التفاؤل .. إكسير الأوقات العصيبة...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-16-2025, 11:28 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2019م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-04-2020, 03:45 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18426

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
التفاؤل .. إكسير الأوقات العصيبة...

    02:45 AM February, 03 2020

    سودانيز اون لاين
    سيف اليزل برعي البدوي-
    مكتبتى
    رابط مختصر



    التفاؤل .. إكسير الأوقات العصيبة...
    ما أجمل أن ترتبط النفوس بالخير وتنعقد عليها همتها، وما أجمل أن تتفائل بالأحسن لتجده بعون الله وممده ولطفه، فانشراح الصدر بالخيرات من أعظم أسباب استقرار النفس ودمومة فاعليتها، الأمر الذي يضعها على جادة الاستفادة والإفادة، وتصير رقما مميزا في المعادلة البشرية بعطائها الفريد وبصماتها المميزة .. يقول روبرت شوللر: (إن الأوقات العصبية لا تستمر إلى الأبد، لكن الأقوياء يستمرون).

    من حسنات التفاؤل أنه دليل حسن ظنك بالله عز وجل، ويجلب السعادة إلى النفس والقلب، وفي الفأل الحسن تقوية للعزائم وانطلاقا إلى الأمام، وباعثاً على الجد والأمل، فلولا الأمل لبطل العمل، وفي التفاؤل أيضا إقتداء بالسنة المطهرة، وأخذا بالأسوة الحسنة، حيث كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتفاءل في حروبه وغزواته وفي شأنه كله.

    والتفاؤل يوحد قوة الروح وقوة الجسد، ومن استقرار الروح تزدهر الصحة النفسية التي ترتبط غاية الارتباط بقدرة الشخصية على التوافق مع نفسها ومجتمعها الذي تعيش فيه، وهذا يؤدي - إن شاء الله تعالى - إلى التمتع بحياة هادئة سوية، مليئة بالحماس، وخالية من الأسى والاضطراب والتشاؤم.

    التفاؤل يعني أن يرضى المرء عن نفسه، وأن يتقبل ذاته، كما يتقبل الآخرين، وتغيب عن سلوكياته اضطرابات التوافق الاجتماعي أو السلوكيات الشاذة، بل يسلك في تصرفاته السلوك المعقول المتسم بالاتزان والمتصف بالإيجابية والقدرة على مواجهة المواقف ومجابهة المشاكل التي تقابله في مختلف نواحي حياته.

    يقول عالما النفس (بايلس) و (سيلجمان) مؤسسا حركة علم النفس الإيجابي «الواعدة»: (إنّ التفاؤل دفاع جيد ضد التعاسة ، وإن التفاؤل يمكن أن يُتعلم)
    كما يعتقدان أن الفرد عندما تتوفر لدية متطلباته الحياتية الأساسية من طعام يشبعه وبيت يؤويه، فإن ما يفيض من مال لا يزيد إلا قليلاً من سعادته، ولكي يكون سعيداً بجد عليه أن يبحث عن الحياة المفعمة بالمعاني الإيجابية والأفكار التفاؤلية.
    وبناءً على هذا الطرح فالصحة النفسية لا تعطى للفرد، ولكنه يكتسبها بجده واجتهاده وتوفيق الله تعالى له، فكل فرد مسئول عن صحته النفسية وعن نموها، فإذا رأينا الأمور بصورة ايجابية تفاؤلية أو صورة سلبية تشاؤمية فإنها تنعكس على شخصيتنا، وبالتالي هي التي ستحدد سلوكنا.
    والتفاؤل والأمل يساعدا في الاستقرار النفسي الذي يتسم بتوقع النجاح والفوز في المستقبل القريب والاستبشار به في المستقبل البعيد .. ولا يكون ذلك إلا بالاعتماد والثقة في الله سبحانه وتعالى ثم الثقة في النفس.

    وأعلى مراتب التفاؤل توقع الشفاء عند المرض، والنجاح عند الفشل، والنصر عند الهزيمة، وتوقع تفريج الكروب، ودفع المصائب والنوازل عند وقوعها .. فالتفاؤل والأمل عملية نفسية إرادية تولد أفكار ومشاعر الرضا والتحمل والثقة، وتبعد أفكار ومشاعر اليأس والانهزامية والعجز، وترقى بالإنسان إلى النجاح والتألق.

    والتفاؤل ينشط أجهزة المناعة النفسية والجسدية، مما يجعل المرء على جادة الصحة والسلامة والوقاية، ويتفق علماء النفس على ضرورة أن يعيش الفرد يومه متفائلاً حتى في الظروف الصعبة، ولا يقلق على المستقبل، فلكل مشكلة احتمالات لحلها، والفشل يجب أن يؤخذ على أنه تجارب يستفيد منها المرء في المستقبل، وليست عائقا أمام تقدمه، ثم يحاول التحسين من إخفاقاته بهدوء وتعقل، فالمتفائل يفسر الأزمات تفسيراً إيجابياً، ويتلمح لطف الله تعالى فيها بالنظر إلى من هو أشد منه أزمة وبلاء، بل إن التفاؤل يبعث في نفسه الأمل في الله والثقة بالفرج والأمن والطمأنينة بمعية الله الرحمن الرحيم، وفي الحديث القدسي الشهير: «أنا عند ظن عبدي بي».
    ومن ناحية أخرى يقول علماء النفس: علينا أن ندرك جيداً أنه لا إفراط ولا تفريط .. صحيح أن المتفائل بالخير يجده، ولكن الأحوط أن لا يفرط أو يغالي في التفاؤل، لأنه قد يدفع بالفرد إلى المغامرة، والاستهانة بأخذ الحيطة والحذر في دروب حياته.
    وكذلك يعتبر التشاؤم في نفس الوقت مظهراً من مظاهر انخفاض أو اعتلال الصحة النفسية لدى الفرد، لأن التشاؤم يستنزف طاقة الشخص، ويقلل من نشاطه، ويضعف من دوافعه وتفكيره، ويبعده عن مظان الأمل والسعادة والثقة بالنفس والنجاح، ولذلك فإن التفاؤل من مظاهر الصحة النفسية الجيدة ، لكن لا يكتمل التفاؤل إلا بحسن التوكل على الله عز وجل، الذي له ملك السماوات والأرض، والإيمان بالقدرة الإلهية العظيمة التي تسير كل شيء.

