متى نسمع من حكامنا أن حرب الجنوب كانت غلطة؟ - الجزء الأول

جريدة الخرطوم – 16 يوليو 1997 – العدد 1548

خاطرة في مناسبة الحديث عن إطلاق أحد الأسرى
متى نسمع من حكامنا أن حرب الجنوب كانت غلطة؟
بقلم: شوقي بدري


أسعدني جداً خبر اطلاق سراح الملازم ابو عبيده الشيخ الجعلي، وبعض رفاقه. نرجو أن يطلق سراح البقية من الجانبين. الشئ المؤلم أننا لا نعرف أي شيء عن أشقائنا من الجنوب الذين وقعوا في الأسر في أيام الديمقراطية. ومن المؤكد بأننا لن نعرف أي شيء عن الذين وقعوا في براثن الجبهة الترابية. فهؤلاء كذلك لهم أمهات يحزن وإن كان البعض لا يفكر في ذلك.

لقد اعترف وزير الدفاع الأمريكي السابق ماكنمارا بأن حرب فيتنام في عهده كانت غلطة، وأبدى ندمه. متى نسمع من حكامنا في الديمقراطية، بأن حرب الجنوب كانت غلطة. وإذا لم تكن غلطة، فلماذا التحالف الآن؟!! هل هذه فترة مرحلية. من منطلق عدو عدوك صديقك. فلقد قال تشرشل رئيس وزراء بريطانيا بعد هزيمة هتلر "لقد هزمنا العدو الخطأ يجب أن نتجه إلى الشرق، الآن أو أبداً".

السبب في وجودي في السويد الآن هو مناصرتي للجنوبيين في الحرب في الستينات. ولقد قال علي صديق رئيس الأمن في بداية مايو عندما زار براغ مع نميري "الولد ده أشيله معان في طيارتي دي على كوبر".
كما قال الاستاذ محمد التوم التجاني لأخي كمال بدري وصديقه "أخوك ده ماله ومال الجنوبيين"؟!!
ماذا عن الدماء التي أهدرت بين الجانبين. ألا يستحق الجنوب كلمة صغيرة؟!! SORRY أو آسف. هل يعرف الشارع السوداني مدى الدمار الذي حققناه في الجنوب. ليس هنا مجال للخجل والمثل السوداني يقول "البخجل من بت عمه ما بيلد منها" والجزء الأخير من المثل محرف لكي يناسب النشر.
في الستينات كنت اذهب لأحد أصدقائي بانتظام في المساء ونذهب للسباحة في النيل والاستحمام كالكثيرين. ثم نرجع إلى منزلهم ونستلقي في الحوش وننادي ابنة شقيقته زهراء واسم الطفلة نادية ونعطيها شلناً لاحضار زجاجتين من البيبسي كولا وصندوقين من البسكويت لها وشقيقها الصغير، نادية كانت في السادسة من عمرها. شقية بعيون جد ذكية لا تحب أن تمشي تفضل الجري مما يجعل البيبسي يفور. ولكن لم يكن يجدي معها الكلام. وظرفها كان يشفع لها حتى مع زهراء التي تدعو لها بالويل طيلة المدة ثم تجلجل ضحكتها ويهتز جسمها الضخم وتشبع نادية لثماً وحضناً.

(نواصل)

(واصل الجزء الثاني)

