ولا ينعدم خلق التكافل إلا حينما تسود الأنانية، وتفتر المشاعر الأخوية، و يستغرق الناس في همومهم الفردية ومشاغلهم الشخصية.
وقد تآزر بنو هاشم ـ مسلمهم وكافرهم ـ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لئلا تقتله قريش، وانحازوا به إلى شعب أبي طالب وقاطعتهم العرب وحصروهم في الشعب وكتبوا صحيفة المقاطعة وعلقوها في الكعبة، إلى أن اندفع بعض رجال قريش لاستنكار الحصار المضروب على بني هاشم في شعب أبي طالب، بدافع خلق التكافل ـ رغم جاهليتهم ـ، ولم يطمئنوا حتى نقضوا الصحيفة الظالمة التي قضت بهذه المقاطعة. وفي واقعنا كثير من صور تكافل أهل الباطل فيما بينهم، وبعض صور تعاطفهم مع المسلمين، بدوافع إنسانية أو قومية أو سياسية...فهل يكون ذلك حافزا إضافيا للتكافل مع أخيك المسلم وأنت به أولى؟.
كما أن السيدة خديجة رضي الله عنها لما أرادت أن تخفف عن النبي صلى الله عليه وسلم تخوفه من نزول الوحي اتخذت من صفة التكافل التي اشتهر بها قبل النبوة دليلا عقليا على أن الله لا يخزيه فقالت: (.. كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق).
والمهاجر من أحوج الناس إلى أنصار يتكافلون معه، لغربته وفقره وانقطاعه....وقد ضرب أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر الأمثلة في التكافل مع إخوانهم المهاجرين، وكان منها أن أشاروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يقسم النخل، بينهم وبين المهاجرين، فقال: لا. فقال الأنصار: ( تكفونا المؤونة، ونشرككم في الثمرة) وبذلك عمل بعض المهاجرين في بساتين الأنصار، وقاسموهم الثمار، وحُلّت مشكلة البطالة والفقر، وكان من صور تكافلهم أن المهاجر كان يرث أخاه الأنصاري دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى رسول الله بينهما، وكانت مرحلة استصفت النفوس، وأخلصتها لله، ثم نُسخ ذلك.
وهذا التكافل لا يبرز بأسمى صوره، إلا كلما تعمقت معاني الأخوة والإيثار، واندثرت جذور الأنانية والاستئثار.
ومما يمكن أن يتميز به مجتمع المسلمين من صور التكافل: إعانة المدين ( الغارم ) بسداد دينه، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح الله عليه الفتوح، واستغنى بيت مال المسلمين، قال: " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي من المؤمنين، فترك دينا، فعليّ قضاؤه..."
ومساعدة الرقيق في تحصيل حريته، ومن ذلك أن بريرة رضي الله عنها جاءت تستعين بعائشة رضي الله عنها، في التحرر من رقها، فكان من تكافل عائشة معها أن قالت لها: ( إن شاء مواليك صببت لهم ثمنك صبة واحدة، وأعتقتك...).
ومن صور التكافل الشرعية التكافل مع القاتل في دفع دية المقتول، حيث تكلف عصبته وعشيرته الأقربون الموسرون بتحمل دية المقتول، مواساة وإعانة للقاتل خطأً، الذي قد تأتي الدية على كل ماله فترهقه، ولو عجزت عصبته، أو لم يكن له عصبة، دُفعت الدية من بيت المال.
ومن أشد الصور: استنقاذ الأخ الأسير بكل غال وثمين، وقد ورد أن سلمة بن الأكوع غزا ( هوازن ) مع أبي بكر، فنفله جارية من بني فزارة من أجمل العرب، فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، فقال له: " لله أبوها، هبها لي ، فوهبها له، ففادى بها أسارى من أسارى المسلمين كانوا بمكة".
