قراءات حول كتاب (جبال النوبة الديانة التقليدية والمسيحية والإسلام) لبروفسور أحمد عبد الرحيم نصر(3 م

قراءات حول كتاب (جبال النوبة الديانة التقليدية والمسيحية والإسلام) لبروفسور أحمد عبد الرحيم نصر(3 م


04-03-2020, 04:39 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1585885175&rn=1


Post: #1
Title: قراءات حول كتاب (جبال النوبة الديانة التقليدية والمسيحية والإسلام) لبروفسور أحمد عبد الرحيم نصر(3 م
Author: قاسم نسيم حماد حربة
Date: 04-03-2020, 04:39 AM
Parent: #0

04:39 AM April, 02 2020

سودانيز اون لاين
قاسم نسيم حماد حربة-السودان
مكتبتى
رابط مختصر



قراءات حول كتاب (جبال النوبة الديانة التقليدية والمسيحية والإسلام)

لبروفسور أحمد عبد الرحيم نصر

(3 من 3)

د. قاسم نسيم

تحت عنوان (خمسة من أسلاف النيمانج) تناول المؤلف الحديث عن هؤلاء الأسلاف وهم (شَلْما، كولوجي ،كونا، كافنج، وُلا) وقد قام بسرد أساطيرهم وقصصهم، فملخص أسطورة (شلما) مثلاً تقول إنه شب بسرعة فائقة فبلغ طور الرجولة في المهد، وترعرع في البرية إلى أن التقى أمه كبيراً، وتمضي الأسطورة لتقص معاناته مع أبيه وتحوله لطائر ثم تقلبه في أشكال الحيوانات تخفيا من ملابسات هروبه من مطارديه، ثم شقه الأرض بسوطه ثم الجبل الذي انفلق جزأين حيث اكتشف كيف يُخلق البشر.

وهذه الأساطير لها غير امتاعها النفسي ولذتها الأدبية دلالات ومرامٍ عميقة استطاع كاتبنا التوصل إليها عبر تحليله لها، فلم يسردها سردا أدبيا فقط إنما أعمل مباضعه البحثية ليكشف لنا أسرارا تقف وراءها وهذا منهج مطلوب بشدة في مثل هذه الحقول.

تناول المؤلف ظاهرة طقوس العبور للفئات العمرية في الفصل التالي، فالإنسان عند النيمانج من مولده حتى مماته يمر بأطوار مرتبة بدقة، فوصف هنا طقوس عبور أربعة تؤديها الفئات العمرية وهي الختان، والحفير، ودق (ضرب) الثور، والسيف، وبدأ في وصف مسيرة الطفل منذ ولادته وسمايته (عقيقته) ورعيه للأغنام ثم الأبقار حين بلوغه الخامسة عشرة من عمره، ثم يبدأ في وصف تفصيلي لسبر ختان الصبيان، كما وصف عملية الختان نفسها ووصف سبر (طقس) الحفير وسبر دق الثور الذي يقدم ثوره السلطان، وسبر السيف حيث يُوقِف السلطان المطر لأربعة أيام هي أيام السبر فلا تفسد الأمطار تلك الطقوس والاحتفالات، الجدير بالذكر أن أبناء من يؤدي سبر السيف مُحرمٌ عليهم الزواج قبل أن يفرغ أبوهم منه، وفي هذا حكمة فإن من يُؤدي هذا السبر يستفتي بناته إن كانت احداهن قد اقترفت إثما أخلاقيا؟ فإن كانت قد فعلت فإنه يأتي الساحة مطأطئً رأسه، يجر سيفه على الأرض كنايةً عن العار والخزي، أما إن كانت قد حافظت على نفسها فيدخل الساحة وهو يقفز ويهزُّ بسيفه كنايةً على حسن تربيته لبناته وعفافهن، فالغرض من هذا السبر إذن المحافظة على عفاف الفتيات حتى الزواج، فتأمل كيف اصطنع هؤلاء الأجداد لأنفسهم عوائد تحصن فتياتهم بهذا الشكل من قبل الرسل، يجدر أن ننوه إلى أن ارتكاب المحرمات عقوبته- عندهم- دنيوية حاسمة الوقوع، فيفرقون من ارتكابها.