    وخلاصة القول أن التفاؤل هو مفتاح الصحة والسعادة والنجاح، وهو الذي يؤكد الذات ويزيد الثقة بها، ويمنح الشعور بالمقدرة والتحكم والسيطرة على التصرفات الحالية والمستقبلية، ويعطي المرء الاستقلال الفكري والنفسي الذي يتيح له الإمساك بمفاتيح الشخصية وعدم تركها للآخرين حتى لا يكون قشة في مهب الريح.

    كما أن التفاؤل يكسب المرء القدرة على تجاوز الأفكار السلبية وكسر حلقاتها وتغيير اتجاهها، وتنمية الأفكار الإيجابية والارتفاع بالقدرات الكامنة فينا كي لا نقع في براثن الإحباط والتشاؤم.
    إن المتفائل الحقيقي محب على الدوام لا يعرف الحسد والحقد والكراهية التي نهى عنها ديننا الحنيف، والمتفائل عندما يتخفف من هذه الأثقال التي تعوق كل انطلاقة سيكون حراً فاعلاً.
    والتفاؤل مسلك يفرضه الإيمان بالله والرضا بقضائه وقدره، أما التشاؤم فلا يستقيم مع صريح الإيمان، وعليه فإن تحول المتشائم إلى متفائل ممكن إذا تمت له الهداية واتبع الطريق الصحيح بعد التوكل على الله، ولا شيء مستحيل أمام هذا التحول إذا صدقت النوايا وحسنت ثقتنا في المولى عز وجل .. فكن متفائلاً وابتعد عن التشاؤم، وابتسم فإن الحياة لك ولمن حولك.
    ------------------------------------------------------------------------
    جعل النبي صلى الله عليه وسلم للمنافق آية يعرف بها بين الناس، ومن آياته : أنه إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان .
    وهذه الثلاث أركان الحياة الخلقية الاجتماعية، وتضافرت الآثار على ذم الكذب وأهله، ومدح الصدق وأهله، وبيان خطر الأمانة، وأنها عُرضت على السموات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وهنَّ كنَّ أقوى عليها، وحملها على ضعفه الإنسان – وإن المسلم ربما ألمَّ ببعض الذنوب، ولكنه لا يكذب أبدًا، كما جاء في الحديث .

    ثمَّ إنَّك مع ذلك كلِّه تجد المنتسبين إلى الإسلام اليوم، من أرباب الصناعات وأهل السوق، أكذب لهجة، وأخلف وعدًا، وأضيع لأمانة كثير ممن ليسوا مسلمين، حتى صار المثل يضرب بالوعد الشرقي في خلفه وإضاعته والتأخر عنه، وصار من يريد أن يؤكد وعدًا يصفه بأنه (وعد أوروبي)! اللهمَّ إنَّ هذا لمن العجب العجاب !!

    إنَّ الله بيَّن خطر الأمانة، وأنزلها هذه المنزلة، وخوَّف من حملها؛ لأنَّها جماع الأخلاق، وسلْكة عقد الفضائل، وعمادها، فما من شعبة من شعب الأخلاق والخير الاجتماعي إلَّا إليها مردُّها، وما خصلة من خصال الشر إلَّا والخيانة أساسها وحقيقتها .

    وليست الأمانة هي أن تحفظ الوديعة حتى تؤديها إلى أصحابها (فقط)، فإنَّ هذه صورة من صورها، وشكل من أشكالها، وإنَّ السلطان في يد الموظف أمانة، فإن وضعه في غير موضعه، أو اتخذه وسيلة إلى جلب منفعة له، أو لأسرته، أو لأصحابه - فقد خان أمانته، والدرجات أمانة في يد الأستاذ الممتحن يوم الامتحان، فإن أعطى منها واحدة لغير مستحقها، أو منع واحدة من يستحقها، أو راعى في منحها شفاعة أو صداقة أو بغضًا أو موجدة- فقد خان أمانته، والقدرة على الحكم أمانة في يد القاضي، فإن زاغ عن الحقِّ شعرة فقد خان، والعمل أمانة في يد الأجير المستصنع، فإن قصَّر في تجويده، أو أفسد فيه شيئًا، ولو كان الفساد خفيًّا لا يظهر- فقد خان، واعتقاد الناس بك الصلاح والتقى أمانة في يدك، فإن اتخذت هذا الاعتقاد سببًا إلى جمع المال، وعملت من لحيتك العريضة وعمامتك المنيفة شبكة لاصطياد الدنيا، أو كتمت الحق ابتغاء الحظوة عند العامة، أو الزلفى إلى الحاكم فهي خيانة، إلى غير ذلك من الصور والأشكال .

    بل إنَّك إذا دقَّقت وتلطَّفت وجدت هذه الجوارح التي أعطاكها الله أمانة في يدك، فإذا نظرت بعينك إلى حرام، أو حركت به لسانك، أو خطوت إليك برجلك، أو مددت إليه يدك، فقد خنت الأمانة، بل إنَّ عمرك كلَّه أمانة لديك، فلا تنفق ساعة منه إلا فيما يرضى (صاحب الأمانة !)


    فأين المسلمون اليوم من هذا ؟
    لقد رأيت من قلة الأمانة، عند الصنَّاع والتجَّار والعلماء والجهلاء ومن يظنُّ به المغفلون الولاية، ويرونه قطب الوقت، ما لا ينتهي حديثه، ولا العجب منه، وما خوَّفني الناس أن أعاملهم حتى جعلني أحمل همًّا كالجبل ثقلًا، كلما عرضت لي حاجة لابد فيها من معاملة الناس، ولا والله لا أتألَّم من اللص يتسوَّر علىَّ الجدار، ويسرق الدار، كما أتألَّم من الرجل يُظْهِر لي المودة، ويُعْلِن التُّقَى، فإذا كانت بيني وبينه معاملة، وتمكَّن منِّى أكلني بغير ملح، وتعرَّق عظامي ! .

