على شفا بؤرة من جنون

على شفا بؤرة من جنون


07-07-2018, 09:03 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=499&msg=1530993803&rn=0


Post: #1
Title: على شفا بؤرة من جنون
Author: ابو جهينة
Date: 07-07-2018, 09:03 PM

09:03 PM July, 07 2018

سودانيز اون لاين
ابو جهينة-السعودية _ الرياض
مكتبتى
رابط مختصر


إجترار الذكريات ، وخاصة تلك الجميلة ، يحدث شرخا في الدواخل
ورغما عن ذلك ، فإنها ضرورية لخلق التوازن النفسي بين ما كان وبين ما يحدث

إلى شفا البؤرة

Post: #2
Title: Re: على شفا بؤرة من جنون
Author: ابو جهينة
Date: 07-07-2018, 09:04 PM
Parent: #1

الواقع المعاش يستمد توازنه من جنون الخيال المتزن و تمرده المقنَن و تبعثره المتناسق، يتقابل كل هذا الجنون و التمرد و التبعثر عند تقاطعات و نقاط إلتقاء مع هذا الواقع سلبا و إيجابا،
لذا فإن العقل الباطن يتقبل مجريات الواقع و يتعايش معها لأن تربته تكون مبللة بقطرات ذلكم الخيال ،
و مرتوية حد الثمالة من رحيقه ، و يكون سطحه مدهونا بطبقة رقيقة من ألوان طيفها التي تفوق السبعة ، و رذاذها يتطاير فوق أوراقه فيجعلها ندية براقة ، قابلة للمس رغم ملمس الحقيقة الخشن أحيانا.

Post: #3
Title: Re: على شفا بؤرة من جنون
Author: ابو جهينة
Date: 07-07-2018, 09:06 PM
Parent: #2

هكذا كان حال ( الفاضل ) ،، لا يدري أين هو و لا كيف أتى و ماذا حدث ،، أيعيش واقعا حيا أم خيالا يلتف حوله فيجعله كمومياء حية.
ما آل إليه جعله يهذي كالمحموم ، لا يدري كيف تمر أيامه و لياليه ، تتداخل رؤاه مع واقع حاله كمياه النهر و البحر عند إلتقاءهما في برزخ لا يبغيان.
يتقلب على ( عنقريب الحبل ) ،، يبصق ( سفته ) و التي خُيِل إليه أنها تنتفخ و تكبر و تزداد حجما مع ما يعربد في ذهنه ،،
يعاجل تجاويف مزاجه بسيجارة من نوع رخيص ينفث دخانها إلى أعلى فيتصاعد في خط مستقيم بفعل الهواء المعدوم حوله.
رحم الله أيام الجناح الخاص الذي كنت تتقلب فيه في فندق ( جورج الخامس ) ،، كنت كمن يملك نجمة من نجماته الخمس ، تتقلب على السرير ذو ( المرتبة ) المائية ، تدخن السيجار الكوبي الفاخر ،،
و الكل يناديك(مسيو ) ،، توزع ( البقشيش ) يمنة و يسرة ،، تتجول في ردهات الفندق ( بالروب دي شامبر ) المصنوع من القطيفة الحمراء تتهادى منتعلا الصندل الجلدي كسلطان زمانك ، يتهافت كل من يعمل بالفندق لخدمتك و تلبية طلباتك..... أواه يا زمن أواه.
إبتسم إبتسامة باهتة ... سرعان ما إنزوتْ.

Post: #4
Title: Re: على شفا بؤرة من جنون
Author: ابو جهينة
Date: 07-07-2018, 09:07 PM
Parent: #3

( الراديو ) القديم يطلق صوتا متحشرجا متقطعا غير مفهوم ، يضربه على جنباته بعصبية دون فائدة ، فيغلقه و يضعه على الطاولة ذات الثلاث أرجل بجانب كوب به بقايا من الشاى الأسود يحتضن عدة ذبابات منتحرة.
تئن حبال ( العنقريب ) من تقلبه ، و تنثني إحدى أرجله إلى الداخل منذرة بسقوط قريب.
تناوشه ذبابة عنيدة ،، فيرد الصاع بالطاقية و تارة بيديه ، ثم يتركها أحيانا تمارس هوايتها على بشرته الجافة.
يحك رجله برجله ، ثم تلك بتلك ، و لا يدري سبب الحكة و لكنه يتجاوب معها و هو يحس بخدر كلما تأخر عن الإسراع بالتجاوب.