لا شك أنها من أرقى صور الإيثار والتجرد. ويروي أبو هريرة أنه أتى خيبر مع رهط من قومه، و قد فتحت خيبر على النبي صلى الله عليه وسلم، ( فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين، فأشركونا في سهامهم) إذا لم تكن النفوس تطيب بمثل هذا، فسوف تفتقدها في ميادين التضحية، وسوف لا تجدها عند الهيعة ومظان الموت. ونقل عن عمر أيضا قوله في الأسرى: ( لأن استنقذ رجلا من المسلمين من أيدي الكفار أحب إلى من جزيرة العرب).
وحين يفرز الجهاد أرامل وأيتاما ومعوقين، فليس من الوفاء تغافلهم، بعد أن قدم أولياؤهم الروح في سبيل الله، ولذلك اعتبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل الصائم النهار). بل وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كافل اليتيم بأن يكون رفيقه في الجنة. وكذلك التكافل مع من أوذي في الله، أو أصيب في سبيل الله، وإن الواقع العملي لمجتمع المسلمين الأول، ليمثل أسمى صور التكافل، ومن ذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دخل عليه رجل أصيب في وجهه في غزوة فأمر بإعطائه ألف درهم، و كل ساعة يزيده ألفا، حتى استحيا الرجل فخرج، فقال عمر: ( أما والله لو أنه مكث، ما زلت أعطيه ــ ما بقي من المال درهم ــ رجل ضُرب ضربة في سبيل الله، خضّرت وجهه) و هكذا يكون الوفاء لذوي سابقة الخير.
ولا ننسى أن نشير إلى التكافل النفسي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم عبّر عنه بالإجمال فقال: " من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفسّ الله عنه كربة من كرب يوم القيامة". وقد بلغ من تكافل النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان يتفقد صحابته الذين لا يراهم، ويسأل عن مشاكلهم، وأمثلة ذلك في السنة كثيرة، أختار منها ما ورد في قصة إسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه، وفي آخرها أنه جاءت النبي صلى الله عليه وسلم من بعض المغازي مثل بيضة الدجاجة من ذهب، فتذكر سلمان، وأنه بقي عليه مال ليُعتق نفسه، فقال: ما فعل الفارسي المكاتَب؟ فأرسل إليه واستدعاه، فلما جاء قال له: " خذ هذه. فأدّ بها ما عليك يا سلمان"، قال سلمان: ( فأوفيتهم حقهم وعُتقت فشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق ثم لم يفتني معه مشهد)، وكم يكتسب الداعية قلوب المدعوين حين يرون أنه يفكر بهم، ويسعى في أمرهم، ويهيئ الخير لهم!!. ومن التكافل الشعوري: تفقد حال الأخ، والاطمئنان على ظروفه، وتطييب خاطرة، فقد ورد أن ثابت بن قيس بن الشماس لما نزلت الآية: ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون).
قال: أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حبط عملي وأنا من أهل النار، وجلس في أهله حزينا، فتفقده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق بعض القوم إليه فقالوا له: تفقدك رسول الله صلى الله عليه وسلم، مالك؟ ...وأخبروه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا. بل هو من أهل الجنة"، و هكذا يشعر كل فرد بقيمته وكل مدعو بمنزلته في نفس مربية.
ومن أسمى الأخلاق: أن يُقابَل التكافل بعفة نفس المحتاج؛ كما فعل عبد الرحمن بن عوف؛ حين رفض تقاسم المال والزوجتين مع الأنصاري، وقال له: ( بارك الله لك في أهلك ومالك، أين سوقكم؟) وطلب أن يدله على السوق ليعمل بيديه، ويعتمد على نفسه، بل كانت ظاهرة عامة بعد خيبر، لما استغنى المهاجرون؛ إذ ردوا إلى الأنصار ما كانوا أكرموهم به، فقد ورد أنه: ( لما فرغ من قتال أهل خيبر، فانصرف إلى المدينة، رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم من ثمارهم...).
وإن مجتمعاً يشيع فيه التكافل، لهو المجتمع المتماسك الذي يستطيع أن يجاهد في سبيل الله صفا، كأنه بنيان مرصوص، بينما تجد مجتمع الأنانية والبخل متصدعا من الداخل، تأكله العداوات والأحقاد قبل حرب الأعداء، فأي المجتمعين نختار لأنفسنا؟ وبأي الأخلاق نتحّلى؟.