    تذهب إلى الخياط الحاذق الذي ألفته وألفك، واستمررت على معاملته عمرك، والخياط من شرور المدنية لا يُستغنَى اليوم عنه، وقد انقضى زمان كان الرجل فيه يخيط لنفسه، أو يخيط له أهله، وكان الثوب يُتَّخذ فيه لمجرد الستر والدفء، ولم يبقَ لك منجى من أن تؤمَّ الخياط تحمل إليه (الجوخ) الثمين، وتسأله أن يضرب موعدًا لا يخلفه، ينجز لك فيه ثوبك الذي تريده للعيد أو للزفاف أو للسفر، ولكلِّ واحد من أولئك وقت لا يتقدم عنه ولا يتأخر، فالعيد لا ينسأ لك في أيامه، والزفاف أن أعلنته لا يؤجَّل، فيعدك ويؤكِّد الوعد، فإذا جئت في اليوم الموعود وجدته لم يَمَسَّ بعدُ قماشك، فإذا زجرته أو أنَّبته أخَذَك باللِّين، وَرَاغَ منك، وحلف لك مائة يمين غموس... إنه نسى أو مرض، أو أنَّه لم يعدك في هذا اليوم، ولكن كان (سوء تفاهم)، وأنَّك راجع في يوم كذا فواجد ثوبك مُعَدًّا، وتعود ويعود إلى كذبه، حتى يمضى العيد أو الزفاف، ولا يبقى للثوب فائدة، وربما جعله قصيرًا أو ضيقًا أو معتلًا أو مضاعفًا أو مجوفًا .. أو على خلاف ما استصنعته عليه، ولا حيلة لك فيه، ولا سبيل إلى إصلاح ما فسد، فتلبسه مكرهًا، أو تلقيه في دارك حتى تأكله (العثة) والأرضة ...
    وهذه الحال من إخلاف المواعيد، واختلاق الأكاذيب، عامة في أرباب الصناعات في بلادنا، لم ينج منها إلا الأقل الأقل ممن عصم ربك...

    احتجت مرة إلى عامل يصلح لي طائفة من المقاعد، أستقبل عليها ضيفي، وأكرم بها زوَّاري، وهي وحدها التي أخشى اللصوص عليها؛ لأنَّها خير ما في الدار، حاشا الكتب، فدلُّوني على رجل له دكان ظاهر في شارع كبير، وفوقه لوحة، كتب عليها اسمه وصناعته ووصف براعته وأمانته، فأنست به، وكان كهلًا مشقشق اللسان، وأخذته فأريته المقاعد، واستأجرته لإصلاحها، ودفعت إليه أكثر الأجرة مقدَّمًا، وتركته ووكلت أخًا لي صغيرًا به، وذهبت إلى عملي، لم أرجع إلا المساء، فوجدت الرجل قد بعج بطون الكراسي، وأخرج أحشاءها، وكسر عظامها وأرجلها، ولم يقدر على إعادتها سيرتها الأولى؛ لأنه جاهل بالصناعة، فهرب وذهبت أُفتِّش عنه حتى قبضت عليه، وأعدته إلى الدار، فاجتهد جهده، فكانت غاية ما استطاعه أنَّه جعل من مقاعدي المريحة آلات للتعذيب، ومقاعد للأذى، إن لم يشقَّ ثوب القاعد عليه مسمار ظاهر منها، ثقبت ظهره خشبة بارزة، أو كان مجلسه على أحدِّ من شوك القتاد، وقبض الأجرة كاملة غير منقوصة...
    ولو شئت أو لو شاء القراء لسَرَدت ثلاثين واقعة، ما هذا الذي ذكرت بأشدَّ منها ولا أعجب، فأين تقع الأمانة في نفوس هؤلاء الذين يدَّعون أنَّهم من المسلمين …

    أما إنه لخطب جسيم – فماذا تصنع المدارس ومُعلِّموها، والمساجد وواعظوها، والصحف وكاتبوها، إذا لم يعلنوا على الخيانة حربًا لا هوادة فيها ولا مسالمة حتى يكون النصر عليها ؟ وكيف لعمر الحق يكمل لنا استقلال، أو تتمُّ سيادة، أو نجاري شعوب المدنية ونسابقها، إذا لم تسُدِ الأمانة فينا، وإذا كان الواحد منَّا لا يستطيع أن يطمئنَّ إلى أخيه، ولا يعتمد على أمانته؟ وإذا كنَّا نقلِّد الغربيين في الشرور، فلماذا لا نقلِّدهم في الصدق في المعاملة، والوفاء بالوعد، والاستقامة في العمل؟

    أمَا إنَّ من أشكال الأمانة وصورها، أنَّ القلم المتين، واللسان البليغ، أمانة في يد الكاتب والخطيب، فإذا لم يستعملاهما في إنكار المنكر، والأمر بالمعروف، والدعوة إلى الإصلاح، كانا ممن خان أمانته، وأضاعها، وفرَّط فيها، فلينظر لنفسه كل كاتب وشاعر وصحفي وخطيب !
    ------------------------------------------------------------------------
    ي الحكمة، واختلفوا في شأنها اختلافًا واسعًا؛ وذلك بسبب اتصال الحكمة بعدد من العلوم والقوى الخلقية والعقلية. وحين يقف الإنسان الموقف الذي عليه أن يقفه، فإنه يكون قد أنجز إنجازًا ليس بالقليل.
    في بعض الأحيان يكون هناك نوع من الغموض والالتباس أو نوع من التقاطع بين المعطيات المعرفية، أو نوع من ضعف الإدراك للمنافع والمضار، وحينئذ فإن قلّة قليلة من الناس هي التي تتمكن من فهم المحيط واتخاذ القرار الصحيح.

    قبل أن أتحدث عن بعض سلوكات الرجل الحكيم ومواقفه أود أن أوضح مكونات الحكمة، وما يحتاجه الموقف الحكيم.
    لعل أصح تعريف للحكمة هو ذلك التعريف الذي يقول: إن الحكمة هي وضع الشيء في موضعه.
    وحتى نضع الشيء في موضعه، فإننا نحتاج إلى أمرين أساسيين:
    الأول: هو معرفة ما يجب علينا قوله أو فعله، وما يجب علينا تركه أو رفضه أو تجاهله... وهذا يعني أننا نحتاج إلى معرفة جيدة وخبرة ممتازة بما نحن مقدمون على التعامل معه.

    الثاني: هو الإرادة والعزيمة التي نحتاجها كي نقاوم رغباتنا وشهواتنا، وما لدينا من طموحات غير مشروعة وأمور غير لائقة، وكي نتجاوز ما لدينا من قصور ذاتي.
    وقد نحتاج حتى نكون حكماء فعلاً إلى شيء ثالث هو الرضا والقناعة بما قسمه الله تعالى ، والنظر إلى كل ما لم نستطع الوصول إليه بعد بذل الجهد على أنه شيء ليس لنا، وبالتالي فإننا لا نتحسر عليه، ولا نحسد من ظفر به، ونشعر أن ما جرى لنا شيء طبيعي وجيد.

