ما بين التباعد الجسماني والتقارب الاجتماعي بقلم د. أسامة عثمان

ما بين التباعد الجسماني والتقارب الاجتماعي بقلم د. أسامة عثمان


04-13-2020, 06:35 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1586799328&rn=0


Post: #1
Title: ما بين التباعد الجسماني والتقارب الاجتماعي بقلم د. أسامة عثمان
Author: د. أسامة عثمان
Date: 04-13-2020, 06:35 PM

06:35 PM April, 13 2020

سودانيز اون لاين
د. أسامة عثمان-ايطاليا
مكتبتى
رابط مختصر




[email protected]

جاء في الحكاية ان سودانيا على درجة من الوعي قرر الالتزام الصارم بالتوجيهات الصادرة من السلطات الصحية والطبية لمراعاة ما يسمى "بالتباعد الاجتماعي" بوصفه أفضل وسيلة حاليا للحد من انتشار الفيروس التاجي بين المواطنين. وعليه ليس كمامة وقفازات وامتنع عن مصافحة الناس والاكتفاء بإيماء من الرأس للتحية ولقد نجح في دلك إلى حد ما حتى وصل عمه الحاج بلة من القرية وأراد أن يصافحه فامتنع صاحبنا وشرح لعمه بأدب انه يفعل ذلك لتجنب انتشار الكرونا، فرد عليه عمه بأنه لن يكون مصابا بالكرونا لأنه قادم من الخلاء، فقال صاحبنا "لكن يا عمي ممكن أنا أكون حامل للفيروس وانقله إليك، فما كان من العم إلا أن أخذه بالأحضان مرددا " كان كدي حرم ما تموت برأك"!

الشاهد في هذه الطرف أن الكثير من التعليمات والإرشادات الرسمية على الرغم من وجهاتها وصحتها عندما تتعلق بعادات الناس وسلوكهم اليومي وأسلوب حياتهم لا تجد ما يلزم من احترام والتزام. وهذا قد لوحظ ذلك في جميع البلدان بدرجات مختلفة وكان البعض يفخر بأنه قد نجح في التحايل على الإجراءات والقوانين. ولقد تفاوت رد فعل السلطات لإلزام المواطنين بالإجراءات حيث جعلت منه بعض البلدان تشريعا أجازه البرلمان كما هو الحال في إيطاليا مثلا وبالتالي يعتبر عدم الالتزام مخالفة قانونية تستدعي دفع غرامة مالية وقد تشمل العقوبة السجن أيضا وهذا ما اتبعه الكثير من الولايات الأمريكية وشاهدنا بلدانا أخرى تبيح للشرطة أو لمجموعات غير نظامية بجلد الناس في الشوارع لحملهم على الالتزام بحظر التجوال بعد ساعات معينة أو للبقاء في بيوتهم في حال الحظر التام.

ومصطلح “التباعد الاجتماعي "نفسه يعتبر جزءا من التشويش في الرسالة الموجهة لأن فكرة التباعد تتعارض من طبيعة الإنسان الذي هو بطبعه كائن اجتماعي واي محاولة للعزل وعدم الاقتراب من الآخر تقابل بعدم ارتياح يقود إلى عدم التزام. فضلا عن ذلك، فإن التقارب الاجتماعي مطلوب في الملمات والكوارث للتعاضد والمساندة المادية والمعنوية. فالعزل المنزلي الطوعي أو الإجباري يتطلب ترتيبات تعاضد تخرج من المألوف من قبيل التشارك في المشاوير لشراء الأغراض أو اصطحاب الأطفال للمدرسة أو الذهاب للعمل في سيارة واحدة، إلى جانب المساندة النفسية والمواساة التي يكون الناس في أمس الحاجة إليها عندما يكونون في حالة عزلة ويشعرون بالخطر. ريما يكون استبدال هذا المصطلح الذي شاع بمصطلح " التباعد الجسماني"، وليس الاجتماعي لان المطلوب في هذه الظروف هو التقارب الاجتماعي بسبب التباعد الجسماني.

ولقد تباين ردود فعل الناس في مختلف البلدان في استجابتهم للنداء بعدم التجمع والتباعد جسمانيا لإيقاف انتشار المرض فانتهز البعض ذلك مناسبة للذهاب للشواطئ او أماكن الترفيه او السفر لقضاء الوقت مع الأهل في الريف مما اضطر السلطات لاتخاذ إجراءات أكثر ردعا. حكى لي صديق سوداني على درجة كبيرة من الوعي بخطورة الوضع أنه قد أدخل نفسه في حظر منزلي فور وصوله إلى كندا قادما من إيطاليا واتخذ لنفسه مخبئا في بدرون المنزل ولم يصافح آل بيته، ولكم ان تتخيلوا الأثر النفسي لمثل هذا الوضع على صديقنا المسكين.

