سجين خارج القفص

سجين خارج القفص


01-05-2003, 04:02 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=5&msg=1041778933&rn=22


Post: #1
Title: سجين خارج القفص
Author: رانيا مامون
Date: 01-05-2003, 04:02 PM
Parent: #0



ذهبتُ إليه لأطفىء شوق ستة أشهر لم نلتقِ خلالها .. لم أخطط للزيارة بل دفعنى الشوق وحرّكنى الحنين.
دخلت عليه، وجدته منطفئاً .. حزيناً .. عيناهُ صامتتان، لم تقولا لى شيئاً .. لم تقولا لى أنهما إشتاقتانى .. لم تداعبانى .. لم تحتضنانى كعادتهما .. نما شعر رأسه وأطلق للحيتهُ العنان .. لم يكن أنيقاً كعهدى به .. هالنى ما رأيت وأفزعنى، دأهمته بالسؤال
- ما بكَ ..؟
- لا شىء .. لا تقلقى .
- وكيف لى أن لا أفعل ..؟
- ...................
- أتعرف كيف تبدو لى الآن ..؟
- كيف أبدو ؟
- كأنك عائدٌ للتو من قبرك ..؟
إبتسم وصمت .. هرب منى بإبعاد عينيه وحوّل إهتمامه لمن كان معه ..
داعبنى الفضول وفتك بى القلق، مابه ؟ ما باله الفتى ؟ ماذا أصابه ؟ أهو مريض ؟ أضايقته رؤيتى ؟ أهو غاضبٌ أو عاتبُ علىّ ؟ لم أهتدِ إلى إجابة ولم أركن إلى ترجيح إحتمال دون سواه . تمنيتُ اللحظة التى يخرجُ فيها زائره وبدأت حركاتى تتسم بالعصبية.. بدأت أُكثر من الحركة والقيام وعند جلوسى لا تهدأ قدمى من النقر على الأرضِ بمقدمة الحذاء ..
تَنقلتْ عيناى فى زوايا المكتب الواسع، أربع أجهزة كمبيوتر وملحقاتهم موضوعة بنظام على مناضد بيضاء .. ستائر زرقاء منسدلة على الحوائط، لوحة قرآنية جميلة هى آية الكرسى مخطوطة بالذهبى على أرضية سوداء فى مواجهة الباب، مشمع أرضى مرسومٌ عليه دوائر متداخلة من الأزرق الداكن والرُمادى، ساعة حائطية أنيقة ، لقد أصبح المكتب أجمل بكثير منذُ أن رأيته آخر مرة قبل إكتمال تأسيسه ..
إلتفت إليه ومازال يتحدث إلى زائره، لقد كان مميزاً علمياً طوال سنوات دراستنا واسمه يترأس لوائح النتائج فى كل الفصول الدارسية .. تنبأ له الكل بالنحاج عملياً وتمنوا له التوفيق .
أتذكر حماسه وهو يحكى لى عن خططه للمكتب وكيف سيجعله أكبر مكتب برمجة وتصميم فى المدينة وأنه سيستقدمنى معه عندما يزدحم المكتب بالعمل والعملاء ..
- أنا متأكد أن الشركات ستتزاحم هنا لعمل برامج لها، حينها ستتركين كل عمل لديك وتأتين هنا، ولن أقبل أى عذر؛ بل لن أمكنك من الإعتذار، سأحضرك بالقوة .
ضحكت حينها وشاركته الحلم بل ذهبنا معه بعيداً ورأينا الدنيا أكثر جمالاً .
لم يكن المكتب ملكاً له إنما إفتتحه ويديره وانتظر أن يفتح له آفاقاً أكثر إتساعاً وأكثر إخضراراً ..
يشركنى فى كل ما يخصه وأدق دقائقه .. لسنا بالأحبة ولسنا أصدقاء فقط؛ كنا أعمق ورابطنا أكبر وأقوى .. قد تمرُ شهوراً دون أن نلتقى، خلالها يحملُ كل منا الآخر ويصطحبه معه فى كل خطوة يخطوها وكل لحظة يعيشها وعندما نلتقى نُفرغ شوق الأيام كلها ونمتلىء من بعضنا حد الشبع ..
أتعبنى بروده هذا إلتفت إليه وقلتُ غير عابئة بزائره المودِّع
- هييييي أنت؛ ألم تشتاق إلىّ ..؟
- يكاد أن يقتلنى .
قلت بغيظ :
