***الميزانية***

***الميزانية***


01-05-2018, 11:05 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=499&msg=1515146719&rn=1


Post: #1
Title: ***الميزانية***
Author: اسماعيل عبد الله محمد
Date: 01-05-2018, 11:05 AM
Parent: #0

10:05 AM January, 05 2018

سودانيز اون لاين
اسماعيل عبد الله محمد-
مكتبتى
رابط مختصر

الميزانية ..

كيف هي ميزانيتكم؟ سؤال يطرحه السائل على الفرد او على المؤسسة ,
الواجب عليها الايفاء بسداد الالتزامات المالية المتوقعة ,
والواجبة التحصيل من قبل الدائنين ,
وهذا الفرد او تلك المؤسسة المنوط بها توفير المال الكافي للقيام بسداد مثل هذه المستحقات ,
قد تكون رب البيت وما اذا كان قد ادخر لاسرته من مال , يمكنّها من الوقوف بصلابة امام متطلبات الحياة المعيشية ,
او قد يكون مدير الشركة المعنية وما عمل على انجازه من ايرادات , يفترض ان تفي بتغطية ما هو قادم من بنود صرف مؤكدة ,
مثل رواتب الموظفين و ما الى ذلك , و يتحول ذات السؤال ليطرح بصورة جمعية و كلية من قبل المواطنين على الحكومة ,
ما هي بنود ميزانية العام الجديد ؟,
وهذا السؤال حق أصيل لكل مواطن ,
وواجب عليه ان يطرحه على منظومة الحكم ,التي تقوم بمهمة و واجب ادارة شئونه ورعاية مصالحه نيابة عنه ,
واهمال هذا المواطن و غفلته عن التطرق لهذا الاستفهام المُلح والمشروع ,
لمعرفة ماذا اعد له ولاة امره من ترتيبات مالية لمعالجة مشكلاته الاقتصادية ,
يعتبر تراخي عن المطالبة بحق من حقوقه الاساسية التي كفلها له الدستور ,
فيجب على الناس ان يطالبوا بهذا الحق دون ادنى تردد , انّه من ابسط حقوقهم المدنية ,
وهو حق أي مواطن في المعرفة و الحصول على المعلومة التي تمس شئونه المعيشية سلباً وايجاباً ,
من طعام وكساء ودواء وتعليم , لا سيما وان المواطن السوداني يعتبر انموذج متفرد ,
في الاستجابة لمحصلي الضرائب و الذكاة الذين يبعثهم ديواني الذكاة و الضرائب إليه ,
فمن اكثر الواجبات بداهة ان يحظى مثل هذا المواطن بمردود ايجابي من الحكومة ,
باعتباره من المواظبين على دفع الضرائب و الرسوم الحكومية الاخرى , من شاكلة رسوم النفايات و صويحباتها.

لقد بحثتُ في المواقع الالكترونية السودانية الحكومية و الاخرى الاجتماعية ,
فلم اجد مسودة ميزانية العام 2018 ,
مما دعاني الى مقارنة حالنا اليوم بتلك الفترات من السنوات الشحيحة للديمقراطيات التي مرت على حكم البلاد ,
حيث كان الفرد يحصل على قوائم الميزانية وفصولها منشورة ومتاحة على صفحات الجرائد والصحف اليومية بعد اجازتها ,
كواحدة من معايير الشفافية التي تمتاز بها الحكومات الديمقراطية ,
وهذا يحدث في جميع البلدان التي تعتمد على نظام (حكم الشعب) ,
ومن المؤشرات المؤسفة التي تدل على ضمور دور البرلمان والمجالس النيابية لدينا ,
هو صمت اعضائه عن ميزانية العام الجديد وما تخللها من عيوب ,
الا نائباً واحداً ينتمي الى الحزب الحاكم اعلن رفضه عن التصفيق للباطل ,
فغرد خارج سرب البرلمان السكوتي ملوحاً باستقالته ,
رافضاً الاقامة بين الصامتين عن الحق ,
فحديث وزير المالية عن استقرار اقتصادي مرتقب يكتنفه عدم المهنية ويصنف من نوع احاديث الاستهلاك السياسي ,
التي اعتدنا على سماعها مراراً وتكراراً من رموز هذا النظام ,
فمثال وزير المالية وهو يحاول تبرير جدوى ميزانيته العاجزة ,
كمثال رب الاسرة الذي يتهرب من مواجهة افراد عائلته , جراء عجزه المالي في الايفاء باحتياجاتهم اليومية ,
اضف الى كل ذلك زيادة سعر الدولار الجمركي باكثر من الضعفين ,
وهذا يعتبر اكبر انذار ينبهنا على سوء عاقبة هذه الميزانية ,
وبالحساب البسيط فان هذه الزيادة في سعر الدولار الجمركي ,
تعني ان اسعار جميع السلع سيتضاعف ثلاثة اضعاف سعرها اليوم ,
وايضاً من الاجراءات المؤثرة سلباً على معالجة العجز في الميزانيات التي قدمت في السنوات الاخيرة ,
وبطبيعة الحال هذه الميزانية ليست استثناء من ذات الاجراءات ,
وهي عملية الاستدانة المعهودة من النظام المصرفي ,
ما يعتبره الاقتصاديون عبئاً مالياً اضافياً تتحمله الحكومة ,
وينعكس خصماً على ميزانيتها في العام التالي ,
مثل الشخص الذي يقوم بتغطية تكلفة احتياجاته الضرورية بالاستدانة من صاحب الدكان ,
في الوقت الذي يكون فيه عاطل عن العمل , وغير منتج وليس له دخل متوقع في المستقبل المنظور.

