إسقاط النظام أم نهوض الإقتصاد !؟ فهد صالح صابر

إسقاط النظام أم نهوض الإقتصاد !؟ فهد صالح صابر


01-19-2019, 06:49 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=499&msg=1547920146&rn=1


Post: #1
Title: إسقاط النظام أم نهوض الإقتصاد !؟ فهد صالح صابر
Author: عاطف حقة
Date: 01-19-2019, 06:49 PM
Parent: #0

05:49 PM January, 19 2019

سودانيز اون لاين
عاطف حقة-Africa
مكتبتى
رابط مختصر


حتى ينهض الاقتصاد السودانى , هل هناك ضرورة لإسقاط النظام جذريا ؟ أم الإندماج هو الحل ؟ (إقرأ المقال ، ولك الخيار).
(رأي شخصي ، وبالطبع ليست مؤامرة خارجية !).
يتسائل البعض عن جدوى الإحتجاجات الشعبية السلمية التي يشهدها السودان هذه الأيام ، والمطالبة بإسقاط النظام ، وأثر ذلك على نهوض الإقتصاد في البلاد . في هذا المقال أقدم توضيح مبسط للإنسان العادي لفهم الأمور دون تعقيد أو مبالغة أو تمنيات.
حتى نستطيع إستيعاب الرؤية وخارطة الطريق للحل ، لابد من تحليل وفهم للأوضاع الحالية أولا . في بلد نامي ومنهك إقتصاديا كالسودان يعيش الفرد بشكل أساسي تحت نسخة ما يسمى "بالمؤسسات الاستخراجية أو الإقصائية "extractive institutions" ، حيث تم وضع القواعد الاقتصادية من قبل نخبة أو صفوة النظام الحاكم ، و بشكل أو بآخر في المصلحة الخالصة لتلك النخبة ، وتبقى الفرص الاقتصادية تحت سيطرة عدد صغير من الشركات أو المؤسسات ، والتي تدعم الزعماء السياسيين في مقابل حماية تلك الإحتكارات ، إحتكارات القلة ودون منافسة تذكر . في الجانب الآخر ، إستخدم القادة السياسيون الدعم المادي المقدم لهم من قبل النخب الاقتصادية للحفاظ على سيطرتهم على السلطة . كل شخص خارج النخبة يتم استغلاله ببساطة من قبل النظام الحاكم ، من خلال الضرائب ، الجمارك ، وغيرها من الرسوم الحكومية ، التي تشكل الرافد الرئيس لميزانية الدولة ، في شكل أقرب للعبودية ، وتذهب معظم تلك الايرادات لصالح النخبة وإستثماراتها ومشاريعها ، ويحوم الاقتصاد داخل تلك الدائرة الضيقة . وفي هذا الشكل من الأنظمة لا يكون لدى غير النخبة حقوق قابلة للتنفيذ ، ويتم إستبعادها من تأسيس شركات أو أعمال تتنافس مع تلك التي تملكها النخبة . والمؤسف أن طبيعة مثل هذه المجتمعات تجعل من الصعب عليهم تبني التقنيات الحديثة في الأعمال والإقتصاد . في تاريخ تطور بلدان أوروبا الغربية ، وخاصة بريطانيا وهولندا ، نجد أنها بدأت بتطوير مؤسسات جديدة وكسر القبضة الخانقة على الفرص الاقتصادية التي كانت تحتفظ بها النخبة ، وفي نهاية المطاف ، أصبحت هذه المؤسسات الجامعة أو الضامة "inclusive institutions" هي القاعدة وليس الاستثناء ، كما أصبحت حقوق الملكية والمساواة أمام القانون هي القاعدة كذلك . أثبتت هذه الترتيبات الجديدة أنها أكثر ملاءمة للنمو الاقتصادي ، مما ساهم في ظهور الثورة الصناعية . ولاحقا تم تأسيس المؤسسات الجامعة في المستعمرات في أمريكا الشمالية وأستراليا ونيوزيلندا ، وينطبق الشيء نفسه على اليابان .
في السودان يكاد الوضع يكون متطابقا للنوع الأول من المفهومين ، حيث يمارس النظام سياسة المؤسسات الإقصائية "extractive institutions" ، والنخبة هنا يمثلها بطبيعة الحال الإسلاميين أو ما يسمى بالكيزان ، ويظل الإقتصاد حبيسا لتلك السياسة الإقصائية ، وتفشل كل العمليات المبذولة من الحكومة لتحسين الوضع الإقتصادي ، لأن القواعد والأطر التي تحكم الإقتصاد لا تسمح بالأساس لأي خروج عن تلك السياسة المرسومة . لتبسيط الأمر ، وفهم الضرر البالغ التي سببته سياسة مؤسسات الإقصاء "extractive institutions" ، أضرب