وهل تحدث أبناء الشمال عن فصل الجنوب

خمسون عاماً هي عمر السودان بعد أن نال إستقلاله، خلال هذه الفترة التي ليست بالقصيرة التي عاشها السودان في حالة عدم استقرار وحرب مستمرة بدأت في قلب الجنوب ثم اتسعت دائرتها حتى شملت معظم السودان وكلنا نعلم أن قادتها ومشعلي نارها هم ابناء الجنوب وأن اتساعها وامتدادها كان تخطيط قادة الحركة من الجنوبيين لأهداف كلنا نعرفها.. وبالرغم من ذلك لم يتحدث ابناء الشمال عن فصل الجنوب بل الذي كان يؤمن به ويتحدث عنه انطلاقاً من معرفته بالجنوب ورغبات أبناء الجنوب كان يشير إليه في خجل وحياء.. لم يكن مسموحاً بالكتابة في الصحف عن فصل الجنوب بالرغم من أن دولة الاماتونج المستقلة كانت شعاراً رُفِع مع أول تمرد.. منافق الذي لم يكن يشعر بأن رغبة ابناء الجنوب هي قيام دولتهم المستقلة ذات السيادة الكاملة.. وكاذب من يقول أن تقرير المصير المقصود منه الوحدة، وتائه من يتحدث عن أن الوحدة الجاذبة يمكن تحقيقها في المستوى الذي يرضي قيادات وابناء الجنوب ، وغافل من يقول إن مفاوضات السلام وما جرى فيها من ضغوط وما حدث فيها من إبتزاز أدى إلى ذلك القدر من التنازلات، كانت الحركة الشعبية تفاوض لأجل الحصول على سودان موحد واتفاقية عادلة وسلام دائم ، ولكن كان الهدف واضحاً وبيّنا وهو إذا لم نحصل على كل السودان فعلينا أن نتأكد من انفرادنا بالجنوب واستقلالنا به.. إن من يطالب بتقرير المصير لا يرغب في الوحدة.. ومن ينادي بدولة الاماتونج المستقلة لا يفكر في وحدة.. ومن يرفع شعار لا تغفله العين أمام رئيس الجمهورية في عاصمة الجنوب يقول الجنوب للجنوبيين، لا يحسب للوحدة حساب.. إن المكاسب التي تحصل عليها قادة الجنوب من إتفاقية السلام والمتمثلة في الاحتفاظ بجيشهم والانفراد بحكم الجنوب واستقلال القضاء والنظام المصرفي والجهاز التنفيذي والأمني والتشريعي والاصرار على ذلك والتمسك به لدرجة التهديد بالخروج من الاتفاقية لا يعكس رغبة صادقة في الوحدة..و رفض قيادات الحركة التعامل مع سفارات السودان في الخارج ألا يؤكد الرغبة في الانفصال، أليس إلغاء علم السودان في الجنوب والتصريح بأن هذا العلم لا نعترف به، ألا يؤكد ذلك الروح الانفصالية.. وهنالك الكثير الذي يمكن أن يذكر في هذه الحال ولكن بالرغم من كل ذلك يلام ويسب ويتهم بخيانة الوطنية من يتحدث من الشماليين عن أن انفصال الجنوب أمر واقع وعلى الشمال أن يتدبر أمره ، وأن انفصال الجنوب مسألة وقت وعلى أهل الشمال أن يكسبوا الوقت لمعالجة اختلافاتهم وإن ابناء الجنوب يعدون البنيات الأساسية لفصل الجنوب وابناء الشمال يقتتلون ويحطمون ما لديهم من بنيات.

يخرج علينا من حين آخر كتاب كبار وسياسيون عظام من قياداتنا.. يهاجمون كل من أشار أو تحدث أو كتب عن انفصال الجنوب من ابناء الشمال أو من ابناء الجنوب وهم كثر وهؤلاء من الكتاب والسياسيين يملأون الصحف بالحديث عن التاريخ والسوابق والأخلاق والقيم وأوطان الجدود والثقافات وهلم جرا.. ويتخبطون يمنةً ويسرى وبالرغم من أنهم ملمون بكل ما ذكر أعلاه وربما أكثر إلا أنهم يخلصون إلى أن أبناء الشمال الذين يتحدثون عن قيام دولة مستقلة أنهم خونة يجب محاكمتهم وأنهم جهلة يجب تعليمهم ولابد من اثنائهم عن فكرهم، كأنما الذين ينادون بفصل الجنوب من الشماليين يملكون حق تقرير المصير وسيصوتون لفصل الجنوب.. ونقول لهؤلاء إن قيام دولة الجنوب المستقلة ذات السيادة الكاملة رغبة جنوبية صادقة وخالصة وستتحقق رضيتم أم أبيتم ونحن نؤيدها ونؤيدهم فاذهبوا وخاطبوهم لعلكم تقنعوهم بالوحدة الجاذبة فنعم للإنفصال ولا للوحدة خيار كبيرهم، أما نحن فليس لدينا إلا ما نكتب ولم نتمسك بغير الوحدة وقاتلنا دونها خمسين عاماً وما تعرفونه عن التاريخ نعرفه وما تتحدثون به من سوابق نعلمه.. أما ابناء وقيادات الجنوب فلم يتركوا لأهل الشمال خيار، فما يحدث في الجنوب الآن معلوم وما حدث للتجار معلوم وما يجده المستثمرون من الشماليين معلوم وما ذكر أعلاه معلوم وما لحق بالناس في المركبات العامة داخل الخرطوم وشوارعها وأسواقها وصبر عليه ابناء الشمال معلوم وما حدث يوم الاثنين الاسود معلوم وما بدأ يحدث من تفجيرات للقنابل القرنيت معلوم وخطير.. إن الانفصال أصبح أمراً واقعاً وعلينا عدم اضاعة لوقت فيما لا يفيد وعلينا أن نبحث كيف يكون الانفصال سلاماً وكيف يكون الانفصال جاذباً وكيف يكون الانفصال في حدوده حتى إذا لم يكن في وقته و يكون العهد بيننا أن لا عودة للحرب .

http://www.alintibahasd.com/index.php?type=3&id=1312&bk=1