إتعزز الليمون عشان بالغنا في ريدو ..

إتعزز الليمون عشان بالغنا في ريدو ..


06-07-2017, 11:38 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=490&msg=1496875107&rn=0


Post: #1
Title: إتعزز الليمون عشان بالغنا في ريدو ..
Author: حسام عبد الرحيم
Date: 06-07-2017, 11:38 PM

قام إتعزز الليمون عشان بالغنا في ريدو ..
أتانا ذلك الصوت الدميم من حنجرة صاحبنا الغليظة الذي بداخل الحمام المرفق بالغرفة التي نتشاركها ثلاثتنا ، رجوته و صاحبي الآخر بتهذيب مصطنع أن يكف عنا نهيقه ذاك، استمع الى مناشدتنا البائسة تلك ثم ما لبث أن أطلق عجيرته بذات الأغنية و الصوت النكير.
بلا جدوى دسست رأسي تحت الوسادة الملقاة علي طرف السرير إلا أن صدى الصوت ظل يتردد في أذني كما لوأنه التصق بطبلتها إلتصاقا ، لعنت بصوتٍ خافت و سببت بكلماتٍ مبهمة.
توقف النهيق فجأةً و استبدل بإناتٍ كأنها تأوهات مخاضٍ عسير، كيف لا و كان صاحبنا قد إلتهم من الطعمية الجافة ما يقارب ثلث وزنه، إذ كان به نهماً لم أرى له مثيلا، كان يأخذ حبات الطعمية مثنى و ثلاث و رباع إلي قدرها المحتوم ساعداه على ذلك فكيه الواسعين و فمه ذو الطابقين ..
تلت تأوهات المخاض تلك أصوات عالية متقطعة كصدام سحابتين راعدتين، كال صاحبي الآخر سيلاً من اللعنات و أفحش السباب ثم غادر الغرفة.
خرج من الحمام مختالاً مزهواً كعادته مثل ملك نُصّب لتوّه ، فرد عضلاته المفتولة كان قوي البنية حُسن الوجه، أفاض عليه خالقه بنعمٍ كثيرة و مواهب عدة ليس من بينها الغناء ..
على سلاطة لسانه، كان شديد الفخر و يتمتع بجرأةٍ يحسده عليها العلماء ، أكثر ما يسؤنا فيه زهوه الدائم بقبيلته التي ينتمي إليها القاطنة ضفتي نهر النيل و التي كما يزعُم و يردد دوماً يمتد نسبها القرشي النبيل الي العباس عم النبي صل الله عليه و سلم و حينما نحاجه في ذلك يسرد لنا أسماء سلفه من الآباء و الأجداد التي لا علاقة لها بإسماء الأعراب عاربهم و مستعربهم و بائدهم ..
كان يهزأ بي و بصاحبي فقد ألمّ بنا داء العشق حينها، يسخر من علاقتينا و عاطفتنا و يستهل حديثه إنما خلق الله النساء ... كنت أقاطعه قبل أن يكمل جملته، فيسترسل أما أنا فسأتزوج إمرأةً فائقة الجمال ممشوقة القد مليحة الوجه هذا كل ما في الأمر، أما أمر تربيتها و إذعانها فأنا كفيلٌ بهما يستدل على صدق زعمه بأقوالٍ مأثورة و أحاديث شريفة لا نعلم لها أصلاً على قرار شاورهن و خالفوهن .. ثم يضحك ضحكته المجلجلة تلك و يغني: قام إتعزز الليمون عشان بالغنا في ريدو .
دارت الأيام دورتها و مضت السنوات الطوال في مسيرها دون توقف، تفرقت بنا سبل الحياة و مضى كلٌ الي قدره يكتبُ أو يُكتب له.
إنتهت علاقتي تلك طبيعية بزواج و أطفال و شجار و مودة و تعوّد، أما صديقي الآخر فقد انتهت علاقته أيضاً طبيعية بفراقٍ ظل على إثره عازباً لسنوات ثم تزوّج بإبنة عمٍ له، هو لم نعلمُ له طريقاً و لم ندرِ ما استجد في سيرته ..
قبل عدة أسابيع، ذات مساءٍ بارد أعتصر معدتي جوعاً فلُذتُ بأحد مطاعم أحياء الخرطوم الراقية ، بدا المكان فخماً رحباً يعجّ بما لذّ و طاب من أصناف المأكولات و النادلات الحسناوات.
لفت انتباهي إمرأة فارعة الطول، ضخمة كضخامة الفرسان يداها طويلتان غليظتان، قصيرة الشعر وجهها تكسوه ملامح بها قساوة أقرب للصرامة و الخشونة منها إلي ملاحة النساء، تلوّح بيديها الكبيرتين في وجه نادلة فاتنة، تراجع فاتورتها و كأنما تعاتبها على جمالها الصارخ، أشحتٰ بناظريّ عنها و جبتٰ بهما أرجاء المكان فإذا بي أراه، يا إلهي!! إنه هو.. لابد إنه هو، بشحمه و لحمه، لكن ما عاد له شحماّ و لا لحما، وضح جلياّ أن الزمان لم يعامل جسده القوي ذاك بلطف، أو أن السنوات الطوال أخذت منه ضريبتها بقسوة.. بدا لي أهزل مما كان عليه، و اكتست بعض أجزاء لحيته و شاربه بلون أبيض لا وقار فيه..
هرعت إليه مسرعاً و أحتضنته، كان معه طفلين، يحمل أحدهما على جنبه الأيسر ممسكاّ الآخر بيده اليمنى.
الطفلان لا يشبهانه، كانا مثل جررذين صغيرين، لكن بعينيهما الضيقتين اللامعتين نهم فاضح لا تخطئه عين، فأيقنت أنهما ولديه..
قبل أن نكمل حديثنا المشحون ذاك أتت نحونا تلك السيدة فارعة الطول، تتحرك مثل غول ضخم، عرّفها إليّ بزوجته! بلعتٰ دهشتي بدبلوماسية أتقنها في مواقف كهذي، قدّمني إليها كصديق قديم، لم تكترث لي و لا لعلاقتي به، خاطبته باقتضاب و هي تنظر في عينيه بلهجة آمرة: فلنذهب. ثم مضت في طريقها غير مبالية..
تبعها هو بخطوات مسرعة حاملاً طفليه الجشعين، تقدم بضع خطوات خلف زوجته ثم توقف فجأة كأنه نسي شي، إلتفت نحوي، وجدني متسمراً في مكاني أنظر إليه، و قد إرتسمت بعفوية على محياي إبتسامة خبيثة، لوّح إلي بإيماءة ما، فصحت إليه بصوت فيه شي من تكسّر: قام إتعزز الليمون..