- واضح؛ وواضح أيضاً أنك لم تشعر بمؤامرته هذه إلا بعد خروج ضيفك
- أعذرينى فأنا لست أنا اليوم ..
- لقد شعرت بهذا وسالتك ولم تجبنى .. قل لى ما بك ..؟
- ..........
أخفض رأسه ولم يجبنى
- لم أعتاد صمتك هذا .. ألا ترغب فى إخبارى ؟
- أحتاجُ إليكِ .. لقد إتصلت بكِ هذا الصباح ولكن هاتفك كان معطلاً .. بصدق أحتاجك وأحتاج الحديث معك .
صمت برهة وواصل
- لقد تعبتُ .. تعبت من كل شىء من حظى العاثر .. من بلدى .. من عملى .. من بيتى.. من حياتى .. من نفسى . تعبت وأريد أن أهرب .. أهربُ بعيداً ولا أجد السبيل .. أنا سجين .. مقيد، أريد الإنفلات .. التحرر .. الإنطلاق ، لم أطرق باباً وفُتح لى على الإطلاق، كل الأبواب موصدة وكل الطرق مقفلة وكل الممرات واضعة على مداخلها إشارة حمراء خُط فيها : ممنوع العبور ، وهناك من يعبرون تصورى ..؟ هناك من يعبرون ودون عناء فالعبور لم يُمنع إلا عنى وعن أمثالى .. حتى هنا؛ فى هذا المكان الأنيق لم أستطع تحقيق حلمى .. لم تتزاحم الشركات كما حلمت ولم يمتلىء المكتب بالعملاء لتساعدينى كما حلمنا معاً .. أحسُ أحيانا أننى أريد تحطيم أى شىء وأحياناً بالظلم وأحياناً بالفشل .
- لا .. أنت لستُ فاشلاً . لقد أنفقت جهداً هنا لا يستطيعه غيرك .. أنت تفعل ما هو متاحُ لك أن تفعله
علا صوته وإحتد
- وما هو المتاح .. ليس هناك ما هو متاحٌ على الإطلاق .. العمل فى مؤسسة لها قدرها دون شهادات خبرة؛ غير متاح .. السفر خارج البلاد لى؛ غير متاح .. العمل فى القطاع الخاص كما أفعل الآن هو كما ترى شحيح بل يكاد يكون غير متاحاً .. مواصلة دراساتى العليا؛ لا أملك نفقتها .. نفق العمر ولم أنجز شيئاً .. أمى واخوتى لا أستطيع تحقيق أمانيهم ولا بد ان أملهم قد خاب فىّ .. أنتِ .. أنا ماذا فعلت لكِ ولى .. حتى الموت لا أستطيع أن أموت .. ليتنى مُت .. ليتنى
أكمل جملته الأخيرة وبكى .. بكل الألم بكى ، كانت المرة الأولى التى أرى فيها .. رجلاً يبكى دموعاً لاهبة .. يبكى دماً .. يبكى قهراً .. يبكى عمراً نفق
آمنتُ طوال حياتى أن دموع الرجل عزيزة عليه، ضنينٌ بها ، لا يهدرها إلا عندما لا يملك سواها .. لقد تجذّر ألمه ونما حتى خرج تعبيراً صادقاً مالحاً .. نظرت إليه طويلاً لم أدرِ لحظتها ما علىّ فعله .. سالت نفسى : ماذا تفعل الأنثى عندما يبكى الرجل ..؟ لم أتوقع يوماً أن أرى دموعه .. لم أتوقع أن ألمس ضعفه هكذا، كثيرة هى أوقات حزنه وكثيراً ما يقاسمنى وجعه ولكنها المرة الأولى التى يمزقنى فيها ضعفه .. شعرت بدفق من الحنان .. شعرت بالأُمومة تجاهه، لم أطلب منه أن يكف عن البكاء .. لم اقل له يجب أن تتماسك وأنك أكبر من هذا .. لم أنصحه بأى نصيحة .. لم أستطع أن أقول له أية كلمة من هذه الكلمات التى نقولها ظانين أننا نواسى بها الغير ونمسح بها أحزانهم .. لم أستطع قول كلمة وحدة أمام دموعه .. عجزت عن النطق .. لم يساعدن لسانى على إحراج أية كلمة .. لم أستطع وأنا أرى دموعه وأتذوق ملوحتها سوى ان أضمه إلى صدرى وأبكى معه فى صمت ودون كلمات

