من هم الدارفوريين ؟

من هم الدارفوريين ؟


12-07-2005, 06:29 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=50&msg=1135697923&rn=0


Post: #1
Title: من هم الدارفوريين ؟
Author: isam ali
Date: 12-07-2005, 06:29 PM

هذه ترجمة لدراسة اليكس دى وال ، بنفس العنوان. يمكن الحصول على النص الانجليزى هنا:
http://www.justiceafrica.org/the_darfurians.htm

واليكس دى وال ، ناشط سياسى ومؤلف لعدد من الكتب عن المجاعة ، حقوق الانسان والصراعات فى افريقيا ، بالتحديد فى شمالها الشرقى
يقوم باصدار سلسلة
‘African Issues’
عمل كمدير مساعد لمنظمة
Africa Watch
واستقال منها فى 1992 احتجاجا على التدخل العسكرى الامريكى فى الصومال
حاز على جائزة نوبل للسلام فى 1997 بالاشتراك .
اسس وعمل مديرا امنظمة
African Rights
كما ترأس
Mines Advisory
Group 1993-98
ويعمل الان كاحد مديرى
Justice Africa
* والترجمة مغامرة جديدة ادخلها فى قلة من الخبرة ، وقد يفسر هذا عثراتها( التى ارجو تنبيهى لها)، ولكنه قد لايخفى معالجة دى وال المنعشة لقضية الهوية فى دارفور،
وارجو نعرف اكثر.

Post: #2
Title: Re: من هم الدارفوريين ؟
Author: isam ali
Date: 12-07-2005, 06:37 PM
Parent: #1

الهويات الافريقية والعربية , العنف والتدخل الخارجى

مقدمة :
تحاول هذه الورقة تفسير سيرة و عمليات تشكل الهوية التى جرت فى دارفور , على مدى القرون الاربعة الاخيرة . و القصة فى اساسها هى قصة تداخل اربعة عمليات مختلفة لتشكيل الهوية , ارتيطت كل منهن بفترة محددة فى تاريخ الاقليم. والهويات الاربعة هى: الهويات السودانوية
“ Sudanic Identities “
. والتى ارتيطت بسلطنات دارفور. والهويات الاسلامية . والادارة الاهلية والتى ارتبطت بالدولة السودانية فى القرن العشرين . والاستقطاب الحالى بين هوية " العرب" وهوية " الافارقة " والذى ارتبط باشكال جديدة من التدخل الخارجى والعنف المحلى . انها القصة التى تؤكد على اهمية محور الشرق-الغرب فى الهوية السودانية , وتنقذه من الاهمال . حيث انه لايقل فى اهميته عن اهمية المحور شمال-جنوب , ويدفع بدارفور كعامل مهم ومستقل فى تكوين الدولة السودانية لا تقل فى ذلك عن الوسط النيلى . القصة تركز على عجز الدولة السودانية الحديثة واللاعبين الدوليين عن استيعاب فرادات دارفور . القصة الدارفورية تتهم كثرة من المؤرخيين السودانيين ب "المركزية النيلية " بالتحديد عندما يستخدمون مصطلحات تحليلية مستخلصة من تجربة الوادى النيلى , ويطبقونها على دارفور .

ان مصطلح " الدارفوريين" لا يقوم الا فى اعوجاج يسكنه , فدارفور تعنى بشكل محدد بلد الفور , ولكن تبعا لحجتى , فقد وجدت " فور " تاريخيا كمصطلح اثنو-سياسى ، ولكنها وبالرغم من ذلك استخدمت فى محطات التاريخ المختلفة لتشير فقط لاقلية من سكان الاقليم الذاخر بالاثنيات والقبائل . عموما , فقد جرى و منذ العصر الوسيط وحتى القرن العشرين تاريخ متدفق من تشكل الدولة ، حتى ان حقيقة وجود دارفور كذات اقليمية واحدة نالت القبول المؤكد – كما لاحظ شون اوفاهى . وفى تجربة سكنى وترحالى فى دارفور فى الثمانينات (من القرن العشرين) جاءنى الاحساس بالذاتية الاقليمية لدارفور موفورا وجليا . لكن ذلك لم يكن يعنى ان هناك اتفاقا على هوية دارفور او مصائرها . فهناك " اخلاق جغرافية " مختلفة ومتصارعة انتجت مفاهيما متغايرة لهوية الفور ، كما ساوضح لاحفا . لكن ما يضم الدارفوريين لبعضهم عميق تماما مثل ما يفقرقهم .

لقد ارتبط تكوين الهوية فى دارفور بالعنف والتدخل الخارجى . واحدة من ثيمات هذه الورقة , هى ان ما يجرى من احداث معاصرة يجد جذوره فى التاريخ . ولكن ما يميز احداث اليوم ببعض التفرد ، هو طبيعة الاحتشاد الايديولوجى للهويات المتكونة الان , وطبيعة التدخل الاجنبى . واختتم الورقة بمناقشة مختصرة لنتائج موقف الولايات الاميريكية فى تحديدها لما يجرى بالتصفية العرقية . هناك خطر كامن فى استخدام لغة التصفية العرفية والاستقطاب الايديولوجى للهوية ، فهو يساهم كثيرا فى جعل الصراع عصيا على التحليل .

بالرغم من ان هذة الورقة ممارسة اكاديمية فى التاريخ الاجتماعى , الا انها ذات اغراض سياسية . ففى فكرنى ان الدارفوريين وعلى مدى قرن لم يستطيعوا صناعة تاريخهم وفقا لشروطهم . واحد اسباب ذلك تتمثل فى غياب الحوار المتماسك حول السؤال "من هم الدارفوريين " . وبالمساعدة فى خلق مثل هذا الحوار ، تدفعنى الامنية ان تكتشف كل المجموعات التى تسمى دارفور بلدها , هويتهم الجمعية .

الهويات السودانوية:
اول العمليات المتداخلة فى تكوين الهوية الدارفورية هى " نموذج السودانوية" , وهو النموذج الذى قدمته تجارب جهاز الدولة فى الاقليم . وفى الحديث عن هذا النموذج تجب الاشارة الحاسمة لحقيقة ان دار فور ( وهو المصطلح الذى استخدمه للاشارة الى السلطنات المستقلة والتى قامت فى فترة متواصلة بين 1600م الى 1916 م فيما ماعدا انقطاع بين 74 – 189 مثـلت مركزا منفصلا لتكون جهاز الدولة ، مستقلا عن الوادى النيلى بل متفوقا عليه . فقد اخضعت دار فور كردفان لحكمها فى الفترة من 1791م الى 1881 م . حتى الدولة المهدية سادها الدارفوريون بوضوح فى معظم دورة حياتها . على كامل المدى الطويل لتاريخ دار فور , وقبيل القرن العشرين ، لم تخضع دار فور لحكم نيلى الا مرة واحدة ولفترة قصيرة وبدون سيادة مكتملة فى الفترة 74-1882 م. وهى كما ترى فكرة جبارة تم اهمالها مليا من قبل علم التاريخ السودانى الذى انتجته المركزية النيلية . السودانيون الجالسون على كراسى الاكاديميا والماشون فى شارع السياسة يألفون سودانين يمتلان الجنوب والشمال ، و لكننا يجب ان نعتبر ونألف سودان ثالث تمثله دارفور .

ظهرت سلطنة الكيرا فوق اثار مملكة التنجر لتحمل تشابهات كثيرة معها. فقد اسست مركزها شمال جبل مرة وبسطت حكمها على كل الاقليم الشمالى لدار فور . وقامت دول الداجو على الجزء الجنوبى من الجبل . اتسمت عملية تكون الهوية فى عهد السلطنة بالشمول ، لتقدم نموذجا وهو النموذج الذى احتلت هوية كيرا الفور مكان المركز فيه لتحيطها هويات " مستوعبة " من فور الكنجارا ومن ضمنهم اثنية التنجر . فكلمة كنجارا نفسها تعنى " اجتمعوا سويا " او " تواجدوا معا" . ويعبر هذا النموذج من الاستيعاب الاثنى – السياسى عن ممارسة يعرفها الاكاديميون الدارسون لتكون الدولة ، ويجدون امثلة لها فى الامبرطورية الاثيوبية ، الفونج وكانيم – برنو ودولات سودانية اخرى . اِن تحليل هذه الظاهرة يؤهلنا لفك بعض اسار غموض اثنولوجيا الفور ولغتهم ، بالتحديد الغموض الذى لف البنيات السياسية المختلفة لبعض "قبائل " الفور ، والاخفاق الذى استمر فى تصنيف اللغة الفوراوية ، والتى تخصبت فى انتشارها بين المجتمعات . عموما لاتزال اثنوغرافيا و تاريخ دارفور يعانيان قلة الدرس والتوثيق .
احاطت بسلطنة الكيرا بعض المجموعات الخاضعة ، مثل القبائل البدوية ( وقد حازت على الاهمية من خلال دورها الحاسم فى تجارة السلطنة وثراء السلطان ، من خلال ملكيتها لقوافل الجمال) ، وبعض المجموعات المستقرة اهمها الزغاوة . خلال القرن الثامن عشر لعب الزغاوة دورا مهما فى سلطنة الكيرا ، فقد تزوجوا داخل العائلة المالكة ، وكانوا جزءا من كتبة وحراس المحاكم. اما فى جنوب المملكة فقد تواجدت مجموعات قبلية ذات استقلال نسبى ، صار بعضهم فورا عن طريق الاستيعاب السياسى ، بينما نجت اخرى باسباب نزوعها القوى للاستقلال السياسى كما فى حالة عرب البقارة . وكما هو الحال مع مثل هذا النوع من الدولة ، استخدم الملك الحروب كوسيلة لاخضاع من تواجد على الهوامش .

الى الجنوب الاقصى وجدت ديار الفرتيت . وقد عنت كلمة الفرتيت " العبيد " او من يمكن اخضاعهم للعبودية من سكان الغابات . وهنا بالضبط تظهر الطبيعة العنيفة للدولة ، فقد اعادت الدولة انتاج نفسها من خلال ارسال جيوشها لحيازة " الناس" ونهب اشياءهم ، وتصديرهم الى مصر والبحر الابيض . هذا التداخل المشتبك بين الجنود والتجار والعبيد لهو من الامور المألوفة فى تاريخ الدولات السدانوية ، حيث لعبت الحروب المتصلة بلا نهاية دورا اساسيا فى توفير الثروة وتامين السلطة . ولقد وصف اوفاهى جيوش حملات الاستعباد بالدولة المصغرة . ويتاتى ذلك فى بعضه من خلال وضع السلطنة السياسى الجغرافى كهامش لعالم البحر الابيض المتوسط . ففى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر لعب درب الاربعين الى اسيوط دورا رئسيا فى توفير بضاعة "العبيد " والعاج والمنهوبات الاخرى ، ودورا اخر فى العلاقات الدولية حيث تبادل نابليون بونابرت الرسائل والهدايا مع سلطان دار فور .

