيم الأزهري. وكان الأمر بمهمتها اعتقال الإمام الهادي مما كشف عنه الرائد محجوب برير الذي كان على قيادة الدبابات في حملة أبو الدهب. ومحجوب من ضباط خور عمر الذين نفذوا انقلاب 25 مايو وله تأليف كثير عن انقلاب مايو وسيره. فقال إنهم لما بلغوا جبل أولياء استدعاه أبو الدهب وطلب منه فض خطاب مختوم بالشمع الأحمر وقراءته لإعادة تنوير القوة. وحوى الخطاب الأمر باعتقال الإمام.
وصلت القوة المكلفة باعتقال الإمام أبا يوم 26 مارس. ولما تحركت من فوق الجاسر، وهو جسر ترابي يربط جزيرة أبا بالضفة الشرقية للنيل، وقعت في كمين أعده الأنصار. فكانوا قد حفروا أخدودين عند رأسيّ الجسر: الداخل للجزيرة والخارج للشط الشرقي. فوقفت القوة بمصفحاتها وعرباتها البالغة 22 مركبة عاطلة لا سبيل لها للتقدم للجزيرة ولا أن تنسحب منها.
وجد الدكتور عبد السلام صالح عيسى، الضابط بالسلاح الطبي الملحق بحملة أبا، قوة أبو الدهب على الجاسر كحال البطة الداجن في قول الإنجليزية عن الشيء العاجز عن الحركة. وجدها محاصرة بعد كمين الأنصار شاكي السلاح. وعند كل عربة صفيحة جاز جاهزة للاشتعال. وكان جنود القوة فوق عرباتهم بلا حراك. وكنت، في قول عبد السلام، ترى عربات تقل الإخوان المسلمين تتحرك. وكانت ضمن القوة دبابة برمائية سببت خوفاً كبيراً وسط الأنصار لتنقلها بين البر والماء. وكانت البرمائية تحت قيادة محجوب برير الذي كانت له قيادة المدرعات في حملة اعتقال الإمام كما مر. فقال إنه امتطاها واقترب من عربة أبو الدهب وهو محاصر. ففتح أبو الدهب الشباك وقال له باللغة الإنجليزية إنه مضطر لخداع الأنصار للخروج من مأزق قواته. وقيل إنه وعثمان أمين رفعا علماً أبيض علامة على التسليم. فأخذهما خالد محمد إبراهيم، أمين شؤون الأنصار، إلى الإمام الهادي. ولم يأت محجوب بما جاء به عبد السلام وهي أن البرمائية أفسدت رهبتها وسط الأنصار بتوحلها في الطين أمام أعينهم.
كان طلب أبو الدهب من قوة الجبهة الوطنية التي شلت حركته مكراً. فقال إنه مندوب نميري ليتفاوض مع الإمام حول مطالبه. فتحرش الأنصار به مثل خلعهم لدبابيره قبل أخذه للإمام. بل قال الضابط سوركتي إن منهم من طعنه بحربة على مؤخرته. فكتب الضابط سوركتي لاحقاً أنه سأل أبو الدهب عن سبب لجوئهم للعنف المفرط في أبا. فما كان منه إلا أن أرخى سرواله وأراه أثر الجرح. وقيل إنه لما استدعاه نميري في كوستي ودخل عليه بقميصه الممزق استنكر نميري ذلك منه وقال له: "ما كنت تغير وتجي".
ولما التقى أبو الدهب بالإمام سأله عما يطلب من النظام فعرض عليه شروطه التي كان أظهرها إزاحة الواجهة الشيوعية من الحكم فوراً. كما طالب بإطلاق سراح المعتقلين وفيهم السيد الصادق المهدي، والعمل بالدستور الإسلامي، والإعداد لانتخابات برلمانية، وايقاف جميع الاتفاقات مع المعسكر الاشتراكي، وإيقاف التدخل المصري الليبي في شؤون السودان. وكان هذا قبولاً ضمنياً من الإمام بالانقلاب كمرحلة انتقالية. وصدّق الإمام حيلة أبو الدهب. فخطب في الجمعة عن تفاوضه معه الحكومة وكأنه حق وما هو بذلك. وأمر الإمام بالإذن لقوة الجيش بالانسحاب مهانة بالجاسر إلى الضفة الشرقية إلى ربك لا أرضاً قطعت.
وعقد نميري بعد سماعه عن بهدلة قواته اجتماعاً بغرفة عمليات بكوستي استدعى فيه أبو الدهب ليقدم له تقريراً شفهياً عن مواجهة أبا. وقال محجوب برير إن نميري استدعاه لغرفة العمليات ليجد معه أبو القاسم محمد إبراهيم، ومامون عوض أبو زيد، وعبد المنعم الهاموش، وسعد بحر، والتاج حمد، قائد منطقة كوستي العسكري. وكانت الخطة التي اتفقوا عليها أن تتحرك كتيبة مدرعة صلاح الدين من الخرطوم بقيادة حمادة عبد العظيم، عضو المجلس العسكري في 1985، إلى أبا مسبوقة بحصار الجزيرة من جهاتها كلها. وأوكل لأبو القاسم محمد إبراهيم قيادة عملية إخضاع الجزيرة.
وسنعرض بعد للارتجال الذي ساد هجوم الجيش على أبا ومفازع نميري من مواجهة الجبهة الوطنية في أبا.