محاورات فى الواقع السودانى

محاورات فى الواقع السودانى


02-20-2006, 06:21 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=50&msg=1140456936&rn=1


Post: #1
Title: محاورات فى الواقع السودانى
Author: عاصم ابوبكر حامد نور
Date: 02-20-2006, 06:21 PM
Parent: #0

محاورات فى الواقع السودانى



يعيش المجتمع السودانى اليوم ازمة ركود و احباط ، و تترجم هذه الازمة فى
الحياة اليومية التى نعيشها من دون وعى جدى بها ونقدى جذرى لها ، ومحاولة
مواجهة هذه الازمة الراهنة التى تسيطر على عقولنا وافكارنا وسلوكنا من دون ان
نعى ابعادها المستقبلية .

تظهر هذه الازمة فى الخطاب الاجتماعى والثقافى و السياسى ، وفى سيطرة انظمة
الحكم الاستبدادية التى توالت على حكم السودان ، وكذلك فى حركة التيارات
الفكرية و الاجتماعية الضاغطة التى تتطلع الى استيعاب هذه الازمة ومحاولة
تجاوزها ، و من ثم تحقيق التغير الاجتماعى و اعادة بناء البُنى الاجتماعية و
السياسية التقليدية على اسس عقلانية رشيدة وفى مضامين جديدة تقوم على انتاج و
اعادة الانتاج البنيات و الهياكل الاساسية و تشكيل مؤسسات المجتمع المدنى
وتطبيق حقوق الانسان ، ومن ضمنها حق كل مواطن رجلاً ام امرأة فى الحرية و
المساوأة و العدالة الاجتماعية ، وكذلك المشاركة فى عملية التغيير لتحديث بنيات
المجتمع القديم على اسس التعددية و التفاهم و الحور و احترام الرأى و الرأى
الأخر . ان الازمة التى نتحدث عنها اليوم ،ليست ازمة الحاضر السودانى ، اى
بمعنى ان تاريخ السودان اليوم هو امتداد لتاريخ القديم الذى نبع منه الازمة
ابتداءً من الدويلات و الممالك السودانية القديمة التى لم تعترف فى سياقاتها
البنائية بمفهوم العقل ، و الانسان الأخر بل كانت القاعدة هى العبد و السيد،
الطاعة و اللامساوأة ومن ثم توارثها الاجيال اللاحقة اى بمعنى ان الذين تولوا
السلطة فى السودان بعد خروج المستعمر لم يغيروا من نظرتهم للاخر السودانى بل ظل
المفهوم القديم موجوداً و بالتالى امتلكوا مصادر الانتاج ووسائله ، فتوترت
علاقات الانتاج نتيجة للظلم الموجود ، فكانت الفقر و الحرمان المتوطن فى بعض
مناطق السودان مثل الجنوب و الغرب و الشرق و بما ان تلك المناطق مناطق منتجة ،
الا انها لم تجد من المركز سوى البطش دائماً . اذن الازمة هى ازمة فكر ، ازمة
مفاهيم ،ازمة الاخر اى الجدل القديم بين السيد و العبد ، الصرع من اجل البقاء .
و ما الحركة الشعبية لتحرير السودان الا الابن الذى تمرد على الخطاب الابوى و
السلوك الابوية بقراءة تريخى و تحليل للاوضاع السودانية مع غياب المنهج الجدلى
فى اطروحات الحركة الشعبية .

ان هذا لازمة قد انتجت ازمة الفكر السودانى : - يقول شكسبير " انا انتقد اذن
انا موجود " ويقول فوكو "الفكر ليس ما يجعلنا نؤمن بما نفكر او نرض بما نفعل ،
بل هو ما يجعلنا نطرح مشكلة ما نحن عليه بالذت " .