    من المهم أن نتذكر دائمًا أن ما لدينا من معرفة، يظل دائمًا أقل مما هو مطلوب، أي أن مواقفنا ستظل تفتقد في بعض الأحيان إلى المعرفة، التي لا نعرف كيف سنحصل عليها.

    ومن وجه آخر فإن سيطرتنا على رغباتنا ومشتهياتنا، تظل هي الأخرى غير كاملة، أي أننا نرى الصواب في موقف ما، لكننا لا نفعل ما نراه بسبب عدم امتلاكنا للطاقة الروحية المطلوبة لذلك .
    والخلاصة لكل هذا، هي: أنك لا تجد حكيمًا هو حكيم في كل المواقف وكل التصرفات، فالنقص ملازم لبني البشر مهما كان شأن الواحد منهم.

    مواقف وسلوكات حكيمة:
    - المسلم الحكيم هو المسلم التقي الملتـزم الذي يتحرّج أشد التحرّج من التقصير في واجب أو الوقوع في محرّم. إنه يعرف واجبه تجاه خالقه –جل وعلا-، ويملك الإرادة والعزيمة على الامتثال لذلك الواجب.

    إن المسلم الذي يعيش أزمة مفارقة بين معتقده وسلوكه لا يمكن اعتباره حكيمًا مهما كانت براعته المعرفية، ومهما كانت مقدرته الإدارية ومهارته في القيادة والاتصال... لأنه بعدم التـزامه خسر أكبر ميدان يمكن للحكمة أن تتجسد فيه.

    - لا يكون الإنسان حكيمًا إذا لم يعرف الحدود الفاصلة بين ما يعلمه، وبين ما يجهله. إن هذه المعرفة ضرورية جدًا لتجلي الحكمة في حياتنا. إننا من خلال تلك المعرفة نستطيع التوقف عن الكلام والجدال والإعلان بأننا لا نعرف أكثر مما قلنا، أو الإعلان بأن الكلام لم يعد مفيدًا؛ لأنه صار عبارة عن مراء، يُظهر أمراض النفوس أكثر مما يُظهر إشراقات العقول.

    - من علامات حكمة المرء معرفته بقدر نفسه، فلا يرفعها فوق ما هي عليه حقيقة، ولا ينـزل بها عن ذلك. حين يرفع المرء نفسه فوق قدرها فإنه يقع في الكبر والغرور والوهم، وتأتيه الصدمات من كل مكان، وحين يستخفّ بها، وينظر إليها نظرة احتقار فإنه يذلّها، ويحرمها الكثير من الخير.

    لا يكفي كي يكون المرء حكيمًا أن يعرف ما هو ناجز في حياته وفي شخصيته، وإنما عليه أن يعرف أيضًا الطاقات الكامنة لديه، أي الصورة العقلية والثقافية والاجتماعية والمهنية التي يمكن أن يكون عليها إذا بذل جهده في الاهتمام بنفسه.
    وتلك المعرفة، لا تكون كافية إذا لم يصاحبها تفتّح عقليّ على الجديد، وعمل متواصل على الارتقاء.

    وإذا كان هذا المعيار صحيحًا –وهو صحيح إن شاء الله- فإن معظم الناس ليسوا حكماء؛ لأنهم راضون بأوضاعهم، وكثيرًا ما يكونون خائفين من التغيير، متهيّبين لتكاليف الإصلاح.

    - من الحكمة أن نتعرف على اتجاهات الناس، وأن نأخذ بعين الاعتبار ظروفهم وأشكال معاناتهم. إن أعقل الناس أعذرهم للناس – كما كان يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه- وإن المعرفة الكاملة صفح كامل.
    إن من المهم أن ندرك أن كثيرًا من عباد الله يعانون من مشكلات لم يصنعوها بأيديهم، ويعيشون في بيئات وفي ظروف لم يختاروها لأنفسهم؛ ومن ثم فإن إعذارهم والإشفاق عليهم ومؤازرتهم إن كل ذلك يدل على حساسية أخلاقية عالية، ويدل على رؤية واسعة وحكيمة.

    شيء من الحكمة هو فيض يجود به الله – تباركت أسماؤه - على عباده، وشيء آخر نصل إليه عن طريق المعرفة المدققة والمجاهدة الحسنة لنفوسنا، وبداية كل خير كثيرًا ما تكون في الاعتراف بالقصور والتقصير والسعي في مدارج الكمال على قدر المستطاع.
    ------------------------------------------------------------------------------
    الإسلام دين يعرف قيمة الوقت، ويُقَدِّر خطورة الزمن، وجعل من أمارت التُّقَى أن يَعِيَ المسلم هذه الحقيقة، ويسير على هداها، قال تعالى: {إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ}.

    فالمسلم الحق يغالي بالوقت مغالاة شديدة؛ لأن الوقت عمره، فإذا سمح بضياعه، ترك العوادي تنهبه، فهو ينتحر بهذا المسلك الطائش.

    وقد وزَّع الإسلام عباداته الكبرى على أجزاء اليوم وفصول العام، وهو ترتيب دقيق للحياة الإسلاميَّة، ومن فضل الله ودلائل توفيقه أن يُلهم المرء استغلال كل ساعة من عمره في العمل والاستجمام من جهد استعدادًا لجهد آخر، قال تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}

    وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول : "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ" ( البخاري).
    ومن استغلال الإسلام للوقت بأفضل الوسائل حثُّه على مداومة العمل وإن كان قليلاً، وكذلك حثُّه على التبكير، ورغبته في أن يبدأ المسلم أعمال يومه نشيطًا، طيِّب النفس، مكتمل العزم، وفي الحديث: "بُورِكَ لأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا" (أبوداود) .

    وكما أن الزمن يستغرق التكاليف التي نيطت بأعناق العباد، فهو يستوعب الأقضية التي يرسلها الله على الناس من خير وشرٍّ، وهي أقضية تفيض بالعظات الحقَّة، والدروس القيمة، {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الأَبْصَارِ}.
    والله سبحانه لا يسوق الأحوال المختلفة على الناس إلاَّ لحِكَمٍ يتدبَّرها العارفون، فيزدادون به إيمانًا، وبلقائه يقينًا، {يُدبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} .

