مولير قبل اربعمائة عام...اين كنا؟ بقلم د.أمل الكردفاني

مولير قبل اربعمائة عام...اين كنا؟ بقلم د.أمل الكردفاني


05-11-2020, 04:03 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1589209381&rn=1


Post: #1
Title: مولير قبل اربعمائة عام...اين كنا؟ بقلم د.أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 05-11-2020, 04:03 PM
Parent: #0

04:03 PM May, 11 2020

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر




قبل ثلاثمائة وثمانية وتسعين عاماً، صرخ الطفل جان بابتيست صرخته الوجودية، ثم نهض في عائلته البرجوازية، وناضل لثلاثين عاماً ليضحك الناس، ممرراً عبر ضحكاتهم القيم التنويرية التي زرعها فيه معلمه فولتير.
على الويكيبيديا نبذة عن سيرته، وكما قال انشتاين حينما سأله أحدهم عن سرعة الضوء: هذه المعلومات متوفرة في الكتب.
لكن ما نحن بصدده اليوم هو المسرح المولييري، أي مسرح يصنف كمسرح كلاسيكي، وما لا استطيع تصنيفه إلا كمسرح حداثي، استناري. أين كنا قبل اربعمائة عام، عندما كان يتحدث موليير في مسرحيته (طرطوف) عن تجار الدين؟ وأين كنا حين يتحدث عن الرأسمالية الجشعة في (البخيل)؟ كنا رقعة أرض تتفرق فيها مجموعات زراعية أو رعوية، لا تعرف ما المسرح، وما الاتجار بالدين، وما الرأسمالية، إننا اليوم فقط نتجادل حول العلمانية والدين، وهذه هي الهوة الشاسعة التي تفصل بيننا وبين أوروبا. إنها هوة معرفية واسعة بل شاسعة تمتد لاربعمائة سنة.وبالرغم من ذلك فإنه حتى تساؤلاتنا الراهنة مزيفة أشد التزييف؛ إذ أننا نتساءل (بدوافع شخصية سياسية) تساؤلات انقضى عليها أكثر من أربعمائة عام...إن هذا في حد ذاته كوميديا تراجيدية تشي بالعبث والهزل والسخرية والبكاء في نفس الوقت.
ساستعرض مسرحية موليير (البخيل)، وساستعرضها من حيث الحبكة، فغالبا ما أنسى الأسماء، لضعف ذاكرتي كما انسى وجوه من ألتقيهم بسرعة، وكم هذا محرج.
مسرحية البخيل، ومن عنوانها نعرف أن بطلها رجل بخيل. ويستطيع موليير بحذاقة أن ينحت لنا الحوارات المضحكة ولكن ذات المغزى. سنجد موليير مثلاً يعبر عن ازمتنا الكورونية الراهنة، حيث لا تقرأ تقريراً طبياً أو ورقة بحثية أو حواراً بين العلماء المختصين عن الكورونا، إلا ووجدت التعارض والتناقض، والضياع. يطلب أحد أبطال المسرحية وهو ابن البخيل من حبيبته التي ينافسه عليها والده ؛ يطلب منها أن تدعي المرض. غير أن الفتاة تخشى أن يكشف عليها الأطباء فيعرفوا مرضها، حينها يرد عليها: متى كان الأطباء يعرفون المرض من تلقاء أنفسهم، إنهم يحددون المرض بناء على ما تخبرنهم نحن به.
وهذا مطعن ساخر، إذ يتعلم موليير كيف يمرر غمزاته بين الكلمات. لقد فعل ذلك كثيراً وخاصة في مسرحية طرطوف، واستطاع في حضور الملك شخصياً أن يمرر ما يريد ثم قدم اعتذاره على خشبة المسرح للملك بشكل لطيف، وهكذا نال حماية الملك نفسه. قبل أربع سنوات فقط من وفاته (١٦٧٣).
مات فولتير وهو صغير في السن إذ كان في الحادية والخمسين من العمر فقط بداء السل كعادة ذلك الزمان. ولكنه كان بارعاً في مزج الفلسفة بالضحك.. وسنرى ذلك باستمرار في مسرحية البخيل. وهي المسرحية التي يرتفع ستارها عن حوار بين شاب وشقيقته، وكلاهما لديه قصة حب يخشى من مفاتحة والده عنها بسبب بخله. الفتاة لديها حبيب ارتضى أن ينافق البخيل ويتملقه بعد أن عمل عنده ليتمكن من الوصول لرضائه بالزواج من ابنته. وأما ابن البخيل فقد احب فتاة سكنت مؤخراً قربهم هي وأمها وتبدو على الفتاة وأمها علامات الفقر. غير أن البخيل يسابق ابنه للزواج بالفتاة، إذ أن زواجه بفقيرة جميلة سيوفر عليه الكثير من النفقات المستقبلية. كما أن البخيل قبل تزويج ابنته برجل موسر ارتضى الزواج بابنة البخيل دون مهر، (أي أن المرأة هي التي كانت تقدم مهراً للزوج كما هو الحال حتى الآن في الهند). ويستمر الصراع بين الأب وابنيه، طوال المسرحية، لتنتهي نهاية سعيدة، وهي اكتشاف أن الرجل الموسر هو والد الشاب الذي أحب ابنة البخيل، وكان قد غرقت السفينه به وبأسرته، كما أن حبيبة ابن البخيل انما هي ابنة ذلك الموسر أيضا والتي نجت كذلك..وهكذا يتخلى الموسر عن الزواج بابنة البخيل لولده، ويدفع مالاً للبخيل فيتخلى هو أيضا عن حبيبة ابنه، وتصبح النهاية سعيدة بالنسبة للجميع.
وهذه النهاية، ليست مستهلكة أو ساذجة، لأن غرض موليير منها هو إيصال رسائله لجمهوره من العامة، عبر قصص شعبوية لطيفة وسعيدة، خلافاً للتراجيديا التي لم يكن يحبها. إن موليير تعلم كيف يمارس التسلية، والتسلية اليوم، هي علم العلوم، وليست مجرد فن. إذ أن البشر يميلون إلى التسلية لتقليل ضغوط الحياة وشقائها. ويميل السياسيون والرأسماليون، إلى خلق مجتمعات تستهلك أغلب مدخراتها في التسلية، كمشاهدة الأفلام ودخول المسارح، وشراء الأغاني، واللعب،..الخ. وهكذا يتم تمرير ما تشاء السلطة (التحالف الرأسمالي السياسي) من رسائل تدعم موقفها، مع او ضد دين أو مذهب أو طائفة أو آيدولوجيا...الخ.
لقد استطاع موليير في الواقع تمرير رسائل فولتير، كالحرية الفردية، وحكم القانون، وقيمة العقل،..وأهم من ذلك..مركزية الإنسان...وبعد مائة عام تقريباً لخص إيمانويل كانط كل تلك الرسائل في مقالته الشهيرة: ما هو التنوير.
ولا زلت اسأل شعوبنا المتعجرفة بخوائها:
أين كنا..قبل اربعمائة عام..؟