نقد لمقالة الأستاذ صلاح شعيب!

في سياق اصطفافٍ علمانيٍّ مندفع،
حول قضية الشابة وئام،
جاءت مقالة الأستاذ صلاح شعيب،
تحت ذلك العنوان المثير:
"نساء فواضل يحاصرن ذكورية رئيس هيئة العلماء".
وفي رأيي: لُبُّ قضيّة وئام:
ليس هو ما جرى من حوار
في تلك الحلقة التلفزيونية،
ولكن ما أعقبه من تداعيات،
سواء من رموز الاتجاه الإسلامي،
أو من كوادر العلمانية.
وفي رأيي المتواضع:
موقف هيئة العلماء لم يكن في مستوى الحدث،
وكنت أتمنّى وأرجو أن يُعبّر
عن احترامه الكامل لوئام وصويحباتها،
ويؤكد لهنّ أنّهنّ أحرار فيما يفعلن بأنفسهنّ،
ثمّ يُبيّن لهنّ ما يراه من موقف شرعي،
ويذكر أدلته وبراهينه الشرعية والمنطقية والواقعيّة.
بالمقابل انبرى إخوتنا العلمانيّون،
مندفعين ومصطفّين خلف وئام وصويحباتها،
من باب ردّ الفعل الآليّ، غير المتعقّل،
ومقالة الأستاذ صلاح شعيب شاهد على ذلك.
انطلق صلاح شعيب
من ذات منصة الخطاب الإلغائي للآخر،
لكنّه بوعيٍ منه أو بلا وعي بلغ درجة الإسفاف،
فأساء أبلغ الإساءة
إلى بعض الأسر والأمهات والأخوات في مجتمعنا،
وكان ذلك في ديباجة مقالته، إذ يقول:
(((((سبحان الله. بينما تستقبل الخرطوم خلال شهر فقط داعشيتين مع طفليهن الرضيعين بالزغاريد، ينشغل علماء السودان بزي المرأة السودانية أكثر من المآسي التي تعرضت لها في هذا الوضع البائس. إنهم علماء شريعة يفلحون في التنمر على بنات عفيفات لمجرد عدم التزامهن بالزي الوهابي بينما يتوارون من نقد النظام الذي مهدت بيئته لهذه الداعشيات اللائي خرجن خلسة بلا محرم، كما تنص قوانين النظام نفسه.
وبرغم أن الداعشيتين المغرر بهن قد كلفن أسرهن الكثير من الدموع، والأرق، والبحث المضني عنهن، وعدن بأطفال لا يدري أحد عن آبائهم، فإن رئيس هيئة علماء السودان، وَعَبَد الحي يوسف، وبقية غلاة السنة يتحاشون نقد الفكر الداعشي الذي يصدر السودانيات للخارج لأجل جهاد النكاح))))).
هل يحتاج السقوط الذي سقطه الأخ صلاح
إلى توضيحٍ وبيانٍ؟
لا أظن، فقط نحتاج إلى الاقتراب من الواقع:
هؤلاء الداعشيات
-أو اللواتي كنّ كذلك وحتى إن بقين كذلك-
ألسن مواطنات سودانيّات؟
ألسن ينتمين لعامّة الأسر السودانية؟
هل هناك مؤشر يُشير إلى أنّهنّ قد خرجن فقط
من بيوت إخوانية أو سلفيّة؟
أليس فيهم من خرج من بيتٍ يساري أو علمانيّ؟
دعك من ذلك:
أليس من حق الإنسان أن ينتمي إلى أيّ اتجاهٍ
فكريٍّ أو نضاليٍّ يراه؟
واقع الحال يقول:
إنّ هذا الداعشيّ الذي ذهب إلى العراق أو غيره،
هو مواطن سوداني تربطنا به كلُّ تلك الروابط الكبيرة،
وحتى إن تزوّج هناك وجاء بأطفاله،
هو حرٌّ في ذلك،
لا يجوز لنا أن نغمزه أو نلمّح في حقّه
أو حقّ أسرته بذلك التلميح الغليظ
الذي يتضمنه كلام الأخ صلاح شعيب.
ولك أن تتأمل في قوله:
(وعدن بأطفال لا يدري أحد عن آبائهم)
وأقول: نعم، عامّة الناس يعرفون
أنّ هؤلاء الصبية والشباب مُغرّرٌ بهم،
وفكرهم مختلٌّ معلول،
ولكن ذلك يفرض علينا أعباءً إضافيّة،
في الاجتهاد من أجل ردّهم إلى الوعي والصواب.
ويدّعي صلاح شعيب متوهّماً، ومن شايعه،
بأنّه إنّما يقوم بهذه الكتابة منتصراً للمرأة السودانية،
وهو في الحقيقة ينوشُها بسهمٍ مريشٍ مسموم،
أشدّ وقعاً عليها من السهام التي ناشت وئام وأخواتها.
عندي لا فرق بين وئام وتلك الداعشية!
كلٌّ منهما كان نتاجاً طبيعيّاً للظروف التي أحاطت به،
قد تتوب الداعشية وتعود إلى أصل فطرتها
وتكوينها السوداني؛ لتكون أداةً فاعلة في نهضة المجتمع،
وتقف مع وئام التي اعتذرت عن مسلكها الإلغائي،
لتكون معاً يداً واحدة، من أجل بناء مجتمع
يحترم فيه الناس بعضهم بعضاً!
ولكن سهمك المريش المسموم!
فلا أملك إلا أن أقول: "عيب يا صلاح شعيب"،
وأرجو أن تتراجع عن موقفك، وتعتذر لقرائك،
وتؤكد لهم على احترامك لكل تيارات الشعب السوداني،
حتى وإن لم يحترمك بعضهم،
فإنك إنما تعبر عن موقفك لا عن موقفهم.