    ومن الاتعاظ بالزمن دراسة التاريخ العامِّ، وتتبُّع آيات الله في الآفاق، وتدبُّر أحوال الأمم كيف تقوم؟ وكيف تنهار؟ كيف تتقلَّب بين ازدهار وانحدار؟ {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كيف كان عاقبة المجرمين}.

    كما يدعو القرآن إلى دراسة الحضارات البائدة وعِلَلِ فنائها؛ حتى يتجنَّبَ الأخلافُ مواطن الزَّلَل، التي هَوَتْ بالأولين، وكم تكشف مطالعة التواريخ من غرائب!!

    والذي يجب أن نعقله أن حياتنا هذه ليست سدًى! وأن الله أَجَلَّ من أن يجعلها كذلك، وإذا انتفعنا بمرور الزمن على خير وجه سجَّلنا لأنفسنا خلودًا لا يناوشه الزمن بهرم ولا بِلًى.. عند الرفيق الأعلى.
    ---------------------------------------------------------------------

    رفع الألمان بعد الحرب شعار: العمل أو الموت.. فتحوّلت ألمانيا إلى ورشة عمل، وبعد أربع سنوات صارت دولة صناعية مرموقة، وفي كتاب: متعة الحديث..يقول إسحاق نيوتن: النجاح يحتاج إلى ثلاثة عوامل: العمل ثم العمل ثم العمل، والعمل يبدأ بالعلم، والعلم يبدأ بالقراءة، وأمة لا تقرأ لن تتعلّم ولن تعمل ولن تنال المجد.

    إن أمة لا تعمل لا تستحق البقاء، والإسلام جاء بالعلم والعمل، وقد أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً فأساً وأمره أن يحتطِب ويبيع لئلا يبقى عالة على المجتمع، وضرب عمر بن الخطاب شباباً جلسوا في المسجد وتركوا الكسب (اخرجوا واطلبوا الرزق فإن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة).

    وشارك الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه في بناء مسجده وحفر مع الصحابة الخندق
    وقال: إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقِنَه، وقال: المؤمن القوي خير وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف
    وكان إدريس خيّاطاً وزكريّا نجاراً وداود حداداً، ورعى موسى الغنم بالأجرة

    من أسباب تقدم الغرب اعتماده على العلوم العملية التطبيقيّة فدخل المصانع والمعامل، واعتمدنا على العلوم النظرية فانشغلنا بالجغرافيا حتى حفظنا عن ظهر قلب أسماء عواصم تشاد والسنغال وأوغندا،
    وحفظنا نقائض جرير والفرزدق وهي لا تُطعم خبزاً ولا ترفع مجداً، وأسرفنا في الفنون والرياضة على حساب الإبداع والاختراع والصناعة ، فمنتخب الكاميرون الرياضي أقوى من منتخب الولايات المتحدة الأمريكية، بينما عجزت الكاميرون عن إطعام رعاياها الخبز اليابس، وإذا أرادت الشعوب أن يحالفها الإخفاق ويُختم لها بالخذلان تحوّلت من الجامعات إلى الملاهي الليلية ومن المصانع إلى مقاهي اللهو ومن الإنتاج والإبداع إلى لعب الورق وأكل الفصفص.

    رأيت في ألمانيا: مزاين المرسيدس.. وفي فرنسا: مزاين الكونكورد سابقة الصوت.. وفي أمريكا: مزاين أف 16 العاصفة القاصفة.. ولأننا أقمنا: مزاين الإبل.. فينبغي أن نقيم مهرجانات: مزاين العقول.. لنحيّي فيها الموهوبين ونكرم المبدعين ونشجع المخترعين والمكتشفين.

    ينبغي أن نعالج مرضانا النفسيين بالإيمان والعمل؛ لأن الفراغ يولّد لهم الخيالات الفاسدة التي توصل صاحبها إلى الانتحار، والعمّال أسعد الناس وأشرحهم صدوراً؛ لأنهم ليس عندهم فرصة للتفكير الخاطئ، وأي دولة لا تتحوّل إلى ورشة عمل هي دولة نامية نائمة كُتب عليها الموت، وإذا عملنا واجتهدنا فسوف تتقلّص مشكلاتنا وبطالتنا وفقرنا وأمراضنا، ولنرفع شعار: نأكل مما نزرع، ونلبس مما نصنع.

    إن عَرَق العامل أزكى من مسك الفاشل، وإنّ ساعد المثابر أكرم من جبين الكسلان، وإن زفرات البنّاء أجمل من غناء المترف
    لَقَد أَسمَعت لَو نادَيت حَيّاً وَلَكن لا حَياةَ لِمَن تُنادي
    وَلَو نار نفختَ بِها أَضاءَت وَلَكن أَنتَ تَنفخُ في رَمادِ

    شكراً لكل مسؤول جلس على كرسيّه يعدِلُ في القضايا، ويقمع الظالم وينصر المظلوم ويواسي المنكوب، شكراً لكل أستاذ وقف يصحح مفاهيم، ويصلح قلوباً ويبني عقولاً، شكراً لكل طبيب يعالج مريضاً ويداوي مبتلى ويضمّد جراحاً، شكراً لكل مزارع يغرس شجرة، ويعدّل ماءً ويحرث أرضاً، شكراً لكل جندي يحمي ديناً، ويحرس وطناً، ويدافع عن أمة، شكراً للسواعد القويّة والهمم الوثّابة والأفكار الخلاّبة، وشكراً للناجحين.
    ----------------------------------------------------------------------------------------------------------------
    قال لي صاحبي ، وقد قرأ رسالة من فتى حديث السن ، يتقد حماساً وغيرة ، يهاجم فيها رأياً لم يرق له ، ويستخدم لغة مكتظة بالمفردات الحادة ، والتعبيرات القوية ..
    كيف تعيش حياتك وتهنأ بنومك وأنت تقرأ مثل هذه الرسالة وربما غيرها ؟
    ابتسمت وأنا أقول لصاحبي .. ليس ثمّ ما يدعو إلى الجزع من شخص يختلف معك ، ويعبر عن اختلافه بطريقة تناسبه ، وهو يتحمل هو تبعتها .. كما قال أحدهم :
    لأسبنك سباً يدخل معك قبرك !
    قال له : بل يدخل معك أنت !
    ربما المشكلة هي في استخدامه لغة دينية ، لأن دافعه فيما يظن هو ديني ، فالغيرة والصفاء والصدق والإخلاص هو ما يحس به تجاه ذاته .