Post: #5
Title: Re: على شفا بؤرة من جنون
Author: ابو جهينة
Date: 07-07-2018, 09:08 PM
Parent: #4

تخيل نفسه غاطسا في ( الجكوزي ) و كأسه على يمينه ،، و موسيقى كلاسيكية حالمة تدغدغ وجدانه ، و فتاة المساج في إنتظاره لينعم بتدليك يجعل المتعة تسري في أنحاء جسده المرهق دونما عمل.
يقدم ( طاقيته ) للأمام ، ثم يعاود فيرجعها للخلف ،، ثم يعضها بين أسنانه ،، ثم يضعها تحت رأسه المثقلة بالهموم و الهواجس ، و يعيد الكرة في رتابة دون وعى.
يغمض عينيه إتقاء ( رقراق ) أشعة الشمس من بين فرجات الراكوبة المغطاة بحصير سيقان القمح و ( البروش ) المهترءة.
يحط طائر على السقف ، يشق جدار الصمت بصوته باحثا عن رفيقته ، فيتساقط التراب متناثرا من تحت مخالبه ، فتضيع حبات الغبار بين طيات ( العراقي ) المتسخ.
يقوم متثاقلا ، يكرع الماء ( بالكوز ) من ( الزير ) الذي تكسوه من الخارج طبقات من الطحالب الخضراء و السوداء.
يسكب محتويات ( الكوز ) دفعة واحدة في جوفه. يلفظ آخر جرعة متأففا ،، فقد شاركه ( جندب ) الشرب من نفس الجرعة.
يعود إلى رقدته ،، ، لا يبالي بطعنات زوائد الحبال المنتصبة تحته و لا بوخزاتها عبر ( العراقي ) الذي بالكاد يستر جلده.

Post: #6
Title: Re: على شفا بؤرة من جنون
Author: ابو جهينة
Date: 07-07-2018, 09:09 PM
Parent: #5

من يصدق أيها الهاجد في هذا السكون تحت سماء هذه القرية الوادعة ،
من يصدق أنك أنت ،، نعم أنت بشحمك و لحمك ،، هو ذاك الآتي من خضم الزحام و بهرج الأضواء و صخب المدائن ؟
أنت ذاك الذي كان يرفل في حلل زاهية الألوان من ماركات ( دافنشي ) و ( بيجان ) و ( آنجلو ) ،، تنتقيها من شوارع روما و أنت تفاصل في أسعارها بلغة ( طليانية ) تنافس لسان البرتو مورافيا و زعماء عصابات صقلية.
يزدرد ريقه الجاف ،، و هو ينظر ( للعراقي ) الذي ذهب لونه.
تفوح منه رائحة العرق ،، فيسرح بخياله أيام التجوال في محال باريس ، متأبطا ذراع ( رشيدة المغربية ) ينتقيان العطور الراقية و الغالية الثمن.
إيه يا رشيدة يا سليلة ( البربر ) ،، أين أنت الآن ؟ أما زلت تلك الفتاة التي تتراقص خصلاتها الطويلة على أردافها كذيل جواد رامح ، تبهرين كل من حولك بعينيك الواسعتين و وجهك المستدير الطفولي ،،
و رقصاتك المجنونة الشبيهة بإيماءات الزار ؟ ألا زال نهارك كليلك ، و ليلك كنهارك ؟ أين أنت الآن يا همجية المزاج ؟
زفر زفرة طويلة و إنقلب على جنبه الأيمن و هو ( يطقطق ) أصابع يديه.

Post: #7
Title: Re: على شفا بؤرة من جنون
Author: ابو جهينة
Date: 07-07-2018, 09:11 PM
Parent: #6

