عن هاتيك الجراح !‏

عن هاتيك الجراح !‏


03-26-2006, 03:08 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=50&msg=1143342493&rn=0


Post: #1
Title: عن هاتيك الجراح !‏
Author: Faisal Al Zubeir
Date: 03-26-2006, 03:08 AM

عن هاتيك الجراح !‏
هبت الخرطوم في جنح الدجى .. ‏
ضمدت بالعزم هاتيك الجراح.. ‏
بيت الشعر أعلاه من نشيد عبد الكريم الكابلي لثورة اكتوبر 1964، والتعريف هنا ‏لأجيال جديدة ربما لم تتح لها أزمنة الفاست فود والهامبرغر الوقوف مع إبداعات ‏الستينيات من القرن الماضي. استوقفتني عبارة '' هاتيك الجراح ''، فرأيت أن ‏أستغلها، أو قل استثمرها والخرطوم تهب هذه المرة بعد 39 عاما من قمة 29 ‏أغسطس 1967، لتستقبل عمقها العربي في قمة عربية، بعد أن استقبلت عمقها ‏الأفريقي في القمة السابقة، فلم تتمكن من تضميد جراح له، إن لم تكن استضافتها ‏لذلك العمق الأفريقي قد أورثتها جراحا على النحو المعلوم. قمة 1967 كانت قد ‏‏''ضمدت جراحا'' لعمق الخرطوم العربي، وتمكنت دبلوماسية الأزهري والمحجوب ‏من أن تضمد جراح الرياض والقاهرة تحديدا، بمصافحة الراحلين الشامخين الملك ‏فيصل وجمال عبد الناصر، فكانت حرب الاستنزاف التي مهدت لنصر العرب ‏اليتيم في حرب اكتوبر والعبور. ولكن الخرطوم وفي تلك القمة، وحين جاء تبرع ‏دول النفط بحصص مالية لدول المواجهة ( مصر وسوريا والأردن ) ، رفضت أن ‏تخصص لها أموال على خلفية تضرر السودان من إغلاق قناة السويس ، وهو ‏حدث كلف السودان لقاء استيراد احتياجاته ملايين الجنيهات الاسترلينية . تعامل ‏العقل السوداني بلغة أن (الضيف) لا يتقبل ( هدايا ) من ضيوفه، ولا نقول هنا بخ ‏بخ ، ذلك منطق آباء الاستقلال الذين لم يحكموا الرباط بين التحرير والتعمير فكان ‏هذا السودان . والشاهد هنا أن الخرطوم ضمدت جراح عمقها العربي يومها، ‏لتختلي بنفسها ليلا وتمضغ جراحها، التي رأت أغنية الكابلي أنها قد ضمدتها يوم ‏أن هبت لتسقط حكم الفريق عبود. ولكن هل تراها بالفعل ضمدت جراحها ؟. ‏
ذلك هو السؤال الذي حوله ساخر مستغلا نشيد الفرعون محمد وردي'' أصبح ‏الصبح ''، وفيه يصدح وردي : ‏
والذي شدّ وثاقا لوثاقي.. ‏
والذي بعثرنا في كل واد.. ‏
صديق لي ، وهو ذلك الساخر ، تصفح حالة السودانيين في المنافي ، فقال : هللنا ‏وغنينا في ذلك الزمن عن الذي بعثرنا في كل واد .. وكان ذلك أكذب الشعر، لأننا ‏لم نتبعثر على تلك الأيام، كنا حالمين، زغب الحواصل ، نغني ليلا في الريفيرا ‏للشفيع والكاشف ، ونذهب لمكاتبنا صباحا مبدعين وأفندية طبقة وسطى '' صاح '' ، ‏الى أن جاءتنا الإنقاذ '' لتعرفنا '' على البعثرة '' الصاح '' ، وها نحن في المنافي ، ‏كما إنسان البياتي : ‏
من منفى الى منفى.. ‏
ومن باب لباب.. ‏
نذوي كما تذوي الزنابق في التراب.‏
جراح الخرطوم كثيرة يا سادتي، ولكنها وبقدر الجغرافيا والتاريخ '' حمالة أسّية ''، ‏أورثها عمقها الأفريقي جراحا وجراحا آخرها مع القمة الأخيرة، مثلما أورثها عمقها ‏العربي جراحا يوم أتحدث عنها بالتفصيل ستفيض عيونكم دموعا ، ولعل أعمقها ‏القرار السري الذي إتخذته مجموعة دول عربية وحمل مصطلح '' تجويع السودان '' ‏، وكانت خلفيته حرمان السودان من أن يصبح دولة نفطية بعد اكتشاف البترول فيه ‏في مطلع ثمانينات القرن الماضي . ولكن شكرا للعولمة، وللانفجارات السكانية في ‏الهند والصين، فها هو الآن ينتج، ولا يهم '' وين رايحة '' فلوس النفط ، وأهل الإنقاذ ‏أيضا لم يفرقوا بعد بين مصطلحي التنمية الإقتصادية والتنمية البشرية ، ولم يتيقنوا ‏بعد من حيوية '' طبقة وسطى '' ، تغني في الريفيرا وتجيد عملها صباحا ، أي لتناغم ‏الحرية مع سائر أطروحات القيم الإنسانية والمسعى التنموي والاقتصادي. ولكن '' ‏السايقة واصلة ''، فلندع للخرطوم تضمد جراحها، وجراح عمقيها العربي ‏والأفريقي، وأن يقيها المولى أن لا تأتيها جراح جديدة من أيهما. وليتقبل تلفزيون ‏السودان ووزارة الإعلام تهنئة على أسلوب التغطيات الى الآن ، فالحدث يستحق ، ‏مثلما تستحق مسألة إنعاش ذاكرة الأجيال الجديدة إهتماما لجهة التعريف بوجود هذه ‏الخرطوم في قلب عالميها العربي والأفريقي قدرا وقضاء وماذا تفعل ؟ ، هي '' ‏حمالة الأسيّة '' وستظل.‏
نقلا عن الرأي العام 25 مارس 2006‏