قمة الخرطوم الأفريقية.. عبث الجغرافيا والتاريخ بالسودان!!

قمة الخرطوم الأفريقية.. عبث الجغرافيا والتاريخ بالسودان!!


01-23-2006, 01:07 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=50&msg=1137974848&rn=1


Post: #1
Title: قمة الخرطوم الأفريقية.. عبث الجغرافيا والتاريخ بالسودان!!
Author: Faisal Al Zubeir
Date: 01-23-2006, 01:07 AM
Parent: #0

بقلم: حسن ساتي
تلتئم اليوم قمة الاتحاد الأفريقي السادسة بالخرطوم عاصمة السودان، في مناخ يسوده التوتر على ‏خلفية أهلية السودان بظروفه الحالية لقيادة مسيرة الاتحاد الوليد لعام واحد هو العام القادم، وفق تقاليد ‏الاتحاد التي تواضعت على ذلك، ومن قبله منظمة الوحدة الأفريقية منذ تأسيسها في 1963، حيث ‏تفرق الأفارقة اليوم في التقييم، واقتربوا من شخصنة الحدث أو سجنه في حيثيات عارضة، توشك أن ‏تتنكر للتاريخ وللجغرافيا معا، سواء بحسابها الأفريقي السوداني، أو بحسابها السوداني السوداني. ‏بمعنى أن نفرا من القادة يقترب من جعل قضية دارفور مشجبا يعلقون عليه المواقف، أو يتخفون ‏تحت لافتته وهم الأعلم أنهم إنما يماهون ويجارون سيناريوهات لن يستبينوا خطورتها، ومن أسف، ‏الا ضحى الغد. والإشارات هنا الى تداخل الأجندة الخارجية السرية وتداعيها لآفاق لن تشكل دارفور ‏معها في المستقبل القريب غير قطرة في محيط من المشاكل التي ستتداعى على كل القارة وليس ‏السودان وحده. وكل ذلك لا ينتقص بالطبع من أن في دارفور مشكلة، وأن هناك قصورا صاحب ‏التعاطي معها، وهو قصور بدأ سودانيا، ثم تداعى ليصبح افريقيا بفشل الاتحاد الأفريقي في إيجاد ‏حل للمشكلة من جهة، وفي تقاعسه عن تلبية المهام التي ائتمنته عليها الاسرة الدولية يوم أن ارتضت ‏بتسكين الملف في فضائه. مع المواقف تلك، يبدو السودان كما لو أنه البلد الذي تريد أن تعبث به ‏الجغرافيا ويعربد به التاريخ في مفارقة يبدو معها أن غالب المؤتمرين من رؤساء يأتون الى بلد لا ‏تتسع قواميس معرفتهم عنه لما هو أكثر من البشير والترابي وجون قرنق، على حساب تاريخ آخر ‏يتعانق فيه الوجداني مع السياسي، في لوحة لو كان لها أن تنطق لقالت لسائر هذه الوفود، الظلم ‏ظلمات، على خلفية تغييب هذه القيادات الأفريقية من قواميسها لتاريخ شعب صنع الثورة المهدية ‏وثورة اكتوبر وثورة أبريل، وسجل على لوحة شرف التاريخ أسماء شامخة لمحمد أحمد المهدي ‏وجمال محمد أحمد، والشفيع أحمد الشيخ وعبد الخالق محجوب، ومحمد الفيتوري ومرسي عزيز، ‏ومحمد وردي، وهم في النهاية عطاء شعب طالما تغنى وحشد مشاعره مع قضايا القارة، وقدم ‏رموزها الشريفة الى صدر قواميسه منذ أن غنى لجومو ولوممبا، ولأفريقيا وهو يمجد نضالها، ولكن ‏قادة آخر الزمان يريدون أن يختزلوا كل ذلك في عقوق سافر في قضايا هي موجودة في نسيج أي بلد ‏أفريقي، وفي مؤخرة ذاكرتهم وهم الذين يريدون محاكمة السودان الآن بنظام الحكم، مبتعدين كليا ‏عن شعبه، والذي أحسب أن من حقه أن يشيعهم مغادرين باللعنات، أعطوا رئاسة الاتحاد لدورة ‏واحدة للرئيس البشير أو لم يعطوها. لأنهم أثبتوا أنهم لا يعرفون أنهم يمشون على السجاد الأحمر ‏ويأكلون الدسم من الطعام، في بلد حمل هموم القارة من قبل أن يتعرف كل المحيط الأفريقي على ‏مستحقات الهم ويدفع ضرائبها كاملة من دون لجوء الى تقسيطها أو الاستدانة من الخارج لتسهيل ‏عمليات السداد. يفعلون ذلك في وطن تغنى فيه محمد وردي وغالب دول القارة تغط في نومها في ‏ستينات القرن الماضي: ‏
من قلب أفريقيا التي داست حصون المعتدي.. ‏
ليمضي مفاخرا: ‏
قدما هي كانت جنة المستعمرين.. ‏
مالهم عنها تواروا هاربين.. ‏
ثم يردد مع الفيتوري: ‏
أصبح الصبح.. فلا السجن والسجان باق.. ‏
ومع اسماعيل حسن: ‏
أنا أفريقي حر.. ‏
أنا جزائري حر.. ‏
والحرية في دمي.. ‏
سوف أحطم الأغلال مهما كمموا فمي.. ‏
ويفعلون ذلك مع البلد الوحيد في العالم الذي قاد بمحمد أحمد المهدي ثورة شعبية ضد بريطانيا ‏العظمى في القرن التاسع عشر ليقيم دولة هشة لحين من الزمن، سقطت بضعف الرؤية وجمود ‏الإيديولوجيا، وكل أفريقيا وقتها تغط في نوم عميق. وتلتئم قمة اليوم ناسخة من ذاكرتها أنها في البلد ‏الذي كان ثاني اثنين من بلدان أفريقيا التي حصلت على استقلالها من استعمار القرن العشرين عام ‏‏1956 مع غانا، بعد أثيوبيا وليبريا حيث للاستقلال معهما سياقات تاريخية مختلفة، تجعل من ليبريا ‏مثلا أول دول القارة المستقلة في 26 يوليو 1847، أي قبل الثورة المهدية ولكن بسياقات أخرى ‏وكذلك اثيوبيا. وأنه البلد الوحيد في أفريقيا الذي عرف الديموقراطية الحقة وكان فيه برلمان منتخب ‏حتى من قبل استقلاله، وقد مكنته تلك التجربة من معرفة مضابط قضايا النضال، ليس ضد المستعمر ‏طبعا، ففي هذه أحرز شعب السودان مؤهلاته الأكاديمية بدرجة الشرف، ولكن ضد القهر الداخلي من ‏أنظمة تحسب على الأوطان، فاتسعت رئة السودان وأرضه ليتنفس فيهما، ويعيش سخونتهما بميراثها ‏السياسي الخصب المضمخ بعبق التجارب، عبد الفتاح اسماعيل وعلي عبد الله صالح ليصبحا قائدين ‏في اليمن. ثم أمان عندوم ومليس زيناوي ليصبحا قائدين في أثيوبيا، ومن قبلهما هيلاسي لاسي في ‏معاركه ضد المستعمر، ثم سياس أفورقي ليحكم اريتريا، وكابيلا ليحكم الكونغو، ثم حسين هبري ‏وإدريس دبي ليحكما تشاد، ثم أبوتي ليستعيد حكمه لاحقا في يوغندا، وكل ذلك في ما عدا حالة أو ‏حالتين، من قبل أن يكون البشير رئيسا. فالحديث إذن عن الاستخفاف بتاريخ شعب على هذا النحو ‏الذي لا يخلو من عقوق سافر. ‏