قبل أن يحضر حسن والد نادية من سفره كجندي في القوات المسلحة أرادوا اصلاح الدار التي كان قد بناها والد زهراء الذي أتى من جبال النوبا كجندي وسافر مصر للعمل هناك وحارب في أماكن وأقطار لم يسمع بها. ودفن بعيداً عن جبال النوبة وامدرمان وطنه الثاني.
قمت بطلاء الديوان باللون الأخضر الفاتح. كما جعلت "الوظره" وهي الجزء العلى من الحائط كبيرة. كما صار "موضة" من "الاسبداج" الابيض الناصع "والاسفال" أو الجزء السفلي الاسود ضيقا وصبغت الشبابيك باللون الاخضر الداكن.
نادية كانت بجانبي طيلة المدة تساعدني "امشي يا نادية جيبي موية باردة. امشي يا نادية جيبي دلقانة. امشي يا نادية قولي لأمك تجيب الفطور!" انزلي يا نادية من السلم "ختي يا نادية الفرشة …الخ".
وحضر حسن، ورقصت نادية فرحاً وتدللت ولم تتوقف طلباتها حسن كان يحمل بعض الاشرطة نحيفاً بوجه هادي يتكلم قليلاً ويضحك بعنف لأقل نكتة. يعطيك احساساً بالاطمئنان والسعادة.
هم حسن كان أن يشيد منزلا لأسرته وعندما صدرت الاوامر بسفره إلى الجنوب كان يظن أن البدلات والعلاوات يمكن أن تتيح له فرصة ادخار بعض المال. كما بدأ في شراء بعض الاشياء التي يمكن أن يبيعها بربح في الجنوب. وصار يبحث عن اكياس النايلون الكبيرة الحجم لانها مرغوبة ف يالجنوب بسبب الامطار. والكيس الكبير كان يباع في امدرمان ب"خمسة قروش". وبسبب معارفي في السوق اشترى حسن الاكياس بكميات كبيرة وبأسعار جيدة. حسن كان يفكر في الاشياء التي يمكن ان يحضرها من الجنوب. وزهراء تجلجل ضحكاتها. ونادية لا تكف عن الشيطنة.
وذهبت انا إلى اوربا.
وعندما رجعت في الاجازة كانت ضحكات زهراء قد انقطعت وهي تلبس الفنجة حدادا على زوجها الذي قتل في الجنوب.
في يناير 1975 رجعت للسودان لفترة قصيرة وصديقي خال نادية قد نزح من امدرمان. والبلد قد تغيرت ورأيت في امدرمان وغيرها من أحياء الخرطوم، القصور التي اطلت برؤوسها حتى في الاماكن النائية في امدرمان والسيارات الفارهة والهوتيلات والملاهي الفاخرة. والنقود التي تمتلئ بها جيوب البعض.
وبينما انا في انتظار صديق امام فندق الاكسلسيور في شارع الجمهورية تقدمت مني فتاة جميلة وكأنها تمثال طويل من الأبنوس وحيتني بود صادق. وبالرغم من اللبانة والتوب الذي سقط ولم يغط رأسها "ازيك يا خالي شوقي" وعندما لم أعرفها قالت "أنا نادية … أنا نادية بت زخرا" وبينما أنا متسمر ورأسي يفور وأحاول ان استوعب الموقف. كان احدهم ينادي عليها ويصرخ من داخل العربة المرسيدس "ما تيلا يا بت" ..
وقبل أن تنطلق السيارة التفتت نادية وكأن نظراتها تقول "آسفة يا خالي شوقي" ..
المفروض أنني الملزم بأن اقول "آسف" انا وكل الناس في السودان.
هذه ليست قصة من قصص شوقي بدري عن امدرمان .. هذه قصة حقيقية حتى الأسماء. كم نادية يا ترى خلفتها حرب الجنوب على الجانبين ومن هو الرابح؟!.

شوقى بدرى

وانا آسفة ايضا

تحياتي للاستاذ حسن, والجميع

اعتزر وبكل صدق عن ماارتكبته حكومات السودان بااسمنا ضد اخوتنا في جنوب السودان ,واطالب حكومتنا الاعتزار الرسمي والعملي لهؤلاء الابرياء ,,,

دقنه البجاوي

لك التحية يا دقنة
تمام الحكومة دي وكمان القبالها مطالبين بالاعتذار لأنه هو الخطوة الأولى
بعدين بتجي المسائل التانية لقدام، زي ما يتفقوا عليها السودانيين
سواء رد المظالم أو المحاسبات أو المحاكم أو القصاص
زي ما يسموهاغايتو
لكن بدون الاعتذار الصادق ما في ضمان نفسي وروحي
لاستعادة الثقة في مسألة السودان الواحد
حسن

With due respect to all, I do not think a war that goes on for so long can be ... simply a mistake.