كل المجموعات الاساسية فى دار الفور , هى مجموعات بطرياركية ، حيث يتحدد الانتماء الاثنى من خلال الاب . ويترتب على هذا ان الهوية يمكن ان تتغير من خلال زواج الاقوياء من الرجال باسر ذات اوضاع متميزة . وقد كان هذا امرا ممارسا باتساع ، استثنى منه فقط الفرتيت .
لقد عانت عملية تكوين الهوية فى السلطنة ، التغيرات على مر القرون . فقد مرت من عملية تركز اساسا على هوية الفور ( من 1600 الى اواخر 1700) الى عملية مدنية فقدت الدولة فيها خصائص الايديولوجيا الاثنية . من المهم هنا ملاحظة الدور الذى لعبته دعاوى النسب العربى فى تاسيس شرعية الدولة ومؤسساتها . وهى ممارسة وجدت فى كل الدولات السودانوية . وقد حظيت العربية بالاهلية لانها فتحت الباب امام تقاليد معرفية وامكانيات لجلب/قدوم المعلمين من العالم العربى يصطحبهم التجار ، هذا الى جانب ان السلطنة كانت قد اتخذت الاسلام دينا .
اعتبر البدو من السكان الاصليين عربا ( بالمعنى الاثارى كما استخدمه ابن خلدون وغيره ، ويستمر استخدامه حتى اليوم ، فمن المدهش ان تعتبر الحكومة الليبية الطوارق عربا ) .

تتضح اهمية هذه المسالة اذا نطرنا الى التحديدات الاثنية فى تجربة الدولة المصرية – التركية فى الوسط النيلى (1821-1874) ، وهى الدولة التى تمثل سلف الدولة الحالية . .لقد تم تحديد العربية باعتبارها الهوية المركزية ، وذلك بالتركيز على ثلاثة قبائل هى الشايقية ، الجعليين والدناقلة ، بينما حدد القطب الاخر للهوية " بالسودانيين " وهو الاسم الذى يصف المجموعات التى كانت هدفا للاستعباد وتجارة الرقيق فى القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ، ولكنه الان ومن خلال عملية مثيرة من هجرة التوصيفات الاثنية ، اصبحت السودانيين تعنى - وفى ثمانينات القرن العشرين- الصفوة الحاكمة ، والتى هى نفسها القبائل الثلاثة . فى الجانب المقابل اختار الجنوبيين مصطلح الافارقة لتاكيد هويتهم ، مما شكل اضافة متأججة لحوارات المثقفين السودانيين الخاصة بموضوع الهوية ومواقع السودان النسبية بين العالم العربى والعالم الافريقى . من وجهة نظر جنوب السودان ( وكذلك شرق افريقيا ) فان " العربى " و " الافريقى " قطبان متعارضان ، بينما من وجهة نظر دارفور وتوجهاتها " السدانوية" ف " العربى " هو جزء من " الافريقى " . يدلل هذا على ان الدارفوريين لا يعانون اى مشكلة فى تعدد الهوية ، ويمكنهم تعريف دولتهم الافريقية باشتمالها للعرب الاصليين بدوا كانوا او مستعربين بالثقافة .
أن تحول مصطلح " افارقة " من جنوب السودان الى دارفور ،واستخداماته لتستثنى الفرتيت ، وليضم المجموعات التى اشتركت فى تكوين الدولة من فور وتنجر ، الى جانب مجموعات الحظوة التاريخية من زغاوة ، مساليت ، داجو وبرنو ، لهو من الامور المثيرة ولكنه لايخلو من السذاجة الانثربولوجية ، " فالافريقية " يجب –بالاحرى - ان تشير الى معانى مختلفة فى دارفور .
جاء انهيار دارفور فى 1870 ، لانها خسرت للنطام المصرى التركى وعملائه من تجار الخرطوم فى المنافسة على احتكار تجارة الاستعباد. ان الحدود السودانية الحالية تحددت –بدرجة كبيرة- بالمدى او المناطق التى وصلها عملاء الخديوى حتى اللحظة التى اوقفتهم فيها الثورة المهدية . لقد مارست حملات الاستعباد عنفا فظيعا تجاه من استهدفتهم ، فقد عرضتهم للمجاعات وللتصفية الكاملة فى بعض الاحيان . لقد نجح علماء التاريخ فى اعادة تركيب بعض المجتمعات التى وجدت قبل هذه الحملات ، بينما عاش بعضها فى الذاكرة ، واختفى بعضها المتبقى بلا اثر .
الهوية الاسلامية :
ويتداخل هذا النموذج عميفا مع نموذج الهوية السودانوية ويكمله ، ولكنه – وفى نفس الوقت - يتميز عنه فى بعض خصائصه البارزة والتى جعلته يتصادم مع المهدية (83-189. ولنبدأ بالتداخلات :
كان الاسلام دين للدولة ومنذ القرن السابع عشر . جاء الاسلام الى دارفور من الغرب , وذلك لان دارفور كانت جزءا من من امبرطورية كانيم- برنو فى العصر الوسيط . وهى الامبراطورية التى اتخذت الاسلام دينا رسميا منذ ( او قبل ) القرن الحادى عشر. لقد مال المؤرخون ، انطلاقا من مركزية نيلة ، لافتراض دخول الاسلام فى دارفور انطلاقا من وادى نهر النبل ، ولكنه توجد كثرة من الادلة تقترح ان الامر ليس كذلك . كمثلا نجد ان الطرق الصوفية السائدة فى دارفور ، هى طرق صوفية نبعت فى الغرب الافريقى ( اشهرها الطريقة التجانية ). كما اننا نجد ان الخطوط المستخدمة فى الكتابة هى الخط الصحراوى- الاندلسى وليس الخط العربى الكلاسيكى الموجود فى الوادى النيلى . معظم القبائل العربية التى هاجرت الى السلطنة فى منتصف القرن الثامن عشر جاءت من الغرب. تقوم القبائل العربية بارجاع نسبها الى جهينة انتهاءا بالرسول ( فى ممارسة عامة للصفوة الحاكمة عربا كانوا ام غير عرب ) . وقد بدأوا يهاجرون الى الجنوب والشرق فى خلال القرن الثامن عشر . وكانوا يمارسون خليطا من الزراعة ورعى الابل والابقار ، ولكن فى استمرار النزوح الى الشرق والجنوب اكتفوا برعى الابقار، ليكونوا جميعا ما اصبح معروفا بالبفارة . بدأت معظم اسماءهم القبلية الحالية فى الطهور فى المسافة بين القرن الثامن عشر الى القرن العشرين ، فى بعض الاحيان من خلال انصهارهم فى وحدات سياسية جديدة . و تعطى حالة الرزيقات مثالا مؤثرا ومهما ، فهى اتحاد كونفيدرالى واسع بين ثلاثة مجموعات قوية هى المهرية ، المحاميد والنوايبة ، اتحدت لتكون رزيقات الضعين فى جنوب شرق دارفور . ولكنها تركت مجموعات كبيرة فى الشمال والغرب متبقية بعد هذه الهجرة التاريخية . والاخيرة شاب علاقاتها باقربائها فى الجنوب ، قدر من التوتر والاضطراب بين التمسك باستقلالهم وبين الازعان لصلات القرابة . اما البقارة والرزيقات فى الحنوب ، فقد حظوا بسيادتهم على مناطقهم عندما منحها لهم ساطان الفور ( رغما عن انها لم تكن تخضع للسلطنة اساسا) ، بيما اختارت قبائل الشمال حياة بدوية ، ترحل طليقا فى الرمل بدون ان تجعل وطنها مكانا محددا . ولكن بعض الاقسام ترك الرحيل ليسكن ، وفى استقرارهم اصبحوا خاضعين للسلطة الادارية لممثل السلطان ، الحاكم الادارى للمنطقة ( دار تكناوى او دار الريح) . وقد كانت هذه المنطقة ، لاسباب تاريخية ، متحررة نسبيا من البنى القبلية
de-tribalised
, وعليه فقد تم استيعاب بدو الشمال كرعايا للسلطنة اكثر منهم كوحدات قبلية شبه مستقلة .
نفس العملية تفسر لنا وجود جماعة كبيرة من بنى هلبة ( بقارة) متحكمة فى منطقتها فى الجنوب ، ومجموعة صغيرة من الابالة فى شمال دارفور . وبالمثل المسيرية الموجودين فى مناطقهم فى جنوب كردفان ، وبقايا مجموعات منهم فى شمال غرب دارفور وتشاد . اما الزيادية و المعالية فلا ينتمون الى جهينة ولم يتبعوا نفس الاشكال فى هجرتهم ، وعاشوا علاقات مختلفة مع السلطنة ( لم تكن كلها علاقات ساهلة )

جاء الهوسا والفولانى قادمون فى هجرات حدثت فى القرن التاسع عشر واستمرت الى القرن العشرين. وجاءت هجراتهم فى اشكال مشابهة و موازية لهجرات القبلئل الاخرى . عمرت هذه الجماعات ، مساحات واسعة من دارفور ، ومساحات مماثلة فى شرقها . وقد قصرت هذه الهجرات على مجموعات رعوية ، كالام براروا ، التى واصلت هجراتها شرقا حتى نهايات القرن العشرين . أشتملت دوافع الهجرة الى الشرق على دوافع مهمة منها الحج ،( فقطاع كبير من المهاجرين اعتبروا انفسهم حجاجا دائمين متوجهين الى مكة .) ومنها التقاليد المهدوية التى اكدت دائما على الهجرة شرقا . وكما سنوضح لاحقا فالمهدية المجاهدة كفكرة جاءت الى السودان من غرب افريقيا فى صحبة المهاجرين المتوجهين . شملت الهجرات من غرب افريقيا مجموعات اخرى مثل البرقو والبرقد وهم من المجموعات السودانوية التى لم تمارس الترحال بعد قدومها . وبهذا يجب علينا الا نرى الهجرة الى الشرق كظاهرة متعلقة بالمجموعات المتأسلمة سياسيا ، رعاة كانواو بدوا من العرب .

