همسة في أذن الكمساري

همسة في أذن الكمساري


11-17-2016, 04:29 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=490&msg=1479396590&rn=0


Post: #1
Title: همسة في أذن الكمساري
Author: المعز عبدالمتعال
Date: 11-17-2016, 04:29 PM

03:29 PM November, 17 2016

سودانيز اون لاين
المعز عبدالمتعال-الولايات المتحدة ، ولاية كونيتيكت
مكتبتى
رابط مختصر

هذه عادتي ان اتخير مقعدي الآخير في المواصلات، و كنت دوما اتلصص عيون الركاب بسرعة و بطريقة خاطفة تسمح لي ان اتصيد أحدهم ليدفع عني أجرة الركوب، وفي نفس الوقت اتحاشى معارفي الذين يلعبون بنفس الخطة في ميادين المواصلات التعيسة. تلك النظرة التي تجمع بين الخوف من وجود صديق يضطرْني باغيا ان ادفع له و بين وجود آخر أتمنى ان يقع في شباك شراكي اللئيمة.
للمقعد الآخير وظائف آخرى ، فلهذا الموقع الاستراتيجي خبايا كثيرة لا يعلمها الكثيرون، فمن هنا يمكنني التلصص على جرائد الركاب، أحيانا كثيرة اكمل قراءة كل الصحف اليومية دون ان أدفع مليما واحدا، كزرقاء اليمامة يمتد بصري يسحب معه عنقي الممدود و يتجولا في أروقة المقاعد ، اكثر ما يغيظيني أولئك الذين يتعمدون قلب صفحات جرائدهم دون استئذاني، لا تندهشو ، فهناك لغة استئذان خفية بين المتلصص و بين صاحب الصحيفة، لغة تبدأ بتعثر النظرات على تلال الخجل، ثم ترتفع اللغة قليلا و تدنو من أبواب الجرأة، ثم ترتد قليلا نحو سقف الحافلة، و تارة احملق نحو المجهول، ثم تعاود نظراتي التلصص بغتة دونما اكتراث، و بين تلك اللحظات التي تفصل بين تعثرات نظراتي الأولى و بين أبواب الخجل، تكون ردود أفعال صاحب الصحيفة، فلو ابتسم و مدد صحيفته باتساع صفحتيها أكون حينها من الفائزين، اما لو كان من أولئك المتجهمون و طوى صحيفته و اعقبها بنظرة زاجرة، حينها يمكننى ان افتعل ابتسامتى البلهاء و اعلن الشرود في ملكوت الله.
انا يا أصدقائي طالب جامعي، نهشته معارك الحياة وظروفها القاسية، أحسب بنود صرفي على وجه الدقة، جنيهين للمواصلات، و نصف جنيه للعصير، و جنيه و نصف لوجبة تتداخل بين الفطور و الغداء، و ربع جنيه للتسالي و مثله لكيس التمباك، حين يجتمع التسالي و التمباك تتلاشى المآسي اليومية و تسترجع الحياة رونقها البهيج.
اخرج يوميا اناضل من اجل الحصول على فضل ظهر، ولو تعثر ذلك فلابد من انتزاع مقعد خلفي في المواصلات، انا الذي اشهر من امتطى فضل الظهر، و خبرته المقاعد الأخيرة، استمتع دوما بممارسة التلصص ، حريص ان اختبئ من فخ أصدقائي الذين يجيدون فنون لعبتي، ولكن ورطاتي جميعها تكون مع الجنس اللطيف.
أذكر يومها ان تخيرت مقعدي الآخير في تلك الحافلة المتوجهة من لفة القبة الى الخرطوم، و فوجئت بوجود حقائب نسائية مختلفة الألوان، ممددة في المقاعد الأخيرة، ارتفعت قرون استشعاري سريعا و شعرت بالخطر، نظرت خلفي سريعا و لمحنى الكمساري و فهم نظراتي التي كانت تفيض بمزيج من القلق و التوتر، ناداني ان ابتعد من المقاعد الخلفية فهي محجوزة لآنسات في طريقهن للركوب، و دعاني للجلوس في اول مقعد وسوط عينيه يمزق احشاء جيبي الخاوي.
شعرت بالاستسلام ، و رضخت له سريعا، و ما ان جلست حتى ظهرن أربعة من صديقاتي الحميمات، ندى، و لبنى، و نشوى، و ملاك. صاحن جميعا بصوت واحد:
صباح الخير يا عزو، و مضن نحو المقاعد الأخيرة و ضحكاتهن الخبيثة تعلو شيئا فشيئا، شعرت كأنني مصلوب على حافة التاريخ ، تحسست نقودي و حسبتها بداخلي سريعا، و بصوت كالفحيح بلعت مآساتي و قلت لهن:
صباح النور يا زهرات
اشتدت ضحكاتهن الخبيثة ممزوجة بغمزات لم يكترثن لاخفائها، و قالت ملاك و صوت فرقعة اصابع الكمساري تعلو في سماء الحافلة و تدنو مني:
يا عزو ما تتحسس، عادي لو ما عندك يعني ما ضروري تدفع لينا،، ارتفعت اصوات كثيرة بالضحك، و ارتد بصري نحوها وهو حسير:
عيب يا ملاك، الحساب مدفوع، انتي و ندى و لبنى و نشوى،
صاحت لبنى، و اصواتهن تملأ الحافلة بالضحك :
ما عدمناك ، لكن و الله ما كان في داعي، انت واحد و نحن أربعة، نحن المفروض ندفع ليك،
ابتسمت بصعوبة و همست للكمساري بعد ان دفعت لهن ولي :
اسمعني يا عمك، انا قروشي كملت و راجع معاك، بعد ما البنات ديل ينزلو في الخرطوم، انا راجع معاك اللفة تاني، و مشواري دا راح شمار في مرقة، و ما تحاسبني تاني ممكن،؟
وافق الكمساري كاتما ضحكاته الشريرة،
وما ان وصلنا الخرطوم، نزل جميع الركاب وهم ينظرون اليّ و عيونهم مفضوحة بالضحك.
قالت ندى بدلال:
يلا يا عزو، منتظر شنو، انت مش ماشي الجامعة.؟
جمعت ارداتي على حافة لساني و تعثرت حروفي بين لهاتي و لسان المزمار ..
ارتجت ضحكات صديقاتي الأربعة بنفس الخبث المشترك ، و قالت نشوى:
كر عليّ ما تقول لي راجع اللفة تاني، و مضن لحال سبيلهن و تركوني مشدوها مع الكمساري.
المعز عبد المتعال سر الختم
الولايات المتحدة الأمريكية، نيو بريتن، 16 نوفمبر،2016