لها اون لاين: امرأة وحيدة في مجرة التبانة ..د. محسن خضر

لها اون لاين: امرأة وحيدة في مجرة التبانة ..د. محسن خضر


04-23-2006, 09:21 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=50&msg=1145780473&rn=0


Post: #1
Title: لها اون لاين: امرأة وحيدة في مجرة التبانة ..د. محسن خضر
Author: Mohamed E. Seliaman
Date: 04-23-2006, 09:21 AM




1- اللهم اجعله خيراً‏ ‏

ثلاث دقات بالمقبض الحديدي على الباب فتحت فوهة الجحيم، أجفل القلب المسكون‏ بالترقب، أي تبديل طرأ على ناموس الكون هذه الليلة! أتستديم استدارة الأرض؟ وهذه النجوم‏ النصف نائمة والنصف ساهرة متى تركن للتقاعد؟ وفي المبتدأ سادت الديناصورات العالم حتى‏ طردت من الخدمة لبطئها الشديد، ولم تصرف مكافأة نهاية الخدمة، لو أكل نيوتن التفاحة بدلاً‏ من التحديق فيها لجنب الكلبة "لايكا" مصيرها الأليم، للدهشة فصول للتفاحة؟‏

- المهندس طارق الصاوي؟‏

- نعم.

- شقيق السيدة حنان الصاوي‏؟

- هه! نعم. ماذا؟‏

- من فضلك وقع هنا، طلب حضور إلى قسم شرطة.. لمقابلة السيد معاون المباحث.‏

للكوابيس ألوان زاهية. يستدعي كوابيسه السابقة. مررت بهذه الحالة من قبل. خيمتك‏ بالكتيبة 47 مشاة، ظلام سيناء المقبض نسمع عواء الذئاب مختلطاً بدمدمة الجماجم. ربما‏ تنتسب إلى أزمنة الفراعين أو العثمانيين، ربما كان جدك الأكبر واحداً منهم، ابن عم لأمك‏ سقط في هجوم الغدر الثلاثي في 56، فلتحترم رقدته، وجارك عادل الأبيض راح في مذبحة‏ 67. كيف أميز أرواح الشهداء من عفاريت البغاة؟‏

تترك شمعة مضيئة في الخيمة، نخفي أطرافنا بمهارة تحت غطاء البطاطين. للدفء‏ شهوته الطاغية، فمن يستحضره لرقدتنا.‏

كثيراً ما استيقظت في الليل يشطرني الخوف والبرد، طابور من الجرذان يطأ جسدك،‏ ويناهز الواحد منها حجم قطة متوسطة، أتأكد من إحكام الغطاء حولي، رفيقي السمين يمد كفه‏ بضربة مباغته تدك أقربها إلى يده، تهرب بقيتها مؤقتاً قبل أن تعاود هجماتها، يخلد رفيقي إلى‏ استنامته اللذيدة يؤشرها شخيره المنتظم الثقيل، هل تشم الفئران رائحة خوفك؟‏ ‏

‏ 2- ولله في خلقه شئون‏:‏

عالمي كنت: النهر والضفتين، الخشية والرجفة فالدعة والسكون. تستحضر ردود‏ أفعاله: انقباض عضلات وجهه حاجباه المرفوعان الأقرنان الكثيفان لازمته عندما يتشكك فيما‏ يسمعه.‏

كفه تمسح خصلة شعره المنزلقة على جبينه في حركة آلية، كتفاه المنحنيان من تأثير‏ جلوسه الطويل فوق المكتب، أصابعه ترسم حروفاً وأشكالاً وهمية في الهواء الطلق عند‏ انفعاله، أنسى يوم ارتميت في صدرك يوم طلاقي، يهبني الحضن إحساساً مركباً من الدهشة‏ والرفض والتحنان، يمتص الجدول البارد سعير نحيبك وتداعيك، وتتكفل كفك الرابتة علي بأن‏ تهبني اطمئناناً حقيقياً وسلوى مستديمة.‏

قادم في الطريق إلى قسم الشرطة لتنفجر فضيحتي في وجهه، بتحنانه وألمه الممزوج‏ بالدهشة، فبأي وجه أطالع إشراقته؟ سنواتك السبع التي تكبرني بها سدّي وسندي.‏

عندما نجحت في الإعدادية كنت في الصف الثاني الابتدائي، وعندما أنجزت مشروع‏ تخرجك بكلية الهندسة كنت أتعثر في امتحان الثانوية العامة، وعندما أنهيت معهدي ذا العامين‏ كنت قد أنهيت مدة تجنيدك، عند تخرجي بكت أمنا واحتضنتني وطارت بي في الهواء وسط‏ ضحكاتنا الصاخبة علامات محفورة في ذاكرتي: تسلمك خطاب القوى العاملة، فرحة أول‏ مرتب، بهجة سفرك في مهمة تدريب إلى فرنسا، نزهاتنا وأحاديثنا وأحلامنا... ويوم تسلمت‏ بطاقة معايدتك الأولى من باريس كتبت لي:‏

أختاه، عالمي ضيق بدونك، فمتى يعود لعالمي اتساعه وتمدده؟‏

‏ 3- الملك لله... الملك لله‏

‏ تعرف ما بين الوريد والوريد من عشق قطرة الدم وقطرة الدم من صلة قربى، وما بين‏ الزفرة والزفرة من تواد، وما بين المرفق والساعد، والعين والحاجب، والرقبة والرأس،‏ والشفة والشفة، والكاحل والساق.‏

