نوافذ سودانية على الفن العالمي (معرض الفنان محمد عمر خليل في بيروت) منقول

نوافذ سودانية على الفن العالمي (معرض الفنان محمد عمر خليل في بيروت) منقول


03-05-2006, 03:48 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=50&msg=1141570114&rn=0


Post: #1
Title: نوافذ سودانية على الفن العالمي (معرض الفنان محمد عمر خليل في بيروت) منقول
Author: طيفور
Date: 03-05-2006, 03:48 PM

مهى سلطان
(لبنان)

تتعرف بيروت للمرة الأولى إلى إنتاج الفنان التشكيلي السوداني محمد عمر خليل (من مواليد بوري - 1936) الذي يقيم ويعمل في نيويورك، عبر المعرض الذي ينظمه له صالح بركات في غاليري "أجيال"، ويتضمن قرابة عشرين لوحة (ميكسد - ميديا) تنتمي إلى فن التجميع الأميركي، ولكنه التجميع المدجّن بعناصر من التراث الشعبي السوداني ومن الفنون الزخرفية العربية، التي تأتي من داخل مخزون بصري وانتمائيّ - استذكاريّ في آن واحد.
من القارة السوداء إلى القارة الأميركية، رحلة فنية قطعها محمد عمر خليل في انتقاله من مدرسة الفنون في الخرطوم (1959) إلى فلورنسا (1963) ومن ثم إلى أميركا حيث درس الفن في جامعة كولومبيا في نيويورك (مدرسة بيرسنز للتصميم ومعهد بريت) ليشارك بعدها في معارض أميركية وأوروبية وبينالات عربية، ثم لتدخل أعماله في مقتنيات أبرز المتاحف الأميركية من بينها الميتروبوليتان وبروكلين ومكتبة الكونغرس وسواها.
لوحاته غربيّة المظهر، شرقية الطابع والمزاج، منها ما هو مبني على اجتهادات هندسية وخطوطية لكأنها وريثة تكعيبية الإسباني خوان غريس الجميلة، في تلصيقاتها وحفاوتها اللونية، ومنها ما يعتمد في شكل أساس على الفكر التجميعي في منحاه الاميركي، ومنها ما ينتمي عميقاً إلى التعبيرية - التجريدية. فالأشياء تتجاور في استعارات شعرية والتلصيقات تستكشف طاقات المخيلة من مصادر غير تقليدية تأتي مصادفة، وخامات عابرة وهامشية، إنها الدادا الجديدة او الرسم الخليط الذي يعتبر روشنبرغ وجونز من أبرز دعاته.

ما بين أفكار تنصب على تشتيت ذهن المشاهد، يكفي مجرد الانتباه إلى فعل الألوان نفسها، إلى فعل التمزقات الملحومة بفعل التقنية وحدها. فتجميع الأشياء الهجينة يمثل دفقاً من صور المخيلة في نوع من المواجهة بين الفنان والمواد التي يستخدمها، من دون أن تكون اللوحة تشبيهاً لشيء بالضرورة. نراه يأخذ بروازاً خشبياً قديماً يذكّر بأثاث الأجداد الذي اندثر من الوجود، من أجل محتوى لونيّ وشكلانيّ محدث. فهو يستعيد الموروث بيدين ناضجتين، ليصوغ منه بعضاً من الذكريات المحمّلة باللونية الحارة الأفريقية وكثيراً من حرية التفتيش عن حقائق بصرية جديدة. وذلك في تلقائية وعبثية ناجمة عن قناعته بقوة معرفته في تدبر الأمور وصوغها وتوليفها وجذبها إلى بقاع رؤيته.

تبدو مساحة اللوحة كمجموع مساحات يرتقها إلى بعضها بعضاً، بقوة الوهم بغرض التمويه، بالتلطيخ والتبقيع، والتشبيك للعناصر المتنافرة في ملامسها وسطوحها وموادها. فالشخبطات التي تبدو لناظرها من قريب انها عفوية تتراءى عن بعد في ذروة الإتقان والتمكّن. وفي هذه الحال تظل التلقائية وجهاً آخر للذهنية المترتبة على هذا الأسلوب من التلصيق والتجميع الحر، الذي ينطوي على حضور هامش كبير من الدعابات والعبارات المجانية والشعارات الدعائية والماركات التجارية بخيوطها الذهبية البراقة والأقمشة بزخارفها الهندسية أو النباتية. من قماش طاولة المطبخ، الذي يذكّر بالطبيعة الصامتة، إلى قماش معرّق بالزهور الصغيرة، لكأنه ربيع طفوليّ، أو ذكرى من فستان الأم أو الحبيبة، لا فرق. فالسهل واسع والحقل مزهر والانفعالات على أهبّتها في تدفق لا يحتاج إلى الصورة كي يقول المرأة. فالمرأة حاضرة في رقعة من ثوبها، وكذلك الطبيعة لا يحتاج التعبير عنها الى أكثر من منظر ملتهب بنيران الأحمر والأسود. فالهوس الكليّ بالخامات والألوان، يتطور بإطراد، كتطور العلاقة مع الزخرف الأرابسكي والشكل الهندسي (مربعات ودوائر) الذي يتحكم بشكل اللوحة وبنيتها بدءاً من إطارها الخارجي.

اللوحة نافذة أو كوّة بدءاً من الإطار الذي يحوطها ومضياً إلى مضمونها التعبيري التجريدي. فالالتفات إلى نوع الإطار هو جزء لا يتجزأ من طبيعة العمل وصيغته الجمالية المعتمدة على هندسة الشكل أولاً، وما يستتبعه من توليفات خطوطية ولونية وخامات داخل العمل تالياً. فمن الإطار الدائري إلى البيضاوي والمستطيل المنحرف الأضلاع، تبدأ لعبة التأليف الداخلي للعمل الفني، بمربعات ودوائر وأشكال تتقاطع بجلاء أو بخفاء. من هذه الضرورة الهندسية، تتخذ عملية التجميع مداها وعمقها، كي تأخذ الناظر إلى التصوّرات التي يمكن أن يبنيها من جراء العلاقة بين مفردات صوَرية هي في الأساس متفرقة. هكذا يتراءى على السطح مزيج هجين من الأقمشة والقصاصات الورقية والصور الفوتوغرافية المظهّرة بتقنية السيلسكرين، والطوابع والصفائح المعدنية والحبال، فضلاً عن التبصيمات اللونية الكثيفة، مما يؤدي إلى ضياع الجاهز والمطبوع مع طرائق الرسم التقليدية، في رؤية توليفية متميزة.
ولئن كانت التقنية عاملاً مساعداً للوصول إلى هدف معين، غير أن ميزة هذا الفنان انه يرغب في جمع كل التقنيات في عمل واحد يقاوم الطرق التقليدية في التعاطي مع اللوحة، لذلك يصعب التقاطه من الرؤية الأولى. فهو يسعى الى إيجاد رؤية جديدة، تكمن في محافظته على روابطه مع جذوره التاريخية كمهاجر وانفتاحه على القيم الجمالية المحدثة.
محمد عمر خليل، ليس مجانياً وعبثياً متطرفاً على طريقة الدادائيين الجدد، بل هو أكاديمي رصين وملوّن ومزيّن يبحث عن الغموض، مستنبطاً دلالاته وايحاءاته من خزائن الزخرف الشرقي، وهو إذ يتقدم ليفرض نفسه بقوة ما لديه من حلم وتجذّر واختلاف


الحياة- الحياة
03/02/06