يقسم خبراء الاتصال والعلاقات البشرية المجتمعات إلى نوعين من حيث طريقة التنظيم الاجتماعي وفلسفة الحياة: ألمجتمعات الفردانية، والمجتمعات الجماعية. فالمجتمعات الفردانية مثل المجتمع الأمريكي أو الأسترالي أو الغربي عموما هي مجتمعات فردانية تعلي من قيمة استقلال الفرد، وحريته الشخصية ونشدناه للسعادة وتحقيق الأهداف الفردية، يقابل هذا النوع المجتمعات ذات التنظيم الجماعي كالصين واليابان التي تعلي من قيمة التعاون بين الأفراد والعلاقات الاجتماعية، أكثر من تحقيق الأهداف الشخصية. ولا تدخل المجتمعات الأفريقية والعربية بشكل تام في أي من النموذجين المذكورين.

ومن العوامل الأخرى التي تساعد في الالتزام بالقرارات المتعلقة بحرية الأفراد هو القرب والبعد من السلطة ففي النموذج الفرداني تقل القابلية لإطاعة السلطة والرغبة في تدخلها في شؤون الناس في مقابل اقتراب المجتمعات الجماعية من السلطة والخضوع لها بشكل أكبر لأنها تمثل مصلحة الجماعة. ووفقا لهذا التحليل قد يعتقد ان الدول التي هي اقل ديمقراطية وتقل فيها مساحة الحرية الفردية هي الأقدر على فرض الإجراءات الاستثنائية. وإذا أخذنا مثال الصين، نجد أن القدر الكبير من الجدية والحزم الذي تصدت به لمكافحة الفيروس كان له كبير الأثر في الحد من انتشاره ولكن الالتزام المواطنين لم يكن طوعا في كثير من الأحيان ولقد رأينا كيف يحملون بعنف عندما يحاولون عدم الاستجابة للصعود في سيارات الإسعاف او الخضوع لإجراءات الفحص او التعقيم في دورهم. ولقد عرضت قناة العربية شريطا يوضح في الأيام الأولى للحظر في مدينة يوهان الصينية، بورة الفيروس، بعض عمال بلدية المدينة وهم يلحمون أبواب الشقق من الخارج حتى لا يخرج المواطنون من دورهم، ولو وقع مثل هذا الإجراء في مدينة أوروبية أو أمريكية لقامت ثورة كبرى احتجاجا. والعلاقة بالسلطة تحدد درجة الاستجابة أيضا، فالمجموعات المهمشة أو المقهورة في كثير من البلدان التي تعاني من السلطة المركزية لا تبدي كثير حماس للالتزام بما تطلبه السلطات من التزام بإجراءات وقائية حتى ولو كان الأمر يتعلق بوباء مثل وباء الكرونا. ولقد شاهدنا في كثير من البلدان سلبية من جانب بعض السكان إزاء حملات التطعيم وحملات الصحة العامة التي تنظمها السلطات المحلية او المركزية أو المنظمات الأجنبية. ولقد شاهدنا بعض الناس والجماعات السياسية تقلل من خطر الكرونا في السودان وتسخر من الإجراءات التي دعت لها وزارة الصحة لا لعدم وجاهتها ولكن من قبيل تسجيل موقف سياسي معارض للحكومة القائمة، لا سيما وأنها كانت قد أحدثت ضجيجا ظنت أنه كفيل بأسقاط الحكومة! ويدخل في الرغبة في الاستجابة أيضا مظهر الجدية التي تبديها السلطات والموارد التي توفرها للأمر، فمشهد الفندق ذي الخمس نجوم في الكويت الذي أعدته السلطات لحجز المشتبه فيهم يختلف عن معسكر حجز السودانيين العائدين من مصر الذي انعدم فيه الماء البارد مما جعل بعض المشتبه فيهم يهربون ويلوذون بمنازلهم.

من المهم عند اتخاذ إجراءات استثنائية كحظر الخروج إلى الشارع والبقاء في المنازل أن تراعي هذه الإجراءات الجوانب الثقافية للجمهور المستهدف. فينما التزم الكثير من السودان بأداء الصلوات في بيوتهم استجابة لنداء الآذان الذي دعا لذلك بفتوى من السلطات الدينية نجد آخرين لا يزالوا يحرصون على الصلاة في المساجد مما يضطر السلطات لاتخاذ إجراءات مؤسفة مما رأي في مقطع فيديو للشرطة في الهند وهي تقف بباب أحد المساجد وتهوي بالعصي على كل خارج من المسجد بعد أداء الصلاة لان امرا قد صدر بإغلاق المسجد والصلاة في المنزل ولم يلتزم البعض بتشجيع من بعض الأئمة.



د. أسامة عثمان

[email protected]