    والشك والحيرة أو سوء الظن هو ما يحس به تجاه من يختلف معه ، وهنا عمق المشكلة .
    أن يكون يريد تحطيمك وتدميرك على الأقل معنوياً باسم الله !
    قلت لصاحبي .. أعظم ما تواجه به مثل هذا الصنع هو الانكسار بين يدي الله ، والسجود والتذلل لوجهه ، مع استحضار قربه وعظمته ، واستذكار علمه بالدوافع والنوايا وخطرات القلوب ، وما تخفي الصدور ، فيما يخصك ، وفيما يخص خصمك .

    وعلمه التام بأحوال العباد ومصالحهم ، وما يترتب على الأقوال والأعمال من الآثار والمآلات التي تعبّدنا فيها بالاجتهاد وبذل الوسع ، ثم جعل الآخرة مملكة العدل التي لا سلطان فيها لغيره ، ولا ظلم ، ولا أسرار (لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ )، (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ)، (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ )
    هو الله الذي تعبده دون وسيط ، وتتضرع إليه أن يأخذ بيدك إلى الحق والخير والعدل في المضايق والمشتبهات ، وتحاول أن تتجرد من مقاصد الشر والإثم والبغي والأذى ، ونيات السوء وظنون السوء ، وأن تعترف بنقصك وجهلك وظلمك وخطئك وعجلتك ، وتضع بين يديه عجرك وبجرك ، وخيرك وشرك ، وتناديه بأن يحميك من نفسك أولاً ، ثم من شر الآخرين وضرهم وأذاهم ، وإذ قدر ألا أحد من خلقه يسلم من أذى الخلق فالضراعة إليه أن يمنحك القدرة على الاحتمال والصبر والانضباط ، فلا تخطئ في حقهم ، ولا تظلم أو تبغي ، ولا تصر على خطأ بان لك فيه وجه الحق ، ولا تتزحزح عن صواب أنت مؤمن به في دخيلتك ، فالله الذي باسمه يتوعدك هذا الفتى ، هو الله الذي تؤمن به ، وتستغيث وتستنجد ، إياه تعبد ، وله تصلي وتسجد ، وإليه تسعى وتحفد .

    يا صديقي .. لا أحد من الخلق يستطيع أن يغضبك أو يحزنك دون إرادتك !
    ما تحس به في داخلك من مشاعر سلبية ليس بسبب ما يحدث حولك ، ولا برسالة منتقصة ، أو ازدراء عابر ، أو ظن سوء من بعيد ، أو جفاء من قريب .. كلا .
    ما يحدث في داخلك هو بسبب تحليلك أنت للأمور من حولك .
    وعندما تغيّر طريقة نظرك للأحداث ستتغير مشاعرك ، وتهدأ انفعالاتك حتى بالنسبة للحدث ذاته .
    وَما الخَوفُ إِلّا ما تَخَوَّفَهُ الفَتى وَلا الأَمنُ إِلّا ما رَآهُ الفَتى أَمنا
    كنت ذات مرة أداري سؤالاً محرجاً أخشى أن يواجهني به أحد فينتزع مني كلاماً لم أرتبه جيداً ، أو يُربكني فأقول ما ليس لي به علم .

    ثم تأملت السؤال مرة ومرتين فانقدح في نفسي له جوابات فيها بعض السداد والتوازن ، فصرت أتمنى أن لو أتيح لي من يقول السؤال ذاته الذي كنت أخافه ، أياً كان مقصده في عرض السؤال ؛ لأنه سيمنحني فرصة جميلة لأقول كلاماً مناسباً .

    حينما تقع مشادة كلامية بينك وبين آخر ، وتؤدي إلى أن يقول عنك شيئاً يؤذي مشاعرك ويجرح أحاسيسك ، فيمكنك أن تفسّر الأمر بأنه إهانة أو انتقاص أو تحقير لشخصك ، وأن يظل الحزن مخيماً عليك سحابة نهارك ، فإذا أويت إلى فراشك صرت تتقلب على جمر الغضا ، وتتذكر الموقف ، وكأنه شريط تعرضه المرة بعد المرة ، وتحاول نسيانه فلا تقدر !
    وحين تغير طريقة التحليل للموقف ، وتتوقع أن هذا الإنسان كان يمر بظروف صعبة وتعب نفسي ، رجل أثقلت كاهله الديون ، مجهد نفسياً لا تزيده الأيام إلا قلقاً وعناء ، زوج غاضب زوجته ، أو فاصلها وخسر أولاده وأسرته ، مستور تلاحقه الشائعات وتقلقه الأقاويل ويتهامس الناس عنه بما لا يجمل ، مريض حار الأطباء في شفائه ، كئيب يعاني هموماً أمثال الجبال ، شاب ضاعت به السبل فلا عمل ولا وظيفة ولا شهادة ولا زواج .. إلخ

    إن الحياة ملأى بأنواع المتاعب وضروب المعاناة ، ولا يتسنى لكل إنسان فيها أن يكون هادئاً مطمئناً ساكن النفس مرتاح البال ، يتعاطى القضايا والمواقف بكل أريحية واعتدال وحكمة ..
    وربما هو مثلك الآن يتقلب على فراشه ألماً وندماً على ما فرط منه في حقك !
    وإذا قلت .. فلم لا يبادر ويعتذر إليّ .. فهذا حسن جميل ، وخير دواء للندم حين تسيء للآخرين هو أن تبتسم لهم وتقدم اعتذاراً ليس فيه شرط ولا مثنوية ولا تردد ولا خجل ..

    على أنك لا تدري فربما كان الرجل حزيناً ؛ لأن هذا دأبه معك ومع الآخرين ، وأنها طبيعة نفسٍ حار هو فيها ، ويئس منها أو كاد ..
    غيّر رؤيتك وتصوراتك عن المواقف التي تعرض لك وستتغير انفعالاتك إزاءها ، وتذكر أن ربك العليم لا يغير ما بك حتى تغير ما بنفسك ..
    سمعت فتى ذات مرة يتضجر من خصومه ويقول :
    -اللهم اكفنيهم بما شئت وأنت السميع العليم !
    فقلت له : لقد دعوت عليماً رحيماً قديراً سميعاً بصيراً ، وكان أولى بك أن تقول : اللهم اكفني شر نفسي ، وشر كل ذي شر ، أعوذ بك من شر نفسي ، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم .

    يا صديقي .. هذه الحجارة التي رماك بها صاحبك يمكن أن تبني بها طريقاً إلى دروس الصبر والنجاح متى كنت يقظاً مستثمراً للفرص ، إيجابياً في مواقفك ونظراتك ، مدركاً أنك لست مركز الكون ، وصاحبك أيضاً ليس هو مركز الكون والسلام .
    --------------------------------------------------------------------------
    وأعني بالتحصين الديني أن يكون المسلم على درجةٍ من الوعي الديني وقواعد الإسلام والتاريخ الإسلامي تمكِّنه من فضح وسائل التضليل، وما تتمتع به من ضعف وهشاشة ولو في صورتها العامة، وهذه مسألة ليست بالمستحيلة، بل أكاد أقول إن أضاليل أعداء الإسلام لا تعتمد إلا على مغالطاتٍ يعتورها الضعفُ من كل جانب، وإن النظرة البصيرة المستندة إلى قدرٍ من العلم الديني تكشف في سهولةٍ ما في هذه الأضاليل من عوارٍ وضعفٍ وسقوطٍ.

    والتثقيف الديني- على المستوى الشعبي- هو مهمة وسائل الإعلام بصفة أساسية، وكذلك الدعاة في المساجد، وهذا يقتضي وصل المواطنين بالواقع الحاضر على المستويات المحلية والعالمية، حتى تتوافر للمواطن رؤيةٌ سديدةٌ سويةٌ للموضوعات التي تحيط به.

    والوعي الديني الذي يحصِّن المسلم يجب أن يرتكز- بصفة أساسية- على كتاب الله وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم- بعيدًا عن التفريط والإفراط؛ تحقيقًا للوسطية التي دعا إليها الإسلام، وتمثِّل جوهرَه ومنهجَه في الحياة.. (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)
    ومن تتمة هذا الوعي المحصَّن أن يكون المسلم على بيِّنة من الشبهات التي تُثار لتجريح الإسلام ونبيِّه، وإثارة الشكِّ في الدين وقيمه، كما يكون على بيِّنة أيضًا من الدعاوى البرَّاقة التي قد يكون في ظاهرها الرحمة، وفي باطنها الباطل والشر والعذاب، كالدعوة إلى توحيد الأديان التي أخذت صورةً عمليةً في بعض البلاد العربية بالدعوة إلى بناء ما يُسمَّى مجمع الأديان الذي يمثِّل مسجدًا وكنيسةً وبيعةً في مبنى أو مبانٍ متلاصقة ؛ حتى تثبت للعالم- كما قال كبيرٌ ممَّن تولَّوا كبْر هذه الدعوة-: إننا أمةٌ نعيش في تسامح وأمن وأمان، بلا تعصُّب أو خلاف أو تطاحن، وقد رأينا أنها دعوةٌ صليبيةٌ، رفعت شعار ما يسمَّى بالإسلام أو المسجد العيسوي.

    ومن تطبيقات هذا المنهج التلفيقي- وهذا جزء مما يجب أن يعيَه المسلم تحقيقًا للتحصين الديني- أن بعض الكتَّاب والمفكرين المسلمين بدافع الحماسة للإسلام يحاول أن يُلبسه كلَّ ثوب عصري، فكلما تمخَّض العصر الحاضر عن مخترع علمي، أو مذهب سياسي، أو فكرة اجتماعية طريفة، حاول أصحاب هذا الاتجاه أن يوجِدوا لها أصلاً في الإسلام، هاتفين أن الإسلام سبق إليها؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) ، فسُفُن الفضاء والصواريخ الموجَّهة لها إشاراتٌ في القرآن!! والنظرية الذرية لها أصولها في آخر سورة الزلزلة!!

    وحينما قامت الانقلابات العسكرية في الشرق العربي، ولوَّح الثوار- أصحاب الحلل الصفراء والنجوم النحاسية اللامعة- بالاشتراكية بهر بعض الكتاب الإسلاميين بهذه الزيوف، وغَصَّت السوق بمؤلَّفاتهم التي تتحدث عن اشتراكية الإسلام، وقد رأى بعضهم كيف قادت الاشتراكية إلى الفقر والضياع والهزائم النكراء على كل المستويات، وصدق الله سبحانه وتعالى إذ قال: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)

    ونخشى أن يأتي غدًا مَن يزعم أن الهيبزية من الإسلام؛ لأنها- كما يزعم أصحابها وأغلبهم يهود صهاينة- دعوة إلى عودة الإنسان إلى بساطته الأولى، وتجنُّب التصنُّع والتكلُّف، ولا مانع كذلك أن تكون الوجودية كذلك من الإسلام؛ لأنها تقدِّس حرية الفرد، وتؤمن بكيانه وقيمته، وحقه في الوجود، كما يزعم الداعون إليها!!
    وللأسف يحاول أصحاب كل دعوة أن يطوِّعوا نصوص القرآن والسنة- بتمحُّل شديد- لإثبات صحة هذه الدعاوى أو هذه الادعاءات، وبذلك تذوب شخصية الإسلام بالتدريج بعد توزيعه على أطباق المذاهب والفلسفات المعاصرة، ولو أنصف هؤلاء لَعَلِموا أن الإسلام لا يضيره ولا يُنقص منه ولا يُنزل من قدره أن يبرَأ من كلِّ ما ذكروا.

    أما حقيقة الإسلام فتتلخَّص في أنه إسلام، وهذه الكلمة بذاتها تعني الدين القيم الخاتم، الذي يمثل منهاجًا شاملاً للحياة بكل جوانبها الروحية والاجتماعية والتربوية والسياسية، وذلك بقواعد كلية لا تمنع الإسلام الانتفاعَ بتجارب الآخرين، من ثوابتنا الدينية والأخلاقية أو تخلُّ بهويتنا الإسلامية، فنذوب في غيرنا، ونعيش بلا مرجعية، وبلا هوية.
    وللأسف يرتمي بعض مفكِّرينا في هذا المستنقع البائس الآسن إرضاءً للغرب والغربيين، فتكون النتيجة- مع تشجيعهم لهم- سقوطهم من عيون الغربيين، والنظر إليهم- على حبهم لهم- نظرة ازدراء وتحقير.