هنا مثالين ، الأول في السودان والآخر في دولة تشهد تطورا إقتصاديا ملفتا وهي دولة الإمارات . في السودان بذل والي ولاية البحر الأحمر سابقا ووالي الجزيرة حاليا جهود كبيرة في التطوير والتنمية ، ولكنه بالرغم من التحسن والتطور الذي حدث في البنية التحتية والطرق ، وإلى حد ما السياحة ، إلا أنه في نفس الوقت كان هناك إنهيار نوعي في إقتصاد تلك الولايات ، أو دعنا نقول أنه لم يكن هناك تطورا موازيا في السوق والأعمال . السبب في ذلك هو الإصرار على إتباع سياسة المؤسسات الإقصائية "extractive institutions" ، فكان نصيب عقود الإعمار والتنمية من النخبة القليلة جدا المحيطة بالحكومة ، دون فتح الباب للشركات أو أصحاب الأعمال والمقاولين خارج نطاق النخبة ، وذهب الأمر أبعد من عقود الإعمار والتنمية إلى مشاريع أخرى ، مثل السلع الإستهلاكية ، فظهر في السوق مايعرف ويصنف بفراخ الوالي . أدت تلك الممارسات لإتساع الفجوة ، حيث ظهر الثراء الشديد في النخبة ، والكساد الشديد لغير النخبة . ولأن تأسيس شركات النخبة لا يخضع بالضرورة إلى أسس الجودة من جانب وإلى قوانين حماية حقوق العامل ورفاهيته من جانب آخر ، لم تنعكس تلك المشاريع التنموية في الواقع على جودة وإستمرارية المنتج ، والأسوأ أنها فوتت فرصة ثمينة جدا لتخفيض معدلات البطالة وزيادة الأجور بمنعها قيام مؤسسات جديدة ومتنافسة . في المقابل ، نجد في الإمارات أن الدولة إنتهجت سياسة السوق المفتوح والمؤسسات الجامعة "inclusive institutions" ، على سبيل المثال في دائرة التنمية الأقتصادية في دبي لا تستغرب إن وجدت أن هنالك أكثر من مئتي شركة مسجلة في مجال ضيق واحد (مثل المعدات الطبية ، التجهيزات الكهربائية ، الدعاية والإعلان ، أو تجارة السيارات المستعملة) ، ناهيك عن مجالات السوق الكبيرة كالعقارات والمقاولات والسياحة والتوكيلات الملاحية وصناعة السفن وغيرها من الصناعات الصغيرة والكبيرة . كل تلك الشركات والأعمال تنال فرصها في السوق وفي عطاءات الحكومة ، وتطور الأمر الي التصدير مما أدى الى جذب رؤوس أموال وإستثمارات من خارج القطر ، خاصة الهند والصين (ولا نستغرب وجود رأس مالي سوداني) . نتج عن ذلك خلق فرص عمل جديدة ، مع تطوير القوانين والإجراءات التي تضمن حقوق ورفاهية العمال في معظم المجالات ، نتج عن ذلك إنتعاش جوانب إقتصادية أخري مرتبطة بتحسن مستوى المعيشة والحياة الجيدة "quality life" مثل إنتعاش سوق الأزياء والأثاثات والرعاية الطبية وصناعة الترفية والمطاعم ، بنفس الفرص المتكافئة دون تدخل أو إحتكار من الحكومة ، وأدى هذا بدوره إلي مزيد من فرص العمل والتوظيف .
ما زاد الأمر سوءا في السودان هو إستفحال الأجهزة العسكرية والأمنية (والتنظيمية التابعة للحزب الحاكم) وتعمقها ضمن النخبة الإقتصادية ، سواء كان بخلق أعمال تجارية وإستثمارية تتبع لتلك المؤسسات ، أو إدارة مؤسسات مدنية بواسطة عسكريين أو أمنيين . ولا ننسى هنا مفهوم التمكين المتعمق لدى السلطة والنخبة (الكيزان) . ورجوعا لطبيعة تلك الهياكل العسكرية والتنظيمية ، فإن طريقة ممارستها للأنشطة الإقتصادية أشبه ما تكون بممارسة الأنشطة العسكرية نفسها ، التي تعتمد على مفهومين عسكريين يسببان ضررا بالغا للأعمال التجارية وبالتالي الإقتصاد ، ألا وهي تنفيذ الأوامر ، والريبة (suspicion) . العمليات التجارية والمفاوضات والصفقات تعتمد بشكل كبير على الأفكار الخلاقة "creative thoughts" وابتكار الحلول والإستقلالية في إتخاذ القرار المناسب لتطوير أعمال المؤسسة . بسبب ذلك يفشل مدير المؤسسة في جعلها مؤسسة منتجة ، لأنه ببساطة ينفذ الأوامر ، ولا تستغرب عندما تجد أن تلك الأوامر قد تأتي من موظف صغير في المؤسسة نفسها ، إلا أن له وزنه في النخبة ، وغالبا ما تكون تلك الأوامر وليدة حادثة سياسية وقتية . وفي الجانب الآخر تقابل مقترحات تطوير المؤسسة بكثير من الشك والريبة ، ويكون مصيرها سلة المهملات ، خصوصا إذا كان مقدمها ليس من النخبة . هذا بالإضافة إلى سهولة تغلغل الفساد في تلك المؤسسات وظهور الثراء الفاحش في منتسبي النظام وعسكريين وأمنيين . وفي النهاية أدت تلك السياسات إلى إنهيار مؤسسات الدولة العملاقة في الزراعة والطرق والنقل والتعليم وحتى النفط ، وإنهيار السوق وإرتفاع التضخم وعدم إستقرار سوق العملة.
حتى نصل الى رؤية سليمة لحل جزري لتدهور الوضع الإقتصادي في السودان كان يجيب أولا توضيح هذا الأمر ، وهذا التحليل ليس بالضرورة يتناول كل جوانب المشكلة الإقتصادية في السودان ، ولكنه قد يمثل إطارا عاما ، ولمزيد من التفاصيل يمكن الرجوع الى كتاب "لماذا تفشل الأمم: أصل السلطة والازدهار والفقر - Why Nations Fail: The Origins of Power, Prosperity, and Poverty" للمؤلفين أسيموغلو وروبنسون ، الذي استندت عليه في كتابة هذا المقال . توجد نسخة إلكترونية باللغة الإنجليزية يمكن أن ارسلها لمن يريد.
وحتى ننهض بالإقتصاد ، فخارطة الطريق تشمل مسلكين ، الأول مسلك معالجة والثاني مسلك إبتكار . المسلك الأول يشمل معالجة أربعة محاور رئيسية أدت للانهيار والتخلف:
1. معالجة الاقتصاد المغلق: وهو الاقتصاد الذي تسيطر عليه الدولة ، الذي هو في الواقع ممارسة رجل واحد أو ديكتاتورية حزب واحد.
2. معالجة المستويات المنخفضة جدا من دخل الفرد.
3. معالجة الفساد ، المحسوبية و الكليبتوقراطية (نظام حكم اللصوص).
4. معالجة الجهل والانقياد الأعمى ومحو الأمية الفكرية وتحرير العقول من عبودية التنظيم الحزبي مع الحفاظ على المبادئ والقيم.
المحور الأول ، تم توضيحه سابقا في شرح سياسة المؤسسات الإستخراجية extractive institutions . المحاور الثالث والرابع أعتقد أنها معلومة لدى معظم الناس . المحور الثاني بالرغم من أهميته البالغة ، إلا أن كثير من الدول النامية لاتولي له الإهتمام اللازم . حتى نستطيع إستيعاب بعض المفاهيم في هذا الأمر إسمحوا لنا بذكر هذه المقارنة ، في أوروبا تلزم الدولة الشركات والمؤسسات الإنتاجية بالحد الأدنى للأجور ، وقد تصل نسبة الأجور "Payroll's percentage" الي أكثر من 30% من إجمالي إيرادات الشركة أو المنظمة بحسب طبيعة العمل ، قد ترتفع تلك النسبة في بعض الشركات الى 50% وقد تتدنى وتنزل الى 10% ، فتبنى الشركة أو المنظمة سياستها المالية على هذا الأساس ويصبح بالضرورة هامش الربح صغير نسبيا للبقاء والمنافسة ، لذلك لن تستغرب أن تجد أن صاحب الشركة والموظف في أوروبا تقريبا يركبون نفس موديل السيارة ولهم نفس مستوى أثاث المنزل ونفس فرص الرعاية الطبية وغيرها من سبل العيش . في السودان لا تستغرب إن وجدت نسبة الأجور "Payroll's percentage" لا تتعدي 1% ، والهوة بين الموظف وصاحب الشركة أو العضو المنتدب كبيرة جدا ، وتظهر ما يسمى بالطبقات الإجتماعية "social classes" وصراعاتها.
أما بالنسبة للمسلك الثاني ، فهو إبتكار عمليات processes للنهوض بالاقتصاد ، وله أيضا أربعة محاور رئيسية:
1. نظم ليبرالية اقتصاديًا ولكنها محافظة سياسيًا / اجتماعيًا.
2. فتح الاقتصاد أمام التجارة الدولية والاستثمارات الأجنبية بنزاهة.
3. ممارسات التصنيع الموجهة للتصدير ، حيث تتم نقلة نوعية في ممارسة الناس للقطاع الأولي (الزراعة والإنتاج الحيواني والتعدين وغيرها) إلى القطاع الثانوي (التصنيع) وفتح فرص جديدة للوظائف يقابلها زيادة في الأجور.
