من يقرأ الكلاسيكيات؟ ‏لطفية الدليمي

من يقرأ الكلاسيكيات؟ ‏لطفية الدليمي


03-04-2019, 08:55 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=500&msg=1551686119&rn=0


Post: #1
Title: من يقرأ الكلاسيكيات؟ ‏لطفية الدليمي
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 03-04-2019, 08:55 AM

07:55 AM March, 04 2019

سودانيز اون لاين
محمد عبد الله الحسين-
مكتبتى
رابط مختصر




مقدمة:‏
لطفية الدليمي الكاتبة و المترجمة العراقية المقيمة في باريس من الكاتبات القلائل ‏في هذه الأيام من تكتب بفكر ثاقب و رؤية متعمقة....‏
عندما نقرأ كلمة الكلاسيكيات نتذكر كتب شكسبير و الاخوات برونتي و ‏غيرهما...
و نحن في الشرق عموما نظن بأن تلك الكلاسيكيات قد نحتاج لجهد كبير ‏لكني نفض عنها الغبار حتى نقرأ السطور الأولى منها..و لكن حسبما ما عرفت ‏أنه في اوروبا تدرس هذه الكلاسيكيات في المراحل ما قبل الجامعية و كأنها ‏تؤسس لمنطق و تفكير متجدد و مستمر و ليس لكتب كتابات و مفكرين و رواة ‏أكل عليهم الدهر و شرب.‏
اليوم أجد العنوان(من يقرأ الكلاسيكيات؟) ليذكرنا هذه الحقيقة فب الغرب..‏
فإلى المقال.‏

Post: #2
Title: Re: من يقرأ الكلاسيكيات؟ ‏لطفية الدليمي
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 03-04-2019, 09:39 AM
Parent: #1

من يقرأ الكلاسيكيات؟

مازالت الكلاسيكيات الفلسفية والأدبية الإغريقية، وخاصة المحاورات الأفلاطونية ‏والملاحم الإغريقية والمسرحيات، إلى جانب الكلاسيكيات التي سادت عصر ‏النهضة الأوروبية تشهد قراءات متواصلة على مر الأعوام، وما زالت الطبعات ‏الحديثة من هذه الكلاسيكيات تتوالى سنة بعد أخرى، ومنها: محاورات أفلاطون ‏وجمهوريته الفلسفية، أخلاقيات سبينوزا، المسرحيات الشكسبيرية، مصنّفات ‏‏(كانط) الفلسفية، مونادولوجيا لايبنتز، الملاحم النوردية والهندية، مؤلّفات جون ‏ستيوارت مل، ماركس ورأسماله الشهير، الخ‎…‎
لم تتراجع حمّى قراءة هذه المصنّفات في كل العصور، ولم تستطع الحداثة أو ما ‏بعد الحداثة أو ما بعد الحقيقة، بكلّ تجلياتها العلمية والفلسفية، أن تقف بوجه هذه ‏القراءات أو أي ذريعة وظّفها مُناصرو هذه التوجّهات الثقافية للدعوة إلى نبذ قراءة ‏الكلاسيكيات واعتبارها تراثا ماضويا لا يصلح سوى للإحالة إلى قائمة الموجودات ‏الثقافية المتحفية‎.‎
ثمة الكثير من الأسباب التي تقف وراء استمرارية التأثير الثقافي لتلك ‏الكلاسيكيات ورواج مقروئيتها في كلّ العصور، فهي تمثل عصارة الروح ‏الإنسانية المكنوزة والمكتوبة، لأنها تتناول الخصائص والمكابدات الإنسانية التي ‏تتسامى فوق حواجز الزمان والمكان بسبب حيازتها لسمات عصية على التقادم ‏الزمني والمحليات الجغرافية والفروقات العرقية والإثنية مثل سمات: الحب ‏والكراهية، التعطش للمعرفة، مساءلة الحتميات الوجودية مثل الشيخوخة والموت ‏والفناء، استنطاق إمكانيات الخلود، إلخ‎…‎
لم تتراجع حمّى قراءة هذه المصنّفات في كل العصور، ولم تستطع الحداثة أو ما ‏بعد الحداثة أو ما بعد الحقيقة، بكلّ تجلياتها العلمية والفلسفية، أن تقف بوجه هذه ‏القراءات
وعليه فإنّ “الموضات” الثقافية الموسمية التي تتبدّل كل بضعة عقود تتقزم ولا ‏تنجح في تقمص دور الأستذة المترفّعة إزاء هذه الخبرات الكلاسيكية المُعتّقة، ‏وتبدو غير قادرة على إبعادها من مشهد الثقافة العالمية أو الإدّعاء بموتها مثلما ‏اخترعت فكرة موت الرواية أو موت المؤلّف أو سواها من الميتات المُخترعة‎.‎
تلعب المناهج الدراسية الأوروبية دورا عظيم الأهمية في الحفاظ على وهج ‏الكلاسيكيات الثقافية؛ إذ ما زالت تلك المناهج تولي اهتماما كبيرا لدراسة تلك ‏الكلاسيكيات في جميع المراحل الدراسية، ولا ننس دور اللغة اللاتينية التي تعدّ ‏مادة إجبارية في المدارس الأوروبية، وتساهم هذه اللغة في إثراء الذخيرة الثقافية ‏والحضارية لدى الطلبة لأنها تتيح الفرصة أمامهم لقراءة النصوص الكلاسيكية ‏بلغتها الأصلية من جهة، ولأنّ اللغة اللاتينية تفتح الباب مشرعا لدراسة كثرة من ‏اللغات الأخرى (مثل الألمانية والفرنسية وعائلة اللغات الإسكندنافية) بسهولة ‏فائقة‎.‎
إنه لأمر مؤسف ألا تلقى بعض الكلاسيكيات الفريدة في تراثنا العربي الاهتمام ‏ذاته الذي تلقاه الكلاسيكيات الغربية، وممّا يؤلم أشدّ الألم أن تنشأ أجيالنا الجديدة ‏وهي مسلوبة بالعماء التقني ونكران النصوص العظمى كملحمة كلكامش وقصيدة ‏الخليقة والنصوص الرافدينية الساخرة ونصوص الحبّ والعشق السومرية، التي ‏تنضح جمالا ونضارة، وأعمال الكندي والتوحيدي والجاحظ والمعتزلة ‏والمتصوفة، الذين يمثلون قلب العقلانية وروحها في الثقافة العربية‎.‎
ويبدو لي أن أسباب هذا التجاهل كثيرة، منها: اصطناع الحداثة الكذوب، والنفور ‏من المجاهدة في قراءة المصنّفات العميقة والاصطبار على استخلاص نفائسها، ‏والانصراف عن التلذّذ بجماليات اللغة العربية وخفاياها الساحرة المضمرة ‏والمعلنة، وتراجع دور المناهج الدراسية وتخلفها العام وإهمالها الكشف عن الدُّرر ‏المخبوءة في تراثنا العربي. متى تلتفت أجيالنا المعاصرة وتولي بعض اهتماماتها ‏المشتتة نحو كلاسيكياتنا العربية كأعمال التوحيدي وعبدالجبار النفري وابن حزم، ‏ولو فعلت حقا، فسنعيد الاعتبار لكنوز تراثنا المضيئة ونقف على عتبة التطوّر ‏والارتقاء الثقافي كما فعل الأوربيون، ومازالوا يفعلون، مع عظماء مبدعيهم ‏ومفكريهم‎.‎

لطفية الدليمي‎ ‎
كاتبة عراقية