    والتصرف الإسلامي السديد هو أن نطوِّع ما يواجهنا من معايش ومعاملات وعلائق اجتماعية وغيرها.. نطوِّعها للإسلام، لا أن نطوِّع الإسلام لها، فإن استحال ذلك كان علينا- نحن المسلمين- أن نرفضها تمامًا، حتى يتحقق لنا التدين السليم البصير.
    وإذا كان هذا التحصين الديني- وقد أشرنا إلى بعض مظاهره ومقتضياته- مهمًّا للمسلمين بعامة، فإنه يعتبر ضرورة الضرورات لأبنائنا المبعوثين لتلقِّي التعليم العالي في الولايات المتحدة والدول الأوروبية وغيرها؛ وذلك لتعرضهم لمغريات لا أخلاقية ولا دينية يعجز عنها الوصف، كما يعرَّض بعضهم لأن يفتن في دينه من بعض الجمعيات أو الجامعات بمقابل دنيوي كبير.

    وأغلب مَن يبعثون يكونون في تخصصات أكاديمية تجريبية، كالكيمياء والطبيعة والطب والهندسة، ورصيدهم من العلوم الإسلامية ضئيلٌ للغاية، كما أن حظَّهم من اللغة الأجنبية التي تمكنهم من الدفاع عن دينهم وقيمهم ضئيلٌ؛ لأن اللغة الفقهية والمصطلحات الدينية مجهولة عندهم، فتركيزهم الأساسي- قبل بعثتهم- كان على اللغة العلمية التي تمكنهم من تحقيق ما يبغونه من دراستهم.

    وهؤلاء المبعوثون منهم من ينكسر أمام الإغراءات الشيطانية، فينهار أخلاقيًّا، ولا يبقى له من دينه إلا اسمه، ومنهم مَن يرزقه الله القدرة على الصمود، والقبض على دينه، ومع ذلك يبقى عاجزًا عن التصدي لما يوجَّه لدينه من مفتريات الصهاينة والصليبيين ضد الإسلام وقرآنه ونبيه، إما لضعف ثقافته الدينية، وإما لضعف لغته الدينية وإما للسببين معًا.
    وقليل جدًّا مِن هؤلاء رأيتهم متمكنين من دينهم ولغتهم ولغة البلد المبعوثين إليه، فكانوا دعاةً ثابتين قادرين، وحرصوا على تلقُّف الشباب المسلم الوافد لتوعيته والحفاظ عليه، وحقَّقوا غير قليل من النجاح في هذا المجال، ولكنه يبقى مع ذلك محدودًا دون المرجوّ المطلوب.

    ولتحقيق الحصانة الدينية لهؤلاء الشباب المبعوثين إلى الخارج أوصي بما يأتي:

    أ- تقديم دراسة جادَّة مكثَّفة للطالب المبعوث في الدين والشريعة بلغة البلد الذي سيُبعث إليه، لا تقل عن عام أو عامين؛ بحيث لا يُسمح له بالبعثة إلا إذا تلقَّى هذه الدراسة، واجتازَ بنجاح الامتحانَ فيها شفويًّا وتحريرًا قبل سفره.

    ب- وصْل هؤلاء المبعوثين بالمراكز الإسلامية في الخارج للاشتراك - بالتلقي والعطاء- في نشاطها الديني والثقافي، وتوعيتهم بملامح المجتمعات الجديدة التي هبطوا إليها.
    ------------------------------------------------------------------------
    أترك أعمالك تتحدث عنك واسكت أنت، فلا تلقِ خطباً تتحدث فيها عن إنجازك وتفوقك وجميل سيرتك فتبتلى بمكذبٍ وحاسد، وتكون عرضة للسخرية والازدراء، ولكن قدم علماً حسناً جميلاً بديعاً يسر الناظرين، وأعطِ مثلاً حياً من الأخلاق والسيرة الحسنة والسجايا الحميدة، فهي أعظم شهادة على عظمتك وسموك وعلو منـزلتك.

    إن الفاشلين أكثر الناس أقوالاً وأقلهم أعمالاً فهم يتحدثون عن أعمال وهمية وعن منجزات خيالية ليكسبوا رضا الناس وإعجابهم فما يزدادون إلا مقتاً، وليتهم اكتفوا بذلك، بل زادوا الطين بلة، فنشروا الأراجيف والشائعات واستهلكوا أوقاتهم في كثرة الكلام، وتركوا (العمل)، ولم يقدموا للأمة سوى (الكلام)، لكن الناجحون يقدمون من النتائج الباهرة الرائعة ما يلفت الأنظار، ويخطف الأضواء، ويدهش العقول.

    إن أخطر حالات الذهن يوم يفرغ صاحبه من العمل فيكون كالسيارة المسرعة في انحدار بلا سائق؛ تجنح ذات اليمين وذات الشمال، ثم تهوي إلى الأسفل!، فانتبه –أخي القارئ- ودعك من كثرة الكلام بلا طائل، واقض على أوقات الفراغ التي يحلو فيها القيل والقال، ويعذب فيها الاسترخاء، وهيئ نفسك للقيام بأعمال مثمرة، بدلاً من إرهاق حبالك الصوتية بالكلام، وتعذيب نفسك بتتبع عورات الناس.. قم الآن صلِّ، أو اقرأ، أو سبِّح، أو طالع، أو اكتب، أو رتب مكتبتك، أو أصلح بيتك، أو انفع غيرك حتى تقضي على الفراغ، واقتل الكلام بالعمل.

    إن الحياة لا تعترف باللابثين في أماكنهم، القابعين في ثكناتهم، لكنها ترحب بالعالمين العاملين، الصاعدين سلم المجد درجة درجة، الذين يؤدون رسالتهم في الحياة، ويلبون مراد النشأة الأولى، والمطلب الحق، ويجيبون على سؤال فاطرهم (أيحسب الإنسان أن يترك سدىً) ؟!.. وإذن فاصمت واعمل واسكت وابذل فسوف تجد من أصحاب الضمائر الحية من يدعو لك، ويثني عليك، ويشيد بأعمالك الجليلة وخصالك النبيلة، والناس شهداء الله في أرضه، وقل لكل حاسد: الجواب ما تراه لا ما تسمعه !..
    إسلام ويب.....








                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de