4. تطبيق اللوائح وسيادة القانون.
بالرغم من الأهمية البالغة للمحاور الأربعة ، دعنا نأخذ المحور الثالث والرابع . في المحور الثالث نجد أن السودان أهمل فرصة كبيرة لتطور الإقتصاد متعلقة بهذا المحور ، وثار الجدل مؤخرا عن تصدير المنتجات الزراعية الخام مثل الصمغ العربي والسنمكة والفرق الكبير بين سعره وهو خام وسعره بعد المعالجة والتصنيع ، والشركات الخارجية التي تستفيد من ذلك الفرق . في محور تطبيق اللوائح وسيادة القانون ، نجد أن هنالك بعض المفاهيم الخاطئة ، في نظري علي الأقل . في دول العالم الأول سيادة القانون هو الذي يهذب السلوك البشري بمرور الزمن ، وليس القيم والأخلاق فقط ، فالذي يمنع نفسه من إجتراء الفساد أو مخالفة السير أو رمي النفايات في الطريق هو تنفيذ القانون . فلسفة الإسلام نفسها مبنية على العقاب والجزاء ، فالمخالفات التي يفعلها الإنسان في حياته يكتبها الملكان اولا بأول ويجدها المرء أمامه يوم الحساب.
عليه ، ورجوعا إلى التساؤل موضوع المقال ، إسقاط النظام (بثورة شعبية) أم الإندماج ، نجد أن الخيار الأول هو الأجدر لما سبق وللأسباب التالية :
أولا: خيار الإندماج تم ممارسته فعليا مع النظام الحاكم في السودان في العقود السابق ، وتم إستيعاب عدد من أحزاب المعارضة والحركات المسلحة في النظام ، ودعني أقول أن لها وزنها وقاعدتها الشعبية وفكرها وكوادرها المؤهلة ، ولكن ذلك لم يؤدي إلى نتيجة إيجابية ملموسة في الإقتصاد ، بل زادت الأمور سوءا وتفاقمت الأوضاع المعيشية ، وذلك سببه أن الإندماج لم يغير السياسة الإقتصادية المعتلة والمعتمدة على الإقصاء كما ذكرنا ، أضف إلى ذلك الصراع الخفي بين الشركاء في المؤسسات والوزارات وتصادم القرارات والصلاحيات.
ثانيا: الإختلافات الحادة داخل أروقة التنظيم الحاكم نفسه ، والإتهامات الموجهة هنا وهناك داخل النخبة الحاكمة بالفساد ، وتصفية الحسابات وما إلى ذلك ، زد عليه وجود جهات في الحكومة نفسها خارج المنظومة الإقتصادية (عسكرية وأمنية وغيرها).
ثالثا: ظهور جيل جديد من أبناء وأحفاد النخبة التي تقدم بها العمر أو أتاها الأجل ، وهؤلاء يشكلون ورثة طبيعيون للمشاريع التجارية والمناصب ، ونشأوا على ذلك الفهم ، ولن يسمحوا بأي تغيير في توزيع الثروة والسلطة خارج نطاق النخبة.
رابعا: المناورات والصفقات وعموما السياسة الخارجية للنظام ، وفقدان المجتمع الدولي والإقليمي ثقته في النظام ، أضف إلى ذلك الأزمة الإقليمية والإستقطاب في المنطقة والتباين في الرؤى داخل النظام نفسه تجاه تلك القضايا.
خامسا: في حال نجح النظام في تجاوز هذه المحنة القاسية (الإحتجاجات السلمية الحالية) والزلزال النفسي والرعب الذي سببته تلك الإحتجاجات لمنسوبي النظام والنخبة (الكيزان) ، فإنه سيسعى أكثر من ذي قبل لتأمين وجوده وقمع أي محاولة للتغيير في المستقبل ، وليس له حل سوى أن يستمر في نفس سياسة التمكين والإقصاء ، بدلا من محاولة معالجة الوضع الإقتصادي بطريقة مختلفة وصحية.
سادسا وأخيرا: يتضح جليا انه لا يمكن تطبيق هذا المحاور الثمانية لمسلكي المعالجة والإبتكار المذكورين في خارطة الطريق ، إلا بتغيير جذري في البنية السياسية والإقتصادية والفكرية ، وبناء وطن يعتمد على عقول مستقلة غير منقادة تكفل لها حرية المشاركة والاسهام والالهام ، وتنعم بالسلام الإجتماعي وعدم الخوف على المنصب والمكانة ، وتتمتع بالعدالة في الأعمال والتوظيف والمسؤليات ، وهي المبادئ التي يرددها المتظاهرون (حرية سلام وعدالة) .

فهد صالح صابر
باحث وأستاذ جامعي
يناير 2018