لقد جلبت جهينة معها جغرافيتها الاخلاقية المميزة ، والتى تالفها كل المجموعات البدوية والرعوية فى كل سهول وسط السودان ومناطقه الساحلية . وهى الفكرة التى ترى فى الارض هبة من الله ، فهى من ملكه العضوض ، يحتازها من توهط فيها واستعملها قبل غيره . كما انها تنظر الى دارفور باعتبارها مقسمة الى محليات مختلفة ، بعضها يخص المزارعين وبعضها الرعاة والذين يتداخلون فى علاقات تبادل نافعة للجميع . كما ان الفكرة ( أى الجفرافيا الاخلاقية )تنظر الى الارض باعتبارها منفتحة بلا نهاية وبالذات فى اتجاه الشرق

ثلاثة عوامل اخرى فى تكوين الهوية الاسلاموية ، تستحق التعليق . العامل الاول : المهدية ، والتى وصلت الى دارفور من الغرب ، مستبطنة لاصول اجتماعية وثقافية ترجع الى الدولة المهدية التى اسسها عثمان دان فوديو فى مايعرف الان بشمال نيجيريا . على عكس الوادى النيلى ، حيث التقاليد المهدوية ضعيفة ، نجدها قوية فى سافنا الغرب الافريقى ومعكوسة فى تعبيرات عالية . فقد كتب دان فوديو عشرة كتب منهجية فى فكرة المهدية ، واكثر من 480 قصيدة دارجية ، كما انه اصر ان من مواصفات المهدى ، ان يكون اسمه محمد احمد مما استثناه هو منظرها. كان عبدالله التعايشى - حفيد ولى متجول من شيوخ . الطريقة التجانية - اول مهدى فى القرن التاسع عشر . وبعد ملاقاته للشيخ الدنقلاوى المتعبد محمد احمد فى 1881 ، اعتبره المهدى المنتظر ، واعتبر نفسه خليفته . وقد شكل بقارة كردفان ودارفور غالبية الجيش المهدى , كما ان التعايشة شكلوا غالبية الفئة الحاكمة طيلة عمر الدولة فى امدرمان . لنصرة المهدية اجبر التعايشى مجموعات ضخمة من سكان دارفور على الهجرة شرقا . كانت المهدية مشروعا دارفوريا بدرجة كبيرة . اشتمل المشروع على درجة عالية من العنف ، وان اختلف عن العنف الذى خبرته السلطنات وتاسست عليه . فقد كان العنف هنا جهادا دينيا تضمن تحريكا للمجموعات السكانية بشكل غير مسبوق ولا ملحوق .
ان تاثيرات هذه الاشكال من الاسلام الدارفورى ، والاسلام الغرب-افريقى ، فى هذه الفترة المهمة من تاريخ السودان , لا تلقى حقها المستحق من الاهتمام من قبل المؤرخين السودانيين بسبب من المركزية النيلية العتيدة. فلقد خلق المهدية ذلك النصادم بين المهدية الجهادية الشعبية فى الغرب - متضمنه الايديولوجيا الجماعية للطريقة التجانية - والاسلام الارثذوكسى التراتبى فى الوادى النيلى .

تعتبر فترة المهدية حتى اليوم - فى الذاكرة الحية او فى الارشيف الثقافى – فترة عنف منفلت و اضطراب عظيم . الا اننى لا اقصد ان اقترح ان هناك مقابلات قائمة بين المهدية ونظام الاسلام السياسى الحالى ، والذى يمتلك تجربته المميزة من العنف الفالت و الجهاد . بل بالعكس ، فقناعتى تقوم على تحميل مسؤلية الحرب فى دارفور الى فشل المشروع الاسلامى . وينبع هذا من الثيمة الثالثة والاخيرة فى المشروع الاسلاموى ، وهى بالتحديد محاولة الترابى بناء تحالف للهويات السودانية تقوم على محور شرق-غرب .
فمن ضمن العديد من التجديدات الفكرية والعملية فى مشروع الترابى الاسلامى ، فتح الترابى المجال للافارقة المسلمين كافراد والاسلام الافريقى كتراث ، عندما رأت الجبهة الاسلامية فى دارفور مجموعة من المسلمين الملتزمين يمكن تحريكهم . فاتاحت الجبهة الاسلامية مجالا واسعا للفور ومجتمعات الفلاتة المنتشرة فى بقاع السودان ، داخل تنظيمها . وعدتهم ان الاسلام يمكن ان يكون مدخلا لتحقيق المواطنة لهم داخل الدولة الاسلامية . وبذلك ابتعد الترابى وتابعوه من التركيز التقليدى للاسلاميين على الاسلام النيلى الارثوذكسى وارتباطاته الوثيقة بالعالم العربى . ولكنه – لسؤ الحط - كان وعدا كاذبا ، فالدولة السودانية لا زالت نفسها الدولة التى ورثت ذلك المشروع الاقصائى الذى انتجه تجار الخرطوم فى القرن التاسع عشر . وما قصد المشروع الاسلامى من استيعابهم الا استخدامهم كجنود راجلين . بالنسبة للفلاتة بدأ الامر واعدا بفوائد سريعة ، فقد يمنحهم الجنسية السودانية ، مصححا بذلك وضعا شاذا استمر الى وقت طويل فى سياسة المواطنة السودانية . اما بالنسبة للدارفوريين ، فان افضل ما لقوه هو حياد السلطة الاسلامية فى الصراعات بين العرب وغير العرب من سكان دارفور . وحتى هذا الحياد لم يستمر طويلا . فقد نال غير العرب من الدارفوريين حظا ضئيلا او معدوما فى الاعانات والاغاثة التى قدمتها منظمات الاسلاميين لمناطق نائية فى دارفور . قد يكون سبب ذلك ان الاسلاميين اعتبروا ولاء الدارفوريين لهم مضمون بالبداهة ، اولانهم انشغلوا وركزوا على المهددات الاتية من الجنوب ، جبال النوبا والنيل الازرق وعليه فقد تم تجاهل دارفور فى مجموعة مشروعات اسلاموية هدفت لاعادة قولبة المجتمع .
عندما وقع انقسام الحركة الاسلامية فى 1999 , ذهب معظم الدارفوريين مع الجناح المعارض وقد صادف ان كان فى قيادة احد أجهزة الامن جنرال من سلاح الطيران ، دارفورى ابالى من الرزيقات ، وهى تلك الاجهزة التى وضعت قياداتها على رأس قوات الدفاع الشعبى المتواجدة فى المناطق الحرجة ، مستبدلة كل من شك فى احتمال تعاطفه مع الترابى . وكانت هذه بداية تكوين " الجنجويد " ( وهو مصطلح استخدم لوصف مليشيات الابالة التشادية التى استخدمت غرب دارفور كقاعدة خلفية فى منتصف الثمانينات . وقد مدوا اخوتهم بالسلاح مما ساهم فى تفجيرات الصراع فى 87-1990فى دارفور ) . ان حرب دارفور ، فى واحد من اهم ابعادها ، هى صراع على مخلفات حطام برنامج الحركة الاسلامية السودانية . وهو صراع بين مجموعتين فقدتا العشم فى قدرة المشروع الاسلامى على تحقيق اى شئ سوى القوة الغاشمة .

النقطة الثالثة ذات الاهمية ، تختص بوضع النساء . ففى الطريقة التجانية - فى امتيازها بتقاليدها الجمعية بمقارنتها بالطرق الصوفية النيلية – يمكن للنساء تحقيق وضع الشيخ او المعلم . وفى هذا تنعكس التقاليد الدينية للاقليم السودانوى ،و الاوضاع الافتصادية والاجتماعية للمراة فى مجتمعات السافنا ، حيث يمكن للمراة ان تمتلك مزرعتها وتمارس التجارة بالاصالة عن نفسها . وقد لاحظ كل دارسى الاثنوغرافيا الدارفوراوية ، هذا الاستقلال الاقتصادى للمراة داخل المجموعات العربية وغير العربية على حد سواء . وفد لعب الانتشار اللاحق للارثوذكسية الاسلامية دورا مساهما فى تراجع وضع المرأة .

Post: #3
Title: Re: من هم الدارفوريين ؟
Author: isam ali
Date: 12-08-2005, 04:53 PM
Parent: #2

الجزء الثانى


القبائلية الادارية " والصيرورة السودانية :
اِن الانتصار البريطانى على دارفور فى 1916 ، وضم سلطنة المساليت المستقلة للسودان فى 22-1923 ، مثلا قطعا حاسما مع الماضى التليد . فقد خضعت دارفور لحكم جهة خارجية قوية لم تكن لها مصالح اقتصادية فى الاقليم ولا طموحات ايديولوجية سوى اسمترار الهدوء . وقد تم ضم دارفور بعد انجاز تحديد المرتكزات الاساسية للسياسة البريطانية السودان . مثلا ، تم اعتماد الادارة الاهلية بعد 1920 ، طرد الموظفين المصريين بعد 1924 , قبول طائفتى الختمية والانصار ، السودنة والتحرك نحو الاستقلال ، كلها قرارت تم اتخاذها بدون ذكر ولو خفيف لدارفور .

لقد مثل الامن فى دارفور - و بعد انقضاء عقد من الزمان على ضمها- موضوعا الاهتمام الرئيسى فى البنية السياسية ، وكان الدافع الرئيسى لذاك هو الخوف من انتفاضات محتملة مرتبطة بالمهدية . وقد مثل الهجوم على نيالا فى 1921 احد اخطر التحديات التى واجهتها السلطة. اما فى السودان النيلى ، فقد واجه البريطانيون اخطارا مباشرة تمثلت فى الحركة الثورية الوطنية التى رفعت شعارات وحدة نادى النيل . شملت الحركة الوطنية مجموعات من الصفوة المتعلمة والمجموعات االلافبلية ( tribalised-de) فى الجيش. وقد لجأ البريطانيون لقهر هذه المجموعات للادارة الاهلية . فقد كانت الادارة الاهلية نموذجا تراتبيا جديدا فى الادارة القبلية ، استحدث فيه البريطانيون منصب " العمدة " ليتوسط زعيم القبيلة ( الناظر فى القبائل العربية ) وشيخ القرية .

اصدرت الادارة الاستعمارية مجموعة من القرارات والقوانين لتاسيس سلطات القبائل ، كان من اهمها القانون الذى اعطى زعماء القبائل سلطات قضائية الي جانب سلطاتهم التنفيذية . وقد هدف ذلك الي مد زعماء القبائل بصلاحيات بوليسية تمكنهم من مراقبة الدعاه الدينين المتجولين و الخريجين . هذا الى جانب قانون المناطق المقفولة والذى ركز النقد الموجه له ، على نتائجه التى تمثلت فى قفل الجنوب وجبال النوبة فى وجه التاثيرات الخارجية ، وهو القانون الذى استخدم فى دارفور – بلا نقد - فى مراقبة الدعاة الدينين ومهاجرى غرب افريقيا .