هذه أخلاقنا- الخزندار رحمه الله الدعاء يرقق القلب جعل الله تعالى من الدعاء عبادة وقربى، وأمر عباده بالتوجه إليه لينالوا عنده منزلة رفيعة وزلفى، أمر بالدعاء وجعله وسيلة الرجاء، فجميع الخلق يفزعون في حوائجهم إليه، ويعتمدون عند الحوادث والكوارث عليه.
وحقيقة الدعاء: هو إظهار الافتقار لله تعالى، والتبرؤ من الحَوْل والقوة، واستشعار الذلة البشرية، كما أن فيه معنى الثناء على الله، واعتراف العبد بجود وكرم مولاه. يقول الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186].
تأمل يا أخي هذه الآية تجد غاية الرقة والشفافية والإيناس، آية تسكب في قلب المؤمن النداوة والود والأنس والرضا والثقة واليقين.
ولو لم يكن في الدعاء إلا رقة القلب لكفى: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنعام:43]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الدعاء هو العبادة".
بل هو من أكرم الأشياء على الله تعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس شيء أكرم على الله من الدعاء".
والمؤمن موعود من الله تعالى بالإجابة إن هو دعا مولاه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60].
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من رجل يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل له دعوته، أو يدخر له من الخير مثلها، أو يصرف عنه من الشر مثلها". قالوا: يا رسول الله، إذًا نكثر. قال: "الله أكثر".
ولذلك كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: إني لا أحمل همَّ الإجابة، ولكن أحمل هم الدعاء، فمن رزق الدعاء فإن الإجابة معه.
من آداب الدعاء:
مما لا شك فيه أن الدعاء الذي يرجو صاحبه الإجابة هو ما التزم فيه الآداب الواردة فيه ومنها:
تحري أوقات الاستجابة:
فيتخير لدعائه الأوقات الشريفة؛ كيوم عرفة من السنة، ورمضان من الأشهر، ويوم الجمعة من الأسبوع، ووقت السَّحَر من ساعات الليل.
وأن يغتنم الأوقات والأحوال التي يُستجاب فيها الدعاء، كوقت التنزُّل الإلهي في آخر الليل، وفي السجود، وأن ينام على ذِكْر فإذا استيقظ من الليل ذكر ربه ودعاه، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وعند نزول المطر، وعند التقاء الجيوش في الجهاد، وعند الإقامة، وآخر ساعة من نهار الجمعة، ودعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب، ودعوة المسافر والمظلوم، ودعوة الصائم والوالد لولده، ، ودعاء رمضان.
ومن الآداب:
أن يدعو مستقبل القبلة وأن يرفع يديه، وألا يتكلف السجْع في الدعاء، وأن يتضرع ويخشع عند الدعاء؛ قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:55]، [إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً} [الأنبياء:90].
وأن يخفض الصوت؛ فإنه أعظم في الأدب والتعظيم، ولأن خفض الصوت أبلغ في التضرع والخشوع الذي هو رُوح الدعاء ومقصوده؛ فإن الخاشع الذليل المتضرع إنما يسأل مسألة مسكين ذليل، قد انكسر قلبُه وذلَّت جوارحُه، وهذه الحالة لا يليق معها رفع الصوت بالدعاء أصلاً. ولأنه أبلغ في الإخلاص، وأبلغ في حضور القلب عند الدعاء.
ولأن خفض الصوت يدل على قرب صاحبه من الله، فيسأله مسألة القريب للقريب، لا مسألة نداء البعيد للبعيد، وهذا من الأسرار البديعة جدًّا، ولهذا أثنى الله على عبده زكريا بقوله: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً} [مريم:3].
وإخفاء الدعاء يكون سببا في حفظ هذه النعمة العظيمة -التي ما مثلها نعمة- من عيْن الحاسد..
أن يفتتح الدعاء بذكر الله والثناء عليه وأن يختمه بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل دعاء محجوبٌ حتى يُصلَّى على النبي صلى الله عليه وسلم".