وفي فصل تالٍ أنشأ وصفاً فيما يعرف عندهم ب(أخوة الدم) وهي علاقة تنشأ بين فردين أو أكثر، غير علاقة الأخوة المعروفة، ولها حقوق وواجبات مترتبة عليها، وهي نمط فريد من العلاقات تتميز به قبيلة النيمانج، وطقسها يتم بإحداث قطع في الزراع وشرب كل من المتآخين دم الآخر، أو بطرق أخرى كما ذكر المؤلف، وتمنع هذه الأخوة الشجار والقتال بين المتآخين.

ثم تناول المؤلف في فصل تالٍ ما يعرف بمعسكرات الأبقار والمعسكر هو عبارة عن قطعة أرض مسورة بالشوك تقام في السهول بعيداً عن القرية وعن المزارع تحفظ فيه الماشية تحت مسؤولية الفتيان والفتيات من مختلف الأعمار، وهو نمط من أنماط النشاط في القبيلة وله أصوله ومحرماته.

وفي فصل جديد اسماه ب(السياسة البريطانية تجاه الإسلام والمسيحية في جبال النوبة (1920 - 1940) تناول صراع الديانات التقليدية والمسيحية والإسلام في التسيد، فبدأ بوصف حال النوبة قبل عام 1920 حيث كانت تتسيد الحروب والثورات المنطقة، ومن هذا التأريخ بدأ الهدوء يسود المنطقة، وبدأ النوبة ينزلون من أعالي الجبال ويزرعون في السهول، وبدؤوا في الاحتكاك بالآخرين وبدأ الإسلام ينتشر ويتعلمون العربية، ساعد في ذلك بدء زراعة القطن والتعليم والعمل.

ذكر المؤلف أن السؤال الذي كان يدور في رأس الحكومة الاستعمارية هو هل يستطيع النوبة الحفاظ على ثقافتهم، وكيف تساعدهم الحكومة على ذلك، ووصف المؤلف جهود مستر (جيلان) مدير مديرية كردفان آنذاك الرامية لاتخاذ سياسة حازمة لتطوير النوبة على أساس ديني وثقافي محدد، فقد كان يرى أن المستقبل للمسيحية وكذلك كان يرى نيوبلد الذي جاء من بعده ذلك، فعملا على نشر المسيحية عبر التعليم ولغته وتعضيد العادات والعرف النوبي، وأسهب المؤلف في وصف تطور التعليم وتقلبه من تعليم باللغة النوبية وحروف رومانية ثم عربية ثم باللغة العربية البسيطة والحرف العربي إلى أن تم تدريسهم ذات المناهج السودانية، ووصف جهودهم في نشر المسيحية وصد الإسلام والحد من مصادر التعريب .

وفي الفصل السابع المعنون بالسياسات البريطانية تجاه الإسلام والمسيحية في جبال النوبة (1941-1956) وهو امتداد للفصل الذي قبله، تحدث فيه عن جهود الشيخ محمد الأمين القرشي في نشر الإسلام، وللشيخ محمد الأمين السهم الأوفر في الدعوة الإسلامية، وقد بدأ أولى خطواته سنة 1947 حين تقدم بطلبه للسلطات للسماح له بالدعوة، إلا أن السكرتير الإداري تعنت في أمره، وبعد جهود تم له ما أراد ووصل الشيخ محمد الأمين جبال النوبة سنة 1950، وأنشأ معهداً دينياً في الدلنج، وفتح خلاوى وأسلم على يديه خلق كثير، وعلى أثر نجاحه تحركت طوائف أخرى في الدعوة منافسة له، وقد فَصَّل مسيرة الشيخ محمد الأمين الدعوية، وأثبت مقابلة مهمة معه في آخر الكتاب.

أظن أن الكتاب يعد مرجعا مهما للباحثين، وقد كان كذلك منذ أن كان بحوثا منشورة في جامعة الخرطوم والمجلات العلمية المحكمة، وقد صدر الآن مجموعا ضمت بحوثه في كتاب واحد تيسيرا لأهل العلم، فللبروف التحية والشكر على ما أنجز وقدم للعلم.