كان من اهم نتائج قانون الادارة الاهلية ، ازالة عدم الوضوح حول الهويات الاثنية والانتماءات القبيلية الموجودة فى السودان . وقد جاء هذا تعبيرا عن ضرورات ادارية اكثر منه كتطبيقات ايديولوجية . ويدل على ذلك امتلأء الارشيف الكلونيالى فى العشرينات والثلاثينات بالعديد من الرسائل المتبادلة بين جهات الاختصاص التى حاولت تنظيم الفوضى الاثنية التى عمت الريف السودانى . ففى دارفور كانت اهم الاسئلة هى تلك المتعلقة بشان ادارة الرزيقات - والتى صيغت لتظهر المساندة لنظارة ماديبو المنحازة للبريطانيين - والاسئلة المتعلقة بالمراعى المشتركة فى بحر العرب والتى يرتادها ايضا الدينكا . والاسئلة تعلقت ايضا بوضع ابالة الزريقات ( بدءا خضعوا لنظارة ابراهيم مادبو ، ثم اصبح منهم نائبا للناظر ثم استقلوا بنظارة كاملة ) . وقد تضمنت النشاطات الاخرى المترتبة على قانون الادارة الاهلية ، لم شمل قسمين من بنى حسين فى قبيلة واحدة ، وتوفير ارض لهم فى شمال غرب دارفور ( وهذة لحظة نادرة فى اعادة توطين قبيلة كاملة رغب نصفها فقط فى اعادة التوطين ). الجمع الادارى لقسمين من بنى هلبة كان نشاطا اخرا . نشاط ثالث شمل التوصل الى طريقة لتعيين زعيم للبرقد . تم ضم مجموعة من الاقسام تعيش فى منطقة تدعى دار اِرنقا لتكوين قبيلة ، الى اخره من النشاطات. لقد تم توجيه قدر عالى من الانتباه الى مجموعات الفرتيت التى تعيش فى حدود دارفور الجنوبية ، نبع هذا الاهتمام عقب محاولة فاشلة هدفت لترحيلهم الى جنوب السودان حتى يكونوا عازلا بين المسلمين وغير المسلمين .
اصتحبت اجراءات التنظيم الادارى للقبائل , اجراءات اخرى لرسم الحدود بشكل رسمى . التزم البريطانيون بالتقسيم الرباعى لسلطنة دارفور ، واقاموا مديريات على اساسه وحددوا مناطق قبلية للبقارة فى جنوب دارفور ملتزمين بممارسات السلطان السابقة .اما فى مناطق دار فور الاخرى ، فقد تم تحديد الديار القبيلية باشكال عشوائية لحد ما . لقد كان تحديد ديار بنى حسين فى الجزء الغربى لشمال دارفور شاذا : فالقبيلة التى لا تكون مصدر مشاكل تترك لحالها . لقد بنى مصطلح ديار نوعا من القبول القانونى التلقائى له ، ولكن وبالتجربة ، نجد ان كلمة ديار اسخدمت لتعنى اشياء مختلفة تتدرج من مكان محدد او وحدة ادارية ، الى منطقة محددة لمجموعة اثنية ، الى سلطنة كاملة ، الى اقليم مجرد كدار فرتيت . ولكن بكثرة الاستعمال والمرتبط بالادارة الاهلية وسلطاتها القضائية ، اصبح المصطلح يشير بدرجة اساسية الى منطقة اثنية تحوز فيها المجموعة المسيطرة على سلطات قانونية . وفى السبعينات (من القرن العشرين ) خلص احد اكبر المتخصصين فى قانون الاراضى الى ان القبائل " اصبحت تقريبا كالمالك لاراضى مناطقهم " . لم يترتب على ذلك – وخلال سنوات القرن العشرين – اى تبعات سياسية تذكر ، حيث توافقت مع العادات والتقاليد السائدة حيث يتبنى المستقر الجديد قوانين من استضافوه . فقد كانت الارض فى براح ، واخلاق قبول الواردين للاستقرار وتكريمهم، فى صلاح ، حتى انه وفى السبعينات صارت الديار فى جنوب دارفور ، تضم خليطا اثنيا معتبرا ، ضم حتى النازحين من مناطق الجفاف فى الشمال ليستقروا فى هذه الديار .

دعونا لانضخم اثر الادارة الاهلية فى عملية تكوين الهوية ، فهى قد لعبت - و بلا شك - دورا فى ابطائها ، بل جمدتها احيانا . فسياسات الادارة الاهلية لم تجد التنفيذ الا باشكال خفيفة . بعض من الضباط الاداريين للمناطق ، " احتفلوا " بالتعدد الغنى لاشكال الهوية الاثنية واشكال الزعامة القبلية ، فوتقوا بعضا من الهويات المتداخلة مثل الكايتنقا ( بعض من تنجر /فور ، وبعض من زغاوة ) ، دار للفور الفونجورو وجبل عرب السى واخرين عديدين . ووثقوا ايضا للتعدد الغنى فى الالقاب التقليدية للزعامة من سلطان ، مك ، شرتاى ، ديمنجاوى ، امير وناظر . و لكننا نلاحظ الغياب الملموس لاى اهتمام اقتصادى رئيسى بدارفور - فلم توجد اى مشاريع للتطور الاجتماعى او اى تحديث ملموس و اصلاح للاراضى – مما انتج اثارا محدودة لسياسات الهندسة الاجتماعية الاستعمارية على دارفور ، سلبية كانت ام ايجابية .

فى الستينات والسبعينات ( من القرن العشرين ) قدمت دارفور نموذجا كلاسيكيا لتغير الهوية ، يصلح نموذجا للدراسات الاكاديمية . فى مرحلة اعداد دراسات مشروع التنمية الريفية لجبل مرة ، تمت الاستعانة بعدد من متخصصى الانثربولوجيا الاجتماعية البارزين لدراسة التغير الاجتماعى فى دارفور . وقد تضمنت ابحاثهم عدد من الدراسات فى تجربة بعض مزراعى الفور المستقرين ، والذين عندما تزداد اعداد ابقارهم ، يتحولون تدريجيا الى بقارة للدرجة التى يبدأون فيها تعليم اطفالهم اللغة العربية ، ويبدأون فى اكتساب بعض الصفات التقافية –الاجتماعية لمجموعات الرحل التى ينضمون لها . وهذا عكس مدهش للانماط السابقة ، عندما كانت المجموعات " تصبح فورا" لاسباب سياسية ، فالافراد الان يصبحون بقارة لاسباب اقتصادية . والى جانب هذا ، اجريت بعض الدراسات حول مسألة استقرار الرحل ، وقد توصلت بعض هذه الدراسات – ضمن ما توصلت اليه - الى ان تمييز الحدود بين المستقرين والرحل امر يكتنفه غموض كثيف . انه لمن المحزن ان نجد ان مثل هذه الراسات لم تجر بصدد سكان شمال دارفور .

تتضمن معظم اقتراحات الحلول للصراع فى دارفور اشكالا من احياء الادارة الاهلية لتعلب دورها فى حل الصراعات القبلية او لتعلب دورها التقليدى كشكل للحكم الاهلى . ولكن المحتوى الذى تنطرح فيه هذه المواضيع فى بداية القرن الواحد وعشرين يختلف عنه فى القرن السابق . يتضح هذا من اى فحص سريع للدور الذى لعبه قادة القبائل فى القرارات الصادرة بصدد الصراع فى 87-1989 وفى احياء مجلس الادارة الاهلية فى 1994 .

انفجر اول صراع اساسى فى دارفور فى الفترة 87-1989 ، واحتوى على عدد من العناصر تكون الملامح الاساسية للصراع فى تفجره الحالى ، مثل ان المتصارعين الاساسين هم الفور والابالة الذين يطلق عليهم اسم الجنجويد . تداعى الناس لعقد مؤتمر صلح ، اصطحب قادة القبائل من الجانبين بعض امل فى استعادة سيطرتهم على بعض القيادات الشابة ، وبعضهم سعى لتدعيم اوضاعهم فى ظل حراك الظروف الحالية. وقوع انقلاب الجبهة الاسلامية اثناء عقد المؤتمر ، دفع المؤتمرين الى تقديم التنازلات - بدون ضياع الكرامة – للوصول الى اتفاق . ولم يذهب الاتفاق الى حيز التنفيذ ، فقد اندلع القتال مجددا ، وتداعى الناس لمؤتمر جديد ، تم انعقاده فى 1990 ، ليأتى بنفس القرارات والتوصيات لتضل طريقها مرة اخرى الى تنفيذ مشوه . أن الدرس الحقبقى من هذا ، هو ان الادارة الاهلية لا يمكن ان تكون حلا فى حد ذاتها ، بل عنصرا واحدا فى طريق البحث عن الحلول ، و الوصول الي تطبيقها . ان السيطرة على المجموعات المسلحة ، ودفع التعويضات وخلق الوسائل للتعامل مع اسباب الاختلاف والصراع ، هى من العناصر الاخرى الضرورية لخلق الحلول .

فى 1994 تم تكوين شكل ما من اشكال مجلس الادارة الاهلية ، ليتوافق مع تقسيم دارفور الى ثلاثة ولايات ليتجدد الصراع فى غرب دارفور . وهناك طريقتان للنظر فى تورط مجاس الادارة الاهلية . الطريقة الاولى: ان السلطة منحت منسوبيها مناصب قيادات القبائل ( الامراء ) كشكل من اشكال المكافأة ، ولتقويض نفوذ حزب الامة والذى تاسس على ولاءات الاجيال المتقدمة من الشيوخ . الطريقة الثانية: تم توزيع مكافأت المناصب برؤية جديدة للاثنية ، تتميز بالبساطة والفعالية الادارية . وقد استهدفت عملية اختراع الاثنيات الجديدة اساسا تدعيم السلطة المركزية ( سلطة الحزب وسلطة الدولة) . فى بيئة معسكرة ، ومع غياب الخدمات التى يمكن ان يقدمها حزب او دولة ، تشمل مكافأة القوة ، قدرة الحاكم الجديد على توزيع السلاح داخل منطقه حكمه . وقد كان ذلك بمثابة الوصفة للتطهير العرقى المحلى , والذى حدث فعلا فى العديد من المناطق .

خضعت دارفور للسلطة المركزية فى الخرطوم ، فى الاربعة عقود الاخيرة من عمر الاستعمار ، اما دار المالسيت ففى الثلاثة عقود الاخيرة . وبعد الاسقلال ، خضعت دارفور لسلطة مركزية تجهل الكثير عنها وتهتم قليلا. لم يتغير الحال بالاستقلال . فقد تم الحصول عليه فى شروط المركزية النيلية ، والتى قامت على سؤالين : هل تتم الوحدة مع مصر ؟ وماهو وضع الجنوب ؟ اما وضع دارفور فكاد ان يغيب تماما من هذا الخطاب ، وتحول الى جملة هامشية فى ما استمر من حوار حول هوية السودانين الوطنية .

اِن ماتم نيله من دولة ، لهو بنية كانت ولاتزال حفيدة للاستعمار المصرى-التركى . فهى دولة التاجر-الجندى التى تبنت العروبة ، واستخدمت الغة العربية كلغة رسمية فى المدارس و اجهزة الاعلام ، ودفعت بالاسلام الى مقام الايديولوجيا الرسمية . خطابها السياسى يكاد يكون مركزيا-نيليا كاملا : فقد ركز الحوار الاساسى قبل الاستقلال على الفكرة النازعة للالتحاق بمصر فى " وحدة لوادى النيل " . كما ان الحوار اللاحق حول الهوية الوطنية تركز حول محور جنوب-شمال بصدد الاجابة على السؤال : هل السودان جزء من العالم العربى ام العالم الافريقى ؟ وقد وجدت محاولات جريئة من قبل بعض الاكادميين والناشطين السياسين ، تعبر عن انتماء السودان العربى والافريقى المتواقت والمتكامل . جاءت هذه المحاولات من كل اطياف البنية السياسية . انه من المثير للاهتمام حقا معرفة رأى ومناقشات الاسلاميين بهذا الخصوص . بعض المؤرخين الاكادميين الذين ساهموا فى هذا الحوار ، بحثوا فى ارتباطات السودان المتجهة غربا ، ولكن كانوا اقلية اكاديمية ولم تجد كتاباتهم مكانا فى الخطاب السياسى ، والذى ركز اساسا على المحور الجنوبى الشمالى .

