من أين أتى هؤلاء

من أين أتى هؤلاء


02-11-2018, 02:24 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=499&msg=1518355459&rn=0


Post: #1
Title: من أين أتى هؤلاء
Author: Osama Fadl
Date: 02-11-2018, 02:24 PM

01:24 PM February, 11 2018

سودانيز اون لاين
Osama Fadl-Canada
مكتبتى
رابط مختصر

من أين أتى هولاء
في النصف الأول من تسعينات القرن الماضي كتب الروائي السوداني الكبير الطيب صالح وهو صاحب رواية " موسم الهجرة للشمال" والتي ذاع صيتها وترجمت لعدة لغات ونالت إعجاب الكثيرين, كتب مقالاً لمجلة المجلة تحت عنوان " من أين أتى هؤلاء" استهل كاتبنا مقاله بتلك الكلمات :
السماء ما تزال صافية فوق أرض السودان أم أنّهم حجبوها بالأكاذيب ؟
هل مطار الخرطوم ما يزال يمتلئ بالنّازحين ؟
يريدون الهرب الى أيّ مكان ، فذلك البلد الواسع لم يعد يتّسع لهم . كأنّي بهم ينتظرون منذ تركتهم في ذلك اليوم عام ثمانية وثمانين .
يُعلَن عن قيام الطائرات ولا تقوم . لا أحد يكلّمهم .
لا أحد يهمّه أمرهم .
هل ما زالوا يتحدّثون عن الرخاء والناس جوعى ؟ وعن الأمن والناس في ذُعر ؟ وعن صلاح الأحوال والبلد خراب؟
ثم يتسآءل الكاتب " من أين أتى هؤلاء؟"
مِن أين جاء هؤلاء النّاس ؟ أما أرضعتهم الأمّهات والعمّات والخالات ؟
أما أصغوا للرياح تهبُّ من الشمال والجنوب ؟
أما رأوا بروق الصعيد تشيل وتحط ؟
أما شافوا القمح ينمو في الحقول وسبائط التمر مثقلة فوق هامات النخيل؟
أما سمعوا مدائح حاج الماحي وود سعد ، وأغاني سرور وخليل فرح وحسن عطية والكابلي و المصطفى؟