Post: #2
Title: Re: سجين خارج القفص
Author: sharnobi
Date: 01-05-2003, 04:15 PM
Parent: #1

رانيا
عشت كلماتك وانتابنى شعور وكانى معك اسافر مع كلماتك الوصف
انت مبدعة وحقيقة انتزعتى اعجابا فائقا مرحبا فى هذه الساحة ولنلتقيك فى عزف منفرد آخر لكى نرتاح على صدق وعمق الكلام الجميل

Post: #3
Title: Re: سجين خارج القفص
Author: adel alsaed
Date: 01-05-2003, 04:23 PM
Parent: #1

الى رانيا مامون
تحياتى ....تحياتى
كم هو رائع هذا النص الذى يفيض صدقا وحميمية بكل ما فية من بساطة وتداعى حر.
وانا على يقين اننى ساقرا لك فى قادمات الايام نصوصا اروع.
عادل السعيد

Post: #4
Title: Re: سجين خارج القفص
Author: azza
Date: 01-05-2003, 04:31 PM
Parent: #1


اجمل رد و تعبير كان هو صمتك
انك امراة حقيقية

Post: #5
Title: Re: سجين خارج القفص
Author: نادر
Date: 01-05-2003, 05:09 PM
Parent: #1

وتحملين اسمها وصدقها وصمتها

إن كان من صنعك فهبي بالمزيد

هنيئاً لنا بك
ودمت
نادر

Post: #6
Title: Re: سجين خارج القفص
Author: SUKARA
Date: 01-05-2003, 08:00 PM
Parent: #1

الاخت رانيا لا املك الا ان اقول لك 00انك بالفعل رائـــــــعة00
اعجبني كثيرا نصك هذا وتفاعلت معه بصدق00
وفقك الله 00
سكرة00

Post: #7
Title: Re: سجين خارج القفص
Author: أبكر آدم إسماعيل
Date: 01-05-2003, 09:49 PM
Parent: #1

شكرا رانيا مأمون
لك الضياء
للراوية/العصفورة البساتين والشجر
وللسجين الفضاء

Post: #8
Title: Re: سجين خارج القفص
Author: أبنوسة
Date: 01-06-2003, 09:59 AM
Parent: #7

المبدعة رانيا

الصدفة وحدها هي التي وضعتنا في مقابلة بعضنا، حيث قمت بإنزال قصة لكي وجدتها في موقع يضم عدد من القصص لكاتبات من مختلف دول الوطن العربي، ففرحت بوجود من تمثلني بينهن، وأثار ذلك فضولي ان أقرأك هذا بالإضافة إلى أنني قد دلفت إلى الصحافة من باب القصة القصيرة فكان هذا سببا آخر لأن أقرأكي بعيون مفتوحة ففرحت ثانيا، وفرحتي الثالثة بقوة وتماسك النص

وهأنذا أفرح للمرة الرابعة بمصادفة أجمل وهي وجودك بيننا زميلة بورد


شعاع من الداخل........للقاصة رانيا مأمون

Post: #9
Title: Re: سجين خارج القفص
Author: مهاجر
Date: 01-06-2003, 10:46 AM
Parent: #8

المبدعة رانية
ربما دلف الجميع الي نص الادبي لكني عشت هذه المعاناة مع كل زملاء دراستي بالسودان ربنا يقويهم علي الطوفان
وانا دخلت هذه الدوامة لمدة ستة اشهر لو جلست بعدها لانفجرت من الغيظ

وربنا ينعم علي شعبنا وشبابنا بالحرية

Post: #10
Title: Re: سجين خارج القفص
Author: رانيا مامون
Date: 01-06-2003, 10:47 AM
Parent: #1

الأخ شرنوبى
أشكرك على منح القصة وقتاً لقرأتها
:و على مداخلتك الشفيفة وعلى هذا الحكم الذى أطلقته علىّ وأقول لك أننى أحاول فعلاً أن أبدع وأتمنى أن أنحج، أدعو لى يا أخى

سنلتقى على ضفاف نصوص أخرى أنشاء الله وأتمنى أن أكون عند حسن الظن

سلمت

Post: #11
Title: Re: سجين خارج القفص
Author: رانيا مامون
Date: 01-06-2003, 02:00 PM
Parent: #1

أمنياتى للكل بالسعادة مع هذا العام الجديد


الأخ عادل السعيد
وتحياتى لك أيضاً
كان مرورك بهذا النص وكانت كلمات التى إنسابت على خده كما الماء الرقراق وكان سرورى بمرورك أعدك أنك ستقرأ لى فى قادمات الأيام ولكنى لست أكيدة من أنه روعته فهذا لا يمكننى تحديده وإن كنت أتمنى أن يحوز إعجابك والآخرين وأن يقولنى بكل الصدق

الأخت عزة
أمام الصمت تتضائل كل الكلمات مهما تسامقت ومهما كانت رنانة ..
أسعدتنى إحساسك بالقصة فإنت أنثى وأستعير تعبيرك (حقيقية)واضيف عليه وتتملئين إحساساً مما قرأت لكِ هنا
سلمتِ أختى
كل التحايا لكِ

أخى نادر
دمت لها ودامت لك صادقة محبة وربنا يخليكم لبعض
هو لى ولن ابخل عليك بالمزيد

Post: #12
Title: Re: سجين خارج القفص
Author: solara
Date: 01-06-2003, 06:19 PM
Parent: #1

رانيــــــــــــــا
اعجبني كلامك و تعبيرك وصدقك..
منتظرين القادم...واتمنى لك التوفيق

تحياتي
Solara...

