كورونا والفصل الجديد ,في كتاب التاريخ بقلم جورج ديوب

كورونا والفصل الجديد ,في كتاب التاريخ بقلم جورج ديوب


03-31-2020, 04:10 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1585624212&rn=0


Post: #1
Title: كورونا والفصل الجديد ,في كتاب التاريخ بقلم جورج ديوب
Author: جورج ديوب
Date: 03-31-2020, 04:10 AM

04:10 AM March, 30 2020

سودانيز اون لاين
جورج ديوب-استراليا
مكتبتى
رابط مختصر




التحولات السياسية والإقتصادية والإجتماعية العميقة عبر العصور التاريخية جاءت إثر أحداث عاصفة كبيرة وهامة , أسست لتغيرات جذرية في حياة الشعوب , كالثورة الفرنسية أواخر القرن الثامن عشر , كذلك الحربين العالميتين الأولى والثانية في النصف الأول من القرن الماضي , وقضية احتلال فلسطين وتهجير شعبها وإحلال مكانه شعب غريب لملموه من كل بقاع الأرض ليحل محل الشعب الأصلي , كان القائم على تنفيذ ذلك دول وإمبراطوريات لا تغيب عنها الشمس , ثم جاءت الحرب على العراق 1991 و 2003 واحتلاله قد غيرت وجه المنطقة وتوجهاتها . وآخر تلك الأحداث كانت جائحة كورونا التي هاجمت العالم بأسره بداية هذا العام وفي الربع الأول من القرن الجديد بأشباح لا تشبه شكل وكيفية وأدوات الحروب التقليدية , وإنما فيروسات مجهرية مجهولة اجتاحت العالم بسرعة وفتكت بآلاف البشر دون التمييز بين الأعراق والأديان وكافة المعتقدات , وعوضا عن أن يتكاتف الجميع لوقف الهجوم وكبح جماحه والقضاء عليه , باعتباره عدو عالمي , بدلا عن ذلك تقوقعت الحكومات على نفسها وأغلقت حدودها البرية والبحرية والجوية , دون أن تسارع إلى التنسيق فيما بينها لوضع استراتيجية متكاملة لمواجهته مما أضعف الجهود الفردية لكل منها , على الرغم من أن هناك دول تملك إمكانيات علمية وتقنية هامة قادرة على مواجهته والقضاء عليه .
هذه الجائحة دفعت العديد من مراكز البحوث والدراسات والمفكرين والإقتصاديين والسياسيين إلى البحث عن النتائج المتوقعة لانتشار الفايروس , ومن خلال متابعتي لتلك الدراسات استنتجت أن الجميع متفقون على بدء صفحة جديدة في التاريخ مختلفة عن الصفحات القديمة , وأن هناك تبدلات جذرية وهامة ستحدث وتؤدي إلى اتباع أنماط جديدة في السياسة والإقتصاد والتحالفات بين الدول لم تألفها البشرية من قبل , وإن استغرقت وقتا تطول مدته أو تقصر حسب التطورات المستجدة على الواقع .
ملامح التغيرات بدأت تظهر بشكل جلي بين الأفراد والمجتمعات والدول , وإن كانت ما زالت محدودة , ولن أخوض في التفاصيل بل أكتفي بنموذج واحد فقط وهو إمكانية الإستغناء عن أبنية المدارس ومتابعة الدروس من البيت عن طريق التكنولوجيا الحديثة , وهذا ما شاهدته بأم العين مع أحفادي , وتفهمهم لأخطار الفيروسات وضروة اتباع الوسائل الصحية في النظافة والمأكل والمشرب وما إلى ذلك . أما على الصعيد الدولي فقد تباعدت الدول عن بعضها بعض , وأصبحت العزلة هي القاسم المشترك , رغم الحدود المشتركة فيما بينها , ورغم وجود علاقات إتحادية تربطها كالإتحاد الأوروبي , والجامعة العربية والإتحاد الأفريقي وغيرها , وأخذت حكومات دولها تعالج أزمتها بنفسها منفردة , وهذا سيخلق نمطا جديدا في التفكير والتعامل وإن طال زمنه لترسيخه واعتماده , لكنه سيتبدى مستقبلا .
أما الصين ومحاولة منها الحفاظ على سمعتها كقوة عظمى حاولت التنكر للإصابة بفايروس كورونا فلم تعلن عنه إلى أن اضطرت إلى ذلك فيما بعد تفشيه بصورة سريعة وغير مسبوقة واجتيازه الحدود . هنا حاولت الولايات المتحدة استغلال تفشي الفايروس إلى أبعد الحدود معتبرة إياه هبة هبطت عليها , معتقدة أن الوباء سيهدد الإقتصاد الصيني ويؤخر عجلة نموه بسبب عجز السلطات الصينية عن مواجهته , وهكذا تبقى واشنطن تتربع على قمة عرش الإقتصاد العالمي والقوة العسكرية والتكنولوجية التي تمتلكها . لكن حسابات الحقل لم تطابق حسابات البيدر , وانقلب السحر على الساحر , عندما استطاعت الصين أن تحد من انتشار الوباء بحزم وعزيمة وبسرعة فائقة أذهلت العالم , في الوقت الذي يتسارع انتشاره في أوروبا وأميركا , وعجز تلك الدول على مكافحته والحد من انتشاره , ما دفعها إلى طلب المساعدة من الصين نفسها التي لم تبخل عليها , فأرسلت لها العديد من الطائرات المحملة بالمعدات الصحية اللازمة , ليشهد العالم على قدرات وطاقات هذا العملاق القادم على تربع عرش الكون .
إذن نحن مقدمون على تشكل عالم جديد بقوانينه وعلاقاته وثقافته واقتصاده وقادته وكل ما فيه بعد أن يتقدم القائد الجديد لقيادة هذا العالم ,وهذا يحتاج إلى بحث آخر .