Post: #1
Title: ذئب يُدعَى روميو
Author: Osman M Salih
Date: 05-09-2018, 06:07 AM
في عطلة آخر الأسبوع الماضي، وأثناء بحثي عن كتاب "ذئب يُدعَى روميو" للكاتب والمصوّر نِكْ جانس في مكتبة الحي في تِلْبُرُخ ويست أشارت عليّ موظفة المكتبة بعدما استفهمت مني عما اهتمّ به إلى قسم يضمّ كتباً تروي حكايات واقعية.
وما إنْ وقفت أمام الكتب المصفوفة حتى انزلق بصري دون أن تستوقّفه العناوين الكثيرة المتزاحمة من أعالي الرفوف إلى أسفلها، واستقر على كتاب "بدويّة" لأيان حرسي، فلم أتردّد في استلاله من بين الكتب واستعارته. حملته عائداً به إلى البيت، وثمّة شعور طاغ يتملّكني بأنّه، هو لاغيره، الكتاب الّذي أبحث عنه تحت مسمّى "ذئب يدعى روميو"، الّذي أسر أفئدة أهالي قريّة ألاسكيّة، حين ظهر في حوافها، واذهل مراقبيه بما انتهجه من سلوك غير نمطي، مفاجيء، غير متوقّع، لاذئبي، لطيف. مخالطاً البشر، ومصادقاً كلابهم، ولاهىاً معها، طوال ستة أعوام قضاها كهمزة وصل بين عالمين، كسفير هميم يراوح مابين الغاب والقرية، قد يتغيّب لدواعي الصيد فترة، لكنه سرعان مايلوح من جديد طلباً للرفقة والتسلية مع جماعة غريبة عن أفراد نوعه، لكنّها ألفت حضوره في المشهد الجليدي، بل وعصف بها الحزن عند موته، واطلقت اسمه على شارع ومقهى في القرية الّتي سكنت فؤاده وسكن فؤادها. أغلب الظن أنّ "روميو" سليل وربيب غابات ألاسكا كان نسيجاً وحده، مستوحداً وجد في مصادقة البشر وكلابهم الأليفة دفئاً وعزاءً وتعويضاً عن فقدانه لجماعته الأصليّة من الذئاب، قبل أن يلقى حتفه برصاص قنّاصَين.
مثل غيري اعرف أيان حرسي كشخصية عامة عاشت في هولندا ردحاً من الزمن، وانقسم بشأنها الرأي العام، وأثارت عاصفة من المشاعر المتناقضة أقوالها المكتوبة والملفوظة عن الاسلام كدين متخلِّف حتى انتهى بها الأمر إلى الإقامة في أميركا.
أمّا إذا سوئلتُ عما تقول به أيان حرسي، فإنّي أعتقد أنّها برغم الضجيج المثار حولها ليست مفكِّرة، بل هي مردِّدة لأفكار معروفة ممضوغة، تتّهم نبيّ الاسلام بأنّه مستبد منحرف( صحيفة تراو الهولندية، 25 يناير2003 ، الصفحة الاولى) لزواجه من عائشة بنت أبي بكر وهي طفلة، وبمعاداة النساء اللائي يشكلن غالبية أهل النار بمنطوق حديث نبوي استشهدت به أيان حرسي في صدارة كتابها المذكور(عن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ، وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاء". رواه البخاري 3241 ومسلم 2737 )، وغير ذلك، بل هي بالأحرى غوغائية بامتياز، تعرف من أين تؤكل الكتف، وتدغدغ مشاعر الجمهور الكاره للاسلام والضائق ذرعاً بوجود المسلمين في الغرب باللغة الّتي يستطيب سماعها، وهي لم تأتِ في نقدها للاسلام بما لم يسبقها إليه الأوائل، ومن المؤسف أنّها قد وضعت نفسها، سواء فعلت ذلك بادراك منها أم بغير إدراك، في خدمة القسم المتطرّف من اليمين الأوروبي والأميركي المعادي للمسلمين.
يجد مني المناصرة حقّ أيان حرسي المشروع في الحياة الآمنة من التهديد، وحقّها في التعبير بحرية عن آرائها في الاسلام وغير الاسلام، ومع ذلك فانّي أراها مثالاً منفّراً غاية التنفير للمؤمنين عن قضية الالحاد، الّذي جعلها آلة جوفاء، مجرّدة من المشاعر الانسانية، متمركزة حول ذاتها، تكيل السباب والاهانات بلغة مبطنة لأسرتها دون أن توفّر فيهم كائناً من كان، معرِّضةً بهم في كتابها المذكور، وكأنّ بينها وبينهم ثاراً مبيّتاً، وهم لم يفعلوا لها شيئاً يستحقّون به هذا الجزاء القاسي المتمثّل في التبشيع المحيّر الّذي تنضح به صفحات كتابها "بدويّة" المتمسِّح بمسوح السيرة الذاتية!.
لقد انتهى المطاف بأيان حرسي فارة من أوروبا، وعابرة للمحيط الأطلنطي، ومستوحدة في شقة في نيويورك، ومعزولة تماماً عن أسرتها الصومالية الموزّعة بين الصومال وكينيا وأوروبا، وهي تحاول أن تجد تعويضاً لمالايعوَّض في احتفاء أجهزة الاعلام بها، وتصفيق جمهور من الأغراب يعشق الاثارة، ويجيد الهاب حماس أبطال الرياضات البدنيّة العنيفة كالمصارعة والملاكمة، ونجوم المناظرات السياسية، وقد وجد هذا الجمهور في هجوم أيان على الاسلام لعبة شيّقة ومسليّة سرعان مايملّها ويسلوها وينساها ويتطلّع لسواها.
عثمان محمد صالح
|
|