المحافظة على أدب الباطن
ومن أهم الآداب التي ينبغي للداعي أن يحافظ عليها تطهير الباطن – وهو الأصل في الإجابة – فيحرص على تجديد التوبة ورد المظالم إلى أهلها، وتطهير القلب من الأحقاد والأمراض التي تحول بين القلب وبين الله ، وتطييب المطْعَم بأكل الحلال.
أن يجزمَ بالدعاء ويُوقن بالإجابة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادعوا الله وأنتم مُوقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافل لاهٍ".
وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا أحدكم فلا يقل: اللهم اغفر لي إن شئت. وليعزم المسألة، ولْيعظم الرغبة؛ فإن الله لا يعظُمُ عليه شيء أعطاه".
وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يقل أحدُكم إذا دعا: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت. فليعزم المسألة؛ فإنه لا مُكره له". ويعزم المسألة معناه أن يطلب ما يريد من غير تعليقه بالمشيئة، فيقول مثلا: اللهم ارزقني، اللهم اغفر لي.
قال سفيان بن عُيينة: لا يمنعنَّ أحدكم من الدعاء ما يعلم من نفسه؛ فإن الله عز وجل أجاب دعاء شرِّ الخلق إبليس لعنه الله: {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} [الحجر:36، 37].
أن يُلحَّ في الدعاء ويكرِّره ثلاثًا: قال ابن مسعود: "كان عليه السلام إذا دعا دعا ثلاثًا، وإذا سأل سأل ثلاثًا".
وفي صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مازال يهتف بربِّه، مادًّا يديه، مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبَيْه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه، فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله، كفاك مناشدتُك ربَّك، فإنه سيُنجِزُ لك ما وعدك.
وهذا نبي الله يعقوب صلى الله عليه وسلم، مازال يدعو ويدعو، فذهب بصره ، وأُلقي ولدُه في الجُبِّ ولا يدري عنه شيئًا، وأُخرج الولدُ من الجُبِّ، ودخل قصرَ العزيز، إلى أن شبَّ وترعرع، ثم راودته المرأة عن نفسها فأبى وعصَمَه الله، ثم دخل السجن فلبث فيه بضع سنين، ثم أُخرج من السجن، وكان على خزائن الأرض، ومع طول هذا الوقت كله ويعقوب يقول لبنيه: {يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87].
أن يُعظِّمَ المسألة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تمنى أحدُكم فليُكثر، فإنما يسأل ربَّه".
قال المناوي رحمه الله: إذا تمنى أحدكم خيرًا من خير الدارَيْن فليكثر الأماني، فإنما يسأل ربه الذي ربَّاه وأنعم عليه وأحسن إليه، فيعظم الرغبة ويوسِّع المسألة ... فينبغي للسائل إكثار المسألة ولا يختصر ولا يقتصر؛ فإن خزائن الجُود لا يُفنيها عطاءٌ وإن جلَّ وعظُم، فعطاؤه بين الكاف والنون، وليس هذا بمناقضٍ لقوله سبحانه: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء:32] فإن ذلك نهي عن تمنِّي ما لأخيه بغْيًا وحسدًا، وهذا تمنى على الله خيرًا في دينه ودنياه، وطلب من خزائنه فهو كقوله: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء:32].
وقد ذم الله من دعا ربه الدنيا فقط، فقال تعالى: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة:200]، وأثنى سبحانه وتعالى على الداعين بخيري الدنيا والآخرة فقال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201].
وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة مائة درجة، أعدَّها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس؛ فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة – أراه قال: وفوقه عرشُ الرحمن – ومنه تفجَّرُ أنهار الجنة".
الدعاء باسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب: فعن بُريدة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد. فقال صلى الله عليه وسلم: "لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سُئل به أعطى، وإذا دُعي به أجاب".
أن يجتهد في الإتيان بالأدعية الواردة في الكتاب والسنة ؛ فإنها لم تترك شيئا من خير الدنيا والآخرة إلا وأتت به، وألا ييأس إن تأخرت الإجابة فإن هذا من العجلة التي نهى عنها الشرع. نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يستجيب دعاءهم ، والحمد لله رب العالمين. إسلام ويب...
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة