لا تعذليه فإنَّ العذْلَ يُولعُهُ يتيمة ابن زريق البغدادى

لا تعذليه فإنَّ العذْلَ يُولعُهُ يتيمة ابن زريق البغدادى


12-28-2005, 06:39 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=50&msg=1135791542&rn=9


Post: #1
Title: لا تعذليه فإنَّ العذْلَ يُولعُهُ يتيمة ابن زريق البغدادى
Author: ود محجوب
Date: 12-28-2005, 06:39 PM
Parent: #0



بقلم الأخوان
د. جابر قميحة


تأخذ هذه القصيدة- في التاريخ الأدبي أسماء ثلاثة: عينية ابن زريق, وفراقية ابن زريق، ويتيمة ابن زريق، ولكل تسمية سبب:

- فهي العينية لأنَّ قافيتها هي العين المضمومة, وإن انتهت بهاء مضمومة، وكان من عادة العرب إطلاق اسم القافية على القصيدة: فيقولون "لامية العرب للشَّنْفَرَي", و"سينية البحتري", و"بائية أبي تمام", و"ميمية البوصيري".



- وهي القصيدة الفراقية: لأنّ موضوعها "الفراق", كما سنعرف.



- وهي القصيدة اليتيمة: لأنَّ ناظمها لم ينظم في حياته غيرها (كما يقولون).

*****

ناظم القصيدة هو الشاعر العباسي أبو الحسن علي بن زريق البغدادي, وكان له ابنة عم أحبها حبًا عميقًا صادقًا, ولكن أصابته الفاقة وضيق العيش, فأراد أن يغادر بغداد إلى الأندلس طلبًا للغنى, وذلك بمدح أمرائها وعظمائها، ولكن صاحبته تشبثتْ به, ودعته إلى البقاء حبًا له, وخوفًا عليه من الأخطار, فلم ينصت لها, ونفَّذ ما عَزم عليه، وقصد الأمير أبا الخيبر عبد الرحمن الأندلسي في الأندلس, ومدحه بقصيدةٍ بليغة جدًا, فأعطاه عطاءً قليلاً، فقال ابن زريق- والحزن يحرقه-: "إنا لله وإنا إليه راجعون, سلكت القفار والبحار إلى هذا الرجل, فأعطاني هذا العطاء القليل؟!".



ثم تذكَّر ما اقترفه في حق بنت عمه من تركها, وما تحمَّله من مشاقٍ ومتاعب, مع لزوم الفقر, وضيقِ ذات اليد، فاعتلَّ غمًّا ومات.



وقال بعض مَن كتب عنه إنَّ عبد الرحمن الأندلسي أراد أن يختبره بهذا العطاء القليل ليعرف هل هو من المتعففين أم الطامعين الجشعين, فلما تبيَّنت له الأولى سأل عنه ليجزل له العطاء, فتفقدوه في الخان الذي نزل به, فوجدوه ميتًا, وعند رأسه رقعة مكتوب فيها هذه العينية.

*****

يستهل ابن زريق قصيدته بتوجيه الخطاب إلى ابنة عمه التي كانت تلومه بشدة لتركه بغداد إلى الأندلس وإن تحدَّث عن نفسه بضمير الغائب, فيقول:

لا تعذليه فإنَّ العذْلَ يُولعُهُ

قد قلتِ حقًا, ولكن ليس يسمعُهُ

جاوزتِ في نصحه حدًا أضرَّ به..

من حيث قدرتِ أنَّ النصحَ ينفعُهُ

فاستعملي الرفقَ في تأنيبه بدلاً

من عُنفه, فهو مُضْنَى القلبِ موجَعُهُ

*****

وراحَ الشاعرُ بعد ذلك يصور معاناته القاسية الرهيبة في أسفاره التي لم يخرج منها بما يرضي مطامحه, ومع ذلك فهو كالمجبر على الانطلاق في قفارِ المرارة والعذاب, ومن قوله المعبر عن ذلك:

تأبي المطالب إلا أن تكلفه

للرزق سعيًا, ولكن ليس يجمعه

كأنما هو في حلٍ ومرتحل

موكل بقضاء الله يذرعه..

إذا الزمان أراه في الرحيل غنى

- ولو إلى السند- أضحى وهو يقطعه

*****

وبعد أن يسوق الشاعر بعض الحكم في قسمة الأرزاق, وضراوة الحرص والجشع, يتحدث عن ابنة عمه, مسترجعًا مشهد الوداع في إيجازٍ تصويري بارعٍ مؤثر, وكان حديثه عنها بضمير المذكر, غيرةً عليها:

ودَّعتُه, وبودًّي لو يودعني

صفوُ الحياةِ وأني لا أودّعُهُ

وكم تشفع بي أن لا أفارقَهُ

وللضروراتِ حال لا تشفًّعهُ

وكم تشبث بي يوم الرحيل ضحى

وأدمعي مستهلات وأدمعُهُ

*****

وبعد هذا الاستحضار المأساوي لمشهد الوداع, نرى الشاعر وقد استبدَّ به شعورٌ حادٌ بالندم, دفعه إلى الاعتراف بالخطأ- بل الخطيئة؛ لأنه بالسفر فرَّط في حق صاحبته التي بُدَّل بها المرارة والحرمان, كما تعبر عنه الأبيات الآتية:

اعتضتُ من وجه خِلًّي بعد فُرقتِهِ

كأسًا يُجرَّع منها ما أُجُرَّعُهُ

كم قائلٍ ليَ "ذقتَ البينَ" قلتُ له

الذنبُ والله ذنبي لستُ أدفعه

هلاَّ أقمتُ فكان الرشدُ أجمعُه

لو أنني حين بان الرشد أتبعه

*****

وتتوهج عاطفة الشاعر, وتفيض بالحزن الأليم, فيتجه بالخطاب إلى صاحبته, فهو يريق عمره من أجلها, ولا يعرف للنوم طعمًا:

ما كنتُ أحسب أنَّ الدهر يفجعني

به, ولا أن بي الأيامَ تفجعُه

حتى جرى الدهر فيما بيننا بيد

عرَّاءَ تمنعني حقي.. وتمنعه

وكنت من ريبِ دهري جازعًا فَرِقًا

فلم أوَقَّ الذي قد كنتُ أجزعُه

*****

ونقترب من نهاية "الفراقية اليتيمة" لنرى الشاعر يبدأ تدريجيًّا في الانسلاخ من قيود الجزع والتمزق والانهيار, ويسترد بعضًا من تماسكه, ووقاره العقلي, داعيًا متمنيًا أن يعيد الله أيام بغداد, ويؤكد الشاعر هذه الرؤية بقرارٍ نفسي هو ضرورة التحلي بالصبر, فالصبر طريق اليسر, ومفتاح الفرج، والموت نهاية كل حي, والاستسلام لقضاء الله هو جوهر الإيمان.
يقول ابن زريق:

علمًا بأن اصطباري مُعْقب فرجًا

فأضيقُ الأمرِ- إن فكرتُ- أوسعُهُ

علَّ الليالي التي أضنَت بفرقتنا

جسمي ستجمعني يومًا.. وتجمعه

إن تَغُلْ أحدًا منا منيَّـتُـهُ

لا بد في غده- الثاني سيتبَعُـهُ

وإن يدمْ أبدًا هذا الفراقُ لنا

فما الذي بقضاء الله نصنَعُهُ؟

*****

وبعد أن عايشنا هذه القصيدة الرائعة ننبّه القارئ إلى أنَّ هناك أكذوبة- أو أغلوطة- شاعت في تاريخنا الأدبي، وهي أنَّ ابن زريق لم ينظم في حياته إلا هذه القصيدة؛ لذا أطلقوا عليها "اليتيمة العصماء"؛ أي التي لم ينظم من القصائد غيرها وهو حكم مرفوض- من وجهة نظري- للأسباب الآتية:

1- أنَّ هناك إجماعًا بأنَّ ابن زريق قد مدح أبا الخيبر بقصيدةٍ أو أكثر.



2- أنَّ وصف القصيدة "باليتم" لا يعبر عن مفهومٍ كمي, هو "الأحادية" أو الواحدية, بل عن مفهومٍ كيفي هو التفوق, والتفرد, والامتياز, فيقال هذه قصيدة يتيمة أي متفوقة- فنيًّا وموضوعيًّا- على غيرها من قصائد الآخرين, وقصائد الشاعر نفسه, وبنفس المعنى يُقال:

درَّة يتيمة عصماء.



3- كما أنَّ ما تتمتع به القصيدة من نضجٍ فني وفكري يقطع بأنَّ الشاعر نظَّم قبلها عشرات- وربما مئات من القصائد- إلى أنَّ وصل إلى مرتبة النضج في "العينية", وفُقدت مع ما فُقِدَ من تراثنا العلمي والأدبي والفلسفي.



والقصيدة الفراقية تتدفق بالصدق الفني, والتوهج العاطفي، ووحدة موضوعية محورها الأساسي هو الفراق, وطوابع درامية من مظاهرها التتابع الحدثي، والاسترجاع (Flash back)، والحوار بنوعيه، زيادةً على الأداء التعبيري السهل الموحي... إلخ، وكل ذلك أدخل القصيدة التاريخ من أوسع أبوابه, وأجملها وأزهاها.


Post: #2
Title: Re: لا تعذليه فإنَّ العذْلَ يُولعُهُ يتيمة ابن زريق البغدادى
Author: ود محجوب
Date: 12-29-2005, 03:07 PM
Parent: #1


Post: #3
Title: Re: لا تعذليه فإنَّ العذْلَ يُولعُهُ يتيمة ابن زريق البغدادى
Author: صديق الموج
Date: 01-01-2006, 05:00 AM
Parent: #1

ود محجوب ..كل سنة وانت طيب

هذه القصيدة يقال ان من يحفظها يستكمل الظرف كله...لكن ناس الزمن ده كان قلت ليهم شكلوها ما يقدروا ناهيك عن حفظها..شكرا لايراد القصيدة مشكلة عشان ما تكون مشكلة،،،

Post: #7
Title: Re: لا تعذليه فإنَّ العذْلَ يُولعُهُ يتيمة ابن زريق البغدادى
Author: ود محجوب
Date: 01-01-2006, 04:21 PM
Parent: #3

Quote: ود محجوب ..كل سنة وانت طيب

هذه القصيدة يقال ان من يحفظها يستكمل الظرف كله...لكن ناس الزمن ده كان قلت ليهم شكلوها ما يقدروا ناهيك عن حفظها..شكرا لايراد القصيدة مشكلة عشان ما تكون مشكلة،،،



ابن العم صديق يا من استكمل الظرف كله وأوفى لك الشكر على المرور
وكل سنة وانت طيب
نعم لهذه القصيدة نفس غير عادى.

Post: #4
Title: Re: لا تعذليه فإنَّ العذْلَ يُولعُهُ يتيمة ابن زريق البغدادى
Author: قرشـــو
Date: 01-01-2006, 06:13 AM
Parent: #1

ود محجوب

ما اروع ما أتيتنا به

اهـ من ذلك الزمن الجميل

Post: #5
Title: Re: لا تعذليه فإنَّ العذْلَ يُولعُهُ يتيمة ابن زريق البغدادى
Author: Mohamed E. Seliaman
Date: 01-01-2006, 06:18 AM
Parent: #4

هذه القصيدة ودع بها الحاكم الأمريكي (نسيت اسمه) العراق بعد انتهاء عهده .

Post: #6
Title: Re: لا تعذليه فإنَّ العذْلَ يُولعُهُ يتيمة ابن زريق البغدادى
Author: ودقاسم
Date: 01-01-2006, 06:24 AM
Parent: #1

الشكر للدكتور الصديق ود محجوب على نقله هذه القصيدة ، فقد كنت أحتاجها فعلا ...

Post: #8
Title: Re: لا تعذليه فإنَّ العذْلَ يُولعُهُ يتيمة ابن زريق البغدادى
Author: ود محجوب
Date: 01-01-2006, 05:09 PM
Parent: #6

الأخ الشفيف محب الصلاة على سيد الأولين والاخرين صلى الله عليه وسلم

لك التحايا والشكر.

الخال ود قاسم وين يا راجل أدينا أخبارك ويسعدنى أنك وجدت مبتغاك


الأخ محمد سليمان وكم دفع بريمر قائلها من دولارات العراق؟

Post: #9
Title: Re: لا تعذليه فإنَّ العذْلَ يُولعُهُ يتيمة ابن زريق البغدادى
Author: محمد ميرغني عبد الحميد
Date: 01-01-2006, 05:37 PM
Parent: #8

ومن الحب ما قتل
الشقي من رقبتو والبخيت من رفاقته
سلامٌ على الدكتور.