لزمن الأكاذيب قدرة عجيبة على التخفي والمراوغة، وللوجوه لمعة مريبة أخاذة،‏ للتصريحات نعومة الأفاعي وملمس المياه تنطلي على السذج رحم الله أمي يخزني دعاؤها‏ المفضل "ربنا يسعد أوقاتكم" وقبل وفاتها الخاطفة أوصتني بك "خيتك يا طارق، دمك ولحمك،‏ فليس لها رجل سواك"‏

توصيك بي بإلحاح: "في أيامنا العصيبة يا ضناي يندر وجود الرجال، أخوك الحائط‏ والسد، فلوذي به".‏

عندما أوصلتك إلى منزل عريسك، وعدت وحيداً تنازعني شعور أن الوحدة والراحة عيناك‏ في رنوهما الأخير نشدت الصفح، وكأنك تعتذرين عن انفراط عقدنا.‏

يوم وارينا أبانا مثواه الأخير عدنا ثلاثتنا منكسرين لائذين ببعضنا البعض، وعندما‏ رقدت أمنا في دار الحق، أعسرتني المسؤولية وشاقني أمرك، وعدنا وحيدين منفردين‏ بفجيعتنا، وبعد وداعك عدت وحيداً إلى وطننا، الشقة الخاوية إلا مني.

الملك لك، الملك لك، استقبلنا الحياة بالصرخة ونودعها بالشهقة فطوبي للمحزونين. وما‏ بين المنبع والمصب يمضي نهر العمر طاوياً أسراره في جوفه.‏

‏ 4- والله يفعل ما يريد‏ ‏

تقاسمنا اللقمة والثوب والفرح، لا يمل أبونا من ترديد عبارته المفضلة عندما يضيق به‏ الحال "استرها يا كريم".‏

في أيام مراهقتك كنت أسمعه يتلو عليك وصيته، التي لا أعي معناها جيداً "يا بني، إذا‏ أردت أن يحبك الله فخفه وأطعه، وإذا أردت أن يحبك المخلوقون، فأحسن إليهم، وأرفض ما‏ في أيديهم، وإذا أردت أن يثرى مالك فزكه، وإذا أردت أن يطيل الله عمرك فصل ذوي‏ أرحامك" يضغط أبونا على العبارة الأخيرة وكأنه يستودعك سره وأمانته وهمه.‏

عندما كبرت فهمت التعويذة التي يلقنك أبي إياها باستمرار، أما أنت فكنت تردد في‏ أوقات ضيقك أو ضيقي عبارتك المميزة الساخرة" فليدم الله علينا الفقر والجدعنة" وتسرع أمي‏ تكمل في جزع "والستر يا بني".‏

لو نطقت يمينك لقالتا: كنت كريماً معي، ولو نطقت عيناك قالت: كنت تؤثرني على‏ نفسك.‏

يوم سفرك إلى فرنسا أودعتك خصلة من شعري، وعند عودتك ابتعت لي أجمل فستان‏ ارتديته في حياتي: فستان فرحي.‏

تخونك عيناك عندما تسمع أغنية عبد المطلب "ودع هواك" يبثها المذياع. ترمق صورة‏ أبينا بانكسار، تعرف كم كان يحبها ويرددها عندما يكون مزاجه رائقاً، وعندما أنسى وأشعل‏ عود بخور، تسح عيناك، فقد كانت تلك عادة أمي كلما كانت هادئة، فتملأ المنزل برائحة‏ البخور.‏

زوجي كان يغير منك، تصارحني بشكوكك نحوه فأكذبك ولكني واجهته بالحقيقة في‏ مشاجرة بيننا "أظافر أخي برقبتك" يشتعل وتمتد يده نحوي في وحشية.‏

غداة زفافي أنذرته ضاحكاً "وأنت تزورنا في الصباحية":‏

- سأمزقك إذا مسستها بسوء.‏

وعندما فاض بي ذات مرة، وبحت لك بعذاباتي، وطالعت آثار عدوانه فوق وجهي‏ وذراعي كدت تفتك به، وقد استحلت عدوانياً لا عقال لك. جاء كلامي في النهاية مرفأ‏ خلاصي الوحيد من نذالته: البخل والوحشية ولتكن خيبتي حملاً آخر ينوء به كاهلك.‏

‏ 5- والعافين عن الناس‏

‏اخترت طريقك يا بنت أبي هذا نيري وقدري، فلا تعاتب يا ابن أمي، قيل لي يا غريبة‏ عني: لو أهلناك لهذا، لما أحرقناك بهذا، من أذن لك بفض ما طويناه ومن أباحك الاطلاع‏ على ما خبأناه، أهذا فراق بيني وبينك يا رجلي الوحيد في المجرة، أحببتك فلا تبتغض،‏ أخلصت فأقلعت، وسألتك فسافرت، وأبطأت فتعثرت، وغبت فجبنت ووقعت، من يقاسمني‏ وحدتي وخيبتي، ثلاثة رجال في طريقي: الغادر والقادر والمأخوذ، قال الأولان! إنني رائعة‏ في الفراش، وتركني الثالث لأواجه المدينة وحدي، فهل تقاسمني فضيحتي يا أعز الناس، لو‏ يقع زلزال، تطيح بنا سيارة، أو يقضي الله أمره، من يقطع هذا الصمت الممرور- الذي يلفنا؟‏

أعجز عن الاستدارة نحوك، وأن أحدثك، كيف سيضمنا منزل واحد، ومن يمد يده فيستعيد‏ عصر البراءة والعذوبة، سأريحك من عاري، قسم الله أن نفترق ويمضي كل منا في طريق،‏ ما طعم السقوط يا بنت أبي؟ هل أستسيغ طعم الصفح لو صفحت يا ابن أمي؟‏

من..؟هل..؟‏


المصدر:http://www.lahaonline.com/index.php?option=content&task...id=10375§ionid=1