مرق كلب و أنحنى يشرب من إناء تحت الزير و هو يتلفت في حذر.
تذكر ( الكلبة المدللة ) لفتاته رشيدة ،، كانت تأخذها لكوافير الكلاب كل شهر مرة ، و ها هو رأسه مثقل بالشعر الأكرت دونما ( حلاقة ) منذ شهور مضت ، لا يذكر متى تخلله ( المشط ) ،، يستعمل أصابعه في تخليله.
إبتسم في إمتعاض ،، يمضغ الحسرة.
أحس في لسانه الجاف بطعم طبقه المفضل الذي كان يتناوله في ذلك المطعم الفرنسي الصغير في إحدى الأزقة المتفرعة من شارع الشانزليزيه.
رشيدة لا تحب إستعمال الشوكة و السكين ،، تستعمل كلتا يديها غير مبالية بنظرات الإستنكار ،، و من حين لآخر تلقمه في فمه قطعا من لحم ( الإستيك ) المفضل لديها ،، فييزدردها و هو ينهاها عن تكرار ذلك ، و لكنها تضحك في عفوية و غنج بصوت مجلجل و تعاود الكرة وسط نظرات رواد المطعم ،، تستفز خجله و تمتحن إستجابته لشيء تراه طبيعيا في هذا البلد.

Post: #8
Title: Re: على شفا بؤرة من جنون
Author: ابو جهينة
Date: 07-07-2018, 09:12 PM
Parent: #7

لا ينسى يوم أن أكثرتْ رشيدة من شرب النبيذ الأحمر المعتق ، ثم سحبتْ مفرش الطاولة و تحزمتْ بها و إعتلتْ طاولة الطعام و صارت ترقص رقصا شرقيا على أنغام أغنية عربية كان يضعونها كلما أتى زبون عربي ،
تجمع كل رواد المطعم حول طاولتهما يصفقون و هم يبحلقون في هذا الجسد الجامح كما الفرس البرية يتلوى في ليونة ، و ينساب مع الموسيقى إنسياب مياه نافورة في فناء منزل دمشقي يترقرق متدفقا من بين ثنايا ( الفسقية / الالنافورة) ،، فتحمستْ و قذفتْ بحذاءها ( كل فردة في إتجاه مختلف ) و صارت تتلوى كأفعى تخرج من سلة فقير هندي ينفخ في مزماره السحري. و عندما أنهكها التعب ، إرتمتْ عليه وسط تصفيق و تهليل الحضور ،، تحيط عنقه بكلتا يديها،، لاهثة الأنفاس محمرة الوجه ، تلوذ بأحضانه من جنونها و نزقها.

Post: #9
Title: Re: على شفا بؤرة من جنون
Author: ابو جهينة
Date: 07-07-2018, 09:13 PM
Parent: #8

إنقلب على الجهة اليسرى و جسده يهتز لهذه الذكرى ،، فأطلق آهة مكتومة.
مرتْ من أمامه عربة من طراز قديم تطلق صوتا مبحوحا ،، و قد تكدس بداخلها و على سقفها الركاب ، تطل أجسادهم في إنبعاج و ترهل.
هل ترى ما زلت تقودين عربتي ( البيجو ) الصغيرة يا رشيدة ،، أما زالت تتأرجح على مرآتها الداخلية المسبحة التي أهدانا إياها الشاب الموريتاني في حفل عرس صديقتك ؟
إستلقى على ظهره ،، و قد إتسعت إبتسامته الممتعضة.
سمع صوت إمرأة تتحدث مع أخرى تبدو أنها بعيدة عنها ،، صوت حاد و قوي ينقله الهواء إليه أحيانا ، و أحيانا يذهب به بعيدا ، لم يفهم ماذا تقولان

Post: #10
Title: Re: على شفا بؤرة من جنون
Author: ابو جهينة
Date: 07-07-2018, 09:15 PM
Parent: #9

طفا إلى سطح ذاكرته يوم أن أخذ رشيدة و ذهبا لمشاهدة حفل الأوبرا لأول مرة بعد أن حصل على التذكرتين مجانا من صديق فرنسي.
أصابهما الذهول و هما يبحلقان في مبنى الأوبرا الضخم و الديكور المتناسق و الستائر المخملية المتدلية من الشرفات و البلكونات ،، و رشيدة منتشية و في أبهى حللها و هي تتأبط ذراعه و عيناها الواسعتان تتفحصان المكان ،،
و ما أن إنطلق المغني يتدرج صوته الأوبرالي بطبقاته المتعاقبة ،، إنطلقت رشيدة في ضحك هستيري لم يستطع أن يسكتها ،،
تسكت قليلا واضعة يدها على فمها ، ثم تستمع إلى المغني فاغرة فمها ثم تنطلق ضاحكة تتدرج ضحكاتها مع المغني و كأن صوتها قد تشابك مع صوته الأوبرالي ،،
أتاها المشرفون على الصالة مرتين لتحذيرها من مغبة الإستمرار في الضحك بهذا الشكل ،، و في الثالثة كانا خارج الصالة تصحبهما همهمات الغضب و الإستياء ، فشاركها الضحك الهستيري.