الأخ حسن

رغم السرد الجميل للكاتب شوقى وحكاية نادية المؤثرة
ورغم ان كل اسرة سودانية تقريبا فقدت عزيزا لديها فى حرب الجنوب وانا اقصد الشماليين فمعلوماتنا عن الجنوبيين شاحة جدا
ورغم ان الوطن جرحه نزف كثيرا وتخلف كثيرا عن رصفائه بسبب هذه الحرب العبثية

رغم كل ذلك ارى اننا سنكرر خطأ الكويتيين عندما نفوا مقولة عفا الله عما سلف وهى جاءت فى القرآن وان لم يكن الطرف الآخر يؤمن بالقرآن فاليؤمن بالحكمة

وجهة نظرى هى محاولة نسيان الماضى تماما والعمل من جديد فنحن ابناء اليوم واخطاء الامس ليست من صنعنا ولذا يجب ان لا نبحث كثيرا عمن يعتذر حتى لا نضيع الزمن سدى ونترك البناء والتعمير وان نرقى الى مستوى الامم التى سبقتنا ونحن نتحارب

عازة قومى كفاك نوم

مع تحياتى اخى حسن وكل الاحباب

تحياتي الأخ الكريم قرشو
الماضي ما ممكن الناس يتجاوزوه وينسوه بسهولة حتى لو أرادوا، لكن النفس الإنسانية عظيمة
وبتسمو على الجراح والمظالم وفي سوابق تاريخية كثيرة آخرها ما حدث في جنوب افريقيا
من تصالح تاريخي فيه معاني انسانية عظيمة لكن من يملك العفو؟ بالطبع هو المتظلم.
من المهم في الأول الناس تساعد بالاعتذار عن المسئولية في الاخطاء الجسيمة الحصلت
تمام ما حدث في السابق لسنا مسئولين عنه في الحاضر ولكن الحرب في الجنوب مدورة لحدي الآن
حتى أثناء مفاوضات السلام الشغالة دي والكلام موجه للمسئولين عنها والأرواح بتضيع
والوقت بيمر
حسن

Dear Ahlalawad
I agree, this war is not simply a mistake..
It is a crime.
Hassan

ناسف جميعنا

واليك راي في الحل الكامل

دستور علماني
استقلال للقضاء
نظام تعليمي مستنير يحترم الاديان
توزيع عادل للسلطة والثروة

احترامي الشديد لك

الاخ رقم صفر

صدقت قولاً

دستور علماني
استقلال للقضاء
نظام تعليمي مستنير يحترم الأديان
توزيع عادل للسلطة والثروة

شعارات عزيزة على النفوس وليست عزيزة على المنال ولو طال الانتظار

حسن

الأساتذة حسن والرقم الصعب في لبورد صفر
تحياتي لكم
قد لا نسمع من حكامنا بأن حرب الجنوب كانت غلطة لأنها توجب المسائلة تليها المحاسبة .. عفوا الحرب اليوم ليست حرب الجنوب والمشكلة ليست مشكلة الجنوب , لاشك أن النظرة تغيرت والظروف تبدلت ,خاصة بعد توقيع إتفاقية مشاكوس , اليوم نحن في مفترق طرق وزمن أستأسدت فيه البهم و النعام وماتت الأسد في الغربات كمدا وفي الداخل حسرة واليكم ما قاله محمد الحسن سالم حميد لأهل السلطة


بى كم قتيل تقدر تدوم عمراً طويل في السلطنة
بسم الله .. ولا الشيطنة
وارد حراق نص البلد في جنح ليل
بى فدّ قتيل
بس مستحيل التجبر الأبنوس قصب يصبح نخيل
والعكس
لا تتعب تجر خيط الفجر تالا الأصيل
خلى الوطن ياخد براحه
كما الخميل
من كل لون تابع جميل

الاخ حسن لم نسمع منك منذ فترة لعل المانع خير

العزيزالصادق
انا بخير ومشكور كتيرعلى السؤال
ودمت لنا
حسن