ماذا يريد الثائرون؟

ماذا يريد الثائرون؟


02-18-2019, 09:37 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=500&msg=1550479024&rn=0


Post: #1
Title: ماذا يريد الثائرون؟
Author: اسماعيل عبد الله محمد
Date: 02-18-2019, 09:37 AM

08:37 AM February, 18 2019

سودانيز اون لاين
اسماعيل عبد الله محمد-
مكتبتى
رابط مختصر



ماذا يريد الثائرون؟

الثائرون جلهم من فئتي الشباب و الطلاب ,
الذين شبوا عن الطوق في عهد ذات النظام الذي يريدون إسقاطه ,
وهم أنفسهم من ارتدى منطال الجينز (الناصل) الذي اطلقوا عليه اسم (السيستم) ,
و أطلقنا عليه نحن كبار السن إسم (خالي مسؤولية) ,
استهتاراً بهم و بلامبالاة مزعومة افترضناها فيهم خطأً وجهلاً من عند أنفسنا ,
و نسينا أن لكل زمان رجاله ونسائه المختلفون شكلاً ومضموناً عن من سبقوهم ,
من نساء ورجال وشيب وشباب في سالف العصور و الأزمان ,
فقد أفحمنا هؤلاء الصبية و الجمونا لامساكهم بزمام المبادرة ,
وأرغمونا على الاستسلام و التنازل عن كل الزخم السياسي و الفكري و الثقافي ,
الذي تفيض به رؤوسنا التي ضربها الشيب وجثا عليها المشيب ,
ذلك الزخم الذي كنا نعتبره الخلاصة النهائية للحكمة و حسن القول ,
فقام هؤلاء الفتية بحسم أمرهم وحزمه ولم يكترثوا لكل ما اكتنزناه ,
عبر رحلة حياتنا الطويلة و المملة من النصائح و التوجيهات والإرشادات ,
فقفزوا فوق الكلام و الحديث المنمق و تجاوزوا النظرية المحكية إلى الميدان ,
و نزلوا الى سوح الفداء يرفعون شعار السقوط غير المشروط لرأس المنظومة ,
نعم السقوط وليس سواه من التكتيكات و الترددات التي صاحبت مسيرة كبار الساسة و دهاقنة العمل العام ,
ففي ذلك المؤتمر الصحفي الذي تحدث فيه محمد يوسف و سارة نقد الله ,
لم يجد المتحدثون كلمة ترضي غرور حضور ذلك اللقاء غير أن يقولوها صراحة ,
(نحن مع هؤلاء الشباب الثائرين و هم الذين يملون علينا ما يجب أن نفعله) ,
في نقلة حضارية كبيرة فيها اعتراف و قبول بدور الشباب في تولي إدارة دفة الحراك الثوري ,
والعمل السياسي المفضي إلى إزاحة المنظومة الحاكمة بغضها وغضيضها ,
وكل من لم يقدم نفسه تابعاً وليس متبوعاً من السياسيين الكهول والشائخين لهؤلاء الثوار ,
سوف يفوته شرف الاطاحة بأشهر نظام حكم دكتاتوري عايشته البلاد ,
فعندما تنازل الصادق المهدي و مهر توقيعه على الوثيقة التي صاغها هؤلاء الشباب ,
عرف القاصي و الداني أن ساعة صفر زوال الطغمة الفاسدة قد دنت ,
فالرئيس الدائم لحزب الأمة عدل عن موقفه المرتجف ,
الذي صادف يوم هبوط طائرته بمدرج مطار الخرطوم
وهو نفس أليوم الذي اندلعت فيه شرارة ثورة شباب ديسمبر ,
و ياليته أعلنها منذ تلك اللحظة التي وطأت فيهما قدماه أرض الوطن الحبيب
حتى يضرب عصفورين بحجر واحد ,
وحتى لا يقع في فخ السخرية من قبل أولئك الشباب
الذين تميزوا بقدر كبير من الوعي و المعرفة ,
وقتها تطابق موقفه ذاك بما حكاه مثلنا السوداني التقليدي (تاباها مملحة تاكلها يابسة) ,
و هكذا هو حال زعامات جميع احزابنا الديناصورية القديمة الشائخة ,
والآيلة إلى السقوط سواء بسواء مع توقيت سقوط راعيها الدكتاتور الكبير.