ما نراه هو عمليه تعددت اوصافها واساميها ، والتى اختار من بينها " السودنة"
“Sudanisation”
، متفقا مع بول دورنبوس ( والذى كتب سلسلة رائعة من الدراسات عن هذه الظاهرة فى دار مساليت فى بداية الثمانينات . وهى دراسات على روعتها نالت حظا فليلا فى اعتمادها كمصادر من قبل الباحثين ). فوصف هذه العملية " بالاستعراب" لايبدو مناسبا ، لان سكان دارفور الاصليين من عرب البدو ، تعرضوا لهذه العملية ،فكيف يستعرب من هم عرب؟ ولانها لم تنتج اناسا عربا بالثقافة . فالافراد – بالاحرى - بوجدون داخل مجموعة من السودانين يتحدثون اللغة العربية ، يلبسون الجلابية والتوب ، يصلون ، يتعاملون يالنقود ، تركوا الرقص القبلى وشراب مريسة الدخن . هؤلاء " المتسودنين" يوجدون - بلا شك - فى مواقع تخلوا من الحظوة الاجتماعية والاقتصادية بمقارنتهم مع الصفوة الناجزة ، ولكنهم لم يحرموا من ارض ولا هوية ، ومعظمهم مشى الهوينا بهوية السودنة والهوية المحلية مستفيدا من كلاهما .

واحد من الابعاد البازرة فى " السودنة " هو التغيير الملحوظ فى وضع المرأة . فالمرأة الدارفوراوية المتسودنة تكون - نموذجيا- مختونة ، يتم عزلها فى المنزل ، تعتمد اقتصاديا على زوجها ، تعبر فى سلوكها عن الرضوخ وتلبس التوب . اِن اِنتشار الختان فى السبعينات والثمانينات ، فى نفس الوقت الذى تراجعت فيه العادة عند الصفوة الحضرية ، لهو من اظهر الدلائل والتجليات المادية لعملية السودنة ، وهى تعطى توضيحا اخرا لكيف ان تغيير الهوية يرسم اثاره الواضحة على اجساد النساء. وهو ايضا يوضح " حداثة " ما يسمي بالممارسات " التقليدية " .

المدهش فى عمليات تحول الهوية هذه ، ليس حدوثها ، ولا انها حدثت عن طريق فرضها عشوائيا بواسطة جهاز الدولة ، بل انها حدثت كلها تقريبا بدون عنف ( باستثناء ختان المرأة ) . ولهذا اهميته بالمقارنة مع الجنوب وجبال النوبة .

ان اِستيعاب دارفور فى بنية السياسة السودانية ، استحضر معه بعض من عنصرية واضحة ، قامت على اللون وملامح الوجه . بالرغم من ان السودانوية والاسلامية كعمليتين فى تكوين الهوية لم يخليا من ملامح عنصرية ، الا ان سيادة هذة العنصرية جاءت على اثر الهيمنة المصرية وبمساهمة لاحقة من جهاز الدولة الموروث . ويمكن ارجاع تاريخ الجغرافيا الاخلاقية للمصريين بصدد دارفور الى بدايات 1800م عندما عاش التاجر العربى محمد التونسى فى دارفور ، فقد قام السيد محمد بتقسيم الارض وسكانها وفقا للون البشرة ، وجمال النساء والاخلاق الجنسية . وقد ساد تقسيم عنصرى مشابه فى زمن الاحتلال المصرى ، واستمر فى محتواه الاساسى الى اليوم .

تعتبر الاهمية العالية للارض والعمل ، من الصفات المهمة فى اقامة الاختلافات بين دارفور وباقى جهات السودان . بنت السلطة الاستعمارية ومن بعدها الحكومات الوطنية ، مجموعة مقدرة من المشاريع الزراعية بالقرب من مجرى النيل والشرق ، ولاحقا فى جنوب كردفان . ترتب على ذلك تغيير كبير لطبيعة العلاقة بالارض وتحويل المزارعين الريفيين الى عمال ماجوريين ، يمارسون الهجرة الموسمية . ولم يحدث مثل هذا التغيير لطبيعة الارض فى دارفور ، فقد بقت حركة العمالة الموسمية محصورة داخل الاقليم . اِن الاقتلاع ونزع ملكية الارض العنيفين الذان مارستهما الدولة فى الثمانينات والتسعينات (من القرن العشرين ) فى جبال النوبة والنيل الازرق والمناطق المجاورة من اعالى النيل ، بهدف خلق مشاريع الزراعة الالية وتمليكها للصفوة الخرطومية ، وبهدف خلق العمالة الزراعية لهذه المشاريع ، لم يشهد له مثيلا فى دارفور . لقد مثلت دارفور مستودعا للعمالة الزراعية لمشروع الجزيرة و لمشاريع الزراعة الالية فى القضارف ، ولكن ولبعد المسافة صارت هجراتهم طويلة المدى وليست موسمية . ولم يكن مستودع العمالة الموسمية الدارفورية حائزا على اهمية اقتصادية استراتيجية ، بالدرجة التى تتجه معه سياسات الدولة الاقتصادية للاهتمام به وتطويره . ولقد تاثرت المناطق الاكثر فقرا فى دارفور لتعانى – بسبب هجرات الذكور - نوعا من عدم التوازن الجندرى ، ولتزداد اهمية النساء كرأس للاسرة .

لقد لعبت الهجرات دورا فى الطريقة التى تعاملت بها الصفوة النيلية مع الدارفوريين . ففى العشرينات ذكرت بعض التقارير ان ملاك الارض اعتقدوا أنه وكما ان الله (او الانجليز ) اخذ عبيدهم ، هاهو الان يرسل لهم الفلاتة . لقد ارتيط الوضع المتدنى لهذه المجموعة من المسلمين المتمسكين بدينهم ، ارتباطا وثيقا بالوضع المتدنى لمهنتهم كعمال زراعيين . وهى نفس الفكرة التى واجهت الدارفوريين عموما بغض النظر عن اثنياتهم . لقد اطلق عليهم مصطلح " عبيد" وبدون فرز ، ليعكس ذلك عنصرية مكينة ، وفى نفس الوقت احتقارا لمهنة العمالة الزراعية .
ان الاستيعاب فى الدولة الوطنية السودانية ، هو فى نفس الوقت استيعاب فى بنية هوية اقليمية ، يلعب فيها لون الجلد والوضع الاقتصادى والذاتية العروبية ادوارا فى تصنيفات السكان . انها نفس الجغرافيا الاخلاقية للسودان التى عاشها محمد التونسى قبل اكثر من قرنين .

ونواصل

Post: #4
Title: Re: من هم الدارفوريين ؟
Author: معتز تروتسكى
Date: 12-08-2005, 11:45 PM
Parent: #3

خالص التحايا
استاذ isam ali
شكرا للعرض اعلاه..
الشى الذى اعرف ان الفور هم اهل منطقه ومكان ..
لكن من خلال هذا تبادر سؤال اتمنى ن اجد اجابته ...
هل الزغاه هم اهل دار ومكانه فى السودان وخصوصا دارفور؟ وكذلك الفلاته ؟

والتحايا النواضر..

Post: #5
Title: Re: من هم الدارفوريين ؟
Author: isam ali
Date: 12-10-2005, 02:52 PM
Parent: #3

الجزء الثالث


االهوية العربية والافريقية المتادلجة والمتعسكرة :