Post: #13
Title: Re: سجين خارج القفص
Author: layon
Date: 01-06-2003, 06:38 PM
Parent: #1

نص مشحون بمشاعر هائجه ....ما ان فرغت من قرائته حتي تسرب التيار الى جسمي كله ...
مع كل هذا وجدت ان ابلغ تعبير هو الصمت كذلك ..

تحياتي لك والى قلمك الحي



ليون

Post: #14
Title: Re: سجين خارج القفص
Author: Ishraga Mustafa
Date: 01-06-2003, 11:11 PM
Parent: #13

الفضاء مازال ممتدا للابحار، تعالى ننتفض ونعلنها داوية ضد حبسنا الاضطرارى داخل ذواتنا المشروخه والكتابة يا صديقتى هى الفضاء الوحيد الذى نستمتع بانطلاقنا فيه

شكرا لهذه الروعة


ام واصل ومرافىء

Post: #15
Title: Re: سجين خارج القفص
Author: degna
Date: 01-07-2003, 06:02 AM
Parent: #14

تحياتي اختي رانيا

قصة رائعة جدا ويلا لقدام ابداع في ابداع ,

دقنه البجاوي

Post: #16
Title: Re: سجين خارج القفص
Author: degna
Date: 01-07-2003, 06:04 AM
Parent: #14

تحياتي اختي رانيا

قصة رائعة جدا ويلا لقدام ابداع في ابداع ,

دقنه البجاوي

Post: #17
Title: Re: سجين خارج القفص
Author: رانيا مامون
Date: 01-07-2003, 02:14 PM
Parent: #1

الأحت سكرة
أسعدنى تفاعلك مع النص .. وهى الغاية
لك خالص التحايا
ووفقك الله أنت أيضاً

الأخ ابكر
لك التحية وأخبرك بأنى قد قطفت بعض ثمار بساتينك، وأطمئنك أن للسجين الفضاء على إتساعه ومعه الله الذى لا ينام

الأخت أبنوسة
وأنا أشكر أيضاً هذه الصدفة وأطلب منك التوجه إلى البوست الذى وضعت فيه رابط القصة فقد تحدثت إليك فيه وافيدنى برأيك فى ما قلت

الأخ مهاجر
لقد كان الحظ فى جانبك؛ أهنئك وأدعو معى أن يوفقهم الله وأن يفتح لهم نوافده الرحبة وأن يحقق أمانيهمٍ

Post: #18
Title: Re: سجين خارج القفص
Author: أحمد أمين
Date: 01-07-2003, 04:12 PM
Parent: #1

شكرا
يا رانيا علي النص الرائع المستقبل لك، وعصرنا القادم يبشر بجيل جميل من النساء السودانيات الكاتبات

Post: #19
Title: Re: سجين خارج القفص
Author: Mandela
Date: 01-08-2003, 08:26 PM
Parent: #18

لمستني كل معاني القصه سجين خارج القضبان......من قال ان قضبان الزنانزين تمحى من قال أن الزنازين تمحى تلك الخطوط السوداء المتوازيه على خلفية من نور ازرق تبقى للابد



انقطعنا عن المراسله شهور ........اريتك طيبه زي ما فتك.

و عدتيني قبل كده انك ترسلي لي اماكن نشر القصص الجديده

لكن يبدو ان الانسان لا بد يتعب عشان يحوز برؤيه الاشياء الجميله

كل عام و انتي اطيب

...كل التحايا

Post: #20
Title: Re: سجين خارج القفص
Author: هدهد
Date: 02-23-2003, 08:48 PM
Parent: #19

التحيات النواضر

اين انت الان ايتها المبدعة لك المدى

Post: #21
Title: Re: سجين خارج القفص
Author: zumrawi
Date: 02-24-2003, 03:56 AM
Parent: #1

سؤال يارانيا
هل عاصف مامون شقيقك اذكر ان له اخت مبدعة

Post: #22
Title: Re: سجين خارج القفص
Author: الجندرية
Date: 02-26-2003, 07:24 PM
Parent: #21

رانيا
سانتظر قدومك
لا تتأخري