Post: #11
Title: Re: على شفا بؤرة من جنون
Author: ابو جهينة
Date: 07-07-2018, 09:16 PM
Parent: #10

ضحك في سره لتلك الحادثة ،،،،،،، فرشيدة عفوية لا تستطيع كبح جماح إنفعالاتها و مشاعرها. سببتْ له الكثير من المشاكل و لكنها كانت تعرف كيف تطفيء غضبه و حنقه.
وقف صبي نحيف حليق الرأس أمامه و هو يلهث : عمي الفاضل ، قالوا ليك تعال إتغدى.
هاهو يا رشيدة ( الروم سيرفس ) ،، و قائمة الطعام لا جدال فيها ،، فهي جاهزة ( كطبق الشيف ) و ( طبق اليوم ) ،، فالأكل هنا تلبية لنداء البطن و الجوع ، لا مجال للمزاج و التنويع.
تذكًرَ عندما شرب لأول مرة شوربة الضفادع تحت إلحاحها الذي لا يستطيع أن يقاومه ،، أحس أن ورما يلازمه في إمعاءه طوال الليل حتى منتصف نهار اليوم التالي ،
ليلتها رأى في منامه أن عشرات الضفادع تطارده على طرف جدول مليء بالحساء تنمو الحشائش على جانبيه و نقيقها يملأ المكان.
أما زلت ترتادين ذلك المطعم ؟ ترتفع حرارة غيرتي كلما دلفنا إليه.
أشار إلى الصبي بأن لا رغبة له.

Post: #12
Title: Re: على شفا بؤرة من جنون
Author: ابو جهينة
Date: 07-07-2018, 09:17 PM
Parent: #11

و غطى وجهه بكلتا يديه ،،
و راح في غفوة لعل أحلام يقظته تسافر به إلى هناك ،،
طفق يتخيل و يحلم كيف أنه يمكن أن يأتيه منها ما يجعل الأمل يفرهد من جديد في قلبه ليحزم أمره و ينطلق عاتقا نفسه من ربقة هذا الأسْر القاتل .

Post: #13
Title: Re: على شفا بؤرة من جنون
Author: ابو جهينة
Date: 07-07-2018, 09:21 PM
Parent: #12

red]و لا زال على نفس شفا البؤرة يحدوه أمل عريض أن يجتازها إلى شواطيء أخرى حتى وإن كانت لا ترقى إلى سواحله القديمة[

Post: #14
Title: Re: على شفا بؤرة من جنون
Author: إدريس محمد إبراهيم
Date: 07-08-2018, 04:39 PM
Parent: #13


جلال اخوي ....

سلام وتحية نضره تفوح بالشذى والفل والعبير ...

Quote: يحط طائر على السقف ، يشق جدار الصمت بصوته باحثا عن رفيقته ، فيتساقط التراب متناثرا من تحت مخالبه ، فتضيع حبات الغبار بين طيات ( العراقي ) المتسخ.
يقوم متثاقلا ، يكرع الماء ( بالكوز ) من ( الزير ) الذي تكسوه من الخارج طبقات من الطحالب الخضراء و السوداء.
يسكب محتويات ( الكوز ) دفعة واحدة في جوفه. يلفظ آخر جرعة متأففا ،، فقد شاركه ( جندب ) الشرب من نفس الجرعة.
يعود إلى رقدته ،، ، لا يبالي بطعنات زوائد الحبال المنتصبة تحته و لا بوخزاتها عبر ( العراقي ) الذي بالكاد يستر جلده.


لا حولا .....والله بالغت في وصف هذه التفاصيل المتناهية الدقة أخي جلال ...

وما غريبه أبدا على قلم ما عهدناه الا في قمة ذرى التجلي والابداع .....

مع خالص ودي وتقديري ؛؛؛؛؛

Post: #15
Title: Re: على شفا بؤرة من جنون
Author: ابو جهينة
Date: 07-08-2018, 08:09 PM
Parent: #14

أخي إدريس
لك التحايا الطيبات

أين أنت يا رجل ؟

حبابك في هذا المعترك الذي عاشه وسيعيشه معظم المغتربين

دمتم أبدا