زيارة الرئيس الالماني للسودان ؟ زار الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير الخرطوم ، يومي الخميس 27 والجمعة 28 فبراير 2019 ، في وفد عالي المستوى ، ضم اكثر من سبعين عضواً في مختلف التخصصات ، وفي اول زيارة لرئيس دولة ديمقراطية كبرى للسودان منذ اكثر من ثلاث عقود ، الامر الذي يؤكد ان سودان الثورة لم يعد دولة منبوذة ، يتحاشى رؤساء الدول الديمقراطية زيارتها ، حتى لا يقابلوا رئيسها المطلوب للعدالة الدولية . نسجل في النقاط ادناه بعض البعض من ملاحظاتنا السريعة على خلفيات وتداعيات ومآلات هذه الزيارة الميمونة ، التي نامل ان تخرج السودان من الفتيل الذي يضم الدول الراعية للارهاب ، وتطلق صفارة بدء الزحف الدولي على سودان ثورة ديسمبر 2018 ، الذي قذف بالثلاثينية السوداء، ومحارقها واباداتها الجماعية ، الى مزابل ومكبات التاريخ . اولاً : اصطفت عشرات من سيارات الفولكسواجن البيتل بالوانها الزاهية وهي ترفع علمي دولتي المانيا والسودان امام قاعة الصداقة في انتظار مرور موكب الرئيس الالماني الزائر لتحيته من شباب ثورة ديسمبر 2018 ، وهم الذين يعتزون بامتلاك درة من درر الصناعة الالمانية ، التي توقفت المصانع الالمانية من تصنيعها منذ سبعينات القرن الماضي . منعت سلطات الامن ، لدواع امنية ، اصطفاف البيتلات امام المتحف القومي الذي كان مقرراً ان يزوره الضيف الكريم ، فقررت البيتلات الاصطفاف في الشارع العام امام قاعة الصداقة ، وإنتظار مرور موكب الزائر الكريم لتحيته وهو بداخل سيارة المراسم ، وهو في طريقه للمتحف القومي . وكما كانت دهشة شباب رتل البيتلات ورجالات الامن كبيرة ، عندما رأوا الزائر الكبير ، يكسر البروتوكول وتحوطاته الامنية ، ويوقف موكبه ، ويترجل من سيارة المراسم ، ويصافح شباب البيتلات واحداً واحداً ، ويلتقط معهم الصور التذكارية ، وهو في غاية الغبطة والسرور والانبساط ... وبدون اي حرس مرافق .
ماذت تقرأ يا حبيب من هذا الحدث البسيط في مظهره، العميق في مغزاه ؟ لم يخشى الرئيس الزائر على نفسه وعلى امنه الشخصي لانه واثق انه لم يظلم احداً ، لا في المانيا ولا في غيرها من بلاد الله الواسعة . لم يخلق الرئيس الزائر اعداء يفكرون في اللحاق به في الخرطوم للثار والانتقام منه لظلمه لهم . حاكى الرئيس الزائر الخليفة الراشد عمر بن الخطاب الذي كان ينام تحت الشجرة لانه لم يظلم احداً . في يوم قال المتنبي : ... وبضدها تتبين الأشياء ... وقال آخر : الضِدُّ يُظهِرُ حُسنَهُ الضِدُّ . في المقابل ، عندما اضطر الرئيس السيسي لزيارة الخرطوم عند توقيع اتفاقية سد النهضة في مارس 2015 ، حمل معه في طائرته سيارة مصفحة خاصة في تنقلاته داخل الخرطوم ، لانه يخشى انتقام وثار من ظلمهم في مصر ، من شباب ثورة يناير 2011 ومن الاخوان المسلمين ، الذين اغتال منهم في مدى ساعتين وجرح اكثر من خمسة آلاف من الشباب الغض في مجزرة رابعة ... فقط لانهم عارضوا سلمياً إنقلابه العسكري على الحكومة الديمقراطية . حدث ذلك في مارس 2015 ، والسودان تحت حكم نظام استبدادي شمولي قابض يحكمه اناس شعارهم في التعامل مع شباب مسالم من مثل شباب رتل البيتلات : Shoot to Kill وبالتالي اكثر حرصاً ، من نظام ثورة ديسمبر 2018 ، على سلامة زواره الرؤساء. اما ملوك وامراء ورؤساء دول الخليج والدول العربية ، خصوصاً المحور الثلاثي السعودية – الامارات – مصر ، فهم لا يفكرون في زيارة سودان الثورة ، دعك من الترجل من موكبهم بدون حرس لمصافحة شباب مثل شباب البيتلات ... ببساطة لانهم يخافون انتقام اتباعهم ، ولا نقول مواطنيهم ، من الذين ظلموهم وعذبوهم وقطعوهم بالمنشار . الظلم ، وإن شئت الدقة ، الشعور بالظلم هو السبب في كل ماسي وكوارث وحروب الانسانية ، منذ اول جريمة جنائية في التاريخ الانساني عندما قتل قابيل شقيقه هابيل ، وحتى إضطرار ثوار دارفور لحمل السلاح لرفع الظلم عن مواطنيهم ، الذي قتل منهم العميل البشير اكثر من نصف مليون نفس انسانية، وشرد في معسكرات الذل والهوان اكثر من خمسة مليون نازح ولاجئ . عدم ظلم الآخر هو الهدف الاساسي من كل الرسالات السماوية ، بل الارضية ، وقد اخبرتنا الآية 25 في سورة الحديد بانه سبحانه وتعالى قد ارسل رسله من آدم الى محمد مروراً بموسى وعيسى ، وانزل معهم القران والانجيل والتوراة ... ليقوم الناس بالقسط ، اي يتعاملون بالعدل فيما بينهم ، ولا يظلم احدهم الآخر . عدم ظلم الآخر ... هذا هو جوهر كل دين سماوي و ارضي . الرئيس الالماني الزائر لم يظلم احداً ، ولذلك ترجل من سيارته ، بدون حرس ، وصافح شباب البيتلات ، وهو آمن على نفسه وسلامته . هذا هو الدرس الاول الذي اعطانا له الرئيس الزائر ، فدعنا نتدبره ، ام على قلوب اقفالها ... لا تظلم الآخر ؟ ثانياً : في يوم الاحد 23 ديسمبر 1962 ، استولدت قابلة المانية في امدرمان طفل سمته امه التلفزيون السوداني ، وقد كانت ولادة جد ناجحة ، واستمرت القابلة الالمانية مع الطفل السوداني ترعاه حتى شب عن الطوق . في عام 1962 عرف السودان التلفزيون بفضل المعونة الفنية الالمانية ، ولم تعرفه دبي ، ولا معظم دول الخليج ، حيث كان مُحرما في السعودية ، التي عرفت اول بث تجريبي في عام 1965 . نعم ... بفضل القابلة الالمانية ، كان السودان رائداً في مجال البث التلفزيوني، التي لم تعرفه معظم الدول الافريقية . ومما يحمد للقابلة الالمانية انها ركزت على استيلاد اطفال في التعليم المهني والفني ليساعد خريجو هذه المعاهد التقنية والفنية في الثورة الصناعية والتكنولوجية التي بدات تجتاح العالم الثالث . فاستولدت القابلة الالمانية المعهد الفني في الخرطوم لخريجي الثانوي ، ومعاهد تقنية وفنية في الولايات لخريجي المدارس الوسطى . بعدها هاجر هؤلاء وهؤلاء من اطفال القابلة الالمانية الى دول الخليج عندما بدأ النفط في التدفق ومعه الدولار الاخضر ، فساعد اطفال القابلة الالمانية من مواطني السودان في نهضة دول الخليج ... والشكر من بعد الله للقابلة الالمانية . في عام 1951 ، اقام الالمان معهد جوته في الخرطوم التي كانت تقرأ ، وربط معهد جوته بين الثقافة الالمانية والسودانية ، وصار متنفساً ثقافياً بإمتياز . بعدها استقبلت المانيا افواجاً من الطلبة السودانيين الذين اثروا الثقافة السودانية في كافة التخصصات ، نذكر منهم مثالاً وليس حصراً ، القاص العالمي تشيكوف السوداني الدكتور حامد فضل الله ، حفظه الله . في عام 1962 عند ما بدأ الالمان تعاونهم الفني والتقني مع السودان ، كانت الخرطوم تقرأ ما تنشره بيروت ، وتكتبه القاهرة . كانت الخرطوم تسهر في الجي بي ، وكان كل سوداني من حلفا الى نمولي يأكل ثلاثة وجبات في اليوم فيها كثير من اللحم ، وكان السودان رائداً من رواد حركة عدم الانحياز . ولكن خلال ثلاثينية الكيزان السوداء ، سقط السودان من قد القفة ، وصار اطفال مدارس الاساس في ولاية الخرطوم يبكون من الجوع . ولم يفكر وقتها رئيس المانيا في زيارة السودان ، حتى لا يقابل رئيس السودان المنبوذ والمطلوب للعدالة الدولية . ثالثاً : نحاول في النقاط ادناه ، عقد مقارنة بين سودان الستينات الذي دخلته التكنولوجيا الالمانية والثقافة الالمانية وسودان نظام الكيزان في ثلاثينيته السوداء من جانب ، ومن الجانب المقابل علاقة امريكا بالسودانين ، وكوريا الشمالية ، فكما قال المتنبي : وبضدها تتبين الأشياء . واحد : لتعرف حميمية العلاقة بين الولايات المتحدة والسودان في اوائل الستينات عندما استولدت القابلة الالمانية المولود التلفزيوني البكر للسودان ، يمكنك يا حبيب التكرم بمشاهدة الفيديو على الرابط ادناه الذي يصور زيارة الرئيس الجنرال العسكري عبود لواشنطون ، وكيف استقبله الرئيس كينيدي بنفسه على سلم الطائرة ، وامضي الفترة من 4 الى 15 اكتوبر 1961 في الضيافة الباذخة للرئيس الباذخ كينيدي ، 3 سنوات قبل عجاجة اكتوبر 21 . كانت تلك ايام نضرات ، كما يقول منصور خالد عفاه الله .
يحدث ذلك رغم ان عبود جنرال عسكري ، مثله مثل البشير ، ولكنه لم يرتكب ابادات جماعية ، وجرائم ضد انسانية انسان السودان ، وجرائم حرب ضد شعبه كما فعل المنبذون الكيزان الابالسة مصاصو الدماء ، عليهم لعنة الله دنيا وآخرة ، وهم في كوبر ، وهم داخل ذات السبعة ابواب . قارن بين العلاقة الحميمية بين امريكا والسودان في الستينات ، والدولة المنبوذة الواقعة تحت العقوبات الامريكية التي ورثناها من الابالسة الكيزان المتأسلمين ، بسبب اباداتهم الجماعية ، والجرائم ضد الانسانية ، وجرائم الحرب التي ارتكبوها ؟ عليهم لعنة الله . اتنين : نواصل في الحلقة القادمة باذنه تعالى ....