لم يعد هناك من يجادل فى اهمية الديمقراطية ، و يمكن القول ان خارطة الاحزاب
السياسية السودانية تتقاسمها ثلاثة انواع :- احزاب السلطة ، الاحزاب العقائدية
، الاحزاب التقليدية . النوع الاول يشكل اداة من ادوات الحكم و مؤسسة من مؤسسات
السلطة وحياة هذا النوع مرهونة بنظام الحكم الذى يرتبط به . ان موضوع هذه
الاحزاب هو أمن السلطة ،اى المحافظة على بقائها و استمرارها " الجبهة الاسلامية
فى ايام نميرى " . وتتوزع الاحزاب العقائدية الاتجاهات القومية و اليسارية و "
الاصولية " . و لهذا الاتجاهات ، كما هو واضح ،ايديولوجيات مقررة بصورة مسبقة ،
و هى تسعى بناء على هذه الايديولوجيات الى تغيير المجتمع . " الحزب الشيوعى
السودانى "

اما النوع الأخير فهو احزاب التشكيلات التقليدية للبنية الاجتماعية ، و من
طوائف و اثنيات و قبائل " حزب الامة و الاتحاد الديمقراطى " وهى التشكيلات التى
لم تتوصل الدولة السودانية الى تعويضها ببدائل حديثة . ان موضوع هذه الاحزاب هو
المحافظة على نفوذ التشكيلات التى تمثلها سواء من داخل او خارج السلطة . ويتضح
من هذه الخارطة ان اياً من الاحزاب السودانية لم يتشكل على اساس الفكرة
الديمقراطية . و على فرض التزامتها بالنهج الديمقراطى فى الوصول الى السلطة
،فان موضوعها فى كل الاحوال ليس الديمقراطية نفسها . فالديمقراطية بالنسبة لها
وسيلة ،لضمان السلطة او النفوذ او تحقيق االمثُل الايديولوجية . و الحال فان
اختزال الديمقراطية الى وسيلة يفرغها من مضمونها . فمن السهولة التضحية
بالوسيلة اذا ثبتت فشلها فى تحقيق الغاية . كما ان الديمقراطية من حيث المبدأ
هى وسيلة و غاية معاً . ان قواعد اشتغال الديمقراطية هى التى تكون الغايات ، و
جوهر الديمقراطية يكمن فى المحافظة على قواعد اشتغالها . و الخلاصة هى ان
ديمقراطية الاحزاب السودانية مفهوم غير متعين ، و فكر من دون موضوع ، و بكلمة
واحدة : مطلق : اما الجانب الاخر من الازمة فهو ازمة الاخر و المعروف ان
السودان بلد متنوع ثقافياً و لغوياً و دينياً و عرقياً ، ان الكائنات البشرية
تتشابه و تختلف فى اَن معاً هذه هى الملاحظة البسيطة التى يمكن لكل واحد ان
يقوم بها بنفسه ، المهم هو ان نعرف الى اى حد يمتد ميدان التماهى و اين يبدأ
الاختلاف ، تشير كلمة " عنصرية " فى مفهومها الدارج الى ميدان للواقع مختلف
جداً .

يتعلق الامر من جهة بسلوك يتكون على الاغلب من حقد و احتقار تجاه اشخاص ذوى
خاصيات جسدية محددة ومختلفة عن خاصياتنا ومن جهة اخرى بايديولوجية، بمذهب متعلق
بالعروق البشرية و لا يتواجد الاثنان بالضرورة فى الوقت نفسه لكن الغريب فى
الامر ان بلد مثل السودان يتواجد هذين المفهومين ، المفهوم الدارجى على مستوى
الشارع ، فكل سودانى مسلم يجد نفسه تلقائياً عربى او يبحث عن الانتماء العربى
من خلال الدين و اللغة ومحاولة استيعاب و استقطاب الاخر الى جنته العروسلامى
هذه ، و على مستوى السلطة فان كل الانظمة السودانية كان همها الاساسى تعريف
الدولة السودانية على انها دولة عربية اسلامية ، متناسين وجود غير العرب ،
ومحاولة تاسيس هذا الفهم فى المناهج الدراسية ، هذه النظرة هى محاولة البحث عن
الذات السودانية الموجودة اصلاً . هذا البحث عن الأنا المتعالى اى العروبة هو
ما يسمى بالعنصرية المادية اى عدم القدرة على تبرير السلوك من خلال حجج علمية .
هل يمكن ان اكون انجليزياً طالما انا متثقف ثقافة انجليزية و اتحدث اللغة
الانجليزية ؟.