يوفر لنا التاريخ المعقد لتكون الهوية فى دارفور ، مادة غنية لخلق هويات اثنية جديدة . فما حدث انه واثناء استيعاب دارفور فى العملية الوطنية السودانية ، وفى العملية الاوسع الافريقية الشرق اوسطية وفى اطار عملية العولمة السياسية ، هو تبسيط التعقيد الهويوى لدارفور وبشكل مخل وصادم . وقد انتج الاختلال الصادم الثنائية الاستقطابية عرب – افارقة فى تزييف تاريخى مبين . ولقد تواقت هذا التشييد الايديولوجى للهويات الاستقطابية مع العسكرة فى دارفور ، والتى ابتدأت اولا بتوزيع الاسلحة الصغيرة ، ثم من خلال تنظيم المليشيات واخيرا من خلال الحرب الكاملة . وفى استمرار الحرب يجتمع العنف مع الخوف فى خليط رهيب ، يدفع الى تكوين هويات استقطابية بسيطة ، ولكنها صامدة وذات قدرة على الاستمرار . ولقد ساهم اصرار الادارة الامريكية على وصف الصراع بالتصفية العرقية على تعزز هذا البعد الاستقطابى للهوية . وساهمت فى نفس الاتجاه الميديا العالمية والدبلوماسيون ومنظمات الاغاثة ، وذلك بمد مصطلحى " عرب " و" افارقة " بالشهرة الواسعة للدرجة التى دفعت بعض القيادات الى تبنى مصطلح افارقة فى اوقات تعاملهم مع المنظمات الدولية ، وهو المصطلح الذى كان غريبا قبل عقد مضى من الزمان .
ابتدأ هذا الاستقطاب مع بعض عرب دارفور عندما اكتشفتهم فجأة العربسلامية القادمة من الخرطوم تتواكأ على ايديولوجية النسب العربى فى هويتهم الجهينية ، متداخلة احيانا مع مشروع القذافى العروبوى فى السبعينات والثمانينات من القرن العشرين . وقد قاد هذا الى انتاج فكرة الرقى العرقى عند بعض القيادات ، وهى فكرة تعهدتها بالعناية احلام القذافى فى بناء وطن للعروبة فى افريقيا عبر الصحراء والساحل . لاحظ اعادة الانتاج الموسعة لمفهوم العربى التى قام بها القذافى فى اخلاص لجذوره البدوية ، ليشمل المفهوم جماعات كالطوارق . وقد وجد هذا الاستقطاب حول الهوية العربية اجلى تعبيراته فى المنافسة التى استهدفت الحصول على مقاعد فى الحكومة الاقليمية لدارفور فى الثمانينات ، كجزء من حركة تحقيق دولة العروبة القذافية . ففى 1987 خاطب جزء من عرب دارفور رئيس الوزراء الصادق المهدى مطالبين بقسم افضل من السلطة ، وقد ترجوه فى مخاطبتهم باعتباره " واحدا منهم " . بالطبع فان هذا يمثل - فى احد المستويات – مطلبا عادلا وشرعيا لتحسين مستوى تمثيلهم السياسى ونصيبهم من الخدمات ، ولكن الاشكال يكمن فى مجئ المطالبة محتشدة بشحنة عنصرية وادعاءا بالتفوق . وعليه اصبح من الصعب التفريق بين الاجندة الطموحة لاقامة دولة الدارفوريين العرب ، والاجندة المتواضعة و العادلة . من المؤكد انه توجد هناك اجندة سياسية ومناطقية تتشكل وتاخذ فى الظهور ، بالذات اذا ربطنا ذلك بتجربة مشابهة لعرب تشاد الجهينية . وقد يساعدنا هذا فى تفسير الصدامات التى جرت فى 1987 ، والتى كانت امرا جديدا ، فى منطقة القولو فى جبل مرة ، وهى المنطقة التى يمكن تحديدها بوضوح باعتبارها قلب ارض الفور ، وذلك باعتماد اى مقاييس للجغرافيا الاخلاقية للاقليم ، بما فيها مفاهيم الجغرافيا الاخلاقية للشيخ هلال (ابنه موسى هو احد قيادات قوات الدفاع الشعبى ) . ان الهجوم على قولو فى 1987 و 2002 و2004 يمثل ضربة رمزية لقلب هوية الفور ، وتاكتيكية لمعقل مقاومتهم .
هذه الهوية العربية المسيسة حديثا هى ايضا هوية تحمل السلاح . ويمكن ملاحظة ثلاثة تيارات متشابكة من العسكرة: (1) الانصار. وجدت قيادة الانصار فى ليبيا بين 70-1977 ، منخرطة فى التخطيط للعودة الى السلطة فى السودان . وهو الامر الذى حاولته فى 1976 وفشلت . عاد الكثيرون منهم بعد " المصالحة الوطنية " بين نميرى والصادق ، ولم يتم اسيعابهم فى الجيش كما املوا ، بل استقروا فى مشاريع زراعية . ولان غالبيتهم كانت من قبائل البقارة ، فقد اهلتهم التجربة للعب دور اساسى فى تكوين مليشياتها فى منتصف الثمانينات .
(2) عادت مجموعة ثانية من الانصار فى 1980 قادمة من ليبيا على اثر سقوط نظام نميرى . وقد كانت هذه المجموعة جزء من الفيلق الاسلامى الذى بناه القذافى مجندا فيه جماعات من دول الساحل . حل الفيلق الاسلامى بعد هزيمته فى كوادى دوم فى 1987 لتبقى اثاره .
(3) ثالث التيارات المتداخلة فى عسكرة الهوية السياسية العربية هى : تكون المليشيات العربية فى تشاد . استخدمت هذه المليشيات دارفور كقاعدة خلفية فى محاولاتهم المستمرة بلا نجاح فى الاستيلاء على السلطة فى تشاد .
هذا ماكان من امر العسكرة ، اما الخيوط السياسية والقبائلية والايديولوجية فتنتظر من يحل تشابكها . فالتنافس - مثلا - بين قيادة حزب الامة والجبهة الاسلامية على ولاء الانصار هو جزء من الدليل على وجود اختلافات سياسية مهمة بين المجموعات الدارفورية . لقد كان القذافى ماهرا فى التعامل مع المجموعات غير العربية - مثل الزغاوة – عندما يناسبه الامر ، وقد اسرع بالاعتراف بحكومة ادريس دبى عند وصوله للسلطة فى 1990 ، بالرغم من ان دبى كان احد قيادات القوى التى هزمت الجيش الليبى والفيلق الاسلامى قبل سنين قليلة .
بالرغم من وجود خيط مؤكد من التعالى العربى الا انه يجب علينا الا نقوم بتضخيم " الهوية العربية " . فالمجموعات المتورطة فى الصراع الحالى هى فى اغلبها من ابالة الجهنية ( باستثناء البعض كالزيادية مثلا ) ، مع مجموعات قليلة من البقارة والتى تضمنت احد اقسام بنى هلبا ، فقد تجندت مجموعات منهم فى 1991 لمواجهة تواجد الجيش الشعبى لتحرير السودان فى دارفور . وهذا يعنى ان الغالبية العظمى والاكبر تاثيرا من عرب دارفور غير مشتركة فى الحرب ، بما فيهم بقارة الرزيقات ، الهبانيا والمعاليا ومعظم التعايشة . ويمكن لهذا ان يتغير بسبب من هذا الانتشار الفظ للعنف . كما ان هناك محاولات واضحة من بعض الحكومة فى الاجتهاد لجلب كل العرب – بالتحديد الرزيقات – الى جانبهم . ويزداد الامر تعقيدا بمحاولات بعض الحركات فى استفزازهم .
تعبر شخصية التعالى العرقى عن نفسها فى اللغة وفى العنف الجنسى . فتعبير " الزرق " أو " الزرقة " جرى استخدامه ولوقت طويل ليعبر عن عنصرية " عفوية " أو " شعبية " لعرب دارفور بالرغم من غياب فروق واضحة فى لون البشرة – او احتمالا بسسب وجود هذا الغياب . جمال المرأة – أو لا جمالها- يتم تحديده بالرغم من غياب فروقات واضحة ( أو ربما - مرة اخرى – بسبب هذا الغياب ) . اِن الاغتصاب المنتشر يستخدم كوسيلة لتحطيم الهوية أو تغييرها ، تماما كما حدث فى جبال النوبة فى التسعينات ، حيث توجد الوثائق المتوفرة وسائر الاثباتات التى تؤكد استخدام الاغتصاب بشكل مؤسسى ومقصود ليؤدى نفس هذه الاغراض .

ونواصل

Post: #6
Title: Re: من هم الدارفوريين ؟
Author: عمر ادريس محمد
Date: 12-10-2005, 08:43 PM
Parent: #1

ياعصام

على


ده أجمل بوست فى النصف الأخير من السنه المنتهيه....للدقه أعمق بوست على الإطلاق

تحليل متماسك جدا

ثم ترجمه أكثر من ممتازه

والاكثر روعه

انك قادر على أدارة حوار رفيع حول محتوياته


واصل.....واصل

Post: #7
Title: Re: من هم الدارفوريين ؟
Author: isam ali
Date: 12-14-2005, 02:05 AM
Parent: #6