وكعادة جميع الميزانيات السابقة التي قدمتها وزراة المالية ,
فقد اعتادت على ان تستحوذ فيها الجهات العسكرية و الامنية على نصيب الاسد من بنود الانفاق ,
وعادةً ما تمنح وزارات مثل الصحة و التعليم الفتات ,
وهي عادة مصاحبة للسلوك و الممارسة الاقتصادية للدول المشتعلة فيها الحروب الداخلية ,
والتي تقودها انظمة حكم غير راشدة , مسكونة بالفساد المتجذر والمقيم في مفاصلها ,
فنجد أزمة الاقتصاد دائماً ما تكون مرهونة لأزمة الحكم وسوء ادارة الدولة ,
ونموذج السودان في ظل حكومة الانقاذ يجسد هذه الحالة تماماً ,
فتعقيد الازمة السياسية ادى بدوره الى استحكام الازمات الاقتصادية والمالية المتكالبة على هذا الوطن الجريح ,
فانفصال جنوب البلاد ذهب باكثر من سبعين بالمائة من ايرادات النفط ,
واذا ارجعنا البصر كرة واحدة الى حقبة حكومة الوحدة الوطنية قبيل انشطار القطر الى نصفين ,
نجدها من اكثر فترات الانقاذ استقراراً من الناحية الاقتصادية ,
وذلك نسبة لتحقق شيء من المشاركة السياسية للحركة الشعبية ككيان سياسي مختلف نفسياً وايدلوجياً مع نظام مسرح الرجل الواحد ,
فكان الصراع الايجابي بين الشريكين والذي قطع الطريق امام النظام , الذي اعتاد على اتخاذ القرارات المنفردة والاحادية ,
طيلة الايام التي امسك فيها منفرداً بحبل السلطة , قبل اتفاقية السلام الشامل وبعد انفصال الجنوب.

نعود لنقول ان حل ازمة البلاد الاقتصادية يكمن في الوصول الى السلام العادل والمستدام ,
الذي يشمل جميع اقاليم السودان , فلا نمو اقتصادي سوف يحدث من غير تحقق الأمن و الاستقرار المجتمعي ,
ولن تزدهر التجارة الداخلية و الخارجية الا في اوساط مجتمعات يسودها الأمان والطمأنينة ,
حينها لن تكون من بين بنود ميزانيات الحكومات التي تتمتع مجتمعاتها بهذه البيئة المعافاة من الحروب ,
بند يتعلق بصرف الأموال لشراء السلاح والطائرات المقاتلة ,
أو لتلبية رغبات ومتطلبات الجنود و المقاتلين ,
خاصة اذا كان هؤلاء المقاتلون من النوع الملائشي ممن يُتعامل معهم عن طريق المقاولة والمحاصصة.

في المرحلة الجامعية مرت بنا جدلية تبعية الاقتصاد للسياسة او العكس ,
في دراستنا لمدخل الاقتصاد كمادة اساسية للطلاب الوالجين كليات الاقتصاد و العلوم السياسية و الادارة ,
فكان زملائنا المنتمين للتنظيمات الايدلوجية من إسلاميين وإشتراكيين وغيرهم ,
يميلون الى الرأي المساند لتبعية اقتصاديات الدولة الى توجهاتها السياسية والايدلوجية ,
اما الآخرون من الزملاء الذين لا تروق لهم العصبية الحزبية ,
فكانوا يؤيدون وجهة النظر الناشدة لاستقلالية الرؤية الاقتصادية للدولة ,
وضرورة تبرئتها من الانتساب الاعمى الى حماقات الايدلوجيا و تشنج الافكار المتشددة ,
فاليوم وانا اعود بالذاكرة الى تلك الايام النابضة بعنفوان الشباب ,
والمزهوة بالافكار و الجدال و المماحكات السياسية التي لم تقتل ذبابة ,
تُراني واقفاً قلباً وقالباً مع رأي من يقول بضرورة ريادة الرؤية الاقتصادية الحرة لقافلة الدولة ,
ودوننا الكثير من الانظمة السياسية التي سارت بشعوبها على طريق الرفاه الاقتصادي ,
بفضل رؤيتها المجردة من هوس الطموحات السياسية الجوفاء ,
واتباعها للسبل التي تحقق المصلحة الاقتصادية المجردة ,
والتي عادت بالمنفعة المباشرة للشعوب والمواطنين الذين يحيون تحت رحمة ادارة هذه الانظمة.