***ستون عاماً من الضياع***

***ستون عاماً من الضياع***


12-31-2017, 06:24 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=499&msg=1514741095&rn=0


Post: #1
Title: ***ستون عاماً من الضياع***
Author: اسماعيل عبد الله محمد
Date: 12-31-2017, 06:24 PM

05:24 PM December, 31 2017

سودانيز اون لاين
اسماعيل عبد الله محمد-
مكتبتى
رابط مختصر

ستون عاماً من الضياع

عندما اشاهد مقدمي البرامج التلفزيونية وهم يتوشحون علم السودان ,
متحدثون عن مناسبة عيد الاستقلال بكثير من الاحتفاء و البشر و الترحاب ,
تخطر في بالي صورة النازح و الّلاجيء و المُهجّر من ابناء الوطن المنكوب ,
انها حالة من الفصام تعيشها اجهزتنا الاعلامية المسموعة والمرئية ,
فعندما تجول بناظريك حول شاشة قناة سودانية اربعة وعشرين , بجودة صورتها العالية ,
لن تخطر على ذهنك صور اكوام القمامة المنتشرة في طرقات مدينة الخرطوم ,
من شدة عظم المفارقة بين الصورتين ,
فعاصمة البلاد المحتفية بمرور اكثر من ستين عاماً على خروج المستعمر ,
وياليته لم يغادر ,
كانت هذه المدينة في عهده انموذج للاناقة و النظافة والخضرة و التشجير ,
تسعى الى اللحاق به العواصم الافريقية و العربية في تلك الحقبة من الزمان ,
وعلى ذات المستوى كانت عواصم الاقاليم , كوستي ومدني و الابيض وعطبرة وبورتسودان والفاشر ,
فما ان جاءت المسماة زوراً وبهتاناً بالحكومات الوطنية , حتى تم القضاء على كل معالم هذا الجمال ,
و ما يدعوا للسخرية و التهكم هو ذلك الصوت العالي والفاضح لرموز هذه الحكومات غير الوطنية ,
عندما يتحدثون عن بطولاتهم في طرد المستعمر و هزيمته ,
هاربين من حقيقة ان اصحاب العيون الزرق هؤلاء قد غادروا ارض السودان بمحض ارادتهم ,
في مشهد مكشوف سجلته كاميرات التلفزة آنذاك ,
حاملين امتعتهم على ظهر القطار الذي احاطت به حشود من جماهير الشعب السوداني ,
ولسان حالهم يقول : الى من تكلوننا ؟ الى عدو يتجهمنا ام الى (قريب) ملكتموه امرنا ؟ ,
لم تعكس وجوه المواطنين السودانيين الذين كانوا يعتلون جسر النفق , وهم يودعون المستعمر ,
أية حالة من حالات الفرح اوالبشر بمغادرة الغريب لارضهم ,
بل كان حالهم مثل حال الذي رحل عنه والداه فتركاه يحيا حياة اليتم و الشقاء من بعد رحيلهما ,
في حيرة و مأساة لا تندمل جراحها .

اليوم وانتم تحتفلون باعياد استقلال البلاد و جزء عزيز من تراب الوطن قد ذهب الى غير رجعة ,
و اجزاء اخرى ما زالت تمزقها الحروب و النزاعات , فعلى ماذا تفرحون وتهللون ؟
هل تقومون بكل هذه الاهازيج غبطة وسروراً لانكم قد وصلتم الى مرحلة الفاقة؟ ,
والفاقة كما تعلمون هي اكثر مراحل الفقر بؤساً ,
ام انكم تهتفون ترحاباً بمقدم ميزانية العام الجديد الكارثية ,
التي سوف تتضاعف بها اسعار السلع الاستهلاكية اليومية؟ ,
التي تمس مأكلكم ومشربكم وملبسكم وصحتكم وتعليم ابنائكم ,
ومن عجائب شعبنا المسكين وهو في ذروة بؤسه وشقائه ,
تجده يتفائل خيراً باكاذيب وتسويفات هذه الطغمة الفاسدة التي تحكمه بمنهاج الحديد و النار ,
أي استقلال هذا و انتم مستغلون من هذه الجماعة الباطشة والمستنزفة لمواردكم و خيرات بلادكم ,
ومن غرائب احوال ما يسمى بالحكومات الوطنية المتعاقبة على سدة الحكم في السودان ,
انها تقيم المهرجانات سنوياً ابتهاجاً باعياد جلاء الانجليز ,
وفي كل سنة من هذه السنوات يُقتطع جزء عزيز من ارض الوطن الحبيب ,
سواء جاء هذا الاقتطاع رغبةً من هذه الانظمة الفاشلة , او رهبةً وابتزازاً من الجار ,
كما هو الحال بالنسبة لمثلث حلايب ,
وبعد كل هذا التراخي و التنازل نقوم بتلقين النشأ عبارة : (هذه الارض لنا فاليعش سوداننا علماً بين الأمم) ,
الم اقل لكم اننا نعيش حالة من الفصام المستدام بين مجتمعنا و انظمتنا السياسية الحاكمة ,
كيف تصبح دولتنا علماً بين الأمم والفشقة في قبضة اثيوبيا ,
وسواكن وهبناها لتركيا , و دارفور وجنوب كردفان تسيران على درب الانفصال .