ظهرت " الافريقانية" حديثا بعد ولادة " العربية المتعالية " . وهى - فى ظهورها هذا - تدين للحركة الشعبية وخطابها الذى ابتدره قائدها جون قرنق فى تأكيده على وجود اغلبية افريقية فى السودان . وقد استهدف خطاب الحركة الشعبية لتحرير السودان التصدى لدعاوى الحكومة الاسلامية ، والتى دفعت بفكرة الدولة الاسلامية فى السودان باعتبار غالبية سكانه المسلمة . اتجه جون قرنق الى النوبة ومواطنى جنوب النيل الازرق ، والذين تجيئهم " الافريقية " كهوية تلقائية يمكن الانتماء اليها مباشرة. وقد اكدت المنظمة النوبية الثقافية والسياسية فى السبعينات والثمانينات – وهى منظمة سرية عرفت باسم الكمولو (Komolo )- على حق النوبة فى ارثهم الثقافى والذى حددوه بدقة وامتياز باعتباره ارث ثقافى افريقى . وتحت قيادة يوسف كوة- الناشط الكمولوى والقائد فى الحركة الشعبية فى جبال النوبة – شهدت الجبال احياءا عاليا لتقاليد الرقص والموسيقى والاديان النوبية .
اختار عدد من المتعلمين الدارفوريين غير العرب ، المحاطين بسياج من تحديدات الهوية المستخلصة من التجربة التاريخية للوادى النيلى ، اختاروا " الافريفية " كأفضل تذكرة لبناء التحالفات السياسية . فلقد حاول السياسى الدارفورى المخضرم احمد دريج بناء مثل هذه التحالفات اولا مع جبال النوبة والجنوبيين ، ثم تحول بعدها لمهمة جلب الدارفوريين غير العرب الى داخل حزب الامة ، متمنيا توسيع الحزب ودفعه نحو العلمانية . كذلك كان حال داؤود بولاد – من الفور و أحد قيادات الطلاب الاسلاميين فى الجامعة- عندما تحول من طرف سياسى قصى الى الطرف المقابل لينضم الى الحركة الشعبية لتحرير السودان . قاد بولاد حملة عسكرية سيئة التجهيز وكارثية الى دارفور فى 1991 ، انتهت بالقبض عليه وقتله . كان شريف حرير ( استاذ جامعى متخصص فى الانثروبولوجيا الاجتماعية ، وبالتالى لايتفق كثيرا مع هذه البطاقات التعريفية) من اول المثقفين الدارفوريين الذين انتبهوا للاخطار الماثلة من خلال التحالف العربى الجديد ، وقد انتهى لابسا بعد تردد بطاقة " الافريقية ". شريف حرير الان يمارس دوره كأحد القيادات السياسية لحركة تحرير السودان الدارفورية .
يجب الاعتراف بتاثير الجيش الشعبى لتحرير السودان على حركة المعارضة الدارفورية . فما ابتدأ كانتفاضة مزارعين اصبح الان مالكا لطموحه السياسى بمساعدة الجيش الشعبى لتحرير السودان . وقد عدلت جبهة تحرير دارفور اسمها الى حركة تحرير السودان ، متبنية فلسفة جون قرنق الخاصة بالسودان الجديد ، و ربما بجدية اكبر .
لعله من شائع المعرفة فى التاريخ الاثنوغرافى ان العنف المحلى بين المجموعات الاثنية المختلفة ، يؤدى الى الاستعصام بالهوية وباشكال واضحة وحاسمة . ففى اوقات الخوف يفتقد الناس الثقة ويتبادلون -بدلا عنها - التباعد ، فتتعزز الصفات المميزة للهوية لتصبح اسسا للتمييز والفرز ، بالذات عندما ينتشر العنف الجنسى ، فيزداد شأن المحددات العرقية وترتفع اشجار النسب عالية . وهو ما يحدث اليوم فى دارفور ، وتدلل عليه كثرة من الادلة . اِن من يتعرضون للعنف يستمسكون ببطاقة الهوية الافريقية . وباستطاعتنا ان نقترح ان هذا يلعب دورا فى رسم الحدود بينهم من جهة والسلطة والمليشيات التابعة لها من الجهة الاخرى ، ودورا اخرا فى تسهيل نيل التعاطف والتضامن من الخارج ، ودورا اخيرا – ربما اهمها على الاطلاق - فى تدعيم عزة النفس والاستمساك بالحقوق فى ظل التهجيير ونزع الارض . وبغض النظر عن الدور فاِن محددات الهوية اليوم - والتى لم تكن ذات حظوة من قبل - تتمتع بقوة عالية بسبب من العنف الغليظ والذى عاناه مليا نفر ضخم من غمار المواطنين .
من وجهة نظر قيادة جيش ، ومن ضمنهم قيادات المناطق المتأثرة كثيرا بالعنف والتهجير القسرى ، فاِن استخدام مصطلح " افريقى" يعود بالفوائد الجلية . فاِن فكرة "العرب " يقتلون " الافارقة " فى دارفور ، تعكس صورة ذهنية للغير تخلو تماما من المبالغة . فهى تعكس مجموعة من " العرب" فاتحى الالوان يعيثون وسط قرى مجموعة من ذوى البشرة السوداء بلا دين محدد ، يقعون فيهم قتلا . ففى هذا المحتوى المعاصر ، والذى صور فيه العرب - من خلال الاعلام الغربى واعلام افريقيا الصحراوية – كارهابيين ، يتم تصوير غير العرب من الدارفوريين كضحايا .
من وجهة نظر السلطة الحاكمة فى الخرطوم ، تاتى بطاقات الهوية بفوائد تاكتيكية . فعندما تصر السلطة على تصوير الصراع باعتباره صراعا قبليا ومحليا ، تقوم بتحويل الحمولة الاخلاقية لمصطلح " عرب " لصالحها ، وذلك عندما تتلمس تعاطف عضوية الجامعة العربية ، بتصويرها ان الامر فى دارفور يمثل محاولة اخرى من محاولات الغرب – بالذات امريكا – لتشويه صورة العروبة . ويمكن هذا من فتح طريق لتحالف اقليمى ، تشبه فيه دارفور العراق وفلسطين . فاذا نظرنا ابعد من دارفور نجد ان المطلح " عربى " يقترح فكرة الضحية العالمية . أن اصرار امريكا على ان مايحدث فى دارفور هو " تصفية عرقية " يساهم مباشرة فى سيناريو هذا الاستقطاب . فمن السهل على مثقفى الخرطوم والمناطق الاخرى والذين ينظرون الى انفسهم كعرب ، أن ينظروا لهذه النتيجة باعتبارها محاولة اخرى من التجريم الانتقائى الظالم . فلو انه من الجائز تصوير العرب – فى صراعهم مع الاسرائليين و الامريكان – " كارهابيين" ، مما يبرر الهجوم العسكرى الاستباقى عليهم ، ومما يبرر – كذلك - التضيقات الواسعة على حرياتهم ، فانه يجوز ايضا تصويرهم الراهن – فى الاطار الافريقى – كاِنتحاريين لا اخلاقيين ، ليصبحوا عرضة للتدخل العسكرى والمحاكمات الدولية . وهكذا يندفع صحفييوالعرب الى نفى الابادة العرقية ، ويلجأون فى نفس الوقت ال اتهام امريكا بثنائية المكيال متسائلين لماذا لم يعتبر القتل فى الكونغو ( مثلا ) اِبادة عرفية ؟
فى حقيقة الامر ترددت وزارة الخارجية الامريكية فى الوصول الى استنتاج يعرف الاحداث فى دارفور بانها " تصفية عرقية " ، ولكن عندما قرر وزير الخارجية الامريكية ان ما يحدث هو تصفية عرقية ، اصر- فى نفس الوقت - ان ذلك لن يدفع الولايات المتحدة لتغيير سياستها تجاه السودان !
لم يأت الدفع باعتبار الامر تصفية من اروقة السلطة فى واشنطون ، بل من ناشطى حقوق الانسان اليبراليين ومجموعات اليمين الدينى . لقد نهض تحالف الاخيرين ( يجمع بينهما نشاط هادئ من اللوبى الاسرائيلى) على غضب حقيقى بصدد الظروف المأساوية فى السودان ، وعلى موقف سياسى داعم للحركة الشعبية لتحرير السودان. يتداخل مع هذا موقف قوى اخرى مؤثرة فى الكونجرس كمجموعات النواب السود واللوبى الاسرائيلى و اليمين المسيحى ( والذى يتعامل مع القضية بحماس الحملات الصليبية ) . عدد من هذه المجموعات ، قابلوا وبامتعاض عالى تحول وزارة الخارجية من سياسة تغيير النظام الى سياسة البحث عن السلام عن طريق المفاوضات ( فى الجنوب ) . وقد جاءت الحرب فى دارفور كمثبت وداعمة لفكرتهم بانه لايمكن التعامل مع نظام الخرطوم المجرم . لقد تميز القهر بالعمق والاتساع وفظاعة الصورة المنتجة . وتواقت مع الذكرى العاشرة للتصفية العرقية فى رواندا – تلك المذبحة التى كان من الممكن تجنبها - لتعطى عمقا لدعوى التصفية العرقية فى دارفور . اصدر الكونجرس قراره معتبرا ان مايحدث فى دارفور هو تصفية عرقية ، حاولت وزارة الخارجية الالتفاف على الامر بارسال فريق للتحقيق ، واثقة انه وفى غياب الدليل على نية الابادة الكاملة للمجموعات المستهدفة ، فاِن محامى فريق التحقيق سوف يعثرون على لغة مناسبة لتعبر عن قمة الغضب والاستنكار ، وتقف دون التجريم الاخلاقى للخرطوم ( والتى كانت تحاورها الخارجية الامريكية) ودون الدعوة للتدخل العسكرى . وما لم تتوقعه الخارجية هو ان التعريف لمفهوم التطهير العرقى (Genocide ) فى قانون 1948 ، اوسع كثيرا عن المفهوم الشعبى او الدارج فى الاستخدام العام والعالمى له . كما انه يحتوى على افعال تقصر قليلا عن المحاولة الجادة لتحقيق الابادة الكاملة لمجموعة اثنية او عرقية . وخاب امل الوزير ، فمحامى وزارته فى اخلاصهم لحرفية القانون ( المهملة كثيرا) اعتبروا الامر تصفية عرقية ، ولم يكن امامه - فى معرفته بالاضرار التى يمكن ان يسببها تجاهل الشهادة العامة التى سجلها محامى وزارته – سوى الاقرار ان مايحدث هو تصفية عرقية ولكنه لن يؤثر على سياسة بلاده .
لفد تم الوصول الى تحديد المسألة باعتبارها ابادة ، بدون تخطيطات كبيرة ، عدا الاخلاص للحقيقة . والامر كذلك يحمل عدد من النتائج المترتبة:
اولا : انه يفصل نسبيا الولايات الامريكية عن حلفائها فى اروبا وافريقيا . وباعتبار ان عملية السلام فى السودان هى مثال نادر للتعاون الدولى ، ومثال نادر لنجاح السياسة الخارجية الامريكية ، من المهم جدا الا يكون الانفصال نهائيا بين امريكا وحلفائها . وفى الوقت الحاضر يبدو ان الخارجية الامريكية نجحت فى ابقاء سياستها متحركة فى طريقها المرسوم ، بالرغم من مناورات المتشددين .
ثانيا: بالرغم من الصحة القانونية للفهم العام لقانون الابادة العرقية ، الا ان البلوماسيون استمروا فى تجاهله لعقود من الزمان. والسبب فى ذلك ان القانون يحدد مساحة واسعة ورمادية من افعال العنف والقهر التى تجعل التدخل امرا مشروعا . لقد تم - بنوع من الاتفاق الضمنى العام - تحديد سقف اعلى من اعمال العنف والقهر التى تدفع الى مثل هذا للتدخل. و لكن هاهى السياسة الامريكية تعمل على تخفيضه ليصبح النقد العربى لها على حق . فلو ان ما يحدث فى دارفور هو ابادة عرقية ، فاِن مايحدث فى الكونغو ، بورندى ويوغندا ونيجريا هو ايضا كذلك . ولكن الادارة الامريكية ، بالرغم من امتلاء خزينتهم الحربية باسباب التدخل الفردى الا انهم لا يحتاجونها ، فلهم مذهب الامن القومى الذى تأسس على احداث سبتمبر 2002 .
ثالثا : بالنسبة لدارفور ، فان اثبات الابادة او تحديدها اصبح مستوعبا فى داخل العملية السياسية الخاصة بالاقليم . ويحدث هذا فى اطار الاعتماد الكبير على الخارج الذى تمارسه مجتمعات دارفور ومنظماتها السياسية. فقد بنت الاخيرة استراتيجياتها اعتمادا على ارتباطات خارجية . فالاسلاميون فى العدل والمساواة يهدفون – فى استراتيجيتهم - الى تغيير النظام ، مستخدمين فظائع الحرب كمبرر لنزع الشرعية عن نظام الخرطوم ، ويجتهدون لابرازها على خشبة المسرح الدولى . جيش تحرير السودان الممثل لتحالف عريض من المجتمعات الدارفورية ينتظره – من الناحية الاخرى – تطوير برنامج سياسى متكامل بدلا عما يفعله الان من حركة تلهمها الاستجابة للاحداث ، خاصة احداث العنف المتصاعد منذ 2003 ، هى ايضا تبحث عن التدخل الخارجى كأفضل خيار ، تليه الرقابة والضمانات الدولية كخيار ثانى فى ترتيب الافضلية . جزء كبير من المجتمعات التى يمثلها هذا الجيش ، تتلقى او تتطلع الى مساعدات دولية ، بل ويوجهون عملية ابراز وجودهم لتخدم اساسا مخاطبة المجتمع الدولى او لفت انظاره . فهم قد تم تمليكهم للغة بسيطة و مؤثرة يستخدمونها لعرض قضيتهم .
تتسم مداخل النظر الاخرى لتحليل الهويات الدارفورية بالاستقرار والتعقيد ، مما قد لايفيد الصحفيين وعمال الاغاثة ، ولهذا فنحن محاصرون بمجموعة استقطابية من الهويات التى انتجتها اجهزة الايديولوجيا ، وهى اقطاب نشطة فى تبادل الاسطراع . ولو استمر الارتباط القوى بهذه الهويات الايديولوجيا –كما يبدو محتملا – فانها سوف تلعب دورا كبيرا فى اعاقة بناء هوية دارفورية جديدة تؤكد التاريخ المشترك للاقليم والاعتماد المتبادل لسكانه .
الخلاصة:
دعنى الخص هذه الدراسة بملاحظتين اساسيتين:
اولا : من هم الدارفوريين؟ اعتقد ان لدارفور هوية مستقرة ، استمرت وبشكل مدهش لتؤسس ارضية صلدة قامت عليها الدولة الدارفورية على مدى عدد مقدر من القرون . ودارفور هى وحدة سياسية ظاهرة ( او يمكن التعرف عليها ) فى وجودها غير المألوف نسبيا فى افريقيا . لقد كان ضم دارفور للسودان عملا لم يؤد فقط الى التهميش الاقتصادى والسياسى للدارفوريين ، بل الى الاهمال شبه الكامل لهويتهم وتاريخهم الفريدين . كانت الطريقة التى فرضت عليهم ان يصبحوا سودانيين بشروط غريبة عليهم ، مصدرا للضرر تماما كما كان تهميشهم الاقتصادى والسياسى . ولكى نتجاوز هذا فاِنه يجب علينا الاقرار بوجود ثلاثة ابنية سياسية سودانية هى تحديدا الشمال والجنوب والغرب . قد يكون ذلك حلما ساذجا ، ولكن اعتبار المساهمة الفريدة للدارفورييين ، والطبيعة الخاصة للهوية الافريقية فى دارفور ، يمكنه ان يمنح مخرجا من الورطة الوطنية السودانية المتعلقة باشكال الهوية . يقصر عن مستوى هذا الطموح ، اهمية ان يتعرف الدارفوريين على المشتركات بينهم ، وان ينطلقوا بعد ذلك فى عملية معرفية وعرة لانجاز هويتهم العامة .
ثانيا : ما نراه جاريا الان ، هو اسنقطاب تدريجى – يبدو فى ظاهره بسيطا – يؤدى الى بناء هويات صلدة ومنفصلة .ففى غضون حياة اربعة اجيال فقط ، تحولت مجموعة من الهويات القابلة للتفاوض الى هويات ثابتة ونافية . يجب الا نعظم الماضى ، فبينما كان امتصاص الاثنيات واستيعابها فى السلطنة رحيما فى المركز ، الا انه كان عنيفا ومتطرفا فى الهامش . كذلك ، وبالرغم من الفهم العام لتسامح الصوفية وابتعادها عن العنف ، الا انها انتجت المهدية التى قادت الى فترة استثنائية من الفوضى وسفك الدماء فى السودان ومن ضمنه دارفور . لقد كان العنف عنصرا فى تشكيل الهوية فى ماضى دارفور ، كما هو الان فى حاضرها . وكانت الارتباطات الخارجية الاقتصادية والايدولوجية عنصرا اخرا فى تشكيل تلك الهوية ، عرفته حتى فى ايام السلطنة ، وقد لعبت دورا مشهودا فى تشكيل سلطة الدولة وغذت طبيعتها المركزية الفاتكة. اما اليوم ، فتختلف طبيعة ومصادر التاثيرات الخارجية . فالحرب العالمية " ضد الارهاب " ، وما يرتبط بها ، تؤثر فى المشهد الايديولوجى والسياسى الذى تتموضع فيه مشكلة دارفور ، ويمتد اثرها ليشمل حتى اللغة المستخدمة فى وصف اطراف الصراع ، واثار الصراع عليهم وعلى سيئ الحظ من ابرياء الناس ، من تصادف وجودهم فى خطوط النار . ويمتد اثرها مجددا لابعد من ذلك ليشمل ناشطئ حقوق الانسان والديبلوماسيين ومتخصصى مكافحة الارهاب ، فكلهم جزء من هذه العملية الصادمة والمزلزلة التى اعادت تشكيل الهوية الدارفورية – ولازال- مرة اخرى .
نامل فى خلق عملية مضادة ، تسمح للدارفوريين بخلق براح فسيح ، يتأملون فيه هويتهم الفريدة ، يتعرفون على ما يتشاركونه ، حتى يصبح بامكانهم استئناف عملية لاتنجز فيها الهوية بالعنف .