رحم الله الكاتب الجليل الطيب صالح وأسكنه فسيح جناته. من نعم الله عليه أنه لم يعش حتى يرى الخرطوم الآن. ولكن نبقى نتسآءل من أين أتى هؤلاء.؟ هذه الزمرة الحاكمة. والجواب نستنبطه من مقال كاتبنا عليه رحمة الله. هؤلاء أتوا من رحم أمهات سودانيات ورضعوا من أثدائهن وشربوا من النيل وأكلوا من قمح الجزيرة ثم حلوا من حلوى الطحينية المصنوعة في معامل سعد للحلويات من سمسم القضارف. ولبسوا الدمورية والساكوبيس والبوبلين المنسوجين في مصانع فتح الرحمن البشير في مجمع مصانع النسيج بمارنجان من قطن مشروع الجزيرة. ودرسوا في مدارس خور طقت ووادي سيدنا وبخت الرضا وحنتوب الجميلة ثم تخرجوا من جامعة الخرطوم والقاهرة - فرع الخرطوم- وجامعة جوبا ومعهد الكليات التكنولوجية وكلية الفنون الجميلة. وعملوا في وظائف حكومية ودخلوا السوق وباعوا واشتروا وتفاعلوا مع كل فئات الشعب وطبقاته والتي كانت تعيش في تآخي وتكافل دون تمييز بين غني وفقير أو ابن عرب وابن عجم ولا بين أسود وابيض أو أحمر أو أخضر. والسؤال ليس من أين أتى هولاء فهم سودانيون أبناء سودانيين ولم يأتوا من كوكب آخر ولا هم أبناء سفاح أو زواج غيرشرعي ولا جيناتهم من غير جينات الشعب السوداني. السؤال كيف خرج من رحم هذا الشعب المسالم الطيب هؤلاء الوحوش الضارية عشاق الدنيا والفحش وهم يلبسون عباءة الوقار والتدين. سيدى الطيب صالح الجواب بكل صراحة ودون خجل, هؤلاء منا ونحن منهم. وكما ولد عبد المطلب العباس وعبدالله والد النبي صلى وأشرف الخلق خرج من رحمه أيضاً عبدالعزى (أبولهب) وكما كان نوح نبياُ كان ابنه كافراً. وكانت آسيا بنت مزاحم من خيرة النساء والتي دعت ربها قائلة" رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين"
وهي امرأة فرعون الذي قال" انا ربكم الأعلى" . هؤلاء هم البذرة الفاسدة والنبت الشيطاني, والحشائش الطفيلية التي تنبت وسط الزرع فتمتص من الأرض المعادن وترتوي بالماء وتحيل التربة الخصبة إلى بور وخراب.هؤلاء هم الولد العاق الذي أنفق عليه والده كل مدخراته كي يعلمه أحسن تعليم وباع الغالي والرخيص كي يلبسه أفضل الثياب ويطعمه ما لذ وطاب. فعندما كبر واشتد ساعده أدار ظهره لوالديه وإخوانه ناكراً للمعروف خائناً للعهد. حتى أمه التي أرضعته من جسدها احتقرها وداس على كرامتها بحذائه العسكري. لم يحفظ جميل من أطعمه من جوع وآمنه من خوف فهدم مصانع الأغذية ليبني مكانها قصره الفاخر. دمر مشروع الجزيرة الذي أنتج له القطن بأنواع فألبسه ما يوارئ به سؤته باع قضبان حديد سكة حديد الجزيرة ليصهر في مصانع الحديد والعائد بالضرر على كافة الشعب وبالدولار على حفنة من أصحابه. خرب مصانع النسيج التي حاكت له الملابس الصيفية والشتوية وما فاض منها كان يباع ليعود على البلاد بالعملة الحرة. وبعد كل هذا وبعد أن انتفخت كرشه بشتى أنواع الأغذية المستوردة وبعد أن أصابته التخمة لم ينس أن يلتفت إلى ما كان سبباً في عقدته النفسية المؤسسة التعليمية التي لم يقدر على مجاراتها فهذا المضمار لا يجيد اللعب فيه إلا العباقرة من المثقفين ومحبي العلم. اما من يهوى الأوامر وصفا –انتباه- إلى الخلف در فلا مكان له إلا حيث يفرغ العقل ليحل محله النياشين الوهمية والألقاب وأوسمة الصفيح المطلية بلون أصفر كي تبدو كالذهب. التفت ناكر الجميل لتلك المؤسسة التعليمية العملاقة التي خرجت فطالحة الرجال فقادوا البلاد والمشاريع التنموية وأعطوا الشعب بارقة أمل حتى ظننا في ثمانينات القرن الماضي أننا نسير على خطى سنغافورة وإذا بهذه الزمرة توصلنا بخطى مسرعة إلى مدائن عاد وثمود. دمر ذاك الأرعن تلك المؤسسة التعليمية بمعول جهله فأصبحت المدارس النموزجية والتي كانت تحوي آلاف الطلاب, يقيمون في داخلياتها ويتعلمون في معاملها الغنية ويمضون الأمسيات في نشاطات رياضية في ملاعب أفضل من ملاعب كثير من الدول النامية. اما النشاطات الثقافية فكانت تعج مسارح المدارس بالبرامج والأمسيات وفي ختام كل عام دراسي تتوج تلك الأنشطة في محفل وطني مهيب تختار له كل سنة مدينة من مدن الوطن (الدورة المدرسية), أصبحت تلك المدارس مدن أشباح. الجدران مشققة وليست هناك أثاثات ولم تعد هناك معامل. أما الميادين والمسارح فهي الآن أثر بعد عين والمار عليها لا يقو إلا أن ينشد : قفا نبكي من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوي بين الدخول فحومل.
نم يا أيها الطيب الصالح فالموت في بلادي أكبر راحة للإنسان. فالعيش بين أكوام القمامة وأصعدة الدخان ممزوجة بالروائح الكريهة وسط الأحياء السكنية والأسواق إذلال وقهر لمن عاش كريماً بين الكرام. النوم في القبور أكرم لأمثالكم من اليقظة وسط سماسرة الدين وبائعي النفاق والكذب وآكلي أموال اليتامى وقوت أبناء المدارس. نم يا صديقي فزمن الكرام ولى والبلاد من بعدكم أصبحت أكبر مكب نفايات وقد بات الراعي لا يخشى على غنمه من الذئب فلم يعد هناك أغنام وحملان من لم ينجو منهم ببدنه لابد له أن يلبس جلد ذئب كي يعيش وسط الذئاب.
أسامة يوسف عبيد فضل