رحمى سليمان .....نيل الخرطوم وحاديها

رحمى سليمان .....نيل الخرطوم وحاديها


02-04-2003, 10:36 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=5&msg=1044351364&rn=0


Post: #1
Title: رحمى سليمان .....نيل الخرطوم وحاديها
Author: الكيك
Date: 02-04-2003, 10:36 AM

الاستــــراحه

رحمي.. نيل الخرطوم وحاديها وريحانة مجالسها


يوسف الشنبلي

عاش فقيراً معدماً ولكنه كان عفيفاً لا يسأل الناس الحافا بالرغم من انه امتلك ناصيةالقلم منذ زمان وكان يمكن ان يستأجر مداده لحياة رطبة، واستعاض عن ذلك بنزعة ارستقراطية لا تتعدى الكلمات الفخمة الباشوية ولكنه لم يكن ابداً من اصحاب الياقات البيضاء بالرغم من ارتياده صالونات العاصمة وفنادقها ومنتدياتها ومنازل الزعماء السياسيين وحفلات الدبلوماسيين، حيث لم يكن سهلا اغفال «رحمي» او تخطي اسمه في المناسبات، وذلك للاستئناس بافكاره واستقراء آرائه في الاحداث السياسية وغيرها من وتائر الحياة.

حيث كان يعكس ذلك بتجرد تام لانه لا ينتمي لاي تيار سياسي، وكان يسبح دائماً في الوسط ومن هنا يجد نفسه قريباً من «الازهرست» وبحسبانه ايضاً أحد أبناء الخرطوم كان مشدودا الى يحيى الفضلي مرشح الدائرة، واذا كان جثمان الفضلي خرج من «بيت الاوقاف» فان جثمان «رحمي» غادر منزلا بالايجار نصفه من الطين انهار عندما ضربت الامطار المدمرة العاصمة عام 1988، وعندما جاء صديقه المرحوم صالح عرابي مهرولا من منزله المهدد بالغرق في تلك الليلة انفجرا رغم درامية الموقف في ضحكة مجلجلة بشوشة وهما يرددان «كالمستجير من الرمضاء بالنار» ورغم الصواعق الحارقة والرعد اصرا على تناول فنجالين من القهوة في ربوة لم تصلها السيول خارج المنزل.

لا يمكن تخيل الخرطوم بدون «رحمي» الا اذا تخيلنا هذه المدينة بدون نيلها الخالد، فقد كان حاديها شعرا وعاشقها نثرا وسابر اغوارها تاريخا وابراز رموزها ثقافة وبناة ناديها العتيد وريحانة مجالسها واحد رواد صحافتها.

تعاونا في عملين صحفيين بعد الانتفاضة مجلة «الدستور» وصحيفة «التلغراف» عندما دخل الى مكتبي في ظهيرة احد الايام كان معي اربعة شبان انجليز يرتدون «افرولات» جاءوا مع مستر لاد مدير مكتب الدستور في لندن لتركيب مطبعة الخرطوم، قلت للشبان هذا استاذنا رحمي سليمان الذي قام باجراء حوار صحفي مثير مع «ريتا هيوارث» عندما قضت ليلة في الفندق الكبير بالخرطوم وهي في طريقها الى «لندن» بعد ان صورت احد افلامها في غابات افريقيا، و ان العديد من صحف العالم اعادت نشر الحوار الفلتة، لانه لم يكن من السهل ان يصل اي صحافي الى هذه الممثلة البارعة التي تحيط السرية بكل تنقلاتها ويضرب حراسها عليها سياجا قويا، لم يبد الشبان اية دهشة كما توقعت، ويتساءلوا بينهم من هي «ريتا هيوارث» هذه، قلت لهم هذه الممثلة التي تعرض لها حاليا ثلاثة افلام في مصر من واقع صحيفة «اخبار اليوم» التي امامي واثنان في الخرطوم تعد واحدة من «ماسات» التاج البريطاني، هنا اطلق «رحمي» ضحكته الباشوية قائلا «ديل ناس كرتون ساكت انتو فاكرين اي زول عيونو خضر فهمان، بتاع الورنيش عندنا مثقف اكثر منهم».

عندما تولى الاستاذ عبد الباسط سبدرات حقيبة الاعلام والثقافة استفسرني عن احوال «رحمي» فلم اخف شيئا ولم تمض ايام تلفنني مكتبه يسأل عن رحمي وان احضر معه ودار بينهما حوار «بعيدا عن السياسة» وتعرف الى «مهنة المتاعب» وتأثر عندما قال له الوزير «نحن تعلمنا الكثير من «اخبار رحمي» لقد صقلت صحيفة «الاخبار» جيلنا سياسياً وثقافياً وفنياً وكروياً، ما حدث بعد ذلك ليس قابلا للنشر ولكنه لم يكلف خزينة الدولة مليما واحدا وخرج رحمي ليدفع ايجار المنزل المتراكم لعدة شهور واشهد الله بان سبدرات لم يطلب من رحمي شيئا وكذلك لم يطلب هو شيئا «سياًسيا او مادياً» فقط الوفاء للرمز وليس الشخص ومن اناس خارج تركيبة الحكم، واشهد ان «رحمي» استعصم بقوة رغم غلبة الدين.

لقد كان ضيق ذات اليد سبباً في حجب عدد كبير من الكتب والمذكرات التي خطها قلم «رحمي» وهي تحتاج لارشفة قبل ان تلتهمها «الارضة» التي وصلت الى سريره الخشن العتيق، وهذه مهمة المجلس القومي للصحافة ووزارة الثقافة ودار الوثائق وصحيفة «الرأي العام» حيث إن ابنيه «محمد» و«ابوبكر» مازالا زغب الحواصل يدرجان في المرحلة الثانوية الهمهما الله ووالدتهما وذويه الصبر والسلوان وامطر على قبره شآبيب رحمته، وهكذا الموت نقاد بين يديه جواهر يختار منها الجياد.



للأستفسار أو طلب معلومات يرجى مراسلتنا على العنوان التالى
[email protected]
©جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع صحيفة الراي العام 2002
Copyright © 2001 AL RAYAAM NEWSPAPER. All rights reserved