Post: #8
Title: Re: من هم الدارفوريين ؟
Author: عمر ادريس محمد
Date: 12-14-2005, 06:00 PM
Parent: #1

Up

Post: #9
Title: Re: من هم الدارفوريين ؟
Author: isam ali
Date: 12-15-2005, 05:03 PM
Parent: #8

التحية للاستاذ تروتسكى
كما لاحظت فان دى وال يرى ان فور كانت تدل على بنية اثنولوجية سياسية على مدى طويل من الزمن ابتداء فى العصور الوسطى الى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات العشرين
تتأسست الديار على وجود دولة مركزية قوية . وقد وجدت الاثنيات الاخرى ومنها الزغاوة داخل هذه الدولة فى علاقة قامت على استيعابها داخل بنية الدولة القوية .
دى وال نبه ايضا الى ان ديار عنت اشياء مختلفة من وحدة ادارية الى سلطنة
كذلك نبه الى دينامكية الهوية وتدفقها وتغيرها باسباب سياسية و بيئية واقتصادية
سؤالك فى خلفية قراءة دى وال هو سؤال متعلق بالتاريخ الاجتماعى بدارفور وهو تاريخ طويل حقا لم ينال الدرس الذى يستحقه
سيكون جميلا لو نشترك بعض معارفك هنا
وشكرا

Post: #10
Title: Re: من هم الدارفوريين ؟
Author: bakri abdalla
Date: 12-15-2005, 05:48 PM
Parent: #9

إلأخ عصام
التحايا النواضر.
لاشك ان عملك هذا من اروع ضروب النضال الذى رايتة فى هذا المكان فى إلآونة الأخيرة والذى كثر فيه النعيق والزعيق ثم اختلط الحابل بالنابل وظهور اصحاب البطولات المصطنعة.واصل فكلنا اذان صاغية وهذا بمثابة الTherapyلما اصاب اذاننا من اصوات نشاذ.

Post: #11
Title: Re: من هم الدارفوريين ؟
Author: أنور أدم
Date: 12-16-2005, 01:47 AM
Parent: #10

الاخ عصام علي

البوست فعلا يستحق الارشفة، لك التقدير،
بالمناسبة مفهوم الدارفورية ظلت الحلقة المفتقدة في الازمة الدارفورية الراهنة ، و لقد ان الاوان لحفرها بطريقة تمكن الجميع من تجاوز المربع الاول.
لك تقديري ثانية
انور

Post: #12
Title: Re: من هم الدارفوريين ؟
Author: isam ali
Date: 12-17-2005, 01:40 PM
Parent: #11

الاعزاء
عمر ادريس
بكرى (بيكو) عبدالله
انور ادم
سعدت جدا على مروركم الطيب
وشكرا على الشكر
فقد كانت خيل اليكس دى وال - الخواجة الدارفورى- مجقلبة
وكنت حماد
لقد ان لدارفور ان تكون احد محاور الهوية فى السودان
وقد ان للمركزية النيلية ان تمدد كرعينا قدر لحافا
فالبلد مليانة مراكز .. راكزة

Post: #13
Title: Re: من هم الدارفوريين ؟
Author: عمر ادريس محمد
Date: 01-23-2006, 01:47 PM
Parent: #1

Up

Post: #14
Title: Re: من هم الدارفوريين ؟
Author: ابنوس
Date: 01-23-2006, 02:47 PM
Parent: #13

الصديق عصام علي ..

هذا السؤال من هم الدارفوريين ، لم يكن مطروحاً طوال السنوات الطويلة الماضية حتى جائت الازمة لتشق دارفور لعرب وزرقة ، المؤسف إن الكثير من أبناء الإقليم انفسهم ركنوا لمثل هذا التصنيف بل إشتطوا فيه ، نتيجة للعنف الذي مارستة الدولة ، وما تبعه من إنهيار للنسيج الدارفوري الذي كاد أن يتم إنصهاره التام في هوية واحدة متمازجة رغم تعدد ألسنها وسحناتها ، ذلك التنوع الفريد الذي يشكل مجتمع دارفور ، هو قلعتنا التي كان علينا الدفاع عنها حتى آخر رمق ، لأنها هي ترسانتنا الاساسية التي تصد هجمات المركز ..
دارفور بعيون الغريب :
لقد قرأنا دارفور في رؤية ألكس ، وقرأناها في إعلام الغرب الذي يوجد تصنيفات ذات ثنائية لا تقبل الإضافة ، فكما ترى توصيف الغرب لمشكلة الجنوب ، بإنها مشكلة بين شمال مسلم وجنوب مسيحي مع إن القضية الاساسية لم تكن كذلك ، لكن فرض الحل على هذا الاساس !
ثم جائت دارفور لتكون المشكلة عرب وزرقة ، ويأتي الحل على هذا الاساس المغلوط ، مما يجعل تبعات الأزمة مستمرة إلى ما لا نهاية ... لأن الحلول المغلوطة لن تقود إلا إلى نتائج سيئة .. هذه الحلول لاقت هوى في نفس الدولة الراهنة التي يقودها الكيزان لا لحاف لهم لفرشه في مساحه هذه المليون ميل مربع .
مسألة من هم الدارفوريين تقود لسؤال أكبر من هم الافارقة .. ومن هم العرب .. لقد طالعتنا بيانات ولغة غريبة عن ما يسمى بالقبائل الافريقية ، في قصور رهيب ينفي عن بعض القبائل الاخرى حتى أفريقيتها ، فعرب دارفور وزرقة دارفور هم افارقة .. وأفريقيتهم ليست لون ولكن وجود تاريخي في القارة السمراء ، وهذا الوجود هو مكسب للقارة وليس ضرراً لها .. المسألة إن بعض العقول البسيطة والمتقبلنة ، تساعد في تدمير هذا الوجود وتدعم المجموعات العروبية الإسلامية التي تحيل وجودنا إلى خارج القارة ، بل تحتفي بإنتماء الأنساب لجذورها العربية في صحراء الربع الخالي ، وتتأفف من الإنتماء لأفريقيا .
المسألة تحتاج حسب فهمي لإجابة من أبناء دارفور أولاً من نحن في إطار الدولة السودانية التي عادت لمنصة التأسيس كما قال الراحل الدكتور جون قرنق .
وفي هذا الإطار علينا البحث في القواسم المشتركة لا التفريق .. لأن هنالك ما يربط أهل دارفور .. سواء كانت الجغرافيا أو التاريخ وما أنتجته هذه العوامل من علاقات إجتماعية وأنساب ...
وبذلك يمكن إيجاد مدخل سليم للتصدي للخط الرامية لتقسيم دارفور إلى عرب وزرقة ، وحسابات ذلك بلغة سياسية بسيطة ، ما المكسب من دفع هذا الإنقسام لنهاياته ، وماهي النتائج التي تترتب على الإصطراع القبلي وتناحر الهويات .. ولماذا تكون دارفور مسرحاً لذلك الصراع السوداني التاريخي ؟؟
أسألة وأسالة والإجابة في عقولنا كلنا التي علينا تحريكها قليلاً من ثباتها

عصام : أنت لا تشكر على هذا المجهود رغم إنه مجهود جبار في تنويرنا برؤية الآخر لنا ، لأنك هنا تقوم بهذا المجهود بالاصالة وكمعني بالقضية مثلنا .. فأزمة دارفور لا تنفصل عن الازمة السودانية الشاملة والتي لك فيها مجهودات مقدرة .

Post: #15
Title: Re: من هم الدارفوريين ؟
Author: isam ali
Date: 01-25-2006, 02:06 AM
Parent: #14

الحبوب يوسف الماهر فى تعدد
حبابك عشرة
اعتقد معك بان الانشقاق الدارفورى لعرب وزرقة فى تحديداته الحالية فى خطاب الايديولوجيا ، سببه هذه المأساة الفظيعة ، والقسوة المتوحشة .
واعتتقد ان وصفك للازمة فى الفقرة الاولى لمداخلتك صائب ودقيق فى التنك .
اشك تماما فى حظوة مصطلح " الافارقة " ومشتقاته ، على اى قدرة فى عكس الواقع الدارفورى بشكل صائب او مدقق فى مسيرته التاريخية، فهو جزء مكون لخطاب ايديولوجى باحث عن فوائد سياسية تتحقق فى تحالفات ما جابت غير الكوارث.
اللتصنيف لعرب وزرقة كان موجود قبل الحرب ، ولكنه لم يكن المحدد الوحيد والنهائى للهويات فى دارفور ، فدارفور فى ذات نفسها الحلوة
كانت - وتكون - واحدة من محددات الهوية ( كانت دولة الى ان ضمت الى السودان قبل قليل من استقلال الاخير ) الى جانب محددات اخرى ، كالاسلام مثلا .والكس دى وال يرى ان الهوية الدارفورية معقدة بشكل مذهل fabulously comlex
ويشترط لفهمها التخلص من كل الافتراضات المو######## من الدراسات السابقة لافريقيا ، فلدارفور بنية هوية فريدة
غير متكررة فى اى مكان اخر حتى فى باقى بقاع السودان وتجارب ممالكه و سلطناته المختلفة
و الخواجة الدارفورى يرى فى عرب دارفور زرقة ويصفهم بانهم سود وسكان اصليين ومسلمين وافارقة - زيهم وزى جيرانهم - و يؤكد ان ثنائية عرب وافارقة تعانى الزيف تاريخيا وانثربولجيا ، تماما
كما تفضلت انت فى مداخلتك .
ارى معك انو المنهج الانجح هو الذى يرى الامر فى اطار الازمة الوطنية العامة .. ويبدو وبدون كلام كتير انو تجربة سنه بعد اتفاق نيفاشا تجعل ذلك مفهوما تماما .
وشكرا
على ثناءك ، فهو لايقوم الا على كرمك