في بيوتنا صراع حضارات

05:05 PM September, 20 2017

سودانيز اون لاين
محمد الحسن حمدنالله-برستول بريطانيا
مكتبتى
رابط مختصر

تنشئة الأطفال واحدة من المشاكل الكبيرة التي تواجه الأسر السودانية التي تعيش في الغرب فالطفل ينشأ هنا ولغته الأولي ليست العربية واللغة هي المدخل إلي ثقافة أي مجتمع من فنون وأدب وشعر وتاريخ الخ يمضي الطفل زمن في المدرسة ربما يفوق الزمن الذي يقضيه في البيت وفي المدرسة يتعلّم مجموعة قِيم وسلوكيات قد تتعارض مع ما يتعلمه في البيت حتي يصاب الطفل أحياناً بالحيرة في ماهو الصحيح وماهو الخطأ ولكن وفي غالب الأحوال يكون أثر المدرسة أقوي في هذا الصراع الناعم والدائم فيخرج الأطفال بثقافة مختلفة تماماً عن ثقافة الوالدين وهنا تبدأ المشاكل ولا تنتهي فالطرفان يصدارن عن منبعين مختلفين تماماً

تعميم الحكم علي جميع الأسر سيكون قطعاً ظالماً لكن بصورة عامة يمكن أن تنقسم الأسر تجاه هذا الأمر إلي ثلاث مجموعات مجموعة قاومت الإستلاب الثقافي وحرصت علي تنشئة الأطفال نشأة سودانية محافظة فخرج الأطفال أقرب إلي ثقافة وموروثات الوالدين وبعيدة عن الثقافة الغربية إليّ درجة العُزلة عن المجتمع الذي تقيم فيه فئة ثانية من الآباء إستطاعت أن تُزاوج بين الثقافة السودانية والغربية في تربية الأطفال فنشأ الأطفال متسامحين مع الثقافتين وهؤلاء أحسن حالاً وفئة ثالثة وأخيرة وقليلة شجعت الأطفال علي الإنخراط في الثقافة الغربية ونسيان الثقافة السودانية فأصبح الأطفال حتي تحدُّثهم للغة العربية في مشكلة

وللإنصاف فإن الأسر السودانية في الغرب تبذل جهود كبيرة في تربية الأطفال علي الطريقة السودانية فيأخذونهم إلي المدارس العربية أو السودانية إن وُجدت في عطلة نهاية الأسبوع لتعلُّم اللغة العربية والتربية الإسلامية أو إلي المساجد لتعلُّم الدين والعربي رغم مافي ذلك من عنت ومشقّة للوالدين الذي يعمل معظمهم طوال أيام الأسبوع وللأطفال الذي يدرسون في المدارس النظامية خمسة أيام في الأسبوع ورغم ذلك فإن المحصِّلة النهائية من المدارس العربية ليست بالقدر الكافي لأنها يوم واحد فقط في الأسبوع لكنها علي كل حال أفضل من العدم

الأطفال في داخل البيوت هنا يتحدثون إلي بعضهم باللغة الإنجليزية رغم تعليمات الوالدين المتحررة بالحديث في البيت بالعربي لكنهم يتكلمون بالإنجليزية علي أية حال لأنها الأسهل بالنسبة لهم ويشاهدون عبرها القنوات الفضائية ويرددون بها الأناشيد التي يحفظونها في المدرسة ويقرأون بها كتب المكتبة نفس الشئ ينعكس علي الطعام الذي يتناولونه فهم يفضلون الوجبات السريعة مثلاً علي الأكل السوداني وكذلك اللبس بإختصار تجد في المنزل معسكرين معسكر السودانيين الأصليين وهم الوالدين ومعسكر السودانيين قِشرة وهم الأطفال فهم في الظاهر سودانيين لكن من الداخل كاخواجات تماماً نفس السلوك النظام الكلام الطعام الثقافة لذلك التباين بين المعسكرين موجود وبإستمرار تقريباً في معظم الأسر تختلف حِدته بين أسرة وأخري

غالبية الأسر نجحت في إدارة الصراع بحكمة وقادت أطفالها إلي تكملة تعليمهم وشغلوا وظائف مرموقة في المجتمع بعض الأسر نجحت علي الأقل في الحفاظ علي الصراع داخل البيوت وبعضها غلبه السيطرة علي الصراع فخرج إلي العلن بعض الأطفال غادروا منازل أسرهم مغاضبين بعد بلوغهم سن الثامنة عشر أو حتي قبلها وقِلّة قليلة منهم سلكت طريق المخدرات والجريمة هنا الأطفال ينشأون مستقلين ويعلمون حقوقهم جيّداً لذلك من الصعب فرض الآراء عليهم مالم يكونوا مقتنعين بها لكن إجمالاً الصورة العامة للسودانيين مشرِّفة مقارنة بالجاليات الإسلامية والعربية والأفريقية المقيمة هنا لكن هذا لا يمنع من وجود الهم الدائم للأسر السودانية في تنشئة الأطفال في هذه البيئة المغايرة

موضوع ممتاز
المشكلة الأكبر يا أستاذ هي
إذا كانت معظم الأسر تخطط للرجوع النهائي للسودان في المستقبل
إلى أي حد سينسجم الأبناء (هذا لو فبلوا لرجوع) مع أساليب الحياة في السودان

العزيز عبدالصمد محمد التحية والإحترام شاكر المرور والإضافة المهمة والتي لا تقل بحال عن موضوع تنشئة الأطفال في الغرب وألا وهي مسألة عودة الأسر السودانية والإستقرار النهائي في السودان فهذا سؤال مُلِح لغالبية الأسر هنا ولكنه يظل بدون إجابة فحلم هذه الأسر هو العودة والإستقرار في السودان ولكن الواقع يقول بغير ذلك فبقيت الأسر بأجسادها في الغرب وبعقولها في السودان فما إستقروا هنا ولا هناك أما بالنسبة للأطفال فيبدو أن خياراتهم أوضح وهي بقاءهم في الغرب وحسبهم من السودان الإجازات هذا لا يمنع أن أعداد قليلة من الأسر والأطفال عادوا وإستقروا في السودان لكن يظل هذا إستثناء وليس قاعدة