حُق لنا الاحتفاء بعيدنا الوطني اذا حافظنا على وحدة تراب الوطن ,
او في حال حققنا حد معقول من مستوى معيشي يرضي المواطن ,
اما اهمالنا للبنية التحتية للرافد الاساسي للنقل وهو السكك الحديدية ,
التي وضع لبنتها الاولى هذا المستعمر الذي نحتفي بذكرى تركه لادارة البلاد اليوم , ف
هذا هو الفشل وسوء المنقلب بعينه ,
لقد اضعنا مشروع الجزيرة الذي كان يمثل اكبر مشروع زراعي مروي بافريقيا ,
فمئات الاسر السودانية فقدت بفقده مصدر دخلها الاساسي ,
فضلاً عن انه كان يغزو السوق العالمية بانتاجه الغزير من القطن ,
مما كان عاملاً دافعاً بعجلة الدخل القومي للبلاد ,
لقد دمرنا النقل النهري ومصانع النسيج والكناف ,
فكيف لنا بهذه الجرأة التي تجعلنا نُسَوِّد عهد الرجل الاوروبي الذي جائنا بكل هذه المصانع و تلك الآليات ,
التي وظّفت كثير من افراد الشعب العاطلين عن العمل ,
وخلقت فرصاً للتأهيل و التدريب للمهندسين و التقنيين ,
فالناظر الى حطام هيكل مصنع النسيج السوداني ببحري , يصاب بالحسرة و الألم ,
اذ كيف سمح حكامنا لانفسهم بان يسهموا في تحطيم ممتلكات شعبهم بيدهم ,
فبعد كل هذا التخريب الذي طال بنية الاقتصاد التي اسس لها الانجليز ,
يأتينا منعدموا الضمير و الاخلاق ,
ليحدثوننا عن انه ما لان فرسان لنا بل شتتوا كتل الغزاة الباغية ,
في كوميديا سوداء ابانت لنا ان الطغاة و البغاة و الغزاة في حقيقة امرهم ما هم الا ابناء جلدتنا ,
وليسوا اولئك الذين قدموا الينا من وراء البحار , كما ظللنا نتوهم .

سوف نظل نحلم بوطن يسع الجميع , تدور فيه ماكينات الانتاج الزراعي والصناعي ,
و يعمل في مزارعه ومصانعه الصغار والكبار ,
منتشلون من قاع المدن والعواصم السودانية التي ضربتها العطالة والبطالة و المخدرات ,
فبلادنا غنية بموردها الطبيعي ولا يحتاج الفرد فيها ان يهاجر او يهجّر او ينزح ليبحث عن لقمة العيش في بلاد الآخرين ,
لكنها تصريفات الاقدار ,
أن جائت الينا بحكام اولى اولوياتهم استهداف وملاحقة المواطن وتجريمه ,
في انتهاكات واضحة لحقوقه الاساسية كانسان كفلت له قوانين السماء و الارض ان يعيش كغيره من الآدميين ,
في بيئة معافاة من الكبت و القهر و الاذلال و التجويع و المرض ,
فمن بعد اليوم لن ننشد معكم اهزوجتكم المشروخة برفع راية علم الاستقلال ,
الا بعد ان تُرفع الاثقال و الاحمال التي وضعتها انظمة البطش و الطغيان من على ظهر محمد احمد المسكين..