الشعر الجديد -- الشكل والرؤيا - أدونيس

الشعر الجديد -- الشكل والرؤيا - أدونيس


04-26-2006, 00:57 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=50&msg=1146009428&rn=1


Post: #1
Title: الشعر الجديد -- الشكل والرؤيا - أدونيس
Author: أبوذر بابكر
Date: 04-26-2006, 00:57 AM
Parent: #0

لعل خير ما نعرف به الشعر الجديد، هو أنه رؤيا، والرؤيا بطبيعتها قفزة خارج المفهومات السائدة، هى اذن تغيير فى نظام الأشياء وفى نظام النظر اليها
هكذا يبدو الشعر الجديد أول ما يبدو، تمردا على الأشكال والطرق الشعرية القديمة، فهو تجاوز وتخط يسايران تخطى عصرنا الحاضر وتجاوزه للعصور الماضية، ان له بهذا المعنى حقيقته الخاصة، حقيقة العالم الذى لا يعرف الذهن التقليدى أن يراه، لكن الذى يراه الشاعر ويكشف عنه
فعاداتنا الفكرية وحاجاتنا العملية تحول بيننا وبين رؤية الحقيقة أو الواقع الا من خلالها، والشاعر لا يرضى بالمعنى الذى تضيفه العادة الانسانية على الأشياء مهما كان مفيدا، ويبحث لها عن معنى آخر ومن هنا ينفصل عن التقليد والعادة ويصبح دوره فى أن يوقظنا ويخلصنا من الأفكار المشتركة الضيقة
أن نرى فى الكون ما تحجبه عنا الإلفة والعادة، أن نكشف وجه العالم المخبوء، أن نكتشف علائق خفية، وأن نستعمل لغة ومجموعة من المشاعر والتداعيات الملائمة للتعبير عن هذا كله، تلك هى بعض من مهمات الشعر الحديث، وهذا هو امتيازه فى الخروج من التقليدية، فقوام الشعر الجديد معنى خلاق توليدى، لا معنى سردى وصفى، انه كما يقول الشاعر الفرنسى رينيه شار "الكشف عن عالم يظل ابدا فى حاجة الى الكشف"
لذلك فان من خصائصه ان يعبر عن قلق الانسان، ابديا
الشاعر الجديد والحالة هذه، متفرد ومتميز فى الخلق وفى مجال انهماكاته الخاصة كشاعر، وشعره مركز استقطاب لمشكلات كيامية يعانيها فى حضارته وأمته وفى نفسه هو بالذات
هكذا يمكننا القول أن الشعر الجديد نوع من المعرفة التى لها قوانينها الخاصة فى معزل عن قوانين العالم، انه احساس شامل بحضورنا وهو دعوة لوضع معنى الظواهر من جديد، موضع البحث والتساؤل وهو لذلك، يصدر من حساسية ميتافيزيقية، تحس الأشياء إحساسا كشفيا
الشعر الجديد من هذه الوجهة، هو ميتافيزيقيا الكيان الإنسانى
ومن هنا يتجه الشعر الجديد الى التخلى عن الحادثة، اذ ان هناك تنافرا بين الحادثة، ويتخلى عن أن يكون شعرا للوقائع أو شعرا واقعيا بالمعنى الشائع لهذه الكلمة، وان يتخلى عن الجزئية فلا يمكن للشاعر أن يكون عظيما الا اذا لمحنا وراءه رؤيا للعالم، فالأثر الشعرى الذى لا يكون بالنسبة للشاعر وللقارئ، إلا شكلا من اشكال المديح او الهجاء، هو فى الحقيقة كما يقول اندريه مالرو، ضد الشعر
يتخلى الشعر الجديد ايضا عن الرؤية الافقية، ففى معظم شعرنا المعاصر والقديم، تبدو الحياة مشهدا، فهو ينظر الي الاشياء باعتبارها اشكالا او وظائف، لذلك تبدو العلاقة بين الانسان والعالم علاقة شكلية
يتخلى الشعر الجديد عن التفكيك البنائى، فنحن نرى فى معظم القصائد المعاصرة تشققا فى هيكلها ووحدتها
الشكل الشعرى هو اولا كيفية وجود، اى بناء فنى، وهو ثانيا كيفية تعبير، اى طريقة، والشعر الجديد لاعتباره كشفا ورؤيا، غامض ومتردد ولا منطقى، ولهذا لابد من العلو على الشروط الشكلية لانه بحاجة الى مزيد من الحرية مزيد من السر والنبوءة، فالشكل يمحى امام القصد او الهدف، ومع ذلك فان تحديد شعر جديد خاص بنا نحن، فى هذا العصر، لا يبحث عنه جوهريا فى فوضى الشكل ولا فى التخلى المتزايد عن شروط البيت، بل فى وظيفة الممارسة الشعرية التى هى طاقة ارتياد وكشف
ليس الشكل مجرد وزن، وانما هو نوع من البناء، ولهذا يبقى ككل بناء، قابلا للتجديد والتغيير، ولا تنبع الموسيقى فى الشعر الجديد من تناغم بين اجزاء خارجية وأقيسة شكلية، بل تنبع من تناغم داخلى حركى هو اكثر من ان يكون مجرد قياس، ووراء التناغم الشكلى الحسابى، تناغم حركى داخلى هو سر الموسيقى فى الشعر
من القضايا الشكلية، البنائية التى تثار ضد الشعر الجديد، قضية التعبير بغير الأوزان التقليدية، فحيث لا تكون أوزان، فى رأى من يثيرونها، لا يكون شعر


================================================
أدونيس - زمن الشعر
الطبعة الثالثة 1983 - دار العودة - بيروت