ولكن السؤال: ولم يفعلون ذلك؟ وهل بقصد منهم أم من غير قصد؟. ‏
من أسف أن الإجابة في الحالتين لن تخفف من عمق الحزن الذي وجب له أن يتمدد في خلايا أهل ‏السودان. فهم يفعلون ذلك، وفي غالب الأمر، متأثرين بضغوطات خارجية، وإن كانوا مبرأين منها ‏ومن غير قصد، فالمصيبة أعظم. مع خصوصية الحالة السودانية، أتحدى أن تنقل لي صحيفة غدا ‏كلمة أفريقية واحدة لرئيس أفريقي في حق شعب السودان بعيدا عن شطوحات نظام حكمه، علما أن ‏تغييب هذه المسألة عقوق، فحين كان رؤساء، في ثقافة كلينتون وتوني بلير، يحجون الى جنوب ‏أفريقيا للوقوف متفاخرين الى جانب مانديلا كانوا يمجدون تجربة شعب لم يكن ذلك الرمز الا ابنا ‏بارا من أبنائه. وحين ناقش البرلمان البريطاني إقامة نصب تذكاري لمانديلا في قلب العاصمة ‏البريطانية، لم يعترض أحد، وتبارى النواب في تثمين قيمة عمل تاريخي وفني مثل هذا، ذهب في ‏جماعه الى تحية ذلك الشعب في شخص مانديلا. صحيح أن السودان في حاضره لم يملك من هو في ‏مقام مانديلا، ولكن شعب السودان قدم تاريخا ما يساوي إن لم يتفوق على عطاء مانديلا نفسه. فهل ‏يعقل أن تكون ذاكرة قادة بهذا الضمور الذي لا يتعرف على مثل هذه الحقيقة. أكاد أحس أن لسان ‏حال الشعب السوداني بعد أيام سيقول: كلوا طعامكم هنيئا ثم غادرونا مريئا، وعلى الباغي تدور ‏الدوائر. ‏
ولكن السؤال أيضا: ولم يحدث ذلك من الأصل؟. ‏
الإجابة تدخلنا في دهاليز فقه الفقر والتخلف. فقادة هذا المؤتمر يقودون نحو 600 مليون نسمة يعيش ‏نصفهم على دخل لا يتعدى الدولار الواحد في اليوم، فيما يعيش نفس العدد بلا مزايا الوصول لمياه ‏شرب نقية، مع نسبة وفيات بين الأطفال هي الأعلى في العالم، فنحو 12 في المائة من أطفال أفريقيا ‏يموتون قبل أن ينعموا بالاحتفال بعيد ميلادهم الخامس، وفي مناخ يقول لك ان 23 مليون مريض ‏بالايدز من بين كل مرضاه في العالم، وعددهم نحو 36 مليون، يعيشون في الأوطان التي أتى منها ‏هؤلاء القادة، ومعظم هؤلاء القادة جالس على كرسي الحكم بمدد لا تتجاوب مع كل نداءات النظام ‏العالمي الجديد. مما تقدم، هل نبرئهم ونقول انهم هم أنفسهم ضحايا واقع أفريقي، وأن لا جرم عليهم ‏في حق شعب السودان؟. الإجابة تحتمل التقديرين، ولكن السؤال المفصلي هنا: أليس من حق شعب ‏السودان أن يحلم بمكافأة ما، حتى لو كانت كلمة تقدير، من أبناء قارة له نصيب الاسد في تشكيل ‏معالم نضالها، أقلها الى هذا الحين من الدهر؟.. ذلك السؤال.. ولكن جوهر القضية إنما يتجه بالطبع ‏إلى سؤال أكيد، وهو: هل من مصلحة أفريقيا أن تعبث بتاريخها وجغرافيتها بعيدا عن حضور الحالة ‏السودانية راهنا؟
نقلا عن الشرق الاوسط ": 23 يناير 2006 العدد 9918