إنّ للسياسة شؤونها و منعرجاتها و دبلوماسيتها ,
لذلك لم يرغب ثوار شباب ديسمبر في أن يقولوا
لديناصورات السياسة السودانية (دعونا وشأننا) ,
لكنهم أشاروا الى ذلك في كثير من مواقفهم المتخذة
بصدد هؤلاء الساسة المستعجلين ,
والمهرولين نحو اللحاق بقطار الشباب الثائر الذي انطلقت صافرته ,
فحتى تجمع المهنيين ما كان له أن يجد هذا الصدى الكبير
لولا تقديمه لنفسه كمستمع لا آمر ,
و كمستجيب لتوجيهات الثوار لامرشد لها أو موجه ,
فمثل هذه الأجيال الحديثة لا خوف عليها
و لا حزن يصيب الحادبين على مصلحة الوطن ,
من جراء إدراتها للصراع وتبنيها للحراك الثوري
الجارية احداثه هذه الساعات ,
فالتحول الجذري في بلادنا يقوده هؤلاء الشباب
النابضة قلوبهم بالدماء الساخنة ,
فهو تحول كلي و ليس نوعي
كما يمني بعض ممن يعارضون النظام من داخل مؤسساته بهذه النوعية ,
من شاكلة جماعة الاصلاح الآن و حزب المؤتمر الشعبي
و الأحزاب والشخصيات التي أخرجها مؤتمر الحوار الوطني ,
فاحدى مؤشرات هذا الانقلاب الكبير الذي أحدثه هؤلاء الثوار
تعكسها فضيحة التخلي المرتعب للبشيرعن قانون النظام العام ,
ذلك القانون المجحف و الظالم الذي ظل يدافع عنه النظام ثلاثون عاماً ,
فتلك فضيحة بكل المقاييس و سقوط أخلاقي داوي لم يكن يتوقعه أحد ,
لشخص ظن كثير من الناس أن به ذرة صغيرة من كرامة وحياء وماء وجه ,
فالذي يتنازل بتلك الطريقة المهرولة و السريعة عن مبدأ آمن به هو
قبل أن يؤمن به الآخرون وعلى مدى ثلاثة عقود ,
لهو انكشاف لمستور ظل بعيداً عن ناظر وأعين عامة الناس زماناً ,
و بذلك الافتضاح أصبح صائغ القوانين المكبلة للحريات و القاهرة للنساء ,
كالطريدة المفزوعة التي تقدم التنازل تلو الآخر لطاردها ,
حتى تأتي اللحظة الفاصلة لكي ينقض ويجهز عليها ,
فبرغم تناول خبراء علوم المجتمع و القانون لمواد قانون النظام العام
بالانتقاد المسنود بالأدلة و البراهين ,
إلا أن المنظومة الاسلامية الحاكمة سدرت في غيها وعمهها ,
تنتهك حرمات مواطنيها بقانون شائه لا يراعي عادات وتقاليد مجتمع
يختلف كثيراً عن مجتمعات البدويين في غرب القارة الآسيوية.

الثائرون يريدون اللحاق بالحداثة ومواكبة متطلبات العصر العولمي ,
و يرفضون الانقياد الأعمى إلى قدامى المنظرين
في شؤون الأقتصاد والسياسية و الاجتماع والثقافة ,
إنهم يفضلون الأفعال و يركضون هرباً من النظريات المحشوة
بتعقيدات المصطلح السياسي ,
ولا وقت لهم لسماع محاضرة طويلة تثير السأم و الضجر
حول الراديكالية و السيندكالية ,
ولاينوون إضاعة زمنهم في قضايا جدل التوالي السياسي
و صراع الطبقة العاملة مع البرجوازية ,
فهم غير مهيئين لحضور ورشة عمل لا يعقبها عمل ,
ولا ينضوون تحت مسمى حزب قطري فرعيته في الخرطوم ,
و رئاسته في بغداد و موسكو و القاهرة ودمشق ,
فهذا الجيل السبتمبري والديسمبري هو بمثابة النبت السوداني الخالص ,
الذي أطل برأسه من تحت ركام تربة معتقة برائحة الممالك العريقة والقديمة ,
نافضاً عن جسده غبار الزيف الملتصق بجلده و المستورد من عوالم لا تشبه عالمه.

لاقيمة و لامعنى لثورة لا تحدث إنقلاباً في المفاهيم و السلوك ,
ولا جدوى من تغيير يعيد معتنقي الخرافة و الدجل
و المتاجرين بقيم السماء إلى مؤسسات الحكم ,
فلن تكون الثورة ثورة حقيقة
إلا بعد أن تدفن الدويلة الدينية الثيوقراطية و للأبد ,
ولن تكون هبة طموحة
إلا من بعد أن تشيع دويلة العنصرية البغيضة والمغرورة إلى مثواها الأخير ,
لكل ذلك سخر شباب ديسمبر من حديث رئيس جهاز الأمن حول الشيشة وشارع النيل ,
لقد ظن المسكين ان هؤلاء الشباب بذات الضحالة الفكرية
التي يتمتع بها رفاقه من المهووسين والمتزمتين ,
وفات عليه أن طموح هذا الجيل قد تجاوز (حجر الشيشة) و (قعدة البنبر) إلى الحجر المقذوف من يده وهو يردد (تسقط بس).