ألقرّاي والهوس الديني,, بقلم إسماعيل عبد الله

ألقرّاي والهوس الديني,, بقلم إسماعيل عبد الله


05-07-2020, 09:55 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1588884938&rn=0


Post: #1
Title: ألقرّاي والهوس الديني,, بقلم إسماعيل عبد الله
Author: اسماعيل عبد الله
Date: 05-07-2020, 09:55 PM

09:55 PM May, 07 2020

سودانيز اون لاين
اسماعيل عبد الله-الامارات
مكتبتى
رابط مختصر





من المصطلحات التي أدخلها شهيد الرأي والفكرة الأستاذ محمود محمد طه في قاموس السياسة السودانية,(الهوس
الديني), وكما عرّفه المختصون أنه التطرف والتعصب المجنون للدين, واعتُبر أحد العوامل التي اسهمت في إشتعال جذوة العنف السياسي, وصنفه علماء النفس في خانة أمراض الهيستيريا والإسقاطات النفسية, والخوف من الموت والاحساس بالذنب الذي يؤدي إلى الاكتئاب الحاد, والمهووس
دينياً تجده يكثر من العبادات بإفراط ويتحدث ليل نهار عن تفاسير ومدلولات النصوص الدينية, وله شهوة عارمة في ادخال جميع الناس في الدين الذي يعتنقه, ويشعر في ليله ونهاره وحله وترحاله بأنه صاحب رسالة سماوية عظيمة لزاماً عليه أن يوصلها لكل الناس, وفي هذا المضمار
لا استثناء لأحد (كوز, سلفي, جمهوري, أنصاري, ختمي , تحريري, داعشي).

من العلماء المسلمين الذين اجتهدوا في سباقهم المحموم لطرح رؤية الاسلام الوسطي والحداثي
غير الأستاذ محمود, الإمام الغزالي والدكتور حسن الترابي, فالأول له كتاب عنوانه (دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين) والثاني ألف سفر (تجديد أصول الفقه), و الكتابان والكاتبان كليهما طرحا نفسيهما كحداثيين مخالفين لجمود منظومة الآراء التي وردت في كتب الفقه الصفراء
القديمة التي ضرب العنكبوت حولها بيته, ومازال النقاد الحذقين في السودان يتهمون دكتور الترابي بضلوعه في مؤامرة إعدام الأستاذ محمود محمد طه, بحجة أن استمرار فكر محمود في التمدد والانتشار حينذاك, كان سوف يحرم الترابي وجماعته من الكسب السياسي المعتمد على الاستثمار
في الدين, باعتبار أن الأثنين (محمود وحسن الترابي) ينطلقان من ذات الأرضية الواحدة المرتكزة على موضوع التجديد.

إنّ فخ الهوس الديني قد وقع فيه الكثيرون من فطاحلة الكتاب والناشطين والسياسيين الذين تغلب
عليهم العاطفة الدينية الفطرية, وهذا الفخ دائماً ما يبدأ بجملة اعتراضية واحدة هي (هذا ليس هو الاسلام الصحيح), فالكل يدّعي أنه يملك الحقيقة المطلقة و بيده مفاتيح مغاليق الأبواب المؤدية للفهم الصحيح للدين, و الكل يتهم الكل بأنه أبعد ما يكون عن هذا الفهم الصحيح
(بحسب وجهة نظره الفطيرة بطبيعة الحال), وجميع الأطروحات المهووسة سواءٌ جائت من الغزالي أوالترابي أومحمود أو بن عبد الوهاب أو البنا وسيد قطب أو اسامة بن لادن والظواهري, جميعها ولجت من باب إستغلال الدين في شئون الحكم والسياسة.

قبل أكثر من عقدين من الزمان وقبل أن يتربع االعملاق (قوقل) على عرش آليات البحث المعلوماتي,
جمعتني إحدى غرف الدردشة السايبرية المتخصصة في حوار الأديان والمعتقدات بأحد الناشطين اليهود, وأثناء الجدال الديني الذي دار بيني و بينه كان يعرض علي فظائع الإرهاب المرتكبة في بلاد العرب و المسلمين, بحق الأبرياء من كل الأجناس والأديان تحت راية الإسلام, فقلت له
(هذا ليس بالاسلام الصحيح), فسألني مستفسراً ومستقصياً (وهل هنالك إسلامان؟).

من أكبر الأخطاء المرتكبة من قبل الحكومة الثورية الانتقالية, أن وضعت الرجل المؤدلج دينياً
على قمة المنصة المنوط بها إجازة المناهج التعليمية المستهدفة للنشأ والأطفال اليافعين, فمهما قدم أصحاب القرار من مبررات لن يقتنع اولياء أمور التلاميذ, وسوف يرددون سؤالاً واحداً هو (كفاية الكيزان الخربوا عقول أولادنا, تاني دايرين تجيبوا لينا ناس صلاة الأصالة
عشان يخربوها اكتر), هذا الوتر العاطفي والديني لن يلعب عليه الكيزان لوحدهم, بل سيشاركهم في ذلك أنصار السنة و بعض من جماعات الطرق الصوفية المنتشرة على طول البلاد وعرضها.

قد يسألني أحدهم ويقول: طيب ما هو الحل؟, الحل يكمن في إعادة مؤسستي الكُتّاب والخلوة, من
أراد لأبنه أن يحفظ القرآن الكريم وأن يدرس علوم الفقه والسيرة فاليذهب به إلى الكُتّاب, ومن أراد لأبنته الوحيدة أن تصبح طبيبة أو مهندسة في المستقبل فليذهب بها إلى المدارس الحكومية الرسمية, التي يجب أن تكون متفرغة للدراسات العلمية والأكاديمية الصرفة, وبهذا نكون
قد نقلنا بلادنا إلى مصاف البلدان المتقدمة كرواندا على سبيل المثال, فالروانديون لهم تجربة مأساوية مع الكنيسة, لأنها رعت وأشرفت على مشروع الإبادة الجماعية, فيا عباد الله أخرجونا من نفق القرّاي و صراعه الثأري والعقدي الممحون مع الكيزان, نحن قوم نؤمن بأن الدين
لله والوطن للجميع وما لقيصر لقيصر و ما لله لله, فبلادنا أكثر اتساعاً من أن تدور حول فلك رجلين مقبورين (محمود و الترابي).

خاتمة المطاف, جميع الذين يتحدثون عن الدين في السودان مصابون بفايروس هوس كورونا الديني,
سواء المطالبين بتقليص عدد سور القرآن الكريم المقررة في المناهج التربوية, أو أولئك الذين يُصّرون على بقاء هذه الآيات الكريمات والمقدسات كما وضعها الكيزان, فالمعركة أكبر من أن تضيع في جدل الدجاجة والبيضة البيزنطي:(هل نجعلهم يحفظون جزء عم على ظهر قلب) أم ندعهم
يفسرون أحاديث (صحيحي البخاري ومسلم), وليعلم الجميع أن هذا الجدل لن يخدم مشاريع السلام وإعادة اللاجئين والنازحين إلى قراهم, ولن يوقف الحرب أو يحقق التنمية الاقتصادية في البلاد.